المعاقون فريق مغمور في سيول  »الثورة« وكورونا وانفجار المرفأ

تقرير مركز التعزيز الاجتماعي

بيروت جاد الحاج

بين جائحة كورونا وانفجار المرفأ والأزمة الاقتصادية التي لم يشهد لبنان مثيلاً لها يواجه المجتمع اللبناني أكثر الأسئلة صعوبة في تاريخه الحديث. لم يعد وارداً طرح السؤال التقليدي: أي لبنان نريد؟ ولا ثلاثية الشعب والجيش والمقاومة باقية على ما اكتسبته من وهج سابق، حتى المحاصصات الزبائينية الطائفية ما عادت موقعاً سهل الانتقاد والانتقاص على امتداد الخريطة المرتعدة خوفاً حقيقياً على الكيان والوجود. وفي ظلال هذا كله ثمة من يلتفت الى الانسان الاكثر ضعفاً والأقل لفتاً للانتباه: الانسان المعوَّق.

وضعت مؤسسة التعزيز الاجتماعي اخيراً دراسة مفصلة عن واقع ومعاناة الافراد المعوّقين في لبنان. شاركت في

سحر سمحون الناشطة في علن النفس الاجتماعي تحمل طفلة سورية مرشحة للتبني

الدراسة الاختصاصية في الصحة العامة وعلم الأوبئة والإحصاء الحيوي شانتال طيّار وشارك فيها ايضاً مستشار برنامج الإعاقة الاستاذ الجامعي والخبير في إدماج المجتمع وذوي الإعاقة البروفسور ابراهيم عبدالله، كما أدلى بدلوه الدكتور جايسون اثريج وهو طبيب نفساني ومستشار معروف في شؤون الإعاقة العقلية، والى جانبه الاستاذة الجامعية منسقة الصحة في مؤسسة التعزيز الاجتماعي ضحى يحفوفي.

أنجزت الدراسة بالتعاون مع وزارة الشؤون الاجتماعية كجزء من مشروع تحسين عملية وصول الاشخاص المعاقين في لبنان الى الرعاية الصحية ذات النوعية الجيدة، وذلك انطلاقاً من مشروع يموله صندوق الاتحاد الأوروبي الإقليمي وهو امتداد لـ »صندوق مداد« المرتبط برعاية النازحين السوريين. منذ 1995 بدأت مؤسسة التعزيز الاجتماعي عملها في لبنان خصوصاً لجهة المشاريع المتعلقة بالأفراد والمجموعات التي تعيش في ظروف هشة وحساسة. وتنشط المؤسسة لمساعدة ذوي الإعاقة الحركية – جسدياً وفكرياً وذهنياً – وذلك بهدف إدماجهم في المجتمع ومساعدتهم للحصول على وظائف لائقة. لقد تبلور عمل المؤسسة باتجاه دعم القطاع الصحي وتزويده بعناصر مبدعة وخلاقة لتثبيت البنى الاساسية والعثور على مراكز جديدة، والتدريب المهني لتشجيع إدماج الاشخاص المعوقين في سوق العمل. وهنا ايضاً تقدم المؤسسة خدمات اجتماعية رديفة للمحتاجين اليها، خصوصاً برامج التعليم والتأهيل للصغار والشباب، وقد رافقتها حملات التوعية التي اهتمت بمجالات توجيهية طاولت عائلات الاشخاص المعوقين ذوي الصعوبات الاجتماعية.

توجهت مؤسسة التعزيز الاجتماعي بالتقدير والشكر لكل المشاركين في برنامجها من المقيمين في لبنان على أمل أن يساعد التقرير الذي أعدته في تحسين فرص وصولهم الى الخدمات الصحية. ولم تتأخر المؤسسة بشكر المدير العام لوزارة الشؤون الاجتماعية وبرنامج تأمين حقوق المعوقين في تلك الوزارة التي زودت المؤسسة بعينة من أسماء الاشخاص حاملي بطاقة المعوق الشخصية. كما شكرت الهيئة الطبية الدولية لمراجعتها استمارة الاستبيان الخاصة بالمسح والتقرير النهائي والدعم. ودعمت جمعية  »مساواة« مسألة اختيار المشاركين في المسح من ذوي الإعاقة. أما مفوضية اللاجئين السامية التابعة للأمم المتحدة، ومستشفى الرحمة، ومنتدى المقعدين في زحلة، والمركز الاجتماعي للصحة العقلية لدى هيئة التنمية الاجتماعية، ومركز الرعاية الصحية الأولية في حوش الأمراء، زحلة، وجمعية

مواجهات وحاجات

الانسان والمستقبل، إضافة الى 25 بلدية عبر لبنان وعدد كبير من الأفراد، فقد قدم الجميع الدعم اللازم لمؤسسة التعزيز الاجتماعي في عملية اختيار عينات من الاشخاص ذوي الإعاقة.

جمعيات وهيئات أخرى ساهمت في إعداد الدراسة بينها دار الايتام الاسلامية، جمعية تمكين العيش باستقلالية، جمعية استثمار الأدمغة العربية وحمايتها، مؤسسة الهادي، جمعية الانسان والمستقبل، بلدية دير القمر وبلدية الشحيم. وقد شملت الدراسة المذكورة مساهمات من مدراء برنامج تأمين حقوق المعوقين، ورئيس مراكز التنمية الاجتماعية في وزارة الشؤون ورئيسة مصلحة المعوقين في وزارة الصحة، ومدير جمعية مساواة، ومدير برنامج الرعاية الصحية الأولية في جمعية أطباء العالم، والمنسق الميداني في جمعية أطباء بلا حدود، ورئيس برنامج التنقل والمواصلات، ورئيس البرنامج الصحي في جمعية آركنسيال، كلهم أسهموا بالمعلومات وبتنظيم المقابلات وتسجيلها. وواكبت مراحل الدراسة على اختلافها السيدة ساندرا داكوستا رئيسة البعثة، والى جانبها راوية جوني مسؤولة الاتصال بالمعوقين وتتيانا رحمة وكريستال ربيل. وقد تشكل الفريق الميداني من ابراهيم اسعد، ومحمد شوباسي، وريم ضاهر، وملك شال، ووسام مهتار، وعلي دبوس، وأنطون أنطون، وحسن الرومة، كما قادت قسم المراقبة والتقويم شيماء الخطيب ونتالي طرابلسي.

وقد خلصت الدراسة الى التأكيد على بديهيات مألوفة والكشف عن جوانب حقوقية وصحية وانسانية مهمة. بديهي أن تكون للاشخاص المعاقين متطلبات رعاية صحية اكثر من غيرهم خصوصاً تلك المتصلة بالحالات الصحية الاساسية. فالمعوق اشد تأثراً بتدهور احواله الصحية من غيره لأنها تمس الخدمات الضرورية بصورة خاصة. وفي لبنان يواجه ذوو الاعاقة انكشافاً متزايداً بسبب خدمات الرعاية غير المتاحة او تلك المغيَّبة بسبب الظروف. نعم ينال الاشخاص ذوو الاعاقة قدراً أقل من خدمات الرعاية الصحية العامة نسبة الى غيرهم من المواطنين، وفي الوقت نفسه يواجهون حواجز ومعوقات لا يعرفها ولا يعاني منها غيرهم. وقد استهدف البحث أعلاه إمكانيات الوصول الى الخدمات الصحية وأيضاً تحديد الحواجز التي يجابهونها، وتضمنت مسحاً كمياً طاول 1055 معاقاً من اللبنانيين حملوا بطاقة المعوق الشخصية إضافة الى بعض السوريين النازحين. وتضمنت الدراسة وقائع 14 مناقشة لمجموعة التركيز والمتابعة المؤلفة من 121 شخصاً. كما عقدت 8 مقابلات مباشرة بهدف استيعاب النظام الاجمالي للخدمات الصحية المتعلقة بذوي الاعاقة في لبنان.

وقد اظهرت نتائج المسح ان الحاجتين الاكثر شيوعاً تمثلتا في الادوية المزمنة والفحوص المخبرية. وابرزت الدراسة ان 97 بالمئة ممن يحتاجون الى الدواء قد نالوه في الواقع و16 بالمئة من المجيبين حصلوا على الدواء من مراكز الرعاية الصحية الاولية. وجاءت الخدمتان الاكثر تأميناً من قبل مراكز الرعاية الصحية الاولية: الحفاضات (51) والمعينات (51) اما الحاجز الموجود في وجه الخدمات الصحية الضرورية فيتمثل في المال والجغرافيا. وتبقى الخدمات التأهيلية الاقل توفراً وتتطلب الحاجة اليها بدائل فعالة لا بد أن تقدمها الدولة في مستشفياتها ومراكزها.

العدد109 /تشرين2020