»أن تُرضي فيلسوفا، وتثير فضوله«

الكاتبة والمُحرّرة في أدب الأطفال أمل ناصر

نسرين الرجب ـ  لبنان

تمتلك الكاتبة أمل ناصر حسّا فنيّا وأدبيا ونقديّا عاليّ الهمّة وهي في حديثها لا تقول بل تجود، لتجد نفسك أمام مبدعة من الطراز الرفيع، وحالمة لا تكتفي بما هو معروف بل تبحث عمّا هو مدفون ومجهول لتبلوره، عاشت طفولتها في ضيعةٍ صغيرة جدا، وبيتٍ محاط بشجر الصنوبر، والوديان والبراري  ـ كما تصف ـ  ونشأت بين أبويْن نهمَيْ قراءة

الكاتبة أمل ناصر

ومعرفة، ومتنوعيْ الجنسيّة والثقافة (اللبنانية والمكسيكيّة) أورثاها شغف القراءة وفنّها، كان للحصاد معها هذا المقال الحواري للحديث عن تجربتها الغنيّة في أدب الأطفال، وعُمق مخزونها الفكريّ والنقدي.

القراءة والكتابة رفيقيْ طريق

أهدتها والدتها في طفولتها موسوعة مكسيكيّة مخصصة للأطفال من إصدار شركة ديزني العالمية، تذكر أمل تفاصيلها المتنوعة المضامين بشوق:  »كانت موسوعة غنية جدا ومذهلة! وقد تركت فيّ أثرا وحسرة لحدّ اللحظة، لِمَ لم نستطع بعد أن نعمل على كتب بهذا الغنى؟«

كانت تقرأ بالعربية كتبا من مكتبة أبيها. وتدوّن انتقاداتها وملحوظاتها على مفكرة خاصة. طفلة تكتب الخواطر، والشعر شبه الموزون، والقصص القصيرة…التي كانت تسمعها من أبيها وجدها وجدتها، الذين تصفهم بـ »مخزن للحكايات«.

تلقت تعليما جيدا في مدرستها في اللغة العربية، شاركت في مسابقات أدبية، وكتبت منذ الصغر حتى المراهقة سيناريوهات مسرحية للأطفال، وكذلك أغان أُدخلت ضمن مسرحيات كتبها كبار، وأوكلت لها مهام تطوير الشخصيات في سيناريوهاتهم الخاصة.

في الجامعة درست اللغة العربية وآدابها، واختارت الخوض في أدب الطفل واليافعين في الدراسات العليا (مدفوعة بتشجيع من زوجها)، تلقّت تدريبا في الكثير من الورش والدورات المتخصصة في الكتابة، والسيناريو الدرامي والسينمائي والمسرحي، ومارست تحرير عشرات القصص للأطفال منذ عمر مبكر.

أجرت أمل  العديد من الأبحاث والدراسات التي لم تعمل على نشرها، في أدب الطفل، وشاركت في كتابة شعر الأطفال، بعضها تم تلحينه، أو استخدامه في مسرح الأطفال، وشاركت في تأليف كتب تعليميّة في القراءة العربيّة للطفل.

دار رمانة، بداية الحلم لعالم ساحر

في البداية، خاضت أمل تجربة العمل رئيسة تحرير مجلة لبنانية لأدب الطفل، وتصف تجربتها بالمُتعبة بسبب اصطدامها بعقليّات متحجّرة وغير خبيرة أو متخصصة ـ كما وصفتها ـ، إلا أنها استفادت منها في صقل رؤيتها لأدب الطفل، ومستقبله، ونقاط ضعفه في العالم العربي.

لاحقا، عملت مديرة إنتاج ومحررة، في دار لم تكن معروفة، وكانت الإصدارات فيها كارثيّة  ـ كما تقول ـ :  »رفضت الرضوخ للقوالب التربوية الحادة والمحدودة والبالية إرضاء لجيل كلاسيكيّ غير خبير. فعملت على تطوير الرؤية الأدبية والفنية للدار، من خلال التواصل مع كُتاب نخبويين ومعروفين من العالم العربي، واختيار رسامين عرب وأجانب محترفين، والعمل مع أكثر من مصمم بهدف تطوير الاخراج الفني، وتغيير نوعية الطباعة التي كانت معتمدة وفقا لنمط الرسم الذي عملت على تنويعه في كل قصة بما يتلاءم مع النص«.  تمكّنت أمل منذ بدء عملها وخلال ثلاث سنوات، من إحداث قفزة مهمة في الدار التي أنتجت العشرات من الكتب والقصص المميزة، وصارت معروفة في العالم العربي، وتأهلت بعض كتبها لعدّة جوائز، وحصلت على بعضها.

 إلى أن قررت أمل، صناعة حلمها الخاص بعيدا عن أي سلطة تجاريّة وعقليّة متحجرة، ولو بإمكانات متواضعة،  »ووفقا لقاعدة حياتيّ (النوعية لا الكمية)، وهكذا أسستُ وزوجي دار رمانة، بداية حلمنا لعالم ساحر، أخطّط له أن يصنع وينتج السحر والدهشة ويجدّد إنتاج السؤال«.

أدب الأطفال في العالم العربي، تطوّر عن السابق

قد يسهل على غير المُطّلع كفاية على هذا النوع من الأدب أن يُقلل من إمكانياته وأن يستسهِل وجوده في عالمنا العربي، ولكن أمل الدارِسة والمتمكّنة من اختصاصها ومشروعها لا تدع لذلك مجالا للشك، وتتحدث عن تجارب  كُتّاب ودور نشر عريقة أثبتت نفسها عربيا وعالميا. وكمثال ذكرت:  »دار الحدائق، التي تتميز كتبها بجودة عالية. تجربة السيدة نبيهة محيدلي منذ مجلة أحمد، كانت ملهمة ومميزة، وقد استطاعت أن تثبت نفسها عالميا، وليس فقط عربيا. هل اطّلعتم مثلا على كتاب  »كائنات سقف الغرفة«، الحاصل على جائزة اتصالات؟! إنه كتاب عالمي«. تواصل:  »تجربة دار السلوى أيضا تجربة رائدة وملهمة ومميزة،  تجربة دار مجموعة كلمات في الشارقة، ربما هي الدار العربية الوحيدة التي تتفرد بفريق عمل متكامل ومتخصص من الألف إلى الياء، يأخذون وقتهم في اختيار النصوص بدقة موضوعية. ويعيرون انتباها كبيرا للسرقات الأدبية وتوارد الأفكار«.

هناك دور في عالمنا العربي أصبح لها حضورها وبصمتها وتسعى بجهد أن تنتج كتبا جديرة بالاقتناء، وتتميز بالأصالة، ومنها أيضا دار شجرة للكاتبة أمل فرح الذكية جدا، ومؤسسة تامر، ودار البلسم، ودار الياسمين، ودار ينبع، ودار أروى العربية، ودار حكاية قمر التي بداية أولت اهتماما لترسيخ القراءة كعادة يومية، ثمّ شجعت الأقلام الطفلة. وطبعا لا أنسى مشروع تكوين الذي أسسته الكاتبة الملهمة بثينة العيسى، وهو مشروع ساهم في نهضة مميزة في عالم الأدب حيث يتشارك في إدارته نخبة من الشعراء والأدباء والمترجمين.

على الهامش، الترجمة جزء  مهم جدا من الأدب، ولا يجب أن يتم إهماله أبدا أو الاستخفاف بأهميته. وازدهاره دليل بركة وخير في عالم الأدب«. 

الطفل فيلسوف بالفطرة

ترى أمل أن:  »هناك عدد لابأس به وربما الأكثرية  ـ من الكُتّاب ـ، تأخذ دور المدرّس أثناء الكتابة للطفل، لأن في بالها أن الطفل مجرد كائن متلقٍ، ينتظر المواعظ والخطابات كي تدير حركته في فلك الحياة. بينما الطفل في الواقع، كائن عاطفي وذكي وحالم، أسميه كائن اللماذات. لا شيء يمرُّ من خلاله، من دون أن يسأل (لم، كيف، متى)… برأي الكبار أنّ ما يكتبونه هو بديهي، وهنا مربط الفرس، عند الطفل لا شيء بديهي.. ومن هنا فإني أؤمن أن الطفل فيلسوف بالفطرة. والفيلسوف لا يتحرك ضمن الدائرة التي تُرسم له. هو لا يزال يملك جانحين من الأحلام! فلم نجبره على المشي ضمن إطار نحدده؟!«.

تخيلي أنت تكتبين لفيلسوف!  كم ستكون هذه المهنة صعبة. أن تُرضي فيلسوفا، وتثيري فضوله. كم سيكون صعب أن تخلقي له حلم حيّ ومستمر.

الكاتب هو الخاسر الأكبر

لا تصل الكتب الجيّدة لجميع الأطفال بالتساوي، وذلك كما تذكر أمل يعود إلى عدّة عوامل منها: غياب وعي المجتمع الجمعي بأهميّة كتاب الأطفال، كضرورة من ضرورات الحياة الترفيهيّة والمعرفيّة، والنفسيّة، والسلوكيّة، وكعادة يوميّة، وكجزء أساسيّ من تجهيزات الطفل منذ أن يتكوّن جنينا في بطن أمه.

فهناك نظرة متفشيّة أنها كتب رفاهيّة وترف لا حاجة أساسيّة. من هنا فإن عمليّة البحث عن كتاب جيّد للطفل  ـ برأيها ـ ، تقتصر على نخبة معينة من الأهل.

أمّا العامل الثاني فيتعلّق  والرأي لأمل ـ  باختلاف القدرة الشرائية في البلد الواحد، وفي البلاد العربية لدى الأسر العربية، وبتحديد الأولويات.

تُدرك أمل أن  »كتب الأطفال عالية الكلفة من حيث مستوى الانتاج، ويكون فيها الكاتب هو الخاسر الأكبر، الكلفة العالية تعود إلى الرسم الجيّد، لا الممتاز! فهي كلفة عالية جدّا في العالم العربي نسبة إلى متوسط الربح العام لأكثر دور النشر، وهنا أنا لا أنتقد حقّ الرسام، أو استحقاقه للبدلات المالية العالية، ولكن الرسام العربي المحترف دائما يقارن نفسه برسام كتب الأطفال الغربي من حيث استحقاقه لأجور عالية، وكما قلت هذا حقه الطبيعي جدا، ولكن المشكلة أننا لسنا دور نشر غربية! وبالطبع لن أتطرق للفارق !«.

إضافة إلى كلفة الطباعة العالية، من حيث نوعية الورق والألوان، والشكل والحجم والإخراج الفني. فهذه الكلفة كانت لتكون مقبولة لو أننا في بلاد تطبع عددا كبيرا من النُّسخ:  »لكن أكثر دور النشر في العالم العربي تطبع حوالي ثلاثة آلاف نسخة كحد أقصى لكل كتاب وهو عدد متواضع جدا بالنسبة إلى الغرب، وكل ألف نسخة تأخذ حوالي سنة ونصف لبيعها، يعني هناك انتظار كبير لكي تسترد الدار شيئا من رأس المال والقليل من الربح«. إذا إنها كلفة الانتاج التي تحتّم على دار النشر أن يكون سعر الكتاب غير مقبول لأكثر الطبقات الاجتماعية، خاصة أن هذه الطبقات غير معتادة على اجتزاء شيء من مصروفها الشهري، وتخصيصه لشراء كتاب على الأقل كل مدّة.

هناك جهل كبير ومتفشٍ بين الأهل والأطفال، حول تمييز الفرق بين الكتاب الجيد والآخر الذي لا يمكن اقتناؤه ولو مجانا!  وهناك تدنٍ ملحوظ في الانتباه للجانب الفني للكتاب. هذا الأمر يدفع بالكثير من الأهل إلى شراء تلك الكتب التي تكون معروضة بسعر بخس، ويكون مضمونها خطير وسيء بدرجة كبيرة، إضافة إلى تدهور الجانب الفنيّ فيه، بحيث يؤدي إلى مسخ الذائقة الفنية عند الأطفال«.

تتحدث أمل عن غياب الدعم الحكومي والثقافي، ومن كافة النواحي. سواء من الدولة، أو من قبل المؤسسات التعليمية والثقافيّة، ولكنها كصاحبة دار نشر الآن، تقول:  »يكفيني أن تلتفت إليها المؤسسات التعليمية، بحيث تدفع بطلابها لشراء كتب من داري، وهذه الخطوة ستكون دافعا كبيرا لي لأستمر«.

المحظورات في الكتابة للاطفال

مُخطئ من يستسهِل الكتابة للأطفال، فهناك عدّة محظورات على الكاتب أن يتحشاها، وأن يكون حذرا أثناء طرحه لمواضيعه، تذكُر أمل نوعين من المحظورات:  »نوعٌ من المفترض أن يبقى خطا أحمرا مهما تعاقب الزمن، ونوع يمكن الخوض فيه، وفقا لشروط معينة، أهمها أسلوب وذكاء الكاتب في الطرح«.

تشرح  ودائما المقياس هو العالم العربي ـ:  »هناك براديغم له قوانينه الخاصة، منها، أن لا يُكتب مادة تسبب أذى نفسي للأطفال، وهذه نقطة حساسة، تتطلب الانتباه والدقة، لأن أي كاتب معرّض لهذه الهفوة بطريقة لا واعية. ومنها، أن لا تثير مادة الكتاب النعرات السياسية والطائفية، ولا تحرض على العنف، والعنصرية، والإرهاب بكل أشكاله، ولا تحرض على المقدسات والأديان، وارتكاب الفواحش… الأمر مرتبط دائما بالقيم المتفق عليها إنسانيا.  طبعا هناك من يصّر على معايير تربوية حادّة، وهذه نقطة صراع حديثة إذ كلما تقدمنا، كلما ازداد الصراع على تحديد هذه المعايير. تؤدي الأعراف الشرقية دورا أيضا، مثلا:  الخمر مثلا أمرٌ عادي الطرح في القصص الغربية الموجهة للأطفال، أما في كتبنا فهو أمر جدا مرفوض، ومنفر«.

تتحدث أمل عن نوع من المحظورات المتغيّرة، وهي عبارة عن مواضيع كان التطرق إليها سابقا يعد  مغامرة محرّمة، مثل: (طرح فكرة الموت، الزواج، الأمراض النفسية مثل الكآبة، التحرش الجنسي)، لكن العولمة والتجربة الغربيّة الناجحة  والكلام لأمل ـ في طرح هذه المواضيع، وذكاء بعض الأقلام العربية، جعل التطرق لهذه المواضيع أمرا مقبولا وبالعكس مطلوبا ومورد حاجة. على الرغم من كارثية  بعض الأقلام الدخيلة…

تلفت في الأخير الحديث عن الدور الخطير الذي تُشكله بعض دور النشر ذات الأهداف التجاريّة البحت،  »بالأخص إن كان صاحبها يتمتع بمواصفات التاجر الفاجر، ولديه قناعة بأن الغاية تبرر الوسيلة، وأن أي نص له مواصفات قصة فهو يصلح للنشر، وأي نوع من الرسم الذي يتشابه مع رسومات ديزني فيه أميرات وأشياء تلمع فهو صالح للنشر«

أخوض كثيرا في المكان غير الآمن

لا تعطي أمل لكتاباتها علامة الرضا، فبرأيها هناك دائما إمكانية للتعديل والتحرير، تحرص في نصوصها على إثارة السؤال والعاطفة، ولفت الانتباه إلى الأمور المهمشة والصغيرة وغير المرئية.

في نصوصها الكثير من المغامرة والجرأة، فهي  »كائن عاطفي بامتياز، لا يمكنني الكتابة تحت الطلب، ولا يمكنني الكتابة في موضوع ليس بيني وبينه رابطة عاطفية«. تضيف:  »فأنا لا أحب الكتابة في مواضيع تم التطرق إليها حتى لو أنني أعلم أنها تجاريا ستكون مربحة. دائما أبحث عن الجديد المستقّر في داخلي، لكي أخرجه. أو أن أُخرج من  ذاكرتي ما تخزّن من مشاهد لا يلتفت لها الناس عادة، أستثمرها في كتابتي«.

لا تواجه أمل  أية إشكال في تجربة أنواع  جديدة من الكتابة،  »وأن أقوم بكتابة قصة أعرف مسبقا أن فيها شيء من الغرابة قد لا يتقبلها البعض. ولكن بحمد الله لحدّ اللحظة، لم يحدث أن صدر لي كتاب لم يتقبله القارئ، رغم أنني خضت كثيرا في المكان غير الآمن«.

الطرق إلى الإبداع بعدد أنفاس الخلائق.

في الحديث عن الفائدة التعليمية في القصة الموجهة للطفل، بعيدا عن الوعظ،  ترى أمل أنّ  »جوهر قصة الأطفال هي الفكرة!  إن عثرتِ على الفكرة فقد قطعت المسافة الأكبر من الطريق. والمقصود بالفكرة  تلك اللمعة الاستثنائية، الخفقة، الوميض، التي تمسكُ بالنص، وتجعله متفردا بين عشرات القصص. وتلك الانعطافة الذكيّة التي تجعل من نص يبدو عاديا، نصا متفرّدا ومدهشا«.

تتحدث عن تقنيّة  الاتعطافات (التويست) التي أبدع في استخدامها المؤلف الغربي  »ماك بارنيت«:  »لديه كتاب مشهور وأنيق، بعدد كلمات قليلة، يتمحور حول لعبة عالمية لعبناها جميعا في طفولتنا وهي لعبة التلفون المقطوع أو الشائعة«.

… عناصر القصة فيها الكثير من الاحترافية والذكاء، من طريقة تطويع اللعبة الشعبية والعالمية، في قصة مميزة، إلى جعل الكاتب لكل طائر كاريكتير معين، وظفه في اقناعنا بتحريف الرسالة وفقا لمواصفات الكاريكتير واهتماماته، وعبر اللعب على الكلمات، بحيث نقتنع أنه من الطبيعي أن يحصل هذا التحريف الفكاهي والمقفى..

يمكن للقصة أن تحمل مضمونا تعليميّا عظيما، من دون الانزياح عن سحر القصة، ومن دون الوقوع في شراك الوعظ، وذلك عبر استخدام أسلوب مميز، ذكي، حساس، عاطفي، إضافة إلى إمكانية اللجوء للمبنى الحكائي المتماسك والدقيق.«

تُعقّب:  »هناك مقولة صوفية تقول أن الطريق إلى الله بعدد أنفاس الخلائق. بمعنى أن لكل إنسان طريقته الخاصة في التقرب والتعرف بـ الله. يمكنني استعارة شيء من هذه المقولة واسقاطها على الأدب والفن. دائما سيتمكن الانسان المبدع من ابتكار طريقة مميزة لإيصال أي شيء… دائما ومهما بلغ عمر البشرية، العبرة أن يسعى الانسان ليكوّن أسلوبه الخاص، ولا يرضى أن يبقى على هامش الابتذال والتقليد والتكرار. فالطرق إلى الإبداع بعدد أنفاس الخلائق«.

الجذر التراثي للقصص

تتصل الكتابة للأطفال بجذور عربيّة  تراثيّة، فهي ترى:  »أن أوائل من خاضوا الكتابة في أدب الطفل الحديث، قد استفادوا بشكل كبير من التراث، وكانوا مثقفين من الطراز الرفيع، على سبيل المثال فإن أحمد شوقي وهو من الأوائل الذين خاضوا هذا الغمار استفاد بشكل كبير من التراث،  أيضا، المجلات العربية المخصّصة للأطفال والتي أدّت دورا مهما في تأصيل أدب الطفل، وإدخاله إلى معظم البيوت في العالم العربي، ولفتت الأنظار إلى أهميته، وأهميّة الاشتغال على تطويره، وساهمت في بروز أقلام موهوبة؛ كما أنها أدّت دورا قيّما في إعادة فكرة الأبطال إلى الواجهة مثل شخصيات: (فشكول، أحمد، عارف، أكول، توتة، تفاحة،صوصي)، التي برعت في إظهار ميزاتهم وشخصيّاتهم الدرامية مجلة أحمد اللبنانيّة،  إضافة شخصيّات مجلات أخرى مثل: (المزمار، وعلاء الدين، وماجد، وفارس…)«.

تقوم القصص على الخصائص التي تميّز البطل فيها، ولكن أمل لا تتعامل مع القصة تعاملا جزئيا، تقول:  »أحيانا تومض القصة بكاملها في خيالي، فأسارع لكتابتها قبل أن تهرب. هكذا حصل مع قصة  »يونس«، التي طُبعت في مجموعة كلمات، وهكذا حصل مع  »هكذا تحركت الدمى«، على سبيل المثال هذان النصّان لم يأخذ الواحد منهما أكثر من نصف ساعة بين كتابة وتحرير له، وأرسلتهما مباشرة للناشر.

أمّا  »أرشيفيا« الكتاب الصادر مؤخرا عن دار رمانة ودار حكاية قمر، فقد لمعت الفكرة في رأسي أواخر العام 2011، عند ولادة طفلتي حنين. وبقيت الفكرة في رأسي مدّة طويلة حتى أنني لم ألجأ لكتابتها. استكملت نضوجها في رأسي حتى العام 2015 وقد تأخرت طباعتها وإصدارها خمس سنوات!.

الآن أنا أكتب رواية لليافعين، أفكارها ومسارها حاضر في ذهني، ولكني كسولة جدا على إنجاز النصوص الطويلة، إنها تأخذ من طاقتي الكثير. بالطبع أنا عشوائية في كتابة الروايات بشكل غريب«.

وعن رؤيتها للعالم التي تتمثل في إنتاجها الأدبي، تشرح:  »لديّ منهج محفور في عقلي وقلبي، وهو يشكل وجهتي في الحياة بكل ميادينها، سواء الاجتماعية، الثقافية، وغيرها؛ ألا وهو مخاطبة الإنسان في كل زمان ومكان، مهما كان انتماؤه، عرقه، دينه. الأدب عندي، ونص الأطفال، هو لغة خطاب إنسانيّة راقية، عالية المستوى. لكني أؤمن بخصوصيتي الثقافيّة والتراثيّة وأحبّ أن أظهرها في القصص بطريقة أو بأخرى، سواء عبر أزياء الشخصيات، أو الأكلات… أو غيرها.

القصة، وحفظ اللغة العربية الفصحى

تؤمن أمل بأهميّة الحفاظ على نسق اللغة العربية الفصحى أثناء الكتابة والقراءة أيضا، للأطفال، ولا تحبذ استخدام اللهجات العاميّة في النصوص، وهي بذلك تنطلق من قاعدة:  »أن الطفل قبل سنواته الثلاث الأولى، يمكنه استيعاب أكثر من لغة وتفكيك رموزها، فهل ستعصى عليه اللغة الفصحى، خاصة إن اهتممنا بقراءة القصص له بشكل يومي أو دوري؟!«.

اللغة نوع من أنواع البرمجة الدماغية، التي ينشأ عليها الطفل، كلما رُفدت بالبيانات كلما ازدادت فعالية وانتاجا. ولا أحد يختلف على عظمة اللغة العربيّة الفصحى وأثرها على بنية التفكير وقدرتها على توليد الأفكار الخلاقة. من يقول أن اللغة الفصحى صعبة، أقول له إذا عوّده على الأصعب، كي تسهل الأمور عليه لاحقا.

اليوم، نحن أمام تحديّات عظيمة، من حيث الحفاظ على لغتنا العربية في ظل العولمة وسيطرة اللغات الأجنبية على البيئة الأكاديمية، والوسائط الإلكترونية والاعلامية، وقطاع السينما..

القصة تضمن جانبا مهما من حفظ اللغة العربية الفصحى، وتقريبها إلى قلوب الأطفال. القصة منتوج عاطفي، لذلك فإن أثره كبير وطويل الأمد.«

مجموعة حالمة صغيرة

تختم أمل حديثها الشيّق عن مشروعها الأدبي وطموحها، بأنّ الطموح الشخصيّ لم يعد متعلقا بدائرتها الخاصة ككاتبة.  »بل انتقل لـ »رمانة«،  التي خزّنا فيها كل أحلامنا كعائلة. نحن الآن مجموعة حالمة صغيرة لديها الكثير من الطموحات والمخططات والأفكار. الكتابة بالنسبة لي حاجة، وتحصيل حاصل، الأمر بالنسبة لي يشبه عملية التنفس غير الإرادية. الورش أيضا، تحصيل حاصل في مسيرة أي كاتب عاش تجربتي، وحصّل الخبرة الكافية للتدريب، ولكنّي عادة أتأنى كثيرا في إقامة أي ورشة، لأني لا أحب أن تأخذ طابعا تجاريا، فتتشابه مع أكثر ما يتداول. أريد للورشة أن تكون مشغلا، ومحترفا، يُشغله الحب والعاطفة، فأي عمل خالٍ من الشغف والحب والعاطفة، محكوم بالفشل«.

وتُعقّب:  »طبعا من أحلام رمانة البسيطة أن يتمكن كل طفل في العالم من الحصول على مكتبة خاصة به، وأن تصبح كتبها من حق الجميع، جميع الأطفال في كل العالم«.

العدد 110 / تشرين الثاني 2020