إرنديرا غارسيا ماركيز-الإتجار بالبراءة وهتكها في محيط الفقر والخرافات

ملبورن ـ جاد الحاج

كتب غارسيا ماركيز سيناريو  »إرنديرا« بين نهاية سبعينات القرن العشرين ومطلع ثمانيناته. ثم حوّل السيناريو رواية ودفعها الى النشر. وحين أبدى السينمائي البرتغالي روي غويرّا رغبته في تصويرها للشاشة عاد ماركيز وكتب السيناريو من جديد. ربما لإعتقاده بأن غويرّا الخارق كمصوّر سينمائي يعرف حقيقة الفئات المهمشة في مجتمعات اميركا الجنوبية عن كثب، ولعله ينجز عملاً ممتازاً موضوعه الإتجار بالبراءة وهتكها في محيط شديد الفقر، كثير الخرافات.

 يبدأ الشريط كما الرواية برياح عاصفة تهب على مساء روتيني من يوميات إرنديرا وجدتها. الحفيدة في الطعش من عمرها تساعد جدتها على الاغتسال. تفرك بالصابون ظهر الجدة الموشوم بما يشبه العقرب. وبصوت بطيء، ناعس، يتسوّل جواباً مهدّئاً، تقول الجدة إنها حلمت بوصول بطاقة بريدية.

ـ متى؟ تسألها إرِنديرا.

ـ الخميس. تجيب الجدة فتقول إرِنديرا بنبرة ناعسة:  »لعلها تحمل أخباراً سيئة، لكنها لن تصل أبداً«.

تعيشان قرب الحدود المكسيكية في منزل محتشد بالأثاث الفخم والثريات الضخمة والخزف الملون والتماثيل البرونزية وستائر تستر ستائر أخرى. أمام المرآة، بعد الحمَام، تساعد إرنديرا جدتها على نزع شعرها المستعار لنكتشف أن شعرها الطبيعي لا يشكو من شيء. لكنها تخفيه بناءً على عادة فضفاضة من بذخ ٍ مضى وانقضى.

أمام الــيانو في البهو الواسع تعزف الجدة وتغني لوعة الغرام بالفرنسية. وفي المطبخ إرنديرا تتأمل صوت الريح وطقطقة شناشيل الثريا. ينحني رأسها دفعة واحدة كأن عنقها انقطع، وترفع جبينها فإذا بها جامدة العينين. ثم تنهض صاحية / نائمة وتملأ القِدر حساءً وتحمله إلى مائدة الجدة وتسكب لها وهي في حال أخوذ غريب. لدى عودتها إلى المطبخ تناديها الجدة فجأة فتجفل ارنديرا ويسقط القدر من يدها.

ـ لا تهتمي، تقول العجوز، كنت تمشين وأنت نائمة، امسحي السجادة لاحقاً.

ـ إنها عادة في بدني، تجيب إرنديرا.

بعد العشاء تستمع الجدة إلى إسطوانة من الأغاني الأولى لإديث ـياف عن براءة مهدورة في ماخور. تبكي وهي تأكل الحلوى بأصابعها في شراهة مبالغة. بعدئذ ترافقها إرنديرا إلى السرير فتدخل فوراً في زوغة النوم بعينين مفتوحتين. على الأرجح انها مصابة بشلح العين، أو ما يسمى ايضاً بـ العين الارنبية نسبة الى النوم الصاحي لدى الكلاب والقطط

إرنديرا غارسيا ماركيز

والارانب إذ تغفو وعيونها شاخصة الى فراغ. لكنه في حال الجدة عالمها الداخلي وقد استحوذ على كامل بصرها وبصيرتها فما عادت ترى شيئاً مما يحدث حولها ومع ذلك تُصدر حزمة أوامر، عن كلٍّ منها تجيب إرنديرا بــ نعم جدتي:

 لا تنسي كيّ ردائي لتنامي بضمير مرتاح/ نعم جدتي/ غداً صباحاً تمسحين أرض البهو/ نعم جدتي /تفحصي مصاريع النوافذ فالعثّ يجوع في الليالي العاصفة / نعم جدتي/ خذي الأزهار إلى الخارج كي تتنفس/ نعم جدتي/ اطعمي النعامة/ نعم جدتي/ رتّبي كل شيء قبل أن تنامي فالأشياء تتعذب في غير أمكنتها/ نعم جدتي.

صوت ارنديرا خافت على اهبة الصمت. تضع شمعداناً قرب النافذة وللتو تنام من تعبها فيلتقط الساتر لهب الشمعة.

في المشهد التالي تجلس الجدة على كرسي كالعرش وسط حطام بيتها المحترق عن بكرة ابيه. إرنديرا تبكي على بعد خطوات. ثلاثة عمال، بالكاد تنجلي قاماتهم، يبحثون في ركام المحرقة عما يمكن إنقاذه. زوجة أحدهم تناديه كي يرى كيف ان راحة يد إرنديرا خالية من خطوط القدر. وذلك في اعتبارهم فأل سيّء جعل الرجل يصيح:  »لا، لن أعمل هنا أبداً، يدها بلا خطوط!« وهرول خارجاً مع زوجته وطفلة لم نتبيّن وجودها حتى اللحظة الاخيرة.

ـ أيتها المسكينة، تقول الجدة لإرنديرا، لن تعيشي كفاية لتدفعي ثمن فعلتك، وأنت لا تملكين سوى نفسك.

وتجلس الجدة إلى طاولة حقيرة في حانوتٍ بلا ملامح. أمامها حانوتي سمين يرتدي فانيللا قذرة. إرنديرا الجالسة على كرسي آخر في فستان باهت مترهل تصغي إلى المقايضة على سعر بكارتها. تشبه طيراً يلفظ أنفاسه وقسمات وجهها لا تزال معقودة على مشهد ما بعد الحريق. يدور الحانوتي حولها كأنه يتحرّى مشروع ذبيحة. ثم يقول إنها:  »كاعب بثديي جروة، ما زالت يافعة جداً: مئة ـيزوس«.

 »مئة!« تستهول الجدة دناءة العرض.  »مئة ـيزوس ولم يمسها مخلوق! لا يبدو أنك تقدّر قيمة النقاء. هذه البنت مدينة لي بمئتي ألف ـيزوس!« دورة اخرى حول الضحية ويضيف الحانوتي خمسين ـيزوس، لكن الجدة تمانع وتعاند فيضع الحانوتي إرنديرا على القبّان ويزنها كأنها كيس فارغ بلله المطر:  »أربعون كيلواً، مئتا ـيزوس«.

 »مئتان وخمسون ومؤونة ثلاثة أيام«، تقول الجدة بحزم. فيوافق الحانوتي القذر. وبصفعة قوية يُفقد ارنديرا مقاومتها وصوابها والدفاع عن نفسها وطبعاً بكارتها.

حياتها الجديدة: وفاء الدين برأس مالها الوحيد.

تنصب الجدة ماخورها في خيمة على مشارف بلدة حدودية، وتنتظر امام المدخل. أول العابرين ساعي البريد المفلس يقطع وعداً بنشر خبر إرنديرا في الأنحاء.  »أدخل« تدفعه الجدة بعدما نبشت جيوبه واكتشفت نصاعة افلاسه.

لكنه فعلاً صاحب وعد، ففي اليوم التالي تدفق الظامئون إلى الحب، سكارى وراقصين، وأشعلوا الليل حول مهجع إرنديرا، وتعاظم الإقبال وتكدس المال في سلة الجدة. وفيما العيد حول الخيمة هازج والدنيا بألف خير تعتري إرنديرا حرارة عالية فترتعد وتنوح:  »إنني أموت«.

تفرط الجدة رتل جنود بكامل سلاحهم وخوذاتهم، وموسيقيين وسكارى ولّوا جميعاّ هاربين من صراخها وشتائمها.

بعد قليل، أمام مدخل الخيمة، تكتشف الجدة فتى بهيّ الطلعة، حسن الهندام، واقفاً وحده في ذكرى الرتل العتيد.  »هه! أين جناحاك؟« تقول الجدة على اعتبار أنه يشبه الملائكة.

ـ كان لجدي جناحان لكن ما صدقه أحد، أجاب الفتى بهدوء.

قالت الجدة:

 »أنا أصدقك. تعال غداً بجناحيك«.

 ولكن من يختلس من حافظة نقود والده ثمن الانضمام الى نادي البالغين لن يصبر حتى الغد، بل يتسلل إلى الخيمة من الخلف. وتكون إرنديرا قد تلملمت واغتسلت وانتعشت قليلاً. يحاول زج ّ المال في يدها معرّفاً بنفسه :

ـ أنا يوليسيس.

 عليك أن تعود في الصباح.

ـ لا أستطيع لأننا سنرحل باكراً.

 عريه النضر ذكرها بما كانت عليه قبل الحريق فرقّت وأخذته الى قلبها.

 »ما عادت تمطر كما أمطرت منذ عشرين سنة يوم اختلط المطر بمياه البحر وامتلأ البيت بالسمك والأصداف« قالت الجدة من قارة سباتها، فأجفل الفتى وحملق عجباً. لكن إرنديرا طمأنته بأنها تهذر في نومها، ولن يوقظها أحد.

يقول يوليسيس إنه ووالده يهرّبان الجواهر في ثمار البرتقال عبر الحدود. تبتسم ارنديرا وتجيب:  »كم تبدو جدياً وأنت تمزح«.

 لكنه لا يمزح ويعدها بالبرهان قريباً، ثم يخرج من خيمتها مفضوض البكارة، عاشقاً كامل الأوصاف.

في البلدة إرسالية يعتبرها الأهالي همزة وصل بين الأرض والسماء. رئيسها يوبّخ الجدة على ما تفعله بحفيدتها، لكنها لا تأبه ولا تأخذ تهديداته على محمل الجد. وفي ليلة بلا قمر ولا نجوم، يتسلل أفراد الإرسالية إلى خيمة الجدة ويخطفون إرنديرا إلى حيث يقصون شعرها ويلبسونها رداء بسيطاً ويسلمونها مهمة شطف الأرضية. تفاجأ إرنديرا بفضاء نقيّ، هادئ. تر ى للصمت وجهاً خالياً من الهلوسة والجنون، وللبشر عيوناً لا أثر فيها للرغائب السافرة. ولعلها شعرت بإسراء داخلي مريح حين اقتربت من باب الكنيسة وسمعت عزفاً على الـــيانو تؤديه راهبة جاءت تتعبد وحدها. وقفت ارنديرا تستمع الى العزف. وما لبثت ان قالت كأنها تحلم:  »أنا الآن سعيدة«.

أمام الإرسالية ترابط الجدة بلا كلل، ولا تتوقف عن المطالبة بحفيدتها.  »روحي بلّطي البحر« قال لها شرطيو المدينة. وقال لها مصوّر جوّال يظهر بين حين وآخر إن الإرسالية هنا منذ ثلاثمئة سنة ولا احد يستطيع مسّها، ونصحها باللجوء إلى شخص من قلب السلطة.  »لا اعرف أحداً في السلطة لكنني سأحاول لو سنحت الفرصة«. قالت الجدة.

 ذات صباح ترى مجموعة شبان وفتيات يتجهون نحو الإرسالية في ملابس العرس، فتسرع لتستوقف يافعاً، ترشوه بالمال على ان يطلب يد إرنديرا ويتزوجها ويأتي بها إلى الخيمة. يحاول الفتى تنفيذ مهمته ويكاد ان يحققها، لكن ارنديرا آثرت العودة الى جدتها بدل الزواج منه.

 إثر عودة ارنديرا اصيبت مومسات البلدة بحالٍ مزرية من البطالة والعوز والضجر. ينظرنَ من نوافذ ماخورهنّ إلى رتل طويل ينتهي عند خيمتها وحدها. لماذا؟ يحرقهنَّ الحسد وتحبطهن الخيبة:  »ما عندها وليس عندنا« تصيح احداهن. يتشاورنَ ويتنافرنَ وفي النهاية يتجمعنَ ويهاجمنَ الخيمة ويحملنَ إرنديرا في سريرها إلى الخارج حيث يتركنها تحت النجوم بلا غطاء طوال الليل. كل هذا والجدة متوترة، لا خوفاً على حفيدتها، بل على تحصيل ديونها قبل أن تفلت الحفيدة مرة أخرى إلى غير رجعة.

ويلوح في الافق بريق امل بحصول الجدة على غطاء  »سياسي« لممارسة مهنتها بحصانة من فوق.

 أهالي البلدة يهيؤون استقبالاً حافلاً لمرشحهم أونيسيمو سانشيز(ميشيل لونسديل) صاحب الوعد القاطع بالخلاص من القحط والهوان. يافطات وشعارات ومكبّرات صوت ومجسم سفينة على سطح البلدية. ويصل أونيسيمو، يترجل من سيارة سوداء فارهة وسط تصفيق المؤمنين بوعوده. خطابه مطابق لإبداع جماعة  »سَ« ذات الحضور الملحوظ في صحارينا الجميلة.

  »نحن هنا لنتحدى الطبيعة!« يخطب أونيسيمو في جمهوره.  »سـتكون لدينا آلات فلاحة متطورة! وسـوف تنمو في أرضنا البقول والأشجار المثمرة! سـوف يتحقق حلمنا بسكة الحديد والمطار… وس َ…« وتنطلق حمائم بيضاء في سماء القفر الغباريّ العطشان.

الجدة تؤنّق حفيدتها وتبرّجها قبل إرسالها إلى أونيسيمو.

 يدخل أونيسيمو الى غرفته، في يده وردة بيضاء يركنها على النضد قرب السرير. يحلّ ربطة عنقه ويخلع سترته ويستلقي منهكاً من الحرَ. تجد إرنديرا حارسه نائماً على كرسيّ خارج الغرفة، وترى فراشة ترفرف وتطبع جناحيها على الجدار الأبيض ثم تختفي. ويطل أونيسيمو:

ـ ماذا تفعلين هنا؟

ـ أرسلتني جدتي لزيارتك.

ـ تفضلي.

تتبعه ويلفح هواء التبريد كدسة إعلانات ورقية ترفرف في فضاء الغرفة، يلملمها أونيسيمو بسرعة ويركنها جانباً. تنظر إرنديرا إلى الوردة على النضد ملياً وتقول:  »هذه وردة. رأيت صوراً لها من قبل«.

ـ الورود النضرة في الصباح، أجاب السياسي، تمسي ذابلة مع غروب الشمس.

 إضاءة المشهد نهارية صافية، نقيض المساءات المعتكرة بالأشباح ونيران الشيّ ومصابيح الزيت وغبش الظلمة الرطبة في البيداء. ليس هنا ما يدعو إلى التبحر. فالسياسي مخادع يعرف نفسه مخادعاً. ولعله ضحية أخرى من ضحايا نفسه. والجمهور المنوّم بالوعود المؤجلة ما زال يفضل وعداً محكوماً بالحنث المسبق على اليأس المطلق. تلك مسائل في منتهى الوضوح، وقد جاء التعبير عنها في وضح النهار، بلا رتوش.

وكأنه على اريكة محلل نفساني يعترف أونيسيمو أنه مدرك تماماً حجم نفاقه، فلن يتمكن من الوفاء بوعوده لأنه سيموت بعد ستة أشهر و11 يوماً بالضبط، لكنه لن ينقل إحباطه إلى ناخبيه المحبطين أصلاً منذ ألف عام! ويعانق إرنديرا، يلامسها، يتحسس جسمها بمد وجزر من الرغبة والوهن.

ـ ما هذا؟ يتساءل لدى لمسه حوضها.

ـ إنه حزام العفة، هل تريدني أن أذهب لإجلب مفتاحه من جدتي؟

ـ الملعونة! لا، لا تذهبي. استلقي قربي قليلاً.

ينهض يوليسيس ليلاً من سريره، ويخرج سرّاً إلى حديقة البرتقال الملغوم باللآلئ، يقطف ثلاثة، يزجها في سترته، ويصعد إلى شاحنة أبيه وينطلق بحثاً عن خيمة حبيبته. في طريقه يلتقي ساعي البريد الذي يرشده إلى مكانها، ويرى المصوّر الجوّال قرب الخيمة والجدة الجالسة إلى سلة المال. يدفع ويدخل. تنزلق ملابسه عنه كأنها بلا أزرار. يناوم إرنديرا بشوق ويشق برتقالة كي ترى الجوهرة في داخلها، ويدعوها إلى الهرب معه:

ـ لا أستطيع الذهاب إلى أي مكان من دون إذنها.

ـ لا تخبريها.

ـ ستعرف من أحلامها.

ما زال قضاء الجدة ساري المفعول على قدر إرنديرا. لقد مرّ غويرّا بكفّها الخالي من الخطوط مرور الكرام خصوصاً ان ماركيز يولي الخرافات والاوهام السائدة في مجتمعه اهمية لافتة. لكنني شاهدت الفيلم أربع مرات على فترات متباعدة ولم أنتبه إلى رمزية خطوط اليد إلا لدى مطالعتي الرواية. فإرنديرا لن تصبح حرة إلا بعد انعتاقها من جدتها. والحبّ الذي بدأ يربطها بيوليسيس أيقظ فيها إدراكاً ما خطر ببالها من قبل. لكنه إدراك قد يقود الى القتل.

ـ هل تستطيع أن تقتل من أجلي؟

ـ أعتقد أستطيع، يجيب يوليسيس.

ويحاول العاشقان تسميم الجدة. يعجنان كعكة عيد ميلادها بمبيد زراعي من شأنه ان يقتل فيلاً. رهيب إفلاتها من منجل عزرائيل. كل ما فعله السم أن جعل شعرها يهرّ خصلة بعد خصلة حتى صلعت، واستعادت باروكتها بين البكاء والقهقهة. خاب العاشقان؛ إرنديرا سخطت ويوليسيس ندم لكنه لم يتراجع، بل سرق شاحنة والده وانطلق بها نحو الحدود مع إرنديرا وكادا أن ينفذا بريشيهما لولا مطاردة الجدة ووالد يوليسيس برفقة الشرطة. وفي المطاردة يطلق الجنود النار على المصوّر في دراجته صوب الحدود أيضاً فيردونه قتيلاً.

 اخيرا وليس آخراً يعود يوليسيس إلى أبيه وإرنديرا إلى جدتها.

الجدة تحلم بطاووس في أرجوحة بيضاء. ويوليسيس يفخّخ الــيانو قبل أن تأتي الجدة إلى عزفه، وما ان تبدأ بالعزف ينفجر الــيانو ويندلع حريق آخر في الخيمة. لكن الجدة لا تتأذى بل تضيف مصاريف تأهيل الخيمة إلى ديون حفيدتها.

ـ إنها أقسى من قبل، يقول يوليسيس.

ـ الحقيقة أنك غير قادر على القتل، تجيب إرنديرا.

عندئذ يتناول يوليسيس سكيناً ويطعن به الجدة في ظهرها ثم في صدرها ثم في عنقها. وننظر إرنديرا إلى راحة يدها فرأت خطوط الحظ ظاهرة بوضوح تام. للتوّ تتغير، كأنها تخلصت من كامل ماضيها وبدا حاضرها أفقاً مفتوحاً بلا حدود. وبلا رفة جفن تأخذ ذهب جدتها الموضب في سترة خاصة وتغادر المكان جرياً يتبعها ويناديها يوليسيس لكنها تختفي تاركة آثار قدميها بلون الدم اليابس على الرمال الجافة.

 ثم سمعنا صوتها يقول:  »ركضت أسرع من غزالة ولم يوقفني أحد، ولا عرف أحد شيئاً عن مصيري«.

انها الحرية وثمنها.

العدد 106/تموز 2020