المسرح كما يشاع لا كما هو

عبيدو باشا

لا يزال المسرحيون يزوجون المسرح إلى العدم العميق. لا يجدون شمس المسرح عند المفارق. أحاديث سيكولوجية، بأحداث فجائعية، عمومية خادعة. أول الخداع أننا أموات. لا مولدون. لأن الثعلبة دين المسرحيين. يقف المسرح مع هؤلاء عند حدين. حد الكمال البهي. وحد الزوال. لا تُطلب التوافقات هنا. التوافق قصة عتيقة، تدفع المسرح إلى بعض الإنتفاضات الباطنية الصغيرة، بعض الإنتفاخات، حيث الكلمات الفاحمة تدفع المسرح إلى المراوحة في الساعات المفرغة من أشيائها، من معانيها، من أذرعها الخاصة. لا يريد أحد من عمليات الإرسال أن تؤكد على التعدد. توزيع الحصص أكثر. تفوه بالكلمات نفسها وسط الفوضى العالمية المختصرة أمراض العالم في شخصية الفرد. لا تمر جمهوريات المسرح جمهورية جمهورية. المسرح جمهورية أو مملكة أو أمارة عربية واحدة ذات رسالة خالدة. نقطة على السطر. خداع صنوه العقم الثقافي. خداع بسيطرة اجتماعية واضحة. بسيطرة أيديولوجية واضحة. خداع لا يقدم، خداع لا يؤخر. خداع يكسر عمليات اكتمال الوعي بعد أكثر من قرن ونصف القرن على مباشرة الإشتغال بالمسرح العربي مع مارون النقاش. خداع بدون تمييز.حيث قدم النقاش أوبرا لا مسرحية. حيث لم يلاحظ الإطلاقيون أن  »البخيل« لمارون النقاش لا علاقة لها بنص  »البخيل« لموليير. إطلاقيون دوماً.الإطلاق نظام لا يحقق حضور شروط المفاهيم ولا الأعمال ولا طرق النظر إلى الحياة والمسرح والنَّاس والجمهور. كتلة واحدة. طائفة.

مجموع الأوجه مسرح عربي. هنا يبرز سوء الفهم من خلال الإطلاق. هنا لن يتغير شيء، حيث يسعى الكثيرون إلى المحافظة على الأسس. لا لأنهم أولاد نظام. لأنهم بحرصهم على الأنظومة الوهمية، يحافظون على أنفسهم وعلى من تبعهم وعلى من يتبعهم، من لا يزال يتبعهم بدون إدارة.

بالكلام على مسرح عربي يضحي المسرح منزلاً واحداً. المسرح العربي. حين أن المسرح العربي مسارح. حقول مسؤوليات. لا حقل واحد. اختلاف الأقوال في هذا المجال، لن يولد سوى الشكوى. شكاوى حراس الهيكل. كسالى المسرح. منزل لا يمس. منزل تدور فيه لقم العيش كالصحون الطائرة. لا رأي في أفق. تدفع الإستفادة من المسرح (عبر جواهر الإقتصاد المسرحية) إلى خوض حروب، أشبه بالحروب الدينية، بروح عدائية لا هم لها إلا الإكتراث بالصلاحيات لا الواجبات، إلى تعميم مفهوم السادة والرعايا في جمهورية المسرح، المحشودة بالمآسي والتوترات. لا بأس من العودة إلى الأساس. لا مسرح عربيَ. الكلام على مسرح عربي، كلام إلحاد. خطأ، لا يلتقي فيه المعيار الأخلاقي (بغير المعنى التعليمي) المثالي بالواقع الوضعي. أو إدارة التنوع.

مسرح بكل دولة، بكل أمارة، بكل مملكة. لبنان والامارات والجزائر وتونس والمغرب والعراق والكويت والسعودية ومصر وغيرها من الدول. مسرح بكل دولة. لا مرونة بالكلام هذا. هذا كلام ضد الشكل المحدد، الواحد، المتوهم، بالكلام على  »المسرح العربي«. مسرح يمده الإطلاقيون على أنظمومة ثقافية غير حاضرة. غير موجودة. لا موقف إصلاحيَ. بالعكس. مغادرة مجال الإجتماع، بالطريق إلى الإجتماع. كون الناس لا تعيش بكون مسرحي واحد وقوانين واحدة ومعرفة واحدة وموقع واحد. تنظيم المسرح، بعيداً من المراجع الكثيرة والأشغال الكثيرة، يخزن المسرح (كل المسرح) في كل واحد. إذاك، لا حياة جميلة. لا حياة جذابة. لا حياة ما دام المسرح هنا وهناك وهنالك، يجبر على العيش بمعيّة الآخرين على جزر من وهم خالص. لأن من الضرورة أن يحيا الكل وينفصل، حتى بالبلد الواحد، وفقاً لمطالب الحياة الخاصة، على أسس التميز لا التمييز.

التفاعل بين التجارب العربية بالتسلسل. لا تولد الواحدة الأخرى. ما اجتمع الشرق والغرب مرة. لن يجتمع مسرح بمسرح على الخارطة العربية. ينهمك مسرحيون بالتحضير لمسرحياتهم في بلدانهم وهم يَرَوْن بعالم المسرح سوقاً، تصطف المسرحيات فيه مسرحية مسرحية. كل مسرحية من دولة عربية. لا تهم الوجوه. لا يهم سوى القفز فوق المثال المفرد، ما لا يعرف الكثيرون كنهه، حين يقرأون بكراسات غير مطبوعة عن المسرح العربي. الأنماط بالمدن ضرورة. كل نمط رعشة. لا تقترب الأنظومات إلا بالبذل. لا تقترب الأنظومات إلا بعلل الإقتراب. الوظيفة الأخيرة هي وظيفة التأسيس الإجتماعي لحضور المسرح في كل دولة عربية، على حرية المسرحي والمسرح. هكذا، تغيب الإختلافات العميقة، ما يسهل عمليات الحوار اللاحق، على التسليم بحق الإختلاف لا على العقيدة. عقيدة يعممها المتعصبون، كما لو أنهم أبطال عقيدة الثليث أو التجسد وأبطال عقيدة التسليم. متدينون لا مؤمنون. دينهم لا علاقة له بالواقع الصرف للمسرح. الواقع الثقافي والواقع الإنساني والواقع الإقتصادي. الحوارات الجدلية، تعبر بالمسرحيين إلى تلافي السقوط من جديد في غزو الآخر، بدون وجود روابط المعنى بالمعنى. تنطوي العملية هذه على نفسها لا على المطلق المنبوذ من من يمتلكون فسحة إظهار التخالفات والإقترابات، من يمتلكون قوى الفصل بين القصد والتعبير. لا تشابه بنيوي ولا شريعة ولا كينونة ولا طرق خاصة، بوظائف خاصة وامتيازات وظيفتها الأولى لا الرابعة، التحريك ثم التحريك ثم التحريك. لأن المسرح لا يزال بعيداً من المشاعية.مسرح ينسج الرفقاء، ثم لا يلبث أن يقع

عند اخطار استلزام الإشاعة للذات، ما دام المسرحيون لا يزالون يطرحون المسرح كضحية مشيعة. ضحية لا تزال تحتاج إلى هدي المسرحي إليها. هدي يبداً برسم العلاقة من المربع الأول. يذبح المسرحي المسرحي كلما وضع المسرح على مائدة المحتاجين لتحديد هويته. تظهر فتوة الكثير من المسرحيين أن المسرح غير موجود ككيان واضح بالوعي الجماعي للمسرحيين أنفسهم. لا يؤيد الكل السندات. لا يسند الكل المؤيدات. لا صورة جلية للمسرح، عند المسرحي، إلا صورة الضحية. ذلك أن العلاقة بين المسرحي والمسرح كالعلاقة بين الشرطة وغزل البنات. لا علاقة للشرطة بغزل البنات. لا علاقة لغزل البنات بالشرطة. لا يزال الكثير من المسرحيين يبحثون عن المسرح كغنُم لا كمنجم قفز فوق مطالعه منذ زمن. اعتبره البعض أساس طريقتهم بالحياة. اعتبره البعض جزء من المحاسن والآداب. صحيح أن المسرح ليس القاموس المحيط. إلا أن المسرح صدر مرحلة. صدر مراحل. تراجع أكيد بكل محيط.تراجع عند الكل. تراجع عند أصحابه الأولين. لم تبق َ آثاره باليونان، حتى أعاد اليونانيون اكتشافه بالمسرح الأوروبي، بالقرن الثامن عشر. صحيح أن المسرح ليس قاموس المحيط. إلا أن المسرح صدر مرحلة، صدر مراحل. نص نجده عند الجميع، إلا عند الكثير من المسرحيين، اتباع الطبري. الأخير، صاحب الكلام على شرطة الله. شرطة الله هم المسرحيون. جماعة تشارط على الموت. تشارط على الحياة. لأن سؤال المسرحي عن ما هو المسرح (يحدث هذا كثيراً اليوم) يدل على أن المسرح مسرح توابين عن المسرح. من يسأل، بعد عن هوية المسرح، بعد تركه في عهدة السؤال، يقدم أدلة أخرى على عدم وجود المسرح.الأخير سائب في عصورالجاهليةالجديدة عند مسرحيي الكلام والصلح والخصام في آن.

مسرح قربان وفداء ومحباوية للمسيبين الآخرين. هؤلاء من يقدمون معنى العيش للمسرح عند الضرورة. ثم، لا يلبثون يفرغونه من مخزوناته ومعنى الشيوع لا التشييع. قديم النفس موجود وغير موجود. هذا هو المسرح، على دسكات الحوارات والمؤتمرات. شعائر ظاهرية لفرضيات لا خلاصات. أو لخلاصات فرضية. هؤلاء هم المقلدون لا المعلمون. المقلدون من يضعون القلادة في رقبة التضحية الرمزية، بحيوان أو بشري.

المسرح حيوان البشري. البشري حيوان المسرح. لا يمحي المسرحيون شعورهم بالذنب بالتقشف. لا يمحون شعورهم بالذنب إلا بتقديم المسرح، مسرح الخصوصية والهوية، فداء لما يسمونه  »المسرح العربي«. جملة جماعة على جمعة. زهد وتشبيع. زهد بحضور المسرح، كمسرح قوم وفرق قوم. بصالح جمع الأقوام في مسرح واحد: المسرح العربي. لم يبقَ إلا الإحتفال بدلالة الكل على الجزء لا العكس. بغياب الجزء بالكل. سقوط الحرف المكاني في المسرح، سقوط للمسرح. التعميم تشبيح، من توزيع الآلام من قبل شبيحة المسرح على المسرح. ومن بلوغ المسرح مرحلة الشبح (أو المرحلة الشبحية) مع تناهي أصوات حروفه مما هو غير موجود. وغياب أصوات الحروف عن ما هو موجود.

المسرحي غير عادل هنا، إذ يتكلم على سلطة تقمع. بحيث تحول الآمال إلى رجع صدى. المسرحي سلطة فادحة، أفدح من سلطات الملك والأمير والرئيس. سلطة تبدأ من النص وتنتهي بالهواء. تضبط الغيوم بدل من أن تساهم بقيام الأسفار الجديدة بالمسرح. المسرحي سلطة لا تفعل سوى أن تتلقف كل ما هو راهن، لتركه في منطقة من بياض مرعب. بياض  »المسرح العربي«.

ربع خال، صحراء بلا ماء، لغز الموت وسط كثبان الرمل. وإذ لا يزال المسرحي ظمئاً، لأن بعض المسرحيين عالجوا مواطن الإعتلال بنصر بلا حرب.

بلا حروب. بحك جسم، حتى قشروه. ولا يزالون يتكلمون على مسرح بعد تقشير المسرح. لا يزالون يقشرون الواقع، عبر تسريبات كيميائية، لا تعالج قدر ما تشوه. قدر ما تزيد الخلق تشويهاً. لا مسرح ولا مسرح عربي. مسرحيات، كزهرات رقيقة وسط ريح زمهرير.