من دفاتر أكتوبر

معن بشور

مجزرة الطائرات الصهيونية في سورية

كانت حرب السادس من أكتوبر (تشرين اول) 1973، حرب  »المفاجأت« للعدو الإسرائيلي، سواء على الجبهة المصرية حيث جرى تحطيم خط بارليف على قناة السويس الذي يقال انه محصن ضد القنابل النووية، او في جبهة الجولان حيث جرى اقتحام خط آلون الشهير على يد بواسل الجيش العربي السوري او حيث نجحت القطاعات الجوية السورية بإسقاط أكثر من 90 طائرة حربية إسرائيلية في الأجواء السورية وخلال 10 ساعات فقط…

المفاجأة في مجزرة الطائرات الصهيونية في الأجواء السورية لم يكن فقط في سقوطها  »كالعصافير« أمام صواريخ الدفاع الجوي السوري، بل ان القيادة العسكرية الإسرائيلية كانت مطمئنة من عدم وجود سلاح دفاع سوري متطور (صواريخ سام 7) لدى الجيش السوري، لا سيما بعد ان قامت في 13 سبتمبر / أيلول (أي قبل 23 يوماً من الحرب) بسلسلة من الغارات الإسرائيلية على سورية بهدف تحديد مرابض الصواريخ السورية، ولكن صاروخاً واحداً لم يطلق يومها بل تصدت المقاتلات السورية للمقاتلات الصهيونية وسقط منها 13 مقاتلة سورية وسط استغراب كثيرين. ومزايدات البعض، عن سبب عدم التصدي بالصواريخ لتلك الغارات يومها..

كانت القيادة السورية، وعلى رأسها الفريق الطيار رئيس الجمهورية الراحل حافظ الأسد يعدون لحرب تشرين المجيدة، وبالتالي كانوا حريصين على عدم كشف مواقع دفاعاتهم الجوية ونوعية الصواريخ الموجودة، وتحملوا النقد والمزايدات من اجل إنجاح خطة الهجوم في ظهر ذلك اليوم التاريخي 6 أكتوبر او 14 رمضان…

ولعل في استحضار هذه المعلومة الهامة عن حرب تشرين ضروري، تماماً كما استحضار مواقف الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في يوليو / تموز 1970 على مشروع وزير الخارجية الأميركي روجرز بوقف حرب الاستنزاف مع العدو من اجل افساح المجال لبناء؛ »حائط الصواريخ« الذي شكل حماية لا تقدر بثمن لفيالق الجيش المصري وهي تعبر قناة السويس الى سيناء.

يومها أيضا تعرض عبد الناصر لمزايدات رخيصة من أكثر من جهة، وهي مزايدات رفضناها في بيروت وتحملنا ظلماً وجوراً بسبب رفضنا الانضمام اليها، فقد كنا نثق بوطنية وعروبة ناصر وبحنكته…

رحم الله الشهداء من ابطال أكتوبر جنوداً وضباطاً وقادة…

رحم الله الرئيسين جمال عبد الناصر وحافظ الأسد ومعهما كل من شارك في تلك الحرب من أبناء أمتنا العربية…

المفاجأة الثالثة

كان الإسرائيليون يعتقدون إن الصراع الحزبي والسياسي بين دمشق وبغداد، والحرب الكردية في شمال العراق، وتهديدات شاه إيران في شط العرب، أسباب ستحول دون مشاركة الجيش العراقي في حرب تشرين/اكتوبر 1973، وكانت القيادة العسكرية الإسرائيلية تعتقد أن المشاركة العسكرية العراقية لن تتعدى سربي طائرات هوكر هنتر العراقية المرابطين في مصر منذ مارس/آذار 1971، بعد زيارة قام بها إلى بغداد رئيس أركان حرب الجيش المصري الفريق الراحل سعد الدين الشاذلي.

لكن المفاجأة الثالثة جاءت من العراق، بعد أن جاءت المفاجأة الأولى والثانية من مصر وسورية، فقد اتخذت القيادة العراقية وعلى رأسها رئيس الجمهورية آنذاك الراحل أحمد حسن البكر ونائبه الراحل صدام حسين قراراً بالمشاركة في تلك الحرب بعد ساعات على إعلان الهجوم المصري على خط بارليف في السويس، والهجوم السوري على خط آلون في الجولان والوصول الى مشارف بحيرة طبريا.

ورغم عدم علمهم المسبق بموعد الهجوم، ورغم أن الاتصال بين الجيشين العراقي والسوري كان يتم عبر القاهرة، إلاّ أن لواءاً مدرعاً عراقياً بقيادة الرائد الركن سليم شاكر الامامي تحرك نحو سورية، ولواء آخر تحرك نحو الأردن. الذي اعتذر عن استقباله باعتباره غير مشارك في الحرب، فتوجه هو الآخر إلى سورية ليوقف تقدماً إسرائيلياً في محور (جيعا- كفرناسج)..

توجه يومها العراق ايضاً بنداء إلى طهران لإعادة العلاقات المقطوعة بين البلدين، فيما أعلن مصطفى البرزاني وقف العمليات العسكرية للأكراد ضد الجيش العراقي في الشمال الامر الذي وفر فرصة للقوات العراقية البرية والجوية أن تشارك بفعالية في الحرب على جبهة الجولان، وأن تقدم مئات الشهداء (323) وخسائر بالطائرات (26) والآليات (137 دبابة وناقلة جند)، وازدهرت الآمال بقيام لقاء سوري عراقي كان مطلباً لكل أحرار الأمّة، ولاسيّما منهم البعثيين الذين كان على رأسهم يومها الأمين العام المؤسس المقيم في بيروت يومها الراحل ميشيل عفلق صاحب النداء الشهير للوحدة بين النظامين المتجاورين اللذين ينتميان الى حركة واحدة.

كانت المشاركة العراقية في تلك الحرب على الجبهتين المصرية والسورية جزءاً من أجواء التضامن العربي الرائع الذي تجسّد في تلك الحرب حيث لم تبق دولة عربية واحدة إلا وشاركت فيها بشكل وآخر. كما سيرى في مقالات قادمة من  »دفاتر أكتوبر«.

ويومها قيل ان الدبابات العراقية تحركت الى دمشق رغم عدم توفر ناقلات لعدد كبير منها، لكن الأوامر من رئيس الأركان العراقي عبد الجبار شنشل كانت بالتوجه الى دمشق مهما كانت المعوقات.

كم تحتاج أمّتنا العربية والإسلامية اليوم، وقد بلغ التمادي الصهيوني على هذه الأمّة حداً غير مسبوق، إلى مثل هذا الروح التي اجتاحتها أيام حرب تشرين المجيدة، فلا تتمكن من مواجهة المخططات المعادية فحسب، بل تؤسس لتعاون وتنسيق وتشبيك وتكامل يقود حتماً إلى نهوض الأمّة على المستويات كافة ويتجاوز كل الحساسيات والحسابات الصغيرة العابرة.

الأمة حين تتوحد

لم يكن ما حدث في السادس من أكتوبر/تشرين أول 1973 مجرد انتصار عسكري حققه الجيشان المصري والسوري ومعهما الجيوش العربية المشاركة، رغم ما واجهه من إجهاض سياسي، بل كان أيضاً انتصاراً قومياً تاريخياً أثبتت فيه الأمة وحدتها على كل المستويات، كما انكشف للعالم اجمع، كم هي أمتنا قوية إذا أرادت وتضامنت وتكاتفت وهو إدراك يفسر كل ما شهدته الأمة ككل، وأقطارها كأجزاء، على مدى 47 عاماً، من مخططات تمزيق وتفتيت وتفكيك، ما زلنا نعاني منها حتى اليوم لا سيما في سورية ومصر والعراق، وصولاً الى ليبيا واليمن، وقبلها في لبنان في الربع الأخير من القرن الماضي، والجزائر في العشرية الدامية.

في تلك الحروب، كانت المشاركة الجزائرية مميزة وبدأت منذ هزيمة حزيران 1967 حين توجه الرئيس الراحل الى موسكو هواري بومدين حاملاً معه شيك على بياض وقائلاً للقادة السوفيات:  »أرسلوا لمصر ما تحتاجه من سلاح والجزائر مستعدة لدفع التكاليف.. «.

والتجريدة المغربية الى سورية التي قدمت مئات الشهداء على أرض الجولان هي علامة على مشاركة مغربية لا تنسى في تلك الحرب التحريرية التي انتصر فيها العرب حين كانوا موحدين، وخسروا حين تفرد بعضهم بالقرار وتفرق شملهم.

والأمر ذاته ينطبق عن قوات ليبية وتونسية وسودانية وكويتية وبحرينية وأردنية التي سارعت الى التوجه الى الجبهتين المصرية والسورية لترسم معالم ملحمة عربية خالدة لا يمكن محوها من ذاكرة الأمة..

أما في لبنان، فكانت مشاركته على مستويين أولهما اقتصادي حين اتخذت الدولة اللبنانية بشخص رئيس الجمهورية الراحل سليمان فرنجية، ورئيس الحكومة الراحل تقي الدين الصلح، قراراً بتزويد سورية بحاجاتها من المشتقات النفطية بعد أن دمر طيران العدو مصفاة حمص وخزان طرطوس وبانياس فيما أعتمد نظام المفرد والمزدوج كي يوفر لبنان النفط لدعم سورية..

أما على الصعيد العسكري، فقد حاولنا مع الرئيس الراحل لمنظمة التحرير الفلسطينية والقائد العام للقوات المشتركة الراحل ياسر عرفات ان نفتح جبهة  » ثالثة  » عبر الحدود اللبنانية ـ الفلسطينية لتخفيف الضغط على الجبهات الأخرى.. وأذكر أياماً أمضيتها مع الأخ أبو عمار وبعض القيادات الفلسطينية واللبنانية في العرقوب والقطاع الأوسط نشرف على عمليات فدائية ضد المستعمرات الصهيونية في الجليل، حتى أن الصهاينة اعترفوا بوجود هذه الجبهة الثالثة..

حتى النفط الذي يحاول البعض اليوم أن يخرجه من الصراع، بل أن يستخدمه كأداة في خدمة مخططات التطبيع مع العدو، فقد كان له مكانه البارز في تلك الحرب حين أقدمت دول النفط وأبرزها المملكة العربية السعودية والعراق والإمارات والكويت وليبيا على حظر النفط على الدول الغربية، فجرى الضغط على واشنطن التي أقامت يومها جسراً عسكرياً جوياً لدعم الكيان الغاصب وهو الجسر الذي أنقذ الكيان الغاصب، من الانهيار باعتراف غولد مائير رئيسة وزراء حكومة العدو..

درس أكتوبر الأول والرئيسي: ماذا يمكن للعرب أن يحققوا لو وحدوا صفوفهم، وتضافرت قواهم.

العدد 110 / تشرين الثاني 2020