كورونا الرابح والخاسر؟

الدكتور إبراهيم الحريري

تعودنا أن الأزمات تنشأ عادة عن طريق الحروب واشهرها الحروب العالمية التي أفقرت دولاً ونهضت بدول واخفت دول وامبراطوريات عن الخريطة العالمية، ومن ثم أتت حروب تجارية وأزمات ركود كالكساد الكبير وأزمة الرهن العقاري التي عصفت رياحها من أمريكا وأصابت كل دول العالم وإن تباينت شدتها.

لكننا اليوم بأزمة عالمية جديدة، فتكت بكل دول العالم دون استثناء، وعبرت الحدود دون استئذان أو جواز سفر، لتفتك بالبشر دون تمييز بين كبيرهم وصغيرهم وذكرهم وانثاهم وأبيضهم وأسودهم ومُتدينهم وسواه، إنه الوباء كورونا.

الوباء يشير الى الانتشار السريع للمرض عبر منطقة جغرافية واسعة، ويصيب كثير من الناس، يحدث الوباء عادةً بسبب سلالة فيروسية جديدة، أو نوع فرعي أو بكتيريا تصبح مقاومة للعلاج بالمضادات الحيوية.

قد يكون لدى البشر مناعة ضئيلة أو معدومة ضد فيروس جديد. في كثير من الأحيان لا يمكن أن ينتشر فيروس جديد بين الناس بشكله الطبيعي، ولكن إذا تغيَّر أو تحوَّر، فقد يبدأ في الانتشار بسهولة، ويؤدِّي إلى وباء.

جعلت العولمة العالم أكثر عرضة للآثار الاجتماعية والاقتصادية الناجمة عن تفشي الأمراض المعدية. وتوقع صندوق النقد الدولي  »إن الخسائر المتراكمة إلى الناتج المحلي الإجمالي العالمي خلال عام 2020، و2021 من أزمة الوباء يمكن أن يكون حوالي 9 تريليون دولار«.

تاريخ الأوبئة العالمية:

طاعون جستنيان (541-542): عدد الضحايا كان حوالي 50 مليون شخص اي 25 من سكان العالم، السبب بكتريا اليرسينيا الطاعونية، والأصل للبكتريا جبال تيان شان على حدود قيرغيزستان وكازاخستان والصين، بداية اكتشاف الوباء كان من ميناء بيلوسيوم بالقرب من السويس في مصر، وكانت الفئران والجرذان بالسفن تنقل هذه البكتريا، وفترة الاصابة أربعة ايام تؤدي للموت الحتمي، وكان يموت بالذروة عشرة الاف شخص يومياً بالقسطنطينية.

الموت الأسود( 1346-1353): عدد الضحايا كان أكثر من 75 مليون شخص اي حوالي 50 من سكان العالم بما فيهم أوروبا وكان نسبة الموت بمصر 40 وبألمانيا 20 ، السبب بكتريا اليرسينيا الطاعونية نفس السابقة، بداية اكتشاف الوباء اسيا الوسطى والتي تعد موطن للمرض بوجود الامبراطورية المغولية.

الكوليرا (1816-1994): هي الأمراض المعوية المُعدية التي تُسببها سلالات جرثوم ضمة الكوليرا مسببة الاسهال الحاد. وتنتقل الجرثومة إلى البشر عن طريق تناول طعام أو شرب مياه ملوثة ببكتيريا ضمة الكوليرا من مرضى كوليرا آخرين تؤدي الإصابة الى الموت المحتم بفترة 18 ساعة بحد أقصى إن لم يعالج المصاب، وكانت البداية من بلاد البنغال(الهند) عام 1816 وحصدة 10000 من القوات البريطانية والملايين من الهند، ونهاية بعام 1994 بحصيلة أكثر من مليون ضحية بالبيرو، ويعتبر من الأوبئة المسيطر عليها بواسطة المضادرات الحيوية والنظافة.

الإنفلونزا الإسبانية (H1N1) (1918-1920): عدد الضحايا كان حوالي100 مليون شخص. رُصد المرض لأول مرة في مقاطعة هاسكل بكنساس، في يناير 1918، في أغسطس 1918، ظهرت سلالة أكثر ضراوة في وقت واحد في بريست، فرنسا؛ وساهم الحلفاء بالحرب العالمية الأولى بنشر الوباء كان يصيب كل الاعمار وأكثر الوفيات كانت اقل من 65 سنة،

الإنفلونزا الآسيوية H2N2 (1957-1958): تشمل الأعراض: حمى، أثر أنفي، التهاب الحلق، ألم عضلي، صداع، سعال وإعياء يقتل سنويا حوالي نصف مليون حول العالم.

إنفلونزا هونج كونج 1968-1969(H3N2): أدى لوفاة مليون شخص حول العالم فقط وبعتبر الأقل فتكاً.

إنفلونزا الطيور (H5N1) 1996: ظهر في الصين عام 1996، اودى بحياة الملايين من الطيور.

سارس (2003): اول إصابة في شمال الصين في شهر ديسمبر/كانون الأول من عام 2002م.

فيروس كورونا (SARS CoV 2 –covid19) 2019: بدأ من وهان الصين بشهر سبتمبر 2019 وانتقل لكل دول العالم ليتحول لجائحة لتبلغ عدد الاصابات بالملايين والموتى تجاوزوا 400 الف حتى كتابة هذ المقال.

ما هي عوامل انتشار الأوبئة المعاصرة؟

أصبح الأشخاص اليوم أكثر تحرّكاً دولياً، ويحتمل أن يعيشوا في المدن أكثر من الماضي، وهي عوامل تزيد من خطر انتشار الفيروس.

يزيد الاتصال الأسرع من خطر الذعر، وفرصة انتقال الأشخاص المصابين للإصابة في محاولة للهروب من المرض، ومن المحتمل أن يأخذوا الفيروس معهم.

قد يستغرق الأمر أشهراً أو سنوات حتى يصبح اللقاح متاحاً؛ لأن فيروسات الوباء هي عوامل جديدة وغالبها متحول.

ستكون المنشآت الطبية غارقة، وقد يكون هناك نقص في الموظفين لتقديم الخدمات المجتمعية الحيوية، وذلك بسبب كل من الطلب والمرض.

من الخاسرون من كورونا؟

أصبحت رشاقة الأعمال والقدرة على الاستجابة والتكيف مع التغيير بشكل أسرع وأكثر ذكاء، وهو التحدي الذي يواجه كل الشركات عبر القارات، ومن أهم القطاعات المتضررة من الوباء:

قطاع الخدمات (النقل والعقارات والسفر والسياحة): ففي قطاع الطيران لم تغادر الطائات الأرض، وكان العدد المتوقع للمسافرين حسب موقع (www.statista.com) 4. 72 مليار مسافر لعام 2020 بايرادات 581 مليار دولار امريكي وتم خسارة 314 مليار دولار، وكثير من شركات الطيران استغنت عن موظفيها ومهددة بالإفلاس.

قطاع الطاقة: النفط لا قيمة له في مجتمع بدون استهلاك، لذلك هوت أسعار الطاقة وفي مقدمتها النفط ليصبح خام برنت بقيمة 18 دولار امريكي، ولأول مرة بالتاريخ ينهار سعر برميل خام غرب تكساس الوسيط 37، 63 دولارا تحت الصفر بتاريخ 20ابريل 2020، مما اضطر الدول المنتجة لتخفيض الانتاج.

قطاع التوظيف والبطالة: فقد بالولايات المتحدة الاقتصاد الأكبر 26 مليون ليرتفع معدل البطالة الى اكثر من 4 بالمائة، هو أعلى مستوى منذ أغسطس 2017.

تجارة التجزئة: حيث أجبرت إجراءات الإغلاق خلال الوباء العديد من المتاجر، وتم عزل المستهلكين وإبقائهم في المنزل. ازدادت عبر الانترنت، وتجاوزت نسبة الانكماش 10 بالمائة عالميا، وخسرت أوروبيا 3. 2 مليار دولار، والمطاعم تحولت للتوصيل فقط مما ادى لخسارة مضاعفة، وحذر الاقتصاديون من أن المستهلكين قد لا يستأنفوا الإنفاق حتى بعد رفع إجراءات الإغلاق.

القطاع الصناعي: أدى انخفاض الطلب على السلع إلى تفاقم التحديات التي يواجهها المصنعون، وكذلك انقطاع سلاسل الامداد وخصوصا للمواد الوسيطة والمواد الأساسية، واجراءات الإغلاق العام بكل الدول المنتجة والمستهلكة قد كان أكثر المتأثرين صناعة السيارات والسلع الالكترونية.

قطاع التجارة العالمية: توقع صندوق النقد الدولي انكماش بنسبة أكثر من 12 بالمائة للتجارة العالمية وانكماش عالمي بنسبة تفوق 3بالمائة.

فقد كثير من العلماء والمفكرين والمستشارين الذين بعمر أكثر من 65 سنة وعندهم مشاكل صحية وتمكن الوباء منهم.

من الرابحون من كورونا؟

مصنعون الأجهزة الطبية بشكل عام والمتعلقة بكورونا خصوصاً كالكمامات واجهزة التنفس والبسة الوقاية والمعقمات.

منصات التعليم والاجتماعات الالكترونية والتي أصبحت القنوات البديلة للتعليم والتواصل مثل زووم، غوغل مايكروسوفت، وغيرها.

الاطعمة الصحية والمكملات الغذائية والفيتامينات مثل فيتامين سي وبي والزنك وزيت السمك والسيلينيوم وغيرها.

شركة التوصيل وذلك بظل الاغلاق الكامل، والتي تكفلت بتوصيل الطلبات لأصحابها على مدار الساعة دون انقطاع.

زيادة الطلب على وظائف القطاع الصحي، والأعمال المساندة له وتقديرهم أعلى تقدير.

الكوكب يتجدد بسرعة بدون تدخل البشر وهذا ما حصل لترميم طبقة الأوزون بسبب نقص انبعاث الغازات الضارة بالطبيعة بسبب الإغلاق الطويل.

الحيوانات تفرح بالحظر والإغلاق وتستغله خير استغلال.

ماذا علمتنا كورونا؟

الكادر الصحي والعلماء والأطباء والمحللون والمفكرون هم من يستحقون التقدير والأجور العالية، وتكاتف البشرية بالجائحة للسيطرة عليها يرجع الفطرة السليمة ورغم كل الحروب الإعلامية لمصدر الوباء وتصنيعه مخبريا أو تطوره طبيعياً، أكثر من ما يكسبه أساطير الميديا والرياضة والفن، إعادة ترتيب أولويات حياتنا وأهمها بناء مدارس ومستشفيات بشكل أكثر والنظر للأنظمة الصحية المعمول بها عالميا من أجل تطويرها للوقاية ومواجهة الأوبئة، ونستطيع قضاء إجازاتنا في منازلنا واكتشاف العائلة وليس السفر شرطا: والتعود على الحياة الصحية بدون الوجبات السريعة ليس بالأمر الصعب، ليست النساء من يحسن الطبخ فقط بل الرجال كذلك، واكتشفنا بأن أغلب الناس باستطاعتهم العمل من المنزل، ليس كل الاعلام ذو مسؤولية مهنية، التهويل سلاح ذو حدين يزيد الانضباط ولكنه يُشيع الخوف، لا مكان للكهنة والمشعوذين بوجود كورونا لا شفاءً ولا توقعاً. والاغنياء في الحقيقة أقل مناعة من الفقراء، الأزمات تُظهر حضارة الدول والمواطنين والحكومات والقيادات بمعالجة التحديات وخدمة الوطن والمواطن اينما كان، حتى الحيوانات تشعر بالحجر الصحي، الوباء لا يميز بين البشر فالكل سواء، بالحظر والإغلاق احسسنا بنعمة الحرية التي لا نقدرها، من الصعب الحصول على دواء ولقاح آني لأي وباء ولكن يحتاج اسابيع وشهور وربما سنوات، الأوبئة تغيرنا وتجدد لنا حياتنا إذا كنا من الناجين ودمتم منهم.

العدد 106/تموز 2020