شعراء

جاد الحاج

يقول محمد الماغوط لو كان عندي حفيد في الثالثة من عمره وقيض لي ان أطوف به في أرجاء الوطن العربي كي أطلعه على معالم حضارتنا وتراثنا الانساني وكيف اننا نحتفي برموز تلك الحضارة ونُجلُّ روادها، لكنت بدأت الرحلة بالشعراء، فأخذته إلى شارع الشنفرى الذي قتل سنة 510م وكنت اخذته إلى شارع عنترة العبسي الذي قتل سنة 615م، والى شارع طرفة بن العبد الذي قتل سنة 569م. وكنت سأتوقف قليلاً في شارع عدي بن ربيعة التغلبي المعروف بالزير والذي مات أسيراً سنة 591م، لكنني ما كنت سأخبره كم عُذَب ابن المقفع حتى الموت سنة 759م ولا كيف قتل بشار بن بُرد سنة 784م أو الجاحظ الذي مات مفلوجاً في عزلته سنة 868م. وما كنت سأعرف كيف أروي له حكاية ابن الرومي الذي مات مسموماً سنة 896م أو حكاية ابن المعتز الذي قتل ايضاً سنة 908م وكنت سأتجنب الدخول في شارع المتنبي الذي قتل على صهوة جواده سنة 965م ومثله أبو فراس الحمداني الذي سقط قتيلاً سنة 968م.

كلهم على غرار معظم الخلفاء ماتوا قتلاً إما غدراً أو اغتيالاً أو في مواجهة دموية…

ولعل العجيب في هذه الأمة انها تقتل شعراءها ثم تدرّس قصائدهم في المدارس والجامعات ولا تأتي على ذكر نهاياتهم المأساوية.

أمتنا العربية تشبه يقول الماغوط سيارة ريفية هرمة، مخلخلة العجلات، مخلعة الأبواب، ممزقة المقاعد، بلا مكابح ولا مصابيح ولا نمرة. سائقها بلا رخصة وركابها يتكدسون فوق بعضهم بعضاً على المقاعد والأسطح والرفاريف وفوق غطاء المحرك ومؤخرته ولا يتوقفون عن الهزج والمرح والتلويح للسابلة، ومركبتهم تترنح بهم يميناً ويساراً على طرق وعرة بين الصخور الناتئة والوديان السحيقة، نحو هاوية لا يعلم قرارها إلا الله… مع ذلك نقرأ على مؤخرة تلك السيارة بالخط الكوفي الجميل: عين الحسود فيها عود!

ها انا ادخل مع قطتي عيادة الطبيب البيطري فأحييه قائلاً: كيفك حكيمنا؟ نعم، ماذا تنتظرون مني وأنا أنظف سيارتي بليفة ناعمة لكنني أستحم وافرك بشرتي بكيس فارغ كان يحوي بصلاً سلمونياً! ماذا تنتظرون مني وأنا أفرش كتبي في الشارع لأبيعها وأشتري بثمنها حذاء فاخراً! آكل في صحون من الورق المقوّى وخزانتي مليئة بالصحون والكؤوس البلورية التي تنتظر ضيوفاً لن يصلوا أبداً! نعم أنا استمع إلى الابراج كل صباح كي أعرف على اي خازوق سوف انتهي في المساء! وأنا مقتنع لسبب غريب ان صنبور المطبخ انظف من صنبور الحمام مع ان المياه نفسها تجري في الصنبورين!

 لكنني اكتب اشياء غامضة احياناً كالتالي:

للسادة جوارب سوداء

للسيدات جوارب حمراء

للأطفال جوارب بيضاء

لا فرق بين حذاء وحذاء

فكلها تشد السير قدماً

إلى البيداء

العدد 107/اب 2020