نبوءة هيلين توماس

آفاق/ جاد الحاج

في مطلع الصيف المنصرم احتفل نادي الصحافة الاميركية بالذكرى الثانية لرحيل عميدة مراسلي البيت الأبيض، هيلين توماس، أول امرأة تتولى منصب رئيس نادي الصحافة الاميركية، عاصرت اهم رؤساء الولايات المتحدة، رافقتهم وغطت نشاطاتهم إن داخل البلاد أو خارجها. وسنة 1971 رافقت الرئيس نيكسون في أول رحلة تاريخية الى الصين، لكنها أحجمت عن مرافقة جورج بوش الابن لاحقاً، بل أعلنت رفضها القاطع لعبارته الشهيرة: إننا نحارب في العراق من أجل الله والصليب. وقالت: إنها حرب الشيطان وليست حرب الله!

ماتت هيلين توماس في الخامسة والتسعين من عمرها واعتبرها أترابها ورفاقها الصحافية الاكثر جرأة في تاريخ الولايات المتحدة الاميركية. قبل رحيلها بأيام قليلة كتبت هيلين مقالة بالغة الخطورة لكن الصحف الاميركية الكبرى التي طالما رحبت بقلمها رفضت نشر تلك المقالة مما جعلها تصرخ في محاضرة داخل نادي الصحافة قائلة: اليهود يسيطرون على إعلامنا وصحافتنا ويسيطرون على البيت الأبيض. وأضافت: انا لن اتغير ما حييت فأنا مؤمنة ان الاسرائيليين يحتلون فلسطين وهي ليست بلادهم. قولوا لهم ارجعوا الى بلادكم واتركوا فلسطين لأهلها.

وفي تلك المحاضرة تنبأت هيلين بحرب عالمية ثالثة يجري طبخها في طناجر تل أبيب ووكالة الاستخبارات الاميركية وقالت ان الشواهد عديدة لكن الدعم الاميركي المستتر للتنظيمات الارهابية اهمها، فهؤلاء الإرهابيون دمية في أيدي وكالة الاستخبارات الاميركية. وأضافت: انني ارى ان بريطانيا سوف تستحضر روح مارك سايكس وفرنسا سوف تستحضر روح فرانسوا بيكو وواشنطن تمهد بأفكارهما التقسيمية لشرذمة الدول العربية وابتلاعها وسوف يتركون لروسيا ان تحصل على الفضلات:  »صدقوني انهم يكذبون عليكم. يدعون محاربة الارهاب نيابة عن العالم. وهم صناع هذا الارهاب والاعلام يسوق اكاذيبهم ومن يمتلك الاعلام سوى يهود اسرائيل؟«.

تلك هي كلمات هيلين توماس منذ عامين لا أكثر وقد اعادت الصحف الاميركية نشرها وقوبلت بعاصفة هجوم عاتية من اللوبي الصهيوني كما طالب نتنياهو بمحاكمتها بتهم معاداة السامية. إلا أن هيلين رحلت وهي تقول الحقيقة وقد تلقفها المخرج العالمي مايكل مور في فيلم تسجيلي رائع.

مايكل مور هو من فضح بوش الابن وجماعته من اصحاب شركات السلاح مثل ديك تشيني وكوندوليزا رايس وذلك في فيلم  »فهرنهايت 9/11« الذي حاز اكثر من جائزة عالمية. ولعل تراكم الاحداث الغامضة والمقصودة يدلنا الى كلام هيلين توماس بوضوح سافر: تسقط طائرة روسية ويموت اكثر مئتي مدني ولا احد يعرف كيف أو لماذا، ينفجر ميناء بيروت ويسقط مئات القتلى والجرحى والسبب السخيف عملية تلحيم لم نفهم ابداً لماذا جرى تصويرها، مروراً بحوادث في العريش والعراق وليبيا وسوريا وباريس… وما زال بعضهم ينكران هناك اجهزة استخبارات تدعم المنظمات الإرهابية وتشيطنها وتدفعها الى أتون لا ينطفئ.

يقول جيمس وولسي رئيس الاستخبارات الاميركية السابق: لن تعود المنطقة العربية كما كانت بل سوف تزول دول وتتغير حدود طالما كانت موجودة لسنوات طويلة. ويقول المتحدث باسم الحكومة الاسرائيلية مارك راجيف: ان المنطقة على صفيح ساخن ونحن لن نسكت وننسق مع اجهزة الاستخبارات في الدول الكبرى للقضاء على الارهاب وسوف نتدخل معهم لمحاربة الارهاب حتى لو اندلعت الحروب لنضمن حماية اسرائيل.

 هل تتحقق نبوءة هيلين توماس؟ وهل اتفقت تل أبيب وواشنطن على تنظيم وتوجيه وتسليح التنظيمات الارهابية نحو هدف واحد وهو اعادة ترسيم وجود الدول العربية بما يخدم صفقة القرن العتيدة؟

العدد 110 / تشرين الثاني 2020