هل اصبحت ليبيا برميل بارود يهدد بالانفجار؟

الاسلام السياسي والطموح الاقليمي والدولي التوسعي

أمين الغفاري

الى أين تسير ليبيا..؟، بعد ان تقاذفتها الأهواء والمطامع من كل جانب، حتى أصبحت كبرميل البارود الذي يرتهن الى مجرد شرارة حتى تشتعل الأرض بالنيران الحارقة ؟ أم ان تزايد تلك الاهواء من جانب آخر وتزايد معايير القوة، أصبح في مجموعه يشكل مصدر امان ويرسل اشارات اطمئنان، باستبعاد شرارة حرب، نتيجة حجم الأخطار المتوقعة ان وقع المحظور وحدث أي اشتباك على الارض، فالقوى المتأهبة يختلط فيها الوطني والقومي والاقليمي بل والدولي، فالآن لم يعد اللاعب على الأرض قوتين ليبيتين فحسب تتصارعان على الشرعية في الحكم، حكومة الوفاق التي ترتدي معطف الشرعية نتيجة لأتفاق الصخيرات الذي عقد في المغرب عام 2015، ولم يكن الشعب الليبي بالتصويت طرفا فيه، والجيش الوطني الليبي الذي يستند الى دعم من مرجعية شعبية يوفرها له مجلس النواب المنتخب في مدينة طبرق في 25 يونيو عام 2014، وقد جرى الانتخاب في هذه المدينة نظرا للتدهور الامني في كل من طرابلس وبني غازي في تلك الفترة. ولكل من تلك القوى مناصرون ومؤيدون، بصرف النظر عن المقاصد، وعن الاتجاهات والعقائد، بل والضمائر.

الأرث الاستعماري

ليبيا – كما هو معروف – بلد غني بالبترول وبالغاز، وعلى ذلك تحيط به الأنظار الاستعمارية منذ تاريخ طويل، وفي اطار مفهوم الفوضى الخلاقة التي تغمر المنطقة اليوم، وجدت القوى الاستعمارية انه من المفيد لها ان تعيد فتح الاوراق الاستعمارية القديمة من جديد سواء بمفاهيم ارث الاجداد كما تطرحه تركيا الآن أو الارث الاستعماري الذي تعيد فتحه ايطاليا وفرنسا، وذلك بعد ان اصبحت الفرصة سانحة أثر الفوضى العارمة التي اجتاحت ليبيا أثر قيام الثورة في 2011، وقيام حلف شمال الاطلسي بالمساهمة في ضرب نظام القذافي، ليس عطفا بطبيعة الحال على الشعب الليبي، ولكن بحثا عن طريق ممهد وسط تلك الاضطرابات الى محاولة وصل ما انقطع وعودة المصالح

موقع سرت الذي اعطاها ثرائها الاستراتيجي وايضا العسكري

الاجنبية لكي ترتع بنفوذها على الارض الليبية من جديد، وليبيا  كما سبق وذكرنا ـ لديها زاعمون بحق الوراثة باعتبارها ارضا للأجداد، مثل ما تزعم تركيا نتيجة الغزو العثماني لليبيا عام 1551، وان كانت قد قامت بالتنازل أو بمعنى آخر (بيع) ليبيا الى ايطاليا بمقتضى معاهدة (أوشي)في 18 اكتوبر عام 1912، وبالأرث الاستعماري ايضا تدخل ايطاليا على خط آخر باعتبار وجودها منذ الغزو الايطالي لليبيا في 29 سبتمبر 1911، وتغفل ان ماضيها الاستعماري تبقى له في ذاكرة الليبيين شهادة لا يمكن ان يحجبها الزمن مهما امتدت عقوده وهو الرمز البطولي للمقاومة عمر المختار الذي اعدمه الايطاليون بصورة بشعة. ثم تأتي فرنسا التي تولت مسؤولية الوصاية على ولاية فزان في اعقاب الحرب العالمية الثانية، وتولت ايطاليا الوصاية على طرابلس كما تولت بريطانيا الوصاية على برقه، ناهيك عن روسيا ومحاولة دعم تواجدها في المنطقة، وتعزيز مكانتها، بصفتها لاعبا اساسيا على خريطة الشرق الاوسط. قوى اقليمية ودولية اصبحت لاعبة اساسية في أي محاولة لايجاد الحل السياسي الذي يجمع الكل على رفع شعاره، والتمسك به بصفته فن الممكن لحسم الصراع.

ليبيا والقصف الجوي للناتو

قام حلف الناتو في مارس عام 2011 بالتدخل العسكري بناء على قرار مجلس الامن رقم 1973 ردا على الاحداث التي وقعت أثر قيام الثورة من أضطرابات وتسببت فيما يطلق عليه بالحرب الاهلية الليبية وكان الطلب وقف فوري لأطلاق النار والهجمات التي دارت ضد المدنيين، وللأسف اقرت ذلك التدخل جامعة الدول العربية بصفة مطلقة، لم تتم العناية بتفاصيله، ولكن في التطبيق كان التجاوز، ولم يستخدم هذا التدخل قواتا من المشاة، ولكنه استخدم القصف الجوي بصواريخ كروز توماهوك بطلعات جوية متكررة وشارك فيها ايضا سلاح الجو البريطاني وكذلك الفرنسي في تلك المهام، في كل انحاء ليبيا كما تم فرض حصار بحري على الموانئ. كان الاهتمام بالغا بشعارات حقوق الانسان بصورة لم نعهدها من قبل بشأن تلك القضية أو تطبيقها في حالات اخرى وعلى اراض أخرى، مثل ما حدث في العراق. في حقيقة الأمر كانت ليبيا ثمرة تنتظر من يتلقفها أو يلتقطها. حين سئل السيد عمرو موسى كيف وافقت الجامعة العربية على ذلك القرار، قال لقد وافقنا على قيام الناتو بمنع الطيران الليبي من التحليق وتهديد المواطنين، ولكن الذي حدث هو ضرب الناتو للمواطنين للأسف الشديد.

ليبيا وكر للتنظيمات المتطرفة

رحل القذافي، وسقطت تنظيماته العسكرية، وانفتحت مخازن السلاح على مصراعيها أمام من يصل اليها سواء لأستخدامها في فرض قناعاته وتهديداته، ونفوذه وأقرانه على الآخرين أو الانخراط في تجارة السلاح وتهريبه الى الخارج، وتقاطرت على ليبيا العديد من التنظيمات المتطرفة من طلائعها تنظيم القاعدة وتنظيم داعش بالأضافة الى الفرق الاخرى التي يجري تمويلها من اجهزة المخابرات لدول اصبحت معروفة بدعمها للإرهاب واستخدام المرتزقة في اثارة القلاقل في مناطق ودول اخرى.

تمكنت تلك التنظيمات التي استقرت في ليبيا من تكوين المليشيات التي تأتمر بأمرها حتى بعد اتفاق الصخيرات ووجود حكومة السراج، وتعددت المشاكل، التي تؤثر على نظام الحكم والاتفاق على خطة عمل توافقية يمكن من

الرئيس فايز السراج
بشهادة مبعوث الامم المتحدة افتقدت ليبيا الامان

خلالها وضع آليات لنظام حكم في دولة مستقرة، تدخلت الامم المتحدة وارسلت أكثر من مبعوث للوصول الى الاتفاق بين الاطراف المتنازعة ولكي تخرج بالبلاد من حالة القتال والانقسام المتزايدة، وبلغ عدد المبعوثين الدوليين ستة مبعوثين كان آخرهم المبعوث الذي استقال أيضا غسان سلامه، ويقول غسان سلامه في شهادته بتاريخ 18 يناير 2019 واصفا الاوضاع في عدد من المدن العربية أنه (بالنسبة للمنطقة الجنوبية وبعد سنوات من الوعود بايجاد حل للوضع فيها إلا ان الظروف آخذة في التدهور على نحو مفزع فقبل بضعة ايام اتيحت لي الفرصة لزيارة (سبها) عاصمة المنطقة الجنوبية، وكانت تلك هي الزيارة الاولى لممثل خاص بالامين العام منذ 2012 واستمعت مباشرة للمواطنين هناك الذين اخبروني بشكل مؤثر عن المصاعب الفظيعة التي يقاسونها من وحشية تنظيم داعش الى وضعهم في برك من المياه الآسنه التي تجمعت نتيجة لغياب الاستثمار في البنية التحتية العامة الاساسية فضلا عن غياب الامن بسبب الحدود السهلة الاختراق ووجود المرتزقة الاجانب والمجرمين الذين يهاجمون المواطنين والمهاجرين على حد سواء، وأضاف لا يزال المحتجزون في السجون والمهاجرون والصحفيون واعضاء هيئات القضاء وغيرهم يتعرضون للاساءة واعمال العنف على ايدي المجموعات المسلحة بينما يعاني الالاف ظروفا انسانية مقلقة.

استطرد في مذكرته فعرج الى حكومة السراج ومدى سيطرتها على الوضع في طرابلس فقال ان المجموعات المسلحة تسيطر على معظم سبل انفاذ القانون عوضا عن ضباط امنيين محترفين وخلص الى ان الازمة السياسية في ليبيا تعززها شبكة معقدة من المصالح الضيقة واطار قانوني مختل ونهب لثروات البلاد الكبيرة. هذا هو الوضع العام الذي كانت تباشر حكومة السراج التي تدعي الشرعية مهام عملها من خلاله، هنا ظهر الجيش الوطني بقيادة حفتر لكي يمارس دوره في التصدي للميلشيات المتطرفة صاحبة النفوذ العالي على سلطة الحكم، وبدلا من ان يلجأ الي الجيش ويدعمه لكي يستعيد من خلاله سيادة الدولة وسلطتها على كل المرافق، لجأ الى التصدي له، واستعان بدولة اجنبية لكي يعزز نفوذه الشخصي، تماما كما استعان الخديوي توفيق بالانجليز ودعاهم للتدخل، طلب السراج من تركيا التدخل لأنقاذ موقعه كرئيس للوزراء، حتى وان كان يدرك ان سلطته لا ترتكن الى أي ارادة شعبية.

ليبيا… بارود الانفجار

استعانت حكومة الوفاق بتركيا لكي تصد هجمات الجيش الوطنى الليبي، ورحبت تركيا وقامت بتوقيع اتفاقية امنية كما قامت بترسيم الحدود البحرية، وقامت بناء على ذلك بارسال الطواقم الفنية العسكرية، وعملت على نقل المرتزقة من

المستشار عقيلة صالح رئيس البرلمان الليبي
يستند الى شرعية شعبية بانتخابة

سوريا، ومن التنظيمات التي تتعاون معها على الارض السورية وهي خليط من الاجناس التي تشكل التنظيمات المتطرفة، وتستهدف تركيا من تلك الاتفاقية

ضمان فرصة اكيدة في جهود اعمار ليبيا بعد كل هذا التدمير الذي لحق بالمدن والانشاءات بما يكون من شأنه عودة التوازن للاقتصاد الليبي بعد ان تأثر بكل التطورات التي جرت على الساحة الاقليمية والدولية، فضلا عن النفط والغاز الليبي، بجانب ذلك دعم جماعة الاخوان المسلمين والميليشيات الموالية لها بما يخدم المشروع التركي الجديد وهو عودة احياء العثمانية ودعم جماعات الاسلام السياسي. كانت هناك ايضا روسيا، وقد تم تسريب تقرير للأمم المتحدة مكون من 57 صفحة يذكر فيه ان عناصر مجموعة (فاجنر) يعملون في ليبيا منذ اكتوبر عام 2018 ويقدمون مساعدات فنية لاصلاح المركبات العسكرية ويشاركون في العمليات العسكرية ويبلغ عددهم في ذلك الوقت أكثر من الف عنصر، ومعظمهم من روسيا لكن يوجد بينهم عناصر من بيلا روسيا ومولدوفا وصربيا واوكرانيا حسب التقرير، ولكن تذكر الأنباء الأخيرة على لسان جوناثان هوفمان المتحدث باسم وزارة الدفاع الامريكية ان روسيا اخذت تدعم مواقعها في (الجفرة) بطائرات مقاتلة يبلغ عددها 14 طائرة وهي مزيج من (سوخوي 24) و(ميج20) وقد قادها افراد من الجيش الروسي ورافقتها الى ليبيا طائرات روسية مقاتلة، ويرى مراقبون ان بوتين نجح في ان يجعل روسيا رقما صعبا داخل أي تسوية سياسية تتعلق بمآلات الصراع في ليبيا. عن الموقف الايطالي فقد صرح وزير الخارجية باولو جنتيلوني لصحيفة  »كوريري ديلا سيرا«:  »ليس لدينا مهمة عسكرية في ليبيا. لو كان الأمر كذلك لتم إبلاغ البرلمان«. ولكن عندما تم السؤال عن علاقة تلك القوات بعمليات المخابرات الإيطالية، رد جنتيلوني على الفور: (لا أعلق على العمليات المصنفة أسراراً دفاعية). تبقى فرنسا التي مضت في دعم حفتر باعتباره يناهض التنظيمات المتطرفة التي تسبب قلقا لفرنسا، كما انها تتطلع الى نصيب في الثروة الليبية من النفط الى الغاز، وان كانت اليوم بعد التراجع العسكري لحفتر قد عادت لتنفي ذلك التأييد وتتهم تركيا

بتردي الاوضاع على الساحة الليبية، وقال ماكرون (ان تركيا تتحمل مسؤولية تاريخية واجرامية بما يحصل في ليبيا). من جانب آخر تتردد انباء بشأن قيام قطر بتمويل كل ميليشيات المرتزقة التي تجلبهم تركيا الى ليبيا لدعم حكومة السراج.

من جهة الموقف العربي الآن فانه ينحصر في البيان الذي اصدرته جامعة الدول العربية ويقضي بالتأكيد على الدور المحوري لدول الجوار العربي، والتسوية السياسية، ورفض التدخلات الخارجية ايا كان نوعها ومصدرها، كذلك رفض التدخلات الخارجية غير الشرعية التي تنتهك القوانين والاعراف الدولية وتسهم في انتشار الميليشيات المسلحة الارهابية والمطالبة بسحب كافة القوات الاجنبية الموجودة على الارض وداخل المياه الاقليمية.. الخ، وقد تحفظت على القرار كل من ليبيا وقطر والصومال وتونس.

سرت.. ميدان للمعركة أم كلمة السر للتهدئة

تأخذ منطقة (سرت) وقاعدة (الجفرة) الآن اهتماما متزايدا اذ تتجمع على جانبيها القوى المتنازعة في ليبيا، ويتأهب كل طرف للمنازلة ان تطلب الأمر، وفي الوقت نفسه يجعل من حشد قواه وتدعيمها المستمر حائطا يجعل منافسه يفكر أكثر من مرة في مجرد اقتحامه، بعد ان زودت المواقع بكم هائل من الاسلحة بمختلف اوزانها واحجامها، فهناك قوى

الرئيس بوتين
جعل روسيا تشكل رقما صعبا في مفاوضات الحل السلمي

الجيش الوطني الليبي، وقوى الوفاق الوطني وميليشياتها التي جلبتها تركيا واسلحتها، وهناك كما تردد الانباء الطائرات الروسية وقوات فاجنر

من جانب آخر اعلنت مصر ان منطقة سرت والجفرة خط أحمر باعتبار ان اجتيازها يهدد الأمن المصري، وقد عانت مصر كثيرا من ميلشيات القوى المتطرفة. فهل تصبح منطقة (سرت) هي ميدان المعركة المرتقبة، أم أن مبادرات السلام التي عقدت من اجلها الكثير من المؤتمرات واشهرها مؤتمر (برلين)، وهذا الصراع الذي يتنامى على الأرض، ويهدد بالانفجار، يكون دافعا لكي تدور عجلة السلام.

تكمن اهمية (سرت) في كونها تبعد نحو الف كيلو من الحدود المصرية، وهي في منتصف الطريق بين طرابلس وبنغازي، وهي تضم أكبر مخزون للنفط في منطقة الهلال النفطي، كما انها تفتح الطريق للسيطرة على الموانئ النفطية الأخرى في ليبيا، وتبعد عن مدينة (سرت) قاعدة القرضابية الجوية حوالي 16 كيلو متر، كما توجد بالقرب منها كذلك قاعدة (الجفرة) الجوية وهي من اكبر القواعد العسكرية اللبيية

في النهــــــــايـة

اينما نتجه بأبصارنا على الخريطة العربية نجد الحرائق تشتعل في اكثر من مكان في العالم العربي

ونتابع ازمة هنا لكي نجد ازمة هناك، حتى القضية الرئيسية في العالم العربي قضية فلسطين زاحمتها قضايا اخرى تهدد امن كل دولة على حدة، وليس هناك سوى حل واحد نتخطى به كل الازمات وهو عودة الوعي بأهمية الأمن القومي العربي بمعناه الشامل، وليس امن كل دولة على حدة، سقط مفهوم الأمن القطري ان كان على حساب الأمن العربي فهل وعينا ذلك الدرس، أم اننا مازلنا في غيبوبة الخلاص الفردي في عالم لا يعرف سوى التكتل والأمن المشترك والتعاون من اجل التنمية. ان السلام الذي نبحث عنه سيظل سرابا ما لم يكن هذا السلام للأ مة كلها، بتكاتفها، وليس بتناحرها، ووحدة ارادتها وليس بتفكك علاقاتها.

العدد 107/اب 2020