كورونا واخواتها   

جاد الحاج

اطلقت مواقع التواصل الاجتماعي من قمقمها الغزير جنيّات في كل حجم ولون لإخصاب الهلع وترويج المزاعم حول فيروس كورونا، وكأن استمرارية الوباء مسؤولية قدرية لا غنى عنها، ولو ان بعض المدونات  باهظ وثقيل الظل، خصوصاً حين يجري تسخير آلاف المصابين والمحتضرين والمتوفين إلى مادة مزاح وهذر و»فرفشة«. الا ان المولود الوحشي لتلك المدونات يبقى ابتكارات  عباقرة »نظرية المؤامرة« وهم جنس نجس بلا حسّ ولا اعتبار. مع ذلك لا بدّ من التبحر الموضوعي في بعض الأمور:

قبيل نهاية السنة المنصرمة القي القبض على البروفيسور شارلز ليبر استاذ الهندسة النانونية (هندسة القدرات العلمية لتدوير النفايات المصنعة) في جامعة هارفرد. واتهمته الشرطة الاتحادية بالتعامل مع البرنامج التلفزيوني الصيني »الف موهبة«. قال تشارلز انه غير متورط في حيثيات البرنامج المذكور، لكنه حصل على راتب بين 2012 و2017 وقدره 50 الف دولار شهرياً من جامعة ووهان، مسقط رأس كورونا. وقد حصل أيضاً على مليون ونصف المليون دولار من الجامعة نفسها لقاء اشرافه على انشاء مختبر علمي جديد في محيطها. وتطلب عقده مع جامعة ووهان البقاء فيها تسعة اشهر كل  سنة، وبالتالي اتخاذ التدابير اللازمة لإستضافة استاذين منها في هارفرد تحت اشرافه. وتؤكد الأف.بي.آي. ان ليبر لم يطلع هارفرد على شروط عقده مع الصين، مما يشكل مخالفة جرمية لقوانين التعامل الجامعي بحسب هارفرد المعروفة بتشددها.

الواقع ان ليبر ليس وحده من تورط في الشباك الصينية، ففي جامعة نيو مكسيكو وضمن مختبرات لوس آلاموس اعترف باحث بارز آخر بتعامله مع برنامج »الف موهبة«، وفي ولاية فلوريدا اجبر مركز علاج السرطان في مدينة تامبا ستة موظفين بارزين على الاستقالة من مراكزهم بسبب تواصلهم مع البرنامج نفسه من دون ابلاغ مؤسستهم الجامعية.

 اطلقت النيابة العامة سراح تشارلز ليبر بكفالة مالية قدرها مليون دولار، ومنعته من مغادرة البلاد، كما قررت المخابرات الاتحادية التوسع في التحقيق والبحث عن رابط دلالي  بين اقامته المختبر العتيد في ووهان وبين  ظهور كورونا  من هناك.

في الأثناء اعاد بعض المدونين إلى الأذهان رواية داني كونتز الصادرة سنة 1981 وعنوانها »عين العتمة«. في صفحاتها الأخيرة يتنبأ كونتز بظهور فيروس اطلق عليه اسم »كورونا 400« الذي سينتشر بحسب تصوره سنة 2020 في الكرة الارضية كلها وهو يشبه الالتهاب الرئوي، يهاجم الشُعب الهوائية بضراوة ويقاوم جميع العلاجات ، لكنه لا يصيب سوى البشر… انه سلاح مثالي يقضي على البشر ويهدم الاقتصاد العالمي ويعيد الكرة الارضية مئات السنين  إلى الوراء!

ليس غريباً ان يتلقف مدونون آخرون تلك المفارقة العجيبة ليعيدوا إلى الاذهان تصريحاً لطبيبة فنلندية مخضرمة تدعى راوين كيلدي لدى انتشار انفلوانزا الخنازير سنة 2009 وحينها قالت كيلدي ان الولايات المتحدة الاميركية تعد العدة لإبادة ثلث الجنس البشري بواسطة تطوير اوبئة ماحقة ومن دون اطلاق صاروخ واحد!

وبالطبع استرجع المتشائمون ذلك التصريح  وتخيلوا الويل والثبور وعظائم الامور لكل من هبّ منا ودبّ في اتجاه بصيص امل ولو انه في عمق اعماق النفق الدامس…

العدد 105/حزيران 2020