عبد الرحمن اليوسفي كان يتنفس برئة شعبه

معن بشور

لم يكن ممكناً لي أن أزور المغرب مرة، دون أن أطلب لقاء مع المناضل الكبير ورئيس وزراء المغرب السابق الأستاذ عبد الرحمن اليوسفي، برفقة احد ألاخوين العزيزين المحامي المناضل خالد السفياني او المفكر المعروف الدكتور عبد الإله بلقزيز.

ففي حضرة اليوسفي، تجد نفسك امام قامة تاريخية لم تفقده حماسته للنضال الحكمة والعقلانية، كما لم تحرمه مواقع السلطة، وقد تبوأ الأعلى بينها، تواضعه وقربه من الناس، بل استقبال أصدقائه في منزله المتواضع في الدار البيضاء.

كان اسم عبد الرحمن اليوسفي واحداً من الأسماء الكبيرة التي واكبناها منذ ستينات القرن الماضي كرموز للنضال الوطني والقومي في المغرب، وعلى الصعيد العربي، جنبأ الى جنب مع الشهيد المهدي بن بركة، والراحلين الفقيه محمد البصري، والقائد الوطني البارز عبد الرحيم بوعبيد ورئيس الوزراء الأسبق عبد الله إبراهيم، والقيادي النقابي الشهير المحجوب بن صديق، وتابعنا من خلالهم، كل فصول نضالهم، من السجون الى المنافي الى المواقع النيابية والحكومية.

في سنوات المنفى الطويل، ومن خلال دوره كأمين عام مساعد لاتحاد المحامين العرب، كان اليوسفي واحداً من أبرز حاملي الهموم العربية، لا سيما في فلسطين والعراق وكل جرح من جراح الأمة… وكانت تربطه أوثق الصلات بقادة حركة التحرر القومي على أمتداد الوطن العربي…

لم يكن اليوسفي قائداً سياسياً فحسب، ولا رجل دولة فقط، بل كان أيضاً مثقفاً كبيراً، اذ لا أنسى حرصه وهو رئيس للوزراء على مواكبة اعمال ندوة «المشروع النهضوي العربي التي نظمها مركز دراسات الوحدة العربية في مدينة فاس في نيسان/ ابريل 2001»، وحضوره بعض جلساتها ومحاورة بعض المشاركين فيها وكانوا من أبرز مثقفي تيارات الأمة جميعاً.

في لقائي الأخير معه قبل ثلاث سنوات، لم يخف اليوسفي قلقه على أحوال أمته العربية، لا سيما في جو الفتن والاحتراب والحروب الخارجية عليها، وكان يدعو بكل صدق الجميع الى مراجعة جريئة للتجارب، كما فعل هو شخصياً بعد تنحيه عن رئاسة الحكومة. وقيادة

حزب الاتحاد الاشتراكي للقوى الشعبية، مشدداً على أهمية التركيز على المشتركات بين تيارات الامة والبناء عليها، ومحاصرة السلبيات والسعي للتخلص منها….

لقد عاش الرجل 65 عاماً من عمره البالغ 96 عاماً على رئة واحدة بعد استئصال الرئة الأخرى عام 1955، لكنه كان يتنفس دائماً برئة شعبه وبأوكسيجين نضاله الوطني والديمقراطي والعروبي الشامخ.

في وداع الرجل الكبير ننحني امام ذكراه، وندعو أيضاً الجميع في المغرب، وعلى أمتداد الوطن العربي على دراسة فكر وتجربةهذا الرجل الذي كان قائداً كبيراً في المعارضة، ورئيساً للوزراء على مدى سنوات، ففي دراستها فائدة كبيرة للأجيال المتعاقبة..

تحررنا القومي في العقود السابقة هي أن كل جيل كان يريد إلغاء من سبقه من أجيال..

العدد 106/تموز 2020