الصين ومستقبلات الوطن العربي في عام 2030

إ. د. مازن الرمضاني*

لقد سبق القول في مقالاتنا المنشورة في الحصاد أننا ننطلق في إستشرافنا لمستقبلات الوطن العربي من ثلاث مشاهد أساسية يعبر كل منها عن المسارالممكن و/أو المحتمل لتطورالمعطيات، المنظورة والجنينية، التي يتسم بها الواقع العربي. والمشاهد هذه، هي: مشهد ديمومة التردي والتراجع الحضاري، ومشهد بداية التغيير والإرتقاء الحضاري، ومشهد ديمومة التردي وبداية التغيير.

وغني عن القول أن كل من هذه المشاهد تفيد بواقع عربي يختلف، على المستويين الداخلي والخارجي، عن الآخر،. فبعضها يتيح للدول الأخرى ثمة فرص لتحقيق مصالحها في الوطن العربي بسهولة اكثر واكلاف أقل، في حين يفضي بعضها الآخر إلى التعامل مع العرب من موقع الاحترام والندية، وأن بعضها الثالث يجمع بين معطيات التردي والتغيير معا وإنعكاسات مخرجاتها على أنماط حركة الدول الأخرى حيال العرب.

وانطلاقا من أن الصين كدولة كبرى صاعدة، وبخطوات محسوبة، إلى قمة الهرم السياسي الدولي، تحقيقا لفكرة الحلم الصيني، فإنها تتعامل مع العرب، كسواها، في ضوء إدراكها لنوعية تأثير واقعهم الموضوعي على أنماط سلوكهم السياسي الخارجي حيالها. والسؤال المركزي الذي سنعمد إلى الاجابة عنه في هذا المقال، هو: كيف يحتمل أن يكون السلوك الصيني حيال العرب في عام 2030 انطلاقا من المشهدين الأول والثاني للمستقبل العربي المذكورين في أعلاه؟. أما المشهد الثالث فقد تم تناوله في مقالنا المنشور في العدد( 97 ) من الحصاد. لذا لن يصار إلى تكراره في هذا المقال. وقبل الإجابة على هذا السؤال. لابد من تناول تطور السياسة الخارجية الصينية حيال الوطن العربي أولا، ولو بإختصار.

  1. تطورالسياسة الخارجية الصينية حيال الوطن العربي

تتميز العلاقات بين العرب والصينيين بتاريخها الطويل. فجذورها وإن تعود إلى ما قبل الفتوحات الإسلامية الكبرى، بيد إنها بدأت بالتطورالتدريجي بعد القرن السابع الميلادي من خلال البعثات التجارية والدبلوماسية العربية. وبهذا الصدد تجدر الإشارة إلى أن الإسلام دخل الصين قبل أن يدخل الأندلس. أما في التاريح المعاصر، فهي تعود إلى ما بعد الثورة الصينية عام 1949. فثمة متغيرات عربية وصينية وكذلك دولية، دفعت إلى علاقات عربية ـ صينية تميزت لفترة طويلة بمحدودية نطاق مضامينها. إذ اقتصرت على تلك الدول العربية التي كانت، أنذاك، جزءا من حركة عدم الأنحياز. ومما ساعد على محدودية نطاقها تأثير مخرجات ثمة متغيرات مهمة، ولا سيما محدودية القدرة الصينية على التأثير الدولي، في وقته، مقارنة بالتأثير الأمريكي والسوفيتي، فضلا عن تأثر العديد من الدول العربية بالسياسة الخارجية الأمريكية حيال الصين، ناهيك عن أيلاء الصين منطقة شرق أسيا أولوية على سواها في سياستها الخارجية.

وبعد وفاة ماوتسي تونغ في عام 1976، تم مراجعة السياسة الخارجية الصينية خلال المؤتمر الحادي عشر للحزب الشيوعي الصيني عام 1977، وكذلك المؤتمرات اللاحقة، على نحو أدى إلى إعادة هيكلتها على نحو أخر مختلف تماما عما كان، الأمر الذي أفضى بها إلى أن تتعامل مع الدول الأخرى أنطلاقا من رؤية إستراتيجية تكمن في توظيف الدول الأخرى من أجل الارتقاء بالفاعلية الداخلية أولا ومن ثم الفاعلية الخارجية لاحقا، هذا سبيلا إلى أن تعود الصين، كما كانت في سنوات امبراطوريتها، أما مركزا للحضارة الإنسانية، أو أحد مراكزها الأساسية. وهذه هي الغاية النهائية للحلم /المشروع الصيني. ومن إجل ذلك، ذهب صناع القرار الصيني إلى الأخذ بالسلوك البرغماتي، وبضمنه توظيف أدوات القوة الناعمة، بديلا عن السلوك الأيديولوجي وأدواته الصلبة الذي تميز به عهد ماوتسي تونغ، سبيلا للتعامل مع تلك الدول كافة التي تشكل البيئة الخارجية للصين. ومنها الدول العربية.

ومنذ انتهاء حقبة الحرب الباردة بدأت العلاقات العربية ـ الصينية بالتطورالمتسارع، كما ونوعا، وعلى شتى الصعد. وقد وصل هذا التطور، في عام 2019، إلى أن تشكل الدول العربية، على الصعيد الاقتصادي مثلا، سابع شريك تجاري للصين وبحجم تبادل تجاري مرتفع بلغ 146 مليار دولار وبزيادة نسبتها 9 على أساس سنوي. بيد أن هذه العلاقات التي بدأت محدودة، ومن ثم تطورت لاحقا إلى مستويات عالية، لم تخل من أزمات عبر الزمان.

 فقبل الإنهيار السوفيتي عام 1991، أفضت العلاقات الوطيدة لبعض الدول العربية مع الأتحاد السوفيتي وحرصها على ديمومتها متفاعلة مع تطلع الصين، جراء صراعها مع الاتحاد السوفيتي، إلى أن تكون هي البديل لهذه العلاقات، إلى تراجع نسبي لعلاقات هذه الدول مع الصين. كذلك شكل استمرار تطور العلاقات الصينية ـ الإسرائيلية، ابتداء من عام 1980 صعودا، مصدر مضاف حد العلاقات العربية مع الصين. فبينما دعت الدول العربية الصين، في وقته، إلى أن تتبنى الموقف العربي، ذهبت الصين، على الرغم من تكرارالقول بدعمها لحقوق الشعب الفلسطيني، إلى التأكيد على أن تطور العلاقات العربية ـ الصينية لا يتقاطع مع تطور العلاقات الإسرائيلية ـ الصينية، هذا انطلاقا من سياسة الأنفتاح على كافة الدول، وتغليب التعاون على الصراع معها، التي تتبناها. وقد استمر تقاطع بعض السياسات بين الطرفين العربي ـ الصيني ممتدا، حتى إلى ما بعد الإنهيار السوفيتي. ومثال ذلك تقاطع الموقف الصيني مع الموقف العربي حيال الأحداث الداخلية في سوريا.

السلوك الصيني حيال العرب في ضوء معطيات مشهد ديمومة التردي والتراجع

انطلاقا من التوجه البراغماتي للسياسة الخارجية الصينة متفاعلا مع مخرجات المعطيات السلبية للواقع العربي، الذي يفيد به هذا المشهد، نفترض أن الصين ستتعامل مع الدول العربية على النحو الآتي:

  1. 2 ستعمد الصين إلى تطوير علاقاتها مع الدول العربية، ولا سيما النفطية منها، منفردة في العموم، تأمينا لمصالح أقتصادية مهمة، وخصوصا النفطية. فحاجة الصين العالية للنفط العربي ستبقى مستمرة جراء متطلبات نموها الاقتصادي السريع. وكذلك أيضا تطوير العلاقة مع الدول العربية الأخرى ذات التأثير في حصيلة التفاعلات العربية ـ العربية لاغراض سياسية قوامها دعم تكريس الوجود الصيني في عموم الوطن العربي. ويؤشر التفضيل الصيني للتعامل الاحادي مع العرب على التعامل الجماعي، إلى أن الصين تدرك، كسواها من القوى الكبرى، أن هذا النمط من التعامل يدفع بالعرب إلى التفاوض معها انطلاقا من مركز ضعيف يتيح لها القدرة على تحقيق ما تصبو وبأقل الاكلاف المقبولة.
  2. 2. من المرجح أن تستمر الصين في تبني سياسة الحياد حيال الأزمات والصراعات العربية ـ العربية، وكذلك العربية ـ الإقليمية، باعتبارها السياسة التي تفضي إلى دعم العلاقات المتبادلة مع أطراف هذه الأزمات والصراعات بيد أنها، وقدر تعلق الأمر بالصراع العربي ـ الإسرائيلي، ستذهب إلى دعم الجهود الدولية لتسويته سلميا. ومما يساعد على ذلك، متغيران: أولهما، قبول العرب لتسوية هذا الصراع على وفق معادلة السلام مقابل الأرض، فضلا عن الاتجاه العربي المتصاعد نحو تطبيع العلاقات مع اسرائيل. وثانيهما، توظيف مخرجات هذه الجهود لدعم علاقاتها مع اسرائيل بعنصر مضاف وتوظيف مخرجات هذه العلاقات سبيلا لاحتواء التدهور في العلاقات الصينية ـ الأمريكية. وللفوائد الناجمة عن علاقتها متعددة المضامين مع اسرائيل، من المرجح أن تشهد العلاقات الصينية ـ الإسرائيلية نموا مضطردا. ومما يساعد على ذلك ليس فقط سياسة التعاون مع الجميع التي تنتهجها الصين منذ عام 1977، وإنما أيضا إدراك الصين أن هذا النمو لا يفضي إلى مخرجات يمكن أن تؤثر سلبا في العلاقات الصينية ـ العربية.
  3. 2 من المحتمل أن تنطوي طبيعة علاقات التعاون/الصراع بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية على تأثير مختلف نوعيا في طبيعة العلاقات العربية ـ الصينية. فالعلاقات الصينية ـالأمريكية عندما تتسم بخاصية التعاون، فإنها تتيح للصين فرصة مضافة لتطوير علاقاتها مع العرب، سيما وإن التعاون الصيني ـ الأمريكي قد يلغي الضغط الأمريكي على الدول العربية الصديقة للحد من علاقاتها مع الصين. والعكس كذلك صحيح أيضا. فالعلاقات الصينية ـالأمريكية عندما تقترن بخاصية الصراع، فإنها قد تدفع بالولايات المتحدة إلى استثمار علاقاتها الوطيدة مع العديد من الدول العربية من أجل أن تتبنى ذات السياسة الأمريكية حيال الصين، حتى وإن انطوى ذلك على ايقاع ضرر في المصالح العربية. فمشهد التردى والتراجع العربي، والتشتت الناجم عنه، لا يتيح للدول العربية الصديقة للولايات المتحدة مقاومة الضغوط الأمريكية عليهم.
  4. 2 بيد أن العلاقة التعاون/الصراع بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية عندما تتزامن مع علاقة متوترة بين أحدى الدول العربية والولايات المتحد الأمريكية، فإن الصين، وتبعا لطبيعة علاقتها مع هذه الدولة العربية، قد تعمد إلى الأخذ بإحدى هاتين السياستين: فإما سياسة الوقوف مع هذه الدولة العربية. وهذا يشترط أن تكون علاقة الصين مع هذه الدولة قد أضحت على درجة عالية من العمق والشمول والمردودات العالية، وبمخرجات تشجع الصين على تبني سياسة قد تفضي إلى رفد التوترفي العلاقة الصينية ـ الأمريكية بعنصر مضاف. ولا نفترض أن الصين سوف تعمد إلى الأخذ بمثل هذه السياسة، حتى لو كانت لها علاقات مع مثل هذه الدولة العربية. فالصين تولي علاقاتها مع الولايات المتحدة أولوية خاصة.

وأما السياسة الثانية، فهي تكمن في امتناع الصين عن التصويت على ثمة قرار يراد اتخاذه في مجلس الأمن الدولي بالضد من الدولة العربية ذات العلاقة المتوترة مع الولايات المتحدة الأمريكية. ولنتذكر بهذا الصدد ممارسات التصويت الصيني ازاء قرارات مجلس الأمن الدولي حيال العراق قبل الاحتلال. ونحن نرجح هذه السياسة، سيما أنها تتماهى مع كيفية إدارتها لسياستها الخارجية منذ عام 1977 وبما يؤمن لها ضمان مصالح منشودة، فضلا عن أنها تؤمن إرضاء هذه الدولة العربية جراء عدم وقوفها مع الطرف الأمريكي ضدها، كذلك إرضاء الطرف الأمريكي عبر تبني ثمة سلوك لا يحول دون أتخاذ القرار المرغوب به في مجلس الأمن الدولي. وتجدر الإشارة إلى أن الامتناع عن التصويت في مجلس الأمن الدولي لا يحول دون اتخاذ القرار المرغوب فيه، هذا على العكس من حق الفيتو الذي تتمتع به كافة الدول دائمة العضوية في هذا المجلس.

  1. 2 في عام 2030 ربما تكون الصين قد استطاعت تجاوز الولايات المتحدة الأمريكية اقتصاديا، وإنها صارت أقرب إلى قمة الهرم الدولي، التي تسعى إليها. أن تحول الصين إلى قوة اقتصادية عظمى، ومن ثم بالضرورة إلى قوة سياسية عظمى، سيجعلها تتعامل مع العالم من موقع القوة المؤثرة، وهو الأمر الذي سينسحب بالضرورة أيضا على أنماط سلوكها حيال العرب.

 ومما سيساعد على ذلك مدخلان أساسيان: الأول، أن علاقات تبادل المصالح ستكون في عام 2030 قد تطورت على نحو اعمق واشمل، ومن ثم صارت الأعتمادية المتبادلة أوطد مما كانت. إن هذه الأعتمادية ستدفع الصين إلى تبني سياسة الترغيب و/أو الترهيب خدمة لمصالح منشودة أساسا. ولا نرى أن معطيات مشهد التردي والتراجع تتيح للعرب مقاومة هذه السياسة. أما المدخل الثاني، فهو تصاعد الصراع الأمريكي ـ الصيني إلى مستوى الحرب الباردة الجديدة. وتفيد تجربة الحرب الباردة الأمريكية ـ السوفيتة السابقة أن الصراع على المناطق الحيوية في العالم كان أحد خصائصها، ومنها الوطن العربي. وكما تحمل العرب، كسواهم، كلفة الصراع الأمريكي ـ السوفيتي، كذلك من المرجح أن يكون الحال ذاته جراء الصراع الأمريكي ـ الصيني.

  1. 2 إنطلاقا من التقاطع بين تبني الصين لسياسة خارجية واعية لأهدافها المنشودة ومدركة لإدواتها وبين أداء عربي يعبر عن واقع الإنكشاف والتشتت وانتفاء سياسة خارجية عربية موحدة، تُعد مخرجات مشهد التردي والتراجع هي الأمثل أيضا بالنسبة للصين، سيما أنها يتيح لها تحقيق ثمة مصالح مهمة باكلاف غير باهظة.
  2. السلوك الصيني حيال العرب في ضوء معطيات مشهد بداية التغيير والإرتقاء الحضاري
  3. 3 يفترض هذا المشهد أن معطياته الايجابية، الداخلية والخارجية، ستدفع بكلا الطرفين: العربي والصيني إلى الأخذ برؤية مشتركه حيال بعض:

فأما عن الرؤية العربية، فمفادها أن الصين دولة لا يعكر الإرث الإستعماري، ولا التدخل في الشؤون الداخلية العربية تأريخ علاقتها مع العرب، فضلا عن تبنيها لأنماط من السلوك استمرت داعمة للقضايا العربية الأساسية وعلى وفق متطلبات مصالحها ونوعية قدراتها على التأثير الدولي، ناهيك عن أنها أحدى القوى البازغة التي يقدم تقدمها التنموي السريع انموذجا يحتذى به من قبل دول الجنوب خصوصا. كما أنها دولة أضحت قادرة على تقديم الدعم الدولي ليس فقط باعتبارها دولة دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، وإنما لإنها قوة بازغة تتسلق الهرم الدولي بإتجاه قمته، وتتطلع إلى أداء دور دولي فاعل مؤثر، وقادرة على اشباع حاجات عربية مهمة.

وأما عن الرؤية الصينية، فقوامها أن العرب يتجهون، جراء مخرجات جملة المعطيات الايجابية لمشهد التغييروالإرتقاء، إلى تشكيل قوة إقليمية مؤثرة قادرة على تأمين جانب مهم من تلك الحاجات الصينية، التي تعتبرها الصين ضرورية لتأمين تحقيق مشروعها المستقبلي في الريادة الدولية. لذا لا يفترض هذا المشهد حدوث توتر بين الدول العربية والصين طالما أستمرت العلاقات المتبادلة تقوم على أسس عدم التدخل والاحترام وتبادل المصالح.

  1. 3 وعلية، يفترض مشهد بداية التغييرأن الصين ستعمد الى الارتقاء بعلاقاتها مع الدول العربية التي تتبادل العلاقة معها إلى أفاق ارحب واوسع، سيما أنها تحقق لها مصالح حيوية، ولكن بتوازن ومن دون أن يفضي ذلك إلى أن تتأثر سلبا علاقاتها الإقليمية والعالمية الواسعة الناجمة عن سياسة الانفتاح على الجميع والتعاون مع الجميع التي تنتهجها منذ أخذها بسياسة التحديث في نهايات العقد السابع من القرن الماضي. فمع أن العلاقات العربية الصينية قد تطورت بوتائر سريعة، كما ونوعا، إلا أن الصين تتبادل مصالح مهمة أيضا مع دول، أو مجاميع منها، أخرى. ولها علاقات متطورة مع هذه الدول.
  2. 3 وجراء التطور الإيجابي الذي يحتمل ان تشهدة العلاقات العربية ـ الصينية جراء مخرجات معطيات هذا المشهد، لا نفترض أن الصين ستعمد إلى الأخذ بسياسة رسمية تناهض العرب في حالة اندلاع أزمة بين دولة، أو مجموعة دول، عربية ودولة أقليمية أخرى ترتبط مع الصين بعلاقات واسعة، كإيران. ففي هذه الحالة، من المرجح أن تتحدد السياسة الصينية على وفق نوعية المصالح الصينية مع الطرفين. فعندما تكون هذه المصالح على مستوى متماثل، أو متقارب، من حيث الأهمية بالنسبة للصين، عندها قد تذهب الصين إلى تبني سياسة الحياد المعلن حيال هذه الأزمة مع بذل الجهد، سواء المنفرد أو بالاشتراك مع سواها، للحيلولة دون تصاعدها. ولنتذكر مثلا السياسة الصينية حيال الحرب العراقية ـ الإيرانية. ولكن عندما تكون هذه المصالح أعلى مع الطرف العربي، فمن المحتمل أن تتبنى الصين سياسة أكثر ميلا ودعما لهذا الطرف.

 أما في حالة اندلاع أزمة بين دولة، أو مجموعة دول، عربية وقوة دولية كبرى، تقليدية أو بازغة، فمن المحتمل أن تعمد الصين إلى التدخل كطرف ثالت لتسويتها مستفيدة من علاقاتها الوطيدة مع الطرفين. واذا لم تستطع ذلك، فإنها قد تأخذ بسياسة الحياد المعلن تأمينا لمصالحها مع الطرفين. بيد أن الأمر سيختلف في حالة الأزمة بين طرف عربي وقوة كبرى ترتبط مع الصين بعلاقة متوترة. ففي هذه الحالة، فإنها ستكون على الأرجح بجانب الطرف العربي، ومما يدفعها إلى ذلك ليس نزوعها إلى تطوير علاقتها مع الطرف العربي حسب، وإنما أيضا بسبب تطلعها إلى دعم مصداقيتها الدولية ولا سيما لدى دول عالم الجنوب، باعتبارها القوة الكبرى التي وقفت مع هذه الدول في نضالها من أجل التحرر والنهوض الحضاري منذ عهد ماو تسي تونغ.

  1. السلوك الصيني حيال العرب في ضوء مشهد ديمومة التردي وبداية التغيير

لقد تم تناول تفاصيل هذا المشهد، في العدد ( 97 ) من مجلة الحصاد. كما تم ذكره في اعلاه. ومع ذلك، نؤكد باختصار أن الصين ستتعامل مع العرب انطلاقا من الفرص التي ترتبها معطيات مشهد ديمومة التردي، والقيود التي تقترن بها معطيات مشهد بداية التغيير، ومن ثم ستكون سياستها الخارجية ا جراء ذلك حصيلة لمعطيات هذين المشهدين. والسؤال: هل نتوافر، نحن العرب، على رؤية لكيفية تعاملنا مع الصين عندما تتحول إلى قوة عظمى؟. الجواب هو كلا. وبهذا الصدد لنتذكر أن الماضي زمان مضى ولن يعود، والحاضر هو زمان يمضي. أما المستقبل فهو الزمان الذي سيأتي حتما. لذا بنا حاجة ماسة للاستعداد له ابتداء من الحاضر. وغير ذلك سيفضي إلى نستوي وذلك الطرف الذي يُسهل للاخرين إستعمار مستقبله. وهنا تكمن الخسارة الكبرى.

*استاذ العلوم السياسية/ السياسة الدولية ودراسات المستقبلات

العدد 110 / تشرين الثاني 2020