ضحايا التنمّر في المدارس… بين التراجع النفسيّ والانتحار 

من بيروت ـ  رنا خير الدين

التنمّر، خللٌ في عملية التواصل ينبثق عنه سلوك اجتماعي متطرف إلى حدّ ما، ظهرت مؤخراً تداعياته في المجتمع الضيّق للأفراد، كما وضحت معالمه في دراسات الأخصائيين الاجتماعيين والنفسيين، خصيصاً ذلك الحاصل بين الأطفال في المدارس والملاعب والحافلات. كثيراً ما يُلاحظ على الأطفال تغيرات في السلوك يميل فيه إلى العدائية والعزلة وغيرها وأكثرها تصرفات غير مفهومة، وغالباً ما يمكن أن تكون جراء سوء التواصل الحاصل بينه وبين أقرانه أو زملائه وأساتذته في المدرسة، وسوء التواصل يضع الطفل (أو المراهق) أمام ضغط نفسي في تحقيق ذاته وفي كسب الثقة والانتباه. سوء التواصل هذا في أغلب الأوقات يكون نوعاً ناتج عن التنمّر. لكن لا بد من الإشارة أن ليس كل تصرف بين الأطفال، أو عراك يتم تصنيفه في خانة التنمّر، في تفاصيل التقرير سنحدد أركان التنمّر، وأنواعه وعلى من تقع نتائجه.

اخصائية المعالجة النفسية للاطفال والمراهقين د. كارولين قرداحي تابت

هذه الآفة، حسّاسة، ليست وليدة العصر إنّما هي حالة متفشّية في المدارس منذ زمن، والتنمّر ينتج عنه آثار سلبية على المتنمّر والذي يتعرض للتنمّر على حدّ سواء والمشارك فيه. سنتطرق في هذا العدد إلى أساسيات ظاهرة التنمّر اجتماعياً ونفسياً ودور كلّ من الأهل والمدرسة في الحدّ من انتشارها وكيفية التعامل معها، من أجل صحة الأطفال النفسية وسلوكهم الاجتماعي.

أخصائية المعالجة النفسيّة للأطفال والمراهقين والباحثة في مؤسسة  »إدراك« للصحة النفسيّة كارولين قرداحي تابت ستشرح لنا أين ومتى يكون التنمّر، وكيفية حماية الأطفال من التعرّض أو المشاركة به.

عرّف دان ألويس النرويجيّ  »Dan Olweus« المُؤسس للأبحاث حول التنمُر في المدارس، التنمُر بأنّه: أفعال سلبيّة متعمَدة من قبل تلميذ، أو أكثر، وهي تتم عن طريق إلحاق الأذى بتلميذ آخر، بصورة مُتكرِّرة طوال الوقت، ويمكن أن تكون هذه الأفعال السلبيّة بالكلمات، مثل: التهديد، والتوبيخ، والإغاظة، والشتائم، ويمكن أن تكون بالاحتكاك الجسديّ، كالضرب، والدَّفع، والرَكل، كما يمكن أن تكون كذلك دون استخدام الكلمات، أو الإيذاء الجسدي، مثل: التكشير في معالم الوجه، أو الإشارات غير اللائقة بقصد، أو تعمّد عزله عن المجموعة، أو رفض الاستجابة لرغبته.

يُعتبر التنمّر إذاً سلوكاً يقوم على الإستقواء، وبالطبع هو سلوك عدواني، يسيء إلى الضحية من الناحية الصحية والنفسيّة، فبحسب الدراسات الحديثة، إن الأشخاص الذين يتعرضون للتنمّر في مرحلة الطفولة هم أكثر عرضة للإصابة بأمراض مزمنة في المستقبل مثل مشاكل القلب، كما أنهم من الممكن أن يعانوا من مشاكل وعقد نفسية ترافقهم طوال حياتهم.

ظاهرة التنمّر قديمة-جديدة وأسبابها تتلخص في البيئة الأسرية والبيئة المدرسية والمنابر الإعلامية ورواسب اجتماعية سلبية والسلوك العدواني الذي ينشأ عند البعض كنتيجة لذلك، فهي تشكّل سلوكاً غير قويم عند أفراد بعينهم وليست ظاهرة مجتمعية بالقدر الذي يظنه البعض، ولذلك من الممكن كبح جماحها.

المتنمر ضحية أيضاً

بداية، لا بدّ من تحديد شروط تصنيف التنمّر؛ الأول هو لا بد من وجود فرق في القوة بين المتنمّر والمتنمّر عليه، إما فرق في العدد (مجموعة ضدّ فرد)، أو نقاط الضعف، فروقات في المستوى الدراسي أو المستوى مادي أو تشّوه لدى أحدهم.

الشرط الثاني لتحديد التنمّر هو تكراره؛ أي التعرض مراراً للتنمّر.

أركان عملية التنمّر هم: المتنمّر (Bully)، الضحية (Victim)، ومؤيد التنمّر (Bully Victim).

المتنمّر: الدراسات تؤكد أن المتنمّر غالباً ما يتواجد في جوّ عائلي عنيف وتلاشي مفهوم الثواب والعقاب في المنزل، وقانون المحاسبة في المنزل بعيد عن الترابط

التنمر المدرسي شائع وخطير

والمنطق، ومن المحتمل وجود مشاكل خاصة بغياب سلطة الأب، الأمر الذي يشجّعه على التصرف بحرية لا محدودة ومنافية لاحترام الآخرين واختلافاتهم. كما  أن شخصية المتنمّر يمكن أن متهور دون قصد ويسعى إلى الاستمرار في التنمّر لخلق جوّ مضحك أي يقوم بحركات التنمّر عن قلّة نضوج وإدراك (وهذه الحالة يمكن تشخصيها ومتابعتها). لكن بعض الأطفال والمراهقين لديهم اضطرابات سلوكية تميل نحو العنف والإيذاء ويعمد إلى تعذيب الآخرين ويشعر بالقوة والثقة. تشير الدراسات إلى أن المتنمرين أنفسهم من المحتمل أن يكونوا أكثر فشلاً في الحياة في وقت لاحق على سبيل المثال، هم أكثر الأفراد عرضة لارتكاب جرائم في سنّ مبكرة عن غيرهم، كما قد يواجه ضحايا التنمّر صدمات من شأنها أن تؤثر عليهم في مرحلة البلوغ.

الضحية: يعاني من مشاكل قلّت الثقة في النفس، حالات قلق واضطرابات نفسية من نوع الاكتئاب وضعف الشخثصية. وعادةً ما يكون لديه صعوبات في العلاقات الاجتماعية، يعيش في جوّ عائلي معرّض للعنف والكبت، والسلطة الخاطئة في المنزل غما القسوة أو غير مبالية. بمعنى آخر أن الضحية لديه أسباب تربوية وشخصية وضعف في صفات الصحة النفسيّة كل يمكن أن يعرضه للتنمّر.

مؤيد التنمّر أو (Bully victim): يكون في العادة ذو شخصية محببة وذكية لكنه يجاري القوي (أي المتنمر) حتى يكسب رضا أقرانه ويؤثر المتنمر عليه بشكل سيء. هذه الشخصية تكون الأصعب في التحليل والمعالجة، فهو في معظم الأحيان ضحية.

الضحية والانتحار

تشير  »د. كارولين قرداحي« إلى أن الانتحار يحدث في إطار حالة نفسية، التنمّر يودي إلى الانتحار اذا خلق حالة نفسية. لذلك لا بد من تشخيص الحالة النفسية للضحية ومؤيد التنمّر، وخصيصاً في تطبيق العقاب.

كما أن ضحايا التنمّر معرّضون للتفكير في الانتحار 9 مرات أكثر من غيرهم.

أنواع التنمّر

بدني: مثل الضرب، أو اللكم، أو الركل، أو سرقة وإتلاف الأغراض.

لفظي: مثل الشتائم، والتحقير، والسخرية، وإطلاق الألقاب، والتهديد.

اجتماعي: مثل تجاهل أو إهمال الطفل بطريقة متعمدة، أو استبعاده، أو نشر شائعات تخصه.

نفسي: مثل النظرات السيئة، والتربّص، التلاعب وإشعار الطفل بأن التنمر من نسج خياله.

إلكتروني: مثل السخرية والتهديد عن طريق الإنترنت عبر الرسائل الإلكترونية، أو الرسائل النصية، أو المواقع الخاصة بشبكات التواصل الاجتماع.

الصحة النفسية للطفل تقوم كثيراً على انتقادات الغير له

دور الأهل

للأهل دور مهم في التوجيه والتربية في تحديد التنمّر وحماية الطفل منه، أولها من خلال العلاقة الجيدة مع الطفل أو المراهق، التي تساعد في مبدأ الثواب والعقاب، وهذه العلاقة يجي أن تكون متبادلة وفيها نوع من الثقة والتقدير. وعلى الأهل:

أن يسألوا طفلك أسئلة محددة عن وجود صدقات جديد.

 أن يكون الآباء على وعي بسلوك التنمّر الذي يقوم به أطفالهم ومن ثم يتعين عليهم مناقشة الطفل المتنمر وتوضيح الآثار السلبية المترتبة على سلوكه وتعليم هؤلاء الأطفال أن التنمّر سلوك مرفوض وغير مقبول اجتماعياً .

 ضرورة تحديد السلوك الاجتماعي السيء الذى يلزم تعديله أولاً (مثلاً السلوك العنيف لدى عينه من التلاميذ – استخدام لغة نابية).

 أهمية فتح الحوار الهادئ مع التلميذ المتصف بالسلوك التنمري واحلال نموذج من السلوك البديل الذي يكون معارضاً للسلوك غير السوي ليكون هدفاً جذاباً للتلميذ من خلال ربطه بنظام للحوافز والمكافأة  .

 تعليم الطفل الثقة بالنفس والمرونة وكيف يطور مهاراته الاجتماعية ليقلّل من كونه هدفاً سهلاً للمتنمرين.

اشراك الطفل في نشاطات المدرسة لمساعدته على زيادة تقديره لذاته مثل: الرياضة أو الموسيقى .

ضرورة توظيف ما يسميه علماء النفس بالتدعيم الاجتماعي والتحفيز لأي تغير إيجابي .

ابعاد الأطفال عن أجواء العنف في الأسرة.

ثمة بعض العلامات التي تشير للأهل بحال تعرض طفلهم إلى مشكلة، وهي

علّموا اطفالكم تقبّل اختلاف الاخرين

الانطواء والعزلة، تكرار غيابه عن المدرسة دون أسباب، تجنّب الحديث عن المدرسة، تدنيّ مستواه الدراسي، إن كان التنمّر جسدياً، فقد تظهر عليه علامات ضرب ويرفض الحديث عنها، عدم الرغبة في الأكل، فقدان الثقة بالنفس، الكوابيس، الغضب عند الحوار معه. هذا المؤشرات تدلّ الأهل على وجود مشكلة لدى طفلهم ولا بد من التدخل للحدّ من ذلك، ويتوجّب طلب مساعدة الأخصائيين التربويين والنفسيين.

مسؤولية المدرسة

تقع المسؤولية الأكبر على المدرسة في اكتشاف التنمّر مبكراً، لذا من الضروري أن تتمتع المدرسة بنظام رقابي شامل، مخصص في الصحة النسية للأطفال والمراهقين كما وضع قوانين صارمة للتنمّر داخل المدرسة، مع الإلزام بالعقوبات لحماية الطلاب وبالتالي توفير بيئة آمنة لهم. وتوفير البرامج والأنشطة المدرسية التي تجعل

الضحايا يفكرون في الانتحار 9 مرات اكثر من غيرهم

التلاميذ يتخلّصون من الطاقة السلبية وتخلق لديهم الشعور بالأمان. وأخيراً تشجيع الضحايا على التواصل مع المختصين في حالة تعرضهم لسلوكيات التنمّر، وتنظيم أنشطة موازية تهتم بتنمية الثقة بالنفس وتأكيد واحترام الذات.

ما هو التنمّر على الإنترنت؟

تصنّف منظمة  »يونيسف« التنمر الإلكتروني أو على الإنترنت أنه نوع من التنمر يحدث على وسائل التواصل الاجتماعي ومن خلال الرسائل الإلكترونية والألعاب وغيرها من المنصات الإلكترونية. وهو – كأنواع التنمر المختلفة – سلوك متكرر يهدف إلى إخافة أو استفزاز أو تشويه سمعة المستهدفين، ومن أمثلته:

نشر أكاذيب أو نشر صور محرجة لشخص ما على وسائل التواصل الاجتماعي

إرسال رسائل مؤذية أو تهديدات مؤذية.

انتحال شخصية شخص ما وإرسال رسائل إلى الآخرين أو نشر محتوى نيابة عنه

غالبًا ما يحدث التنمر على الإنترنت ووجهًا لوجه في نفس الوقت، لكن التنمر على الإنترنت يترك بصمة ودليلًا على حدوثه مثل الرسائل المكتوبة أو المسجلة، مما يقدم أدلة للمساعدة في إيقافه لاحقًا.

العدد 103 – نيسان 2020