التعلّم عن بعد اختبارٌ عالميٌ… هل نجحت الدول في تحقيقه؟

من بيروت   رنا خير الدين

فرض الوضع المستجد على القطاعات المهنية والتجارية والإدارية والتعليمية والتربوية حظرا في تعليق مجالات العمل والتعليم والاقتصاد في العالم بأسره، ما أدّى إلى تراجع في الإنتاجات المحلية والاقتصادية وإيرادات الدول أجمع، ما انعكس على الإنتاجية والتطور في شتى المجالات، ومنها على وجه الخصوص المجال التعليمي المدرسي والجامعي.

فقد كشف فيروس  »كورونا« أهلية الدول ومدى نجاح مؤسساتها في إدارة واجتياز الأزمات ومستوى التعامل مع الظروف الطارئة واستعدادها الحقيقي في الرعاية الصحية، التعليمية والتربوية والاقتصادية.

من هنا، لا بد من التطرّق إلى البدائل والشروط التي وضعتها بعض الدول للنجاح في عملية التعليم عن بعد وإمكانية إلحاق الطلاب بالعام الدراسي دون أي تقصير أو تخاذل. فما هو التعليم عن بعد وما هي شروط نجاحه؟ وأي من الدول نجحت في تحقيقه؟ وإلى أي مدى يمكن اعتماد هذه الآلية مع الشروط الواجب مراعاتها لحماية الطالب وتزويده بالمنهج التعليمي عن بعد من المنزل؟

هل يمكن الاستغناء عن الورقة في ظل الرقمنة

في هذا التقرير، سنجيب عن هذه التساؤلات وسنطرح الإمكانيات الجادة التي يجب على الدول مراعاتها لتأمين نظام ممنهج وعملي يسمح بتخطي الحدود الطبيعية والجغرافية والاستخدام الجيد للرقمنة الجديدة.

التعليم عن بعد أصبح ضرورة ملحة، وخصوصا في وقت الأزمات، وانتشار الأوبئة والفيروسات التي تتطلّب التباعد الاجتماعي. وهذه الوسيلة في التواصل بدأت منذ فترة طويلة وأخذت أشكالا مختلفة.

التعلّم عن بعد في ظلّ كورونا

فيروس كورونا المستجد فتح الشباك على مصرعيه على كيفية تعاطي الدول ووزارات التعليم والتربية على ضرورة الاتجاه إلى إدراج الرقمنة المتطورة ضمن مناهج التعليم ونمط من أنماط التعليم البديل عند الأزمات والظروف الطارئة، ما يضع الدول والوزارات المعنية أمام تحدٍّ جاد في تحقيق هذا النمط الجديد على الأساتذة والطلاّب على حدّ سواء.

وقد ذكر تقرير لـ »اليونسكو » أن انتشار الفيروس سجل رقما قياسيّا للأطفال والشباب الذي انقطعوا عن الذهاب إلى

كورونا فرض واقع جديد على القطاع التعليمي باكمله

المدرسة أو الجامعة. وحتى تاريخ 12 مارس، أعلن 61 بلدا في أفريقيا وآسيا وأوروبا والشرق الأوسط وأميركا الشمالية وأميركا الجنوبية عن إغلاق المدارس والجامعات، أو قام بتنفيذ الإغلاق؛ إذ أغلق 39 بلدا المدارس في جميع أنحائه، مما أثر على أكثر من 421.4 مليون طفل وشاب، كما قام 14 بلدا إضافيّا بإغلاق المدارس في بعض المناطق لمنع انتشار الفيروس أو لاحتوائه. وإذا ما لجأت هذه البلدان إلى إغلاق المدارس والجامعات على الصعيد الوطني، فسيضطرب تعليم أكثر من 500 مليون طفل وشاب آخرين، وفق المنظمة.

أسلوب  »تلقيني« أم  »تفاعلي«

ينتج اليوم على المستوى التعليمي الرقمي تغيّرا شاملا في البرامج التي تعتمد على التلقين فقط وتحويلها إلى منصة للتفاعل بين الطلاب والأساتذة تقوم على تقديم الأطروحات والواجبات والاختبارات عبر تطبيقات خاصة على الهواتف  المحمولة أو الكمبيوتر، وهذه البرامج يجب أن تراعي الأوضاع الاجتماعية والسيكولوجية لكل من الطلاب

صورة ارشفية على بدايات التعليم التقليدي في ألمانيا

والأساتذة، إضافة إلى دراسة وتخطيط يندرج ضمن سياسة معتمدة في الدولة بين وزارة التعليم والتربية والاتصالات وهيئات الامتحانات ولجان التعليم.

وهذا التحول من النموذج التقليدي إلى الرقمنة يتطلّب شروطا عديدة، أهمها:

آلية منظّمة ومتكاملة لقطاع التعليم في توفير القاعدة التعليمية والتربوية الأساسية في التحول الرقمي.

تقديم تقارير أسبوعية عن كفاءة العمل والواجبات الطلابية وطرق تحسين العمل التعليمي التفاعلي عن بعد.

مراقبة ومتابعة حثيثة لجهود الأساتذة للاستخدام الرقمي، يقوم على تدريبهم على كيفية تقديم المادة التعليمية من خلال تحويلها من مادة تلقين تقليدية إلى مادة حية عبر الرسوم البيانية والصور والفيديوهات، مع الشرح المفصّل.

تقديم منصة رقمية موحدة في البلاد تُستخدم كمنصة رسمية للتعليم العالي والمتوسط والثانوي والجامعي، تسمح للمستخدمين بالتزوّد بالمعلومات والرسوم والفيديوهات الضرورية لشرح، الواجبات والاختبارات.

يتطلّب من وزارة الاتصالات العمل على تأمين الاحتياجات الضرورية للطلاب والأساتذة والإدارة من خدمات اتصالات خاصة مع خفض تكلفتها للإتاحة لهم المشاركة والاستخدام السريع، منعا لأي صعوبات قد تواجههم مستقبلا.

تنفيذ التدابير اللازمة لضمان وصول الطلاب، بمن فيهم ذوي الإعاقة أو من خلفيات منخفضة الدخل، إلى برامج التعلّم عن بعد، إن كان بإمكان عدد محدود منهم فقط الوصول إلى الأجهزة الرقمية.

حماية خصوصية البيانات وأمن البيانات من خلال تقييم أمن البيانات عند رفعها أو رفع الموارد التعليمية إلى شبكة الإنترنت، وكذلك عند مشاركتها مع منظمات أخرى أو أفراد آخرين. والتحقق من استخدام تطبيقات ومنصات لا تنتهك خصوصية بيانات الطلاب.

إعطاء الأولوية لحلول مواجهة التحديّات النفسيّة والاجتماعية قبل التدريس أي جمع الأدوات المتاحة لربط المدارس، وأولياء الأمور، والمعلمين، والطلاب مع بعضهم. وتشكل مجموعات لضمان التفاعلات البشرية المنتظمة، وتمكين

التعلم عن بعد… حاجة ملحة واستثنائية

تدابير الرعاية الاجتماعية، ومعالجة التحديات النفسية والاجتماعية المحتملة التي قد يواجهها الطلاب عند عزلهم.

تخطيط الجدول الدراسي لبرامج التعلّم عن بعد من خلال تنظيم مناقشات مع الأطراف المعنية لفحص المدة المحتملة لإغلاق المدرسة وتحديد ما إذا كان يجب أن تركز برامج التعلم عن بعد على تدريس معارف جديدة أو تعزيز معرفة الطلاب بالدروس السابقة. ووضع مخطط الجدول اعتمادا على حالة المناطق المتأثرة، ومستوى الدراسات، واحتياجات الطلاب، وتوافر أولياء الأمور. واختيار منهجيات التعلّم المناسبة بناء على حالة إغلاق المدرسة والحجر الصحي المنزلي.

تقديم الدعم للمعلمين وأولياء الأمور بشأن استخدام الأدوات الرقمية وتنظيم تدريب موجز أو دورات توجيهية للمعلمين وأيضا لأولياء الأمور، إن كانت هناك حاجة إلى المراقبة والتيسير. وتقديم المساعدة للمدرسين على تحضير الإعدادات الأساسية مثل حلول استخدام بيانات الإنترنت إن طُلِب منهم تقديم بث مباشر للدروس.

وأخيرا، تحديد مدة وحدات التعلّم عن بعد استنادا إلى مهارات التنظيم الذاتي للطلاب من خلال المحافظو على توقيت يتسق مع مستوى التنظيم الذاتي للطلاب وقدراتهم ما وراء المعرفية (القدرات الإدراكية) خصوصا في فصول البثّ المباشر. يُفضل ألا تزيد الوحدة المخصصة لطلاب المدارس الابتدائية عن 20 دقيقة، وألا تزيد عن 40 دقيقة بالنسبة إلى طلاب المدارس الثانوية.

إلى جانب كل ما سبق، لا بدّ من المؤسسات التربوية والتعليمية في البلدان من اسناد الرقمنة التعليمية على الدوام كخطّة ممنهجة وأساسية وطرح بعض الاختبارات والواجبات عبر التطبيقات كنوع جديد ومتطور للتعليم وليس خطة طارئة مؤقتة، واعتمادها في السنوات المقبلة والعمل على تطويرها وتعديلها مع التطور الذي يطرأ على مجالات الرقمنة والتكنولوجيا والمواد والاختصاصات التعليمية.

جولة عربية وعالمية 

لا بدّ أن السياسة التعليمية التي نتحدث عنها يشوبها معوقات تندرج حسب طبيعة البلد الاقتصادية والاجتماعية ومدى قدرته على استيعاب هكذا تطور في المنهج التعليمي، ولا يمكن الإنكار أن التعلّم عن بعد بات حاجة ملّحة في ظلّ السعي العالمي للتطور الدائم والمستدام الذي يطال جميع المجالات والقطاعات الإنتاجية.

فمن هي الدول التي نجحت في تحقيق أهداف التعلّم عن بعد وحصلت بالحدّ الأدنى على نتائج مثمرة خلال فترة العزل المنزلي:

قطر

عربيا، سعت الدول العربية بحسب الإمكانيات المتوفرة لديها إلى وضع خطّة تتيح للطلاب إنهاء العام الدراسي دون عقبات، ففي قطر مثلا استخدم الطلاب من الصف الأول إلى الثالث برنامج  (MS Teams)، في حين استخدم طلاب الصفوف من الرابع إلى الثاني عشر نظام إدارة التعلم (LMS)«.. ووفّرت هذه الأنظمة وفق الوكالة القطرية خاصية التفاعل والتواصل مع المعلم لكل من الطالب وولي الأمر، إضافة إلى أنها قامت بإعداد المحتوى التعليمي لهذه المستويات بتصوير وإنتاج فيديوهات الدروس اليومية.

الإمارات

أما الإمارات فقد نفّذت تدريبا تخصصيا عن بعد لأكثر من 25 ألف معلم وإداري في المدارس الحكومية إضافة إلى أكثر من 9200 معلم ومدير مدرسة من المدارس الخاصة وركزت خلال أسبوع التدريب المعتمد، على تحقيق مجتمعات تعلّم افتراضية تعزّز من قدرات المعلم على إدارة العملية التعليمية عن بعد، وتوثيق أفضل الممارسات الكفيلة بتحقيق جودة الأداء في عملية التعلّم وبكفاءة عالية.

العراق

أمّا في العراق فقد أطلقت وزارة التربية العراقية عبر موقعها الالكتروني للتعليم عن بعد منصة باسم  »منصة نيوتن التعليمية« حيث من المفترض أن تبث من خلاله الدروس المقررة ليتلقى آلاف الطلاب عبرها دروسهم. وقد تم تسجيل 12 ساعة يوميا من الدروس ولمدة أسبوعين ووضع خطط بديلة حيث يقوم المدرسون بتسجيل الدروس من منازلهم ثم بثها على المنصة الرقمية.

مصر

في مصر أطلقت وزارة التربية والتعليم المصرية، موقع  »بنك المعرفة« على شبكة الإنترنت، لتمكين الطلاب من متابعة المناهج الدراسية والتواصل مع معلميهم عن بعد، وذلك ضمن الإجراءات الوقائية للحدّ من انتشار فيروس كورونا، بعد تعطيل الدراسة. وكشفت وزارة التعليم المصرية، عن إجراءات التحوّل الرقمي والتكنولوجي، ضمن خطوات تطوير التعليم في مصر، من خلال وضع المناهج الدراسية والمحتوى التعليمي على بنك المعرفة المصري، لجميع المراحل التعليمية لمساعدة الطلاب على استكمال دروسهم إلكترونيا عبر الإنترنت في ظل الأزمة.

لبنان

أما في لبنان فيشير الباحث التربوي ماجد جابر أن الواقع المستجد والطارئ دفع المدارس إلى اعتماد منصات وبوابات إلكترونية تعليمية متنوعة، متزامنة (تفاعل مباشر مع التلامذة مثل Microsoft teams) وغير متزامنة، وإلى استخدام أشكال متنوعة من البرامج والمنصات الالكترونية التعليمية المعدة، والتطبيقات الشهيرة مثل الواتساب  »Whatsapp« والتلغرام  »telegram« و »السكايبMicrosoft teams« ،  »Google class room«  » Moodle«   »Doodle« وغيرها، في محاولة واضحة لابقاء التلامذة في الجو التعليمي، إلا أن التجربة أظهرت، حتى الآن، أن طريقة التعليم المعتمدة لم تحقّق الكفاءة اللازمة والإنتاجية المطلوبة بسبب عوامل عديدة، منها ما هو مرتبط بضعف كفايات المعلم الرقمية (المعلّمون غير مدربين ومعدين من قبل، وحتى التدريب الذي حصل كان قليلا جدا) ، الأمر ا، ومنها ما يتعلق بضعف وقلة بالموارد المتاحة (برامج، انترنت، أجهزة…).

كما يؤكد الباحث  »ماجد جابر« أن الواقع الميداني للتعليم عن بعد يؤكد وجود معوقات جمّة تعترض تطبيق هذا التعليم. فنحن لا نمتلك انترنت بجودة عالية. ولا تتوافر لدى كل المتعلمين الموارد المادية نفسها (توفّر كهرباء، انترنت، أجهزة خلوية، كمبيوترات، آلات طباعة،…). كما أن التلامذة لا يتساوون من حيث الظروف المعيشية والمناطقية والاجتماعية. هذا التعليم بشكله الحالي لا يصلح لمراعاة الفروقات الفردية بين المتعلمين ولا يأخذ بعين الإعتبار المتعلمين من ذوي الاحتياجات الخاصة. كما أن عملية التقويم والتغذية الراجعة لهذا التعليم غير متوافرة، الأمر الذي أفشل عملية التواصل والتفاعل الصحيحة بين المعلم والتلميذ، وسبب في عدم إكتراث غالبية التلامذة (حوالي 75 ) لهذا النوع من التعليم.

خلاصه القول، بحسب الباحث  »ماجد جابر« أن التعليم عن بعد في لبنان، لم يحقّق الحدّ الأدنى من الأهداف المتوخاة منه، فالأمر يحتاج الى وضع خطط علمية صحيحة وموارد وإمكانيات عالية.

فرنسا

عالميا، واجهت فرنسا خلال اول أيام الأزمة سلسلة عقبات في التعلم عن بعد أبرزها تعطّل شبكة الانترنت في البلاد لكن سرعان ما تمّ حلّها وتمكّن الطلاب من  الوصول إلى المواقع الرقمية.

تركيا

اتخذ مجلس التعليم العالي التركي (YضK) عدة تدابير خلال فترة أزمة كورونا اذ جرى تخطيط هذه التدابير وتعميمها ثم إرسالها إلى مؤسسات التعليم العالي بثلاث لغات، وفي إطار تحسين جودة الخدمات التعليمية عبر الإنترنت، بدأت الجامعات التركية، التزاما بقرارات مجلس التعليم العالي، بإحداث أنشطة تطوير شملت مجالات رئيسية أهمها التشريعات والبنية التحتية والموارد البشرية والمحتوى.

بريطانيا

شرعت المدارس في بريطانيا إلى إعداد قوائم بكافة الأطفال الذين لديهم إمكانية الوصول إلى الإنترنت في المنزل، حتى وإن كان عبر هاتف أحد الوالدين أو الوصي. وقام معلمو المدارس الابتدائية في ستافوردشاير والجنوب الغربي بإعداد ما يكفي من العمل ليقوم به طلابهم من المنزل.

العدد 105/حزيران 2020