واشنطن ـ بكين: جدل الجائحة

سجال بين الغرب والصين يطرح أسئلة حول المشهد الدولي المقبل

محمد قواص (*)

تكثر سيناريوهات ما بعد جائحة كوونا. وفي تلك السيناريوهات ما يستشرف تبدلا في المشهد الدولي وتغييرا قي تفاصيله. بيد أن ما يروج قد لا يعدو كونه من خيالات لا تستند على حقائق، إلاتلك التي يشي بها السجال المندلع بين واشنطن وبكين حول مسؤولية بكين في إخفاء الوباء اولا ثم المعلومات عنه ثانيا، حتى تفاجئ العالم اجمع، بما في ذلك الولايات المتحدة، بما هو مجهول.

رواية ترامب

وغيَّرت الرواية التي صدرت عن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول أصول ظهور فيروس كورونا مسار الحكاية التي قدمتها الصين حول ظروف نشوء الفيروس. وما بين نسخة واشنطن ونسخة بكين حول واقعة علمية، يفترض ألا تخضع لاجتهاد، استعر الجدل السياسي تارة والعلمي تارة أخرى، حول ما إذا كان الفيروس تطور بشكل طبيعي أم تم تخليقة بأيد بشرية داخل مختبر في الصين.

وفي غياب براهين مخابراتية أو علمية، فإن نظرية ترامب وفريقه في البيت الأبيض تتحدث عن أن الفيروس تسرّب، لسبب ما، وبشكل غير متعمد ربما، من مختبر صيني يقع في مدينة ووهان، تلك التي ظهر فيها المرض في نوفمبر 2019، وليس من سوق خارجي وفق ما ادعت رواية بكين. وتضيف الرواية الأمريكية، دون أن يؤكد مجتمع الأمن والمخابرات الأمر، أن في المختبر باحثين يعملون على دراسة الفيروسات الخطيرة، وأن معايير الأمان والسلامة لم تكن بالمستوى الحرفي العالي الدقة، بما سمح بحصول تسرُّب ما لفيروس  »كوفيد 19« نحو الخارج.

الموقف العلمي والمخابراتي

ترامب: اصين مسؤولة عن كارثتنا

والظاهر أن تصريحات ترامب حول الأمر، وعلى الرغم من أن طابعها ممكن أن يكون شعبويا داخل سياق رد الانتقادات الموجهة لإدارته المتعلقة بارتباكها حيال مواجهة الجائحة، وجدت سبيلا داخل مؤسسات الدولة العميقة في الولايات المتحدة، سواء في ما أعلنه وزير الخارجية مايك بومبيو عن الحاجة إلى شفافية صينية للكشف عما حدث، أو في تأكيد المؤسسات الاستخبارية أنها لا تملك الدليل لكنها تجري التحقيقات المناسبة.

ومع ذلك لم تنجح الإدارة الأمريكية حتى الآن في تسويق نظرية ترامب في الداخل وتحويلها إلى حقيقة ناجزة. ولم تخفف تلك الرواية من الهجمات التي يشنها الحزب الديمقراطي ومرشحه للرئاسة، جو بايدن، في اتهام ترامب شخصيا في الاستخفاف بالفيروس وتأخر إدارته في اتخاذ الإجراءات العاجلة لمواجهته. ولم تحظ نظرية  »التخليق« برعاية المجتمع العلمي (دون اسقاط هذا الاحتمال)، ولم تنل تلك الرواية  »مباركة« مجتمع الاستعلام والمخابرات.

ونقلت الصحافة الأمريكية عن مصادر استخبارية قولها إن الأجهزة الأمريكية تحقق في هذا الملف منذ شهور، وأن المعلومات الاستخبارية حول مختبر ووهان واحتمال كونه  »أصل الفيروس« ليست قاطعة على الإطلاق، وأن المجتمع المخابراتي يعتقد أن الصين نفسها لا تعرف منشأ الفيروس، وأن مؤسسات الاستخبارات الأمريكية قد لا ترفد رواية البيت الأبيض حول أن الفيروس تفشى في العالم بعد خطأ في تجربة معملية في ووهان.

ولا يستطيع الكونغرس اتخاذ مواقف جدية دون اثباتات يصادق عليها المجتمع العلمي كما المجتمع المخابراتي. بالمقابل تحظى الفرضية بقراءة أوروبية خجولة، سواء بالنسخة البريطانية التي عبر عنها وزير الخارجية البريطاني دومينيك راب (القائم بأعمال رئيس الحكومة بوريس جونسون حتى تعافيه من إصابته بفيروس كورونا) حين اعتبر أن المملكة المتحدة لا تستطيع العودة إلى  »العمل معها (الصين) كالمعتاد« بعد الطريقة المبهمة التي تفشى خلالها وباء كورونا المستجد، أو بالنسخة الفرنسية التي عبر عنها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حين كرر التأكيد أن هناك  »أشياء كثيرة حدثت (في الصين) لا نعرفها«.

وحتى ظهور وثائق وأدلة تدين الصين، فإن لترامب المرشح مصلحة في التصويب على الخصم الخارجي، الذي لطالما ألهب مخيلة كتاب السيناريو في هوليوود، وتبرئة القيادة الأمريكية من إثم وقوع الولايات المتحدة داخل كارثة وضعتها في مقدمة البلدان من حيث عدد الوفيات، بحيث تظهر حساسية الموقف من خلال نفي ترامب

مجتمع العلم لا يرفد رواية ترامب ضد الصين

وتكراره أن الصين (التي تخفي الحقائق) هي من يتصدر قائمة البلدان الأكثر تضرراً في العالم.

ويقود الوزير بومبيو واجهة الضغوط المتدرجة التي تمارسها واشنطن التي بدأت تجاريها في ذلك بحذر عواصم حليفة. ويطالب بومبيو بكين بـ »السماح للعالم بالدخول لإعلام علماء العالم كيف حدث الأمر وكيف بدأ هذا الفيروس بالانتشار«. فالولايات المتحدة وحلفاؤها يشكون من أن الصين تخفي المعلومات ولم تشارك العالم أي بيانات سريرية ووبائية تفصيلية الـ »كوفيد-19«، وهي معلومات كان من شأنها أن تساعد البلدان الأخرى على تحديد أفضل طريقة لعلاج المرضى وإبطاء انتشار المرض. وتقول واشنطن، ومثلها عواصم أخرى، أن حجب المعلومات، لا سيما في بداية انتشار المرض، حرم علماء الولايات المتحدة كما علماء العالم من فهم طبيعة الفيروس مبكرا والاهتداء إلى سبل التخفيف من أضراره.

وفيما وزارة الخارجية الأمريكية تحضّر أرضية صراع مقبل مع الصين على خلفية الموقف من الجائحة وظروفها، بقيت المؤسسة العسكرية حذرة متأنية في أحكامها. وبدا رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال مارك ميلي غير مقتنع بنظرية تخليق الفيروس وتسربه من مختبر ووهان، فيما شكك وزير الدفاع مارك إسبر في الأمر أيضاً معتبراً أن ما انتهت إليه دوائر المخابرات ليس حاسماً.

إزاء الاتهامات الأمريكية المستمرة، تواصل الحكومة الصينية تمسُّكها بروايتها التي تؤكد أن الفيروس لم يتم تخليقه وأنه انتقل، بظروف غير واضحة حتى الآن، من الحيوان إلى الإنسان داخل سوق المأكولات البحرية، الذي، بالمناسبة، يقع بالقرب من المختبر المتهم. وما فتئت الصين تؤكد على لسان المتحدث باسم وزارة خارجيتها  »أن منظمة الصحة العالمية ذكرت مراراً أنه لا يوجد دليل على أن الفيروس قد تم صنعه في المختبر«. وعلى الرغم من أن الرئيس ترامب علّق تمويل بلاده للمنظمة متهما إياها بالانحياز لبكين وتغطية ما تحجبه من معلومات، إلا أن مجتمع العلم لا يجاري ترامب ولا يرفض روايته.

فحتى الآن، لم تجد دراسات الجينوم الخاص بالفيروس أي علامات على أنه تم هندسته. فقد قارن تحليل نُشر الشهر الماضي في مجلة  Nature Medicine الفيروس التاجي الجديد بستة فيروسات أخرى من نفس العائلة المعروفة بإصابة الناس بها. وقال مؤلفو الدراسة إن أحد المؤشرات القوية على أن الفيروس التاجي الجديد تطور بشكل طبيعي، هو وجود عيوب في البروتين الذي يستخدمه لربط الخلايا البشرية، وهي أوجه قصور كان من شبه المؤكد أن شخصاً يحاول هندسة فيروس قاتل سيتجنبها. وكتب مؤلفو الدراسة، بقيادة عالمة الأحياء الحاسوبية كريستيان أندرسن من معهد سكريبس للأبحاث في كاليفورنيا:  »تُظهر تحليلاتنا بوضوح أن السارس CoV-2 ليس بناءً مختبرياً أو فيروساً يتم التلاعب به عن قصد«. ويشير بحثهم إلى أن الفيروس التاجي قفز من حيوان – ربما خفاش – إلى إنسان في أواخر نوفمبر أو

بكين تصدر المدرسة الصينية لمكافحة الوباء

ديسمبر 2019.

ومن الصعب استبعاد فكرة أن الفيروس قد تسرَّب من المختبر، ولكن العديد من علماء الفيروسات وعلماء الأمراض المعدية يقولون إن هذا السيناريو أيضاً غير مرجح. ففيروسا سارس وميرس، وهما تاجيان آخران، يسببان مرضاً شديداً لدى البشر، انتقلا من الحيوانات إلى البشر في السنوات العشرين الماضية. وبينما لا يستطيع العلماء القول بشكل قاطع أن الفيروس التاجي الجديد جاء من الخفاش؛ فهذا ليس بالأمر غير المعتاد، فيشتبه أيضاً في أن الحيوانات هي مصدر فيروس إيبولا، الذي ظهر لأول مرة في عام 1976، ولكن الأمر لم يثبت بشكل قاطع.

تعاون أو توتر دولي

ويسود تخوف من تأثير الجدل الأميركي الصيني الراهن على مسار التعاون الدولي (لاسيما بين الدولتين) لمكافحة تفشي الوباء. غير أن الوقائع تؤكد حتى الآن أن الحملات المتبادلة بين واشنطن وبكين ما زالت إعلامية لم ترق إلى مستوى اتخاذ إجراءات تربك التعامل بين البلدين، خصوصا أن ما أثاره حلفاء للولايات المتحدة في أوروبا من قيام الولايات المتحدة بإعادة شراء معدات طبية صينية كانت معدة للشحن إلى زبائن أوروبيين يكشف حجم التواطؤ الأميركي الصيني على قاعدة المنفعة والمصالح بغض النظر عن السهام السياسية المتبادلة بينهما.

ويلاحظ المراقب أن مسألة التعاون الصيني مع العالم لمكافحة وباء كورونا ما زال، وفق عتب بعض العواصم، مرتبطا بكمية ونوعية المعلومات التي ما زالت بكين تحجبها. غير أن الصين تنفي أي إخفاء لأي معلومات وتعتبر أنها، شأنها في ذلك شأن بلدان العالم الأخرى، ما زالت لا تملك المعرفة الإضافية بهذا الفيروس. وتؤكد دوائر بكين بأن لجأت لمكافحة الوباء إلى فرض الحجر المنزلي وصدرت هذه المدرسة وأوفدت مستشارين إلى دول متضررة في أوروبا، لا سيما إسبانيا وإيطاليا، ولم تبخل في إرسال المعدات الطبية (رغم تشكيك بعض الدول في كفاءتها) لكثير من الدول المتضررة في العالم.

السجال.. إلى أين

ويخلص المراقب إلى أن السجال الأميركي الصيني لا يقف عائقا أمام الجهود المكثفة التي تبذلها المختبرات في دول عديدة في العالم، وبعضها يتبادل المعلومات والاختبارات مع الصين نفسها، للاهتداء إلى اللقاح المنتظر.

ومن المستبعد أن يكون لهذا الجدل انعكاسات جذرية على مستقبل العلاقة بين القوتين العُظميين، وأن طبيعة السجال وأدواته ما زالت تحت السقوف المعتمدة على نحو لا يشي بسعي بكين وواشنطن لقلب الطاولة وتغيير قواعد اللعبة. كما لا تفيد التقارير العسكرية المتخصصة بحصول أي تحركات كبرى، صينية أو أميركية، تعطي للجدل ترجمات استراتيجية ذات طبيعة تعيد كتابة العقائد المعمول بها في إدارة العلاقة بين البلدين. وحتى وجود معطيات أخرى فإن السجال ينهل حاجاته من ظروف بيتية أميركية تفرضها شروط الحملة الانتخابية الرئاسية، وأن تصاعد الأصوات داخل الدوائر السياسية في الولايات المتحدة التي تُطالب بمحاسبة الصين على عدم شفافيتها بشأن مسألة الفيروس قد تبدو مزايدة داخلية أميركية داعمة لمساعي الرئيس ترامب التجديد لنفسه في البيت الأبيض في انتخابات الخريف المقبل. مع العلم أن رد الفعل الدولي الداعم لوجهة نظر الإدارة الأميركية يجاري الرواية الأميركية في الضغط على الصين للإجابة على كثير من الأسئلة، إلا أنه بقي معتدلاً لم يتجاوز الأعراف المعتمدة، وذلك بسبب حاجة دول العالم إلى الحفاظ على الوصل والتعاون مع بكين، وحرصها على عدم تسعير أزمة كبرى مع الصين قد لا يكون بها وجاهة مؤكدة، خصوصا أن التعايش المقبل مع الوباء يحتاج إلى تعاون إجباري بين الدول.

ماكرون : أشياء حصلت في الصين لا نعرفها

ومن المهم في هذا الإطار مراقبة الأداء الصيني لسحب فتيل أي توتر مع العالم، من حيث بدء بكين بمراجعة أعداد الوفيات لديها، بما قد يفهم أنه استجابة للضغوط الدولية الداهمة قد تليها استجابات أخرى، ومن حيث تبنيها مواقف تتفهم ظروف الولايات المتحدة الانتخابية وما يحتاجه الرئيس ترامب نفسه لمقاربتها، ومن حيث عدم تصلبها في الدفاع عن مواقفها كما ظهر من تراجع بكين اللافت عن كلام نسب للسفير الصيني في فرنسا أغضب باريس واحتاج إلى استدعائه وتأنيبه من قبل وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان.

دروس واستنتاجات

أثبت الجدل الأمريكي الصيني أن متن السجال ما زال سياسيا ينهل من أجندات البلدين، سواء تلك المتعلقة بمعركة الانتخابات الرئاسية التي يخوضها ترامب في الخريف المقبل، أو تلك المرتبطة بحرص الصين على عدم حشرها في أي موقف يجعلها مسؤولة عن هذه الكارثة البشرية التاريخية وعلى عدم المس بموقعها الاقتصادي في العالم مستقبلا.

ولم تنف دوائر المخابرات كما مجتمع العلم احتمال تخليق الفيروس كما تسربه من مختبر في مدينة ووهان الصينية، إلا أنها بدت حذرة مشككة تتجنب التورط في مجاراة رواية الرئيس ترامب والبيت الأبيض دون الاستناد إلى أدلة حاسمة.

لا تشعر الصين بالقلق جراء الاتهامات الأمريكية وتدرك أن الضجيج الذي أثاره ترامب يجري بغرض الاستهلاك المحلي، سواء للدفاع عن أداء الإدارة الأمريكية في مواجهة الجائحة أو في حاجة الرئيس ترامب إلى خصم محدد يصوب السهام ضده لبناء حملته الانتخابية وتأليب عصبية حوله كمدافع عن أمريكا ضد أعدائها.

وتكشف برودة العواصم الحليفة للولايات المتحدة في تبني رواية واشنطن حول كيفية تفشي الفيروس حالة عدم الثقة التي تسود علاقة حلفاء واشنطن في العالم بالرئيس ترامب، كما موقع الصين المتقدم، لا سيما ما تملكه من قدرات عملاقة على تلبية حاجات الأسواق العالمية، على نحو يمنع التسرع في أي توتر مع بكين.

ويؤكد الجدل حقيقة أن النظام العالمي لن يشهد تغييرا جذرياً، وإن كان من المحتمل أن يشهد تحولات فرعية، بحيث تحافظ الصين على موقعها متعايشة مع بقية الدول الأساسية الكبرى، كما يؤكد على امتلاك واشنطن وحلفائها على أوراق القوة التي لن تتيح للصين القفز نحو مرتبات أكثر تفوقا في السلم الدولي.

ويسلط السجال الضوء على استمرار المجتمع العلمي في التعرف على فيروس كورونا، وعلى عجزه حتى الآن عن الاتفاق على رواية علمية دقيقة لمنشأ ومسار الفيروس كما العلاج مما يسببه من علل والتحصن المسبق من شيوعه. كما يكشف في الوقت عينه عن ركاكة الخطاب السياسي لأي دولة إذا لم يستطع الاستناد بوثائق علمية صلبة تتصف بالحسم واليقين.

والظاهر أن تصريحات ترامب حول الأمر، وعلى الرغم من أن طابعها ممكن أن يكون شعبويا داخل سياق رد الانتقادات الموجهة لإدارته المتعلقة بارتباكها حيال مواجهة الجائحة، وجدت سبيلا داخل مؤسسات الدولة العميقة في الولايات المتحدة، سواء في ما أعلنه وزير الخارجية مايك بومبيو عن الحاجة إلى شفافية صينية للكشف عما حدث، أو في تأكيد المؤسسات الاستخبارية أنها لا تملك الدليل لكنها تجري التحقيقات المناسبة.

وزير خارجية بريطانيا دومينيك راب: لن نعود للعمل مع الصين كالمعتاد

لم تنجح الإدارة الأمريكية حتى الآن في تسويق نظرية ترامب في الداخل وتحويلها إلى حقيقة ناجزة. ولم تخفف تلك الرواية من الهجمات التي يشنها الحزب الديمقراطي ومرشحه للرئاسة، جو بايدن، في اتهام ترامب شخصيا في الاستخفاف بالفيروس وتأخر إدارته في اتخاذ الإجراءات العاجلة لمواجهته. ولم تحظ نظرية  »التخليق« برعاية المجتمع العلمي (دون اسقاط هذا الاحتمال)، ولم تنل تلك الرواية  »مباركة« مجتمع الاستعلام والمخابرات.

من المستبعد أن يكون لهذا الجدل انعكاسات جذرية على مستقبل العلاقة بين القوتين العُظميين، وأن طبيعة السجال وأدواته ما زالت تحت السقوف المعتمدة على نحو لا يشي بسعي بكين وواشنطن لقلب الطاولة وتغيير قواعد اللعبة. كما لا تفيد التقارير العسكرية المتخصصة بحصول أي تحركات كبرى، صينية أو أميركية، تعطي للجدل ترجمات استراتيجية ذات طبيعة تعيد كتابة العقائد المعمول بها في إدارة العلاقة بين البلدين

ترامب.. غاضب

قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إن الصين يجب أن تتحمل العواقب إذا ثبت أنها مسؤولة عن عمد عن وباء فيروس كورونا.

وقال:  »إذا كان الأمر ناجما عن خطأ، فالخطأ ليس إلا خطأ. أما إذا كانت مسؤولة عن عمد، إذن بالتأكيد يجب أن تكون هناك عواقب«.

ولم يعط ترامب المزيد من التفاصيل عن الإجراءات التي قد تتخذها الولايات المتحدة.

وانتقد مساعدون بارزون لترامب الصين لافتقارها إلى الشفافية بعد تفشي وباء كورونا في مدينة ووهان. كما علق ترامب المعونات إلى منظمة الصحة العالمية، متهما إياها بالتحيز للصين.

وتكرر الخلاف بين واشنطن وبكين، أكبر اقتصادين في العالم، علنا بشأن فيروس كورونا. وفي بادئ الأمر أثنى ترامب على تعامل الصين مع تفشي الفيروس، ولكنه وغيره من المسؤولين الأمريكيين أشاروا إلى كورونا على أنه  »الفيروس الصيني«، وفي الأيام القليلة الماضية تصاعدت حدة التوتر بينهما.

وأثار ترامب أيضا تساؤلات عن مختبر الفيروسات في ووهان، الذي أشارت إليه شبكة فوكس نيوز، قائلة إنه طور فيروس كورونا ضمن مساعي الصين لإظهار قدراتها على التعرف على الفيروسات والتصدي لها. وقال ترامب إن حكومته تسعى لتحديد ما إذا كان الفيروس قد نشأ في مختبر في الصين.

وأبدى ترامب مجددا تشككه في عدد الوفيات في الصين، الذي تم مراجعته الجمعة. وقالت الصين إنه لم يتم إحصاء 1300 شخص توفوا في ووهان، وهو نصف العدد الإجمالي للوفيات في المدينة، ولكنها نفت أي مساع للتستر على تلك الاحصائيات.

ماكرون.. الصين تخفي أشياء

اعتبر الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون أن هناك فجوات في إدارة الصين لأزمة فيروس كورونا المستجدّ، قائلا لصحيفة  »فاينانشال تايمز« إنّ  »هناك أشياء حدثت ولا نعرفها«.

ولدى سؤاله عمّا إذا كانت الأنظمة الاستبداديّة أكثر قدرة على إدارة هذا النوع من الأزمات، قال ماكرون:  »من الواضح أنّ هناك أشياء حدثت ولا نعرفها«.

وأشار ماكرون بحسب ما أوضح الإليزيه إلى أنّه في الديمقراطيّات التي تضمن حرّية المعلومات والتعبير، تكون إدارة الأزمة شفّافة وتخضع للنقاش، على عكس الأنظمة حيث يتمّ التحكّم بالمعلومات والتعبير.

أضافت الرئاسة الفرنسيّة أنّ ماكرون شدّد على أنّ  »من الخطأ القول إنّ الديمقراطيات تدير الأزمة بشكلّ أقلّ كفاءة، لأنّ الشفافية والتدفّق الحرّ للمعلومات يشكلان ميزة كبيرة« لناحية الفعالية.

بريطانيا: لن نتعامل مع الصين  »كالمعتاد«

أبلغت المملكة المتحدة الصين بأنها لا تستطيع العودة إلى  »العمل معها كالمعتاد« بعد الطريقة المبهمة التي تفشى خلالها وباء كورونا المستجد.

وقال وزير الدولة وزير الخارجية البريطاني دومينيك راب إنه يجب على المجتمع الدولي التحقيق في أسباب تفشي المرض في الصين.

وقال  »من الواجب أن يكون هناك غوص عميق في الدروس، بما في ذلك تفشي الفيروس«.

وعندما سُئل عما إذا كان سيكون هناك  »حساب« مع الصين بعد انتهاء الأزمة، قال راب  »ليس هناك شك في أنه لا يمكن أن يكون لدينا عمل كالمعتاد معها بعد هذه الأزمة (..) علينا أن نطرح أسئلة صعبة«.

وأضاف:  »سوف ننظر بعناية شديدة مع شركاء دوليين آخرين حول كيفية حدوث هذا التفشي«.

وقال أحد أعضاء غرفة إحاطة مكتب مجلس الوزراء، وهي لجنة طوارئ تضم كبار المسؤولين في حكومة المملكة المتحدة، للصحافة:  »هناك وجهة نظر بديلة عن النظرية الحيوانية، وهي ذات مصداقية لأنها تستند إلى طبيعة الفيروس«.

وأضافوا:  »ربما ليس من قبيل المصادفة وجود هذا المختبر في ووهان«.

صحيفة  »ذي ميل أون صنداي« ذكرت أن الأرقام الحكومية تشير إلى أن العدد الحقيقي للحالات في الصين قد يصل إلى 40 مرة أكبر من العدد الرسمي.

كما شككت حكومة المملكة المتحدة علناً في معلومات الصين حول الفيروس.

ففي 29 مارس، قال مستشار دوقية لانكستر مايكل جوف لشبكة أخبار  »بي بي سي« إنه يشك في الأعداد الرسمية للمصابين في الصين.

وقال  »تم اكتشاف أول حالة إصابة بفيروسات كورونا في الصين في ديسمبر من العام الماضي، لكن لم تكن بكين واضحة بشأن حجم وطبيعة هذا الفيروس«.

واتهم تقرير صادر عن لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان البريطاني الحكومة الصينية بنشر معلومات مضللة حول انتشار الفيروس.

وقالت اللجنة إن  »التضليل حول كوفيد- 19 أودى بحياة أشخاص بالفعل«، وإنه  »من الضروري أن تصدر الحكومة رسائل واضحة وشفافة في الداخل لمواجهة ودحض التضليل الذي ينتشر بقوة«.

(*) كاتب سياسي لبناني

العدد 104 – أيار 2020