التربية بين الأمس واليوم… مفارقات وتحدّيات!

من بيروت  رنا خير الدين

التربية شكلٌ من أشكال التوجيه الفكري والعملي والإنساني نحو مدركات الحياة الإنسانية، والعقلية والسلوكية التي تعكس الوسائل المتاحة في مجتمع ما، وتقاس على أساس عدة عوامل وخصائص، تقوم على الانفتاح العام على الحداثة والتطور الفكري والايديولوجي بدايةً، ثم العملي التطبيقي وهو الذي ينضوي تحت سبل وطرائق التوظيف الصحيح.

من هنا، لا بد من الإشارة إلى أن المقارنة القائمة بين التربية الحديثة والتقليدية، هي عملية غير قابلة للقياس المحدد كما أنها نسبية؛ لأنها تتحدد حسب أسس التقويم والتقييم المجتمعي والذاتي للتوظيف الأسري والعملي والمهني والوطني.

بالتالي، لا تتم التربية من فراغ أو من وجود مجتمع ما، وتبتعد تحليلات التربية بجميع أشكالها الحديثة أو التقليدية عن دراسة  »الفرد كونه منعزل عن المجتمع« بل هي تستنبط الصلة أو العلاقة بين الفرد ومجتمعه والتفاعل بينهما. من جهة أخرى، فإن التربية هي نمط تفكير يقوم على إمكانية التبادل والانفتاح مع مراعاة طاقة الفرد واكسابه معالم

التركيز على مهارات الطفل

اجتماعية جديدة في آلية التصرف وتضمن هذه التربية الحديثة حرية التفكير والتعامل وتلبّي احتياجات الإنسان الفردية والإنسانية، واتاحة الفرصة أمامه في الاختيار وصنع القرار.

تسعى التربية الحديثة إلى تنمية الأفراد نحو اتجاه معين، يمكن دراسته من خلال الوسيلة التربوية المعتمدة، وتأثير القوى الثقافية فيه والتي تختلف معاييرة وأهدافه التي يعبّر عنها ويعمل جاهداً على تحقيقها بما يبتاسب معه.

بمعنى أشمل فإن مفهوم التربية هو عملية تكيف الفرد مع البيئة المحيطة به، تكسبه ذاتاً اجتماعية. ولا يمكن تحديد مفهوم موحّد للتربية أي:

لا يمكن النظر إليها من خلال التعليم المدرسي فقط.

لا يمكن النظر إليها من خلال نوع مادة التلقين الايديولوجية.

لا يمكن النظر إليها من خلال تأثرها بالظروف الاجتماعية المكانية والزمانية فقط.

بل من خلال عملية التطور والحداثة الدائمة والمراحل التي تمر بها وصولاً إلى اعتماد أسلوب ونمط تفكير معين في التصرف والتعامل مع الظروف المحيطة.

قابلية التغير والتغيير

ولد الإنسان ولديه سمة التغير والتغيير والتكيّف، وقدرة على اكتساب المهارات وقابلية تغيير أنماط التفكير الأمر الذي ينعكس تلقائياً على عملية التربية وتطورها، حيث عمد الإنسان على مرّ العصور على التكيّف وسط الجماعة مع المرور بمراحل وصل فيها اليوم على القدرة في التحكّم بحياته العملية والسلوكية والسيطرة على المواقف حتى بات بإمكانه وضع معايير وأسس لحياةٍ أفضل.

مفارقة بين اليوم والأمس

من الملاحظ يومياً على كثرة تغير الأنماط الفكرية في عملية التربية بين الأمس واليوم، داخل الأسرة والمدرسة والمجتمع الواسع، واختلاف عملية الثواب والعقاب وتطبيقها، وسبل المسموح والممنوع، التعامل في المدارس وكيفية التعليم خصوصاً مع دخول عالم التعلّم عن بعد من بابه الواسع بسبب جائحة كورونا، وتغير المفاهيم بين الأفراد

الخلل القائم في عملية العقاب القديمة

وتخليهم عن بعض العادات التي كانت تُعتبر مهمة وباتت تتلاشى أهميتها مع تغير الظروف. نعرض فيما يلي بعضاً من المفارقات في التربية:

الارتباط الأسري: كان لدى الفرد سابقاً ارتباطاً واضحاً وصريحاً مع ذويه بحيث يتحقق مبدأ الارتباط الأسري، بينما اليوم تميل معظم الأسر إلى إعطاء الطفل استقلالية مرغوبة من الطرفين في طرق التعامل.

علاقة التواصل المتبادل: تغيرت مفاهيم التواصل القديمة بحيث باتت علاقة متبادلة بين الأهل والأطفال لا علاقة فرض فقط.

التقيّد والالتزام بالموروثات: يميل جيل اليوم إلى التخفيف عنه عبء المبادئ الاجتماعية والدينية الوراثية المكتسبة من جيل إلى آخر والتي خفتت أهميتها من الناحية التطبيقية والعملية، بل على العكس أصبحت تشكّل عقبة أمام الانفتاح والتطور.

 النواحي التربوية والعاطفية للأسرة: كانت الأسرة سابقاً تميل إلى اتخاذ القرارات التي تتحكّم بها المشاعر أكثر مما تكون أقرب إلى المنطق لكن النسق الأسري الذي ساد كان يقوم على هذه الآلية أما اليوم فيميل الأهل إلى اتخاذ قرارات تفيد عائلتهم بشكل أفضل وصالحة لمدة أطول وتؤمن حياة أسهل بعيداً عن العاطفة والتعقيد التربوي.

الاختيار وصنع القرار: فيما مضى سعى الأهل على الدوام إلى تحديد جميع  اختيارات أولادهم (اللبس، المأكل، اختصاص، أصدقاء) أما اليوم يميل الأهل أكثر إلى إعطاء أولادهم مساحة للتعبير عن أنفسهم وتحديد اختياراتهم وتحمل مسؤوليتها ونتائجها.

التفرقة بين الإناث والذكور: ما زالت التفرقة بين الإناث والذكور عملية قائمة بقوة في المجتمعات رغم التطور الضئيل الذي جرى، وعلى الرغم من أن المرأة أثبتت في جميع المجالات قدرتها على تحقيق ذاتها بتلقائية.

جيل TIKTOK

بات تطبيق تيك توك اليوم يسيطر على عقول وفكر المراهقين خصوصاً خلال تفشّي فيروس كورونا حيث أصبح أكثر مواقع التواصل الاجتماعي استخداماً خلال الربع الأول من 2020.  وسائل التواصل الاجتماعي بالمطلق لها تأثير كبير على حياة المراهق النفسية والتربوية في كيفية تعامله مع المحيط الاجتماعي، لكن تكمن خطورة التطبيق المذكور في حجم تمضية الوقت في استخدامه، أي ما يقارب 3 إلى 5 ساعات وأكثر يومياً، الأمر الذي يؤثر على

تغير نمط التربية في الأسرة

إنتاج المراهق وعملية اكتسابه لمهارات جديدة، بل على العكس يصبح أكثر ميلاً إلى الانعزال، ويعتبر المحمول محيطه الخاص وهو الأهم بالنسبة إليه، لأنه يلبي احتياجاته اليومية. في الجهة المقابلة، صعوبة تحديد الأهل المحتوى الموجود على هذا التطبيق.

استراتيجيات تربية الأطفال

تعزيز ثقة الطفل بنفسه واحترامه لذاته.

تعليم الطفل روح المشاركة والتعاون.

تربية الطفل على الاحترام والتقدير.

تعليم الطفل لغة الاعتذار.

تنمية الذكاء العاطفي لدى الطفل.

الابتعاد عن العنف في التربية.

تجنب الشتائم.

المساواة بين الأبناء.

تنمية شخصية الطفل واكتشاف القدرات الـذاتية.

تنظيم وقت الطالب واستغلال سـاعات الفراغ.

مراعاة توفير الحاجات النفسيـة.

القدوة الحسنة.

تكاملية الأسرة والمدرسة

لا بدّ أن مفاهيم التعليم القديمة قد تلاشت وانتهت، بحيث باتت تقوم على علاقة تسعى إلى التكامل التربوي بين المدرسة والأهل، بذلك يضمن كيفية التأهيل والتعليم بطرق أكثر فعالية، تسمح لاختصاصيين بمساعدة الأهل في اكتساب مهارات التربية الحديثة القائمة على التواصل والاتصال الإيجابي المباشر مع المراهق أو الطفل. ويمكن تفعيل العلاقة بين المدرسة والأسرة من خلال:

دورية اجتماعات مجالس الأهل مع المعلمين، لتحدبد أهداف شهرية وخصائص فئات عمرية محددة، من خلال اتباع برامج الدعم النفسي والسيكولوجي للطلاب.

إقامة برامج ومشاريع رحلات باشراك الأهل والمعلمين والطلاب لتعزيز صلة الترابط فيما بينهم.

التواصل اليومي بين المدرسة والأهل، من خلال تطبيقات التخاطب الحديثة، الأمر الذي يضمن سرعة في الحلّ، تخفيف عبء الوقت، سهولة في التواصل، ومتابعة شؤون الطلاب.

رفع مستوى الوعي التربوي لدى الأسرة ومساعدتها على فهم نفسية الطالب ومطالب نموه.

– وقاية الطلاب من الانحراف عن طريق الاستمرار والاتصال المستمر بين البيت والمدرسة.

العدد 107/اب 2020