من وحي الأول من آذار..يوم ميلاد سعادة

معن بشور

حين أطلق مركز دراسات الوحدة العربية في 22 شباط 2010  (الذكرى الـ 52 لقيام الجمهورية العربية المتحدة) المشروع النهضوي العربي كثمرة لجهود اسمرت أكثر من عشر سنوات لحوالي  100 مفكر ومثقف مناضل عربي من مختلف الانتماءات الفكرية والعقائدية والسياسية، كان يدرك أن  »الهم النهضوي« في الأمة لم يكن يوما محصورا بتيار أو حزب أو جماعة محددة، بل هو عابر للانتماء العقائدي أو السياسي أو الحزبي، وأن ما شهدته التيارات النهضوية من قومية أو يسارية أو إسلامية أو ليبرالية وطنية من صراعات وحروب ومحاولات إقصاء كانت سببا رئيسيا فيما شهدته الأمة من نكسات وإحباط وتراجع دفع ثمنه الجميع، وإن كان البعض توهم في لحظة معينة أنه قد حقق انتصارا كاسحا على غيره أغراه بمحاولة إلغاء الاخر وإقصائه واجتثاثه…

وحين جاء المؤتمر القومي العربي، فالمؤتمر القومي – الإسلامي، فالمؤتمر العام للأحزاب العربية، وعدد من التشكيلات المشابهة، كانت الغاية أن يلتقي نهضويو الأمة، أيا كانت مشاربهم في أطر حوار وتفاعل وعمل مشترك على قاعدة بسيطة،  »فلنعمل معا على ما نتفق عليه، وليعذر بعضنا بعضا فيما نختلف عليه«، لاسيما أن هناك قضية نلتقي حولها جميعا، وهي قضية فلسطين، وأن هناك هدفا نسعى إليه جميعا، هو وحدة أوطاننا وأمتنا وتحررها وتقدمها، أيا كانت حدود هذه الأوطان أو مفهومنا لهذه الأمة..

وفي هذا الإطار، كان لا بد للقوى النهضوية في الأمة أن تقوم بحل منها بمفردها وبشكل جماعي، لمراجعة نقدية لتجاربها، فنطور الإيجابي من هذه التجارب وتتخلى عن السلبي منها، وفي المقدمة سلبيةتجارب إقصاء الآخر وإلغائه واجتثاثه، كما رأينا في أكثر من حالة حتى جاء الاحتلال الأمريكي للعراق ليكون في مقدمة إجراءاته حل الجيش العراقي، واجتثاث حزب البعث، واتضح بعده أن تدمير الجيوش العربية وضرب الأحزاب والحركات النهضوية بات أحد ركائز الاستراتيجية المدمرة للأوطان والأمة، وأن اجتثاث الآخرلم يكن قرارا أمريكيا فحسب، بل بات عقلية مسيطرة علىأداء العديد من قوانا وأحزابنا تحت هذه الذريعة أو تلك..

وفي إطار التفكير بآليات النهوض في الأمة، كانت ثلاثية النهوض التي طرحتها في ندوة  »فاس« الكبرى في المغرب عام 2001، التي دعا إليها مدير عام مركز دراسات الوحدة العربية انذاك الدكتور خير الدين حسيب، وهي ثلاثية  »التواصل، والتكامل، والتراكم« التي لم تعرف أمة في العالم نهوضا إلا بمقدار ما التزمت تواصلا بين مكوناتها وأجيالها، وتكاملا بين أفكارها وأقطارها، وتراكما في تجاربها وخيراتها.

من هنا، لم يكن ضروريا أن يحترم الواحد منا رأي الآخر ويتفاعل معه فحسب، بل كنا نرى أن نكرم رموز النهضة في أمتنا إلى أي تيار عقائدي أو فكري انتموا، وأن يأتي التكريم من تيارات أخرى لما لذلك من معان وحدوية وأخلاقية ونهضوية..

فلكل تيار نهضوي في الأمة، قوميا كان أم يساريا أم إسلاميا، أم ليبراليا وطنيا، رموزه وقادته وشهداؤه، بل لكل واحد من هؤلاء إيجابيته ومساهماته المضيئة سواء على المستوى الفكري أو النضالي.

من هنا يأتي اليوم تأكيدنا على أن الاحتفاء بذكرى ميلاد الزعيم انطون سعادة مؤسس الحزب السوري القومي الاجتماعي، وباعث نهضته(1 آذار 1904) ليس شأنا خاصا بأعضاء حزبه ومريديه فقط، بل هو مسؤولية كل نهضوي في الأمة، أيا كان انتماؤه العقائدي، ومهما بلغت الصراعات بين الجهة التي ينتمي إليها وبين الحزب الذي أسسه أنطون سعادة في ثلاثينيات القرن الماضي.

فإذا كانت  »النهضة« غايتنا، فأن أحدا لا يستطيع أن ينكر نهضوية فكر أنطون سعادة الذي اقتنع به عشرات الالاف من الشباب في  »سورية الكبرى«، ورأى في فكره منارات مضيئة على درب الوحدة..

وإذا كانت فلسطين معيارنا في تقييم الرجال والحركات والأفكار، فما من أحد يمكن أن ينكر موقع فلسطين في فكر سعاجة. ونضال حزبه الذي قدم، مع غيره من الأحزاب النهضوية، الشهيد تلو الشهيد في معارك الفداء على أرض  فلسطين وفي سبيلها، بل أن إعدام سعادة كان، كما يعتقد كثيرون، بسبب  كشفه المبكر للخطر الصهيوني ودعوته الصريحة لمقاومته منذ تأسيس حزبه..

وإذا كانت الوحدة العربية، وطنية أم قومية، هي سبيلنا إلى النهوض وتجاوز كل العصبيات البدائية المتخلفة، فأن أحدا لا يستطيع أن ينكر أن سعادة قد قدما نموذجا لفكر عابر للطوائف والمذاهب، ولرؤى جامعة لأبناء الوطن والأمة..

وكم هو جميل ومثمر أن نرى كل نهضوي في أمتنا يسهم في تكريم رموز النهضة في أمتنا، إلى أي تيار انتموا، فربما نستطيع بذلك أن نزيل من درب أمتنا الكثير من الحساسيات والسلبيات التي نجمت عن صراعات قامت بين تيارات الأمة في هذه المرحلة أو تلك..

وهذه ليست دعوة طوباوية نطلقها يوم ميلاد سعادة ،السادس عشر بعد المئة، بل هي الدعوة الأكثر واقعية كي تتلاقى الجهود، وتتوحد الطاقات النضالية بين أبناء الوطن والأمة على طريق النهضة المنشودة، وفي مواجهة أعداء الوطن والأمة الذين ما انتصروا يوما علينا إلا حين نجحوا بزرع بذور الشقاق والصراع المدمر بين النهضويين من أبناء الوطن والأمة.

رحم الله الزعيم الشهيد انطون سعادة والبقاع منار من منارات النهوض في وطننا وأمتنا..

العدد 103 – نيسان 2020