خطاب مفتوح إلى شعب فلسطين

قدرك أيها الشعب البطل ان تعيش نزيف الدم على يد الأعداء

وان تعيش أيضا نزيف الألم والحسرة من اخوة لك اشقاء

وحدتك هي سلاحك، ووحدتك هي صمودك، ووحدتك هي انتصارك

أمين الغفاري

لهفي على الشعب البطل، شعب فلسطين..

الشعب الذي يتصاعد نزيف دمه ولا يتراجع في نفس الوقت الذي يتعالى فيه نزيف ألمه ولا يصرخ، كأنه قدر مكتوب ان يحاصر الشعب البطل بين نزيف الدم الذي يسفك ويجري على الأرض المقدسة كشلال هادر تحت اقدام الإحتلال الإستيطاني الذي يتمدد، ويدمر، ، بلا حساب لقانون ولا لضمير، وبين  نزيف الالم الذي يعتصره جراء هرولة الأخوة الأشقاء الذين يتسابقون يوما بعد آخر، لإرضاء نفس القوى الباطشه التي لا تتورع عن الضغوط، حتى الإبتزاز، لفرض ارادتها وتطويع ارادتهم، فيوافقون صاغرين، والأدهى والأمر ان يتم كل ذلك بدعاوى هشة، تبرر، الإذعان، بأن ذلك يقع باسم المصلحة الوطنية القطرية، وكأن صمودهم أكثر من سبعين عاما منذ إعلان الكيان الصهيوني، كانوا في غيبة وهم يسايرون أمرا يتعارض مع تلك المصالح الوطنية المزعومة. قدرك يا شعب فلسطين الأبي ان تعيش

الشعب البطل لا يعرف الاستسلام

النزيفين، وأن تعاني الأمرين، طعنة العدو، وطعنة الأخ الشقيق. ولكن هكذا شيم الأبطال، فقد تمرست طويلا، وتعالى رصيد التجارب في تاريخك المناضل المقاتل، وتعودت ان تحتمل شراسة العدو وجبروته، وان تعاركه وجها لوجه، وتعودت أيضا ان تعفو وتغفر حين يتعلق الأمر بأخوة لك أشقاء، فتمد يدك بكل مافي القلب من صفح وصفاء. هكذا شيم المناضلين، ودائما كنت الصبور. قدر أمة العرب أن يكون موقعها أولا ثم ثرواتها ثانيا هما مصدر قلقها وتهديد أمنها، ولم تكن ما يسمى بالحروب الصليبية، إلا ذريعة تمتطيها الدول الإستعمارية لكي تغزو، وتحتل ثم تستولي وتنهب.

إسرائيل كانت ولا زالت، وسوف تبقى إلى إشعار يتجدد عبر الزمان، ولا ينتهي الا بصحوة عربية، تضع للإغتصاب حدوده، وللبطش نهايته. إسرائيل ليست سوى دور تلعبه وتؤديه باعتبارها الطليعة المتقدمة، والحارس الأوفى للمصالح الرأسمالية العالمية بوجهها البشع، لا بوجهها التنموي الحضاري الآخر الذي ترتديه الآن كذبا وادعاءا.

فلسطين قضية قطرية للفلسطينيين.. لكنها قومية للعرب

نهتف ونقول أن قضية شعب فلسطين هي القضية العربية المركزية، دون ان نفصح بالقدر المطلوب، لماذا نعتبرها قضية (مركزية). هي مركزية لأنها تتعلق أساسا بالأمن القومي العربي، فهي قطرية بالشكل، ولكنها عربية بالمضمون، فإسرائيل تعتمد قاعدة (القضم ثم الهضم ثم، معاودة القضم من جديد)، وهكذا دواليك. ان إسرائيل لم تخف اهدافها في ان فلسطين ليست سوى القاعدة التي تنطلق منها إلى تحقيق حلمها الأكبر (من الفرات إلى النيل أرضك الموعودة يا إسرائيل)، وكانت القوى الإستعمارية الأوروبية وستظل هي الداعم الأساسي لها بالسلاح وكذلك بالدعم السياسي والاقتصادي المادي والمعنوي طوال عقود طويلة من الزمن، حتى وان اختلف دور كل دولة في أوروبا حسب حجم التطور والصدارة ومن ثم قوة التأثير. ، وكانت بريطانيا أولا صاحبة وعد بلفور الشهير، ثم فرنسا في مرحلة لاحقة، أبان أزمة السويس، والآن مع القطب الدولي الأكبر الولايات المتحدة الأمريكية، وقد كان

الشهيد الدكتور عصام السرطاوي
الشعب الفلسطيني هو الذي سيحرر فلسطين

الرئيس(دونالد ترامب) هو الأكثر صراحة ووضوحا، بما لا يدع المجال لكثير من الشرح والايضاح.

إسرائيل تنشط في داخل فلسطين في الضم والاستحواذ، والاسراع في بناء المستوطنات، بل المستعمرات، ثم عبر عينها التي لا تغفل عن الاراضي العربية المجاورة، وامامنا التجربة شاهدة:

1 – نتذكر في حرب عام 1956 أعلنت ضم سيناء المصرية إلى اراضيها بقرار من الكنيست، ولم تتراجع الا تحت ضغط دولي، وعام 1967 عاودت احتلال سيناء، وأخذت في بناء المستوطنات، ومنها  منطقة كاملة تجمع عدة مستوطنات أطلقت عليها اقليم (ياميت) وهو أكبر تجمع استعماري يتسع لربع مليون إسرائيلي، وكان يقع في شمال سيناء ويطل على البحر الابيض المتوسط ويشار اليه بأنه (بوابة رفح) وكان يضم 15 مستعمرة أكبرها (مدينة ياميت). ومن المعروف ان إسرائيل كانت تخطط للإبقاء عليه وعدم تسليمه لمصر عقب اتفاقية السلام، الا انها لم تتمكن من ذلك بفعل الرفض المصري القاطع، وعلينا ان نتذكر ان مصر ابتداءا قد خاضت حربا ضروسا 1973 سبقتها حرب (الاستنزاف) استمرت ثلاث سنوات، بل ان مصر لم تلق السلاح ابدا، حتى بعد قرار وقف اطلاق النار عام 1967، وتقف معركة (رأس العش)، ومعركة (جزيرة شدوان) دليلا على ذلك، ولم تتوقف إلا بناء على مبادرة روجرز 1970 والتى قبلها عبد الناصر اساسا لبناء حائط الصواريخ استعداد ا للحرب تحت شعار (أن ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة). نتذكر ايضا القرار الإسرائيلي بضم هضبة الجولان السورية المحتلة في ديسمبر عام 1982، والضغوط المستمرة التي تمارسها السلطات الإسرائيلية على المواطنين السوريين للقبول بالجنسية الإسرائيلية، ومقاومتهم المستمرة لكل انواع الضغوط والاجبار، والحيلولة دون تنفيذ المخططات التي تستهدفها الحركة الصهيونية في رسم الخريطة التي تحقق اهدافها في الاستيلاء على الأرض العربية.

2 – ثم يأتي الرئيس دونالد ترامب ويقوم باقرار الضم الإسرائيلي لهضبة الجولان في مارس من العام الماضي 2019. الأطماع الإسرائيلية ليست لها حدود تقف عندها، فهي دولة بلا خريطة محددة المعالم، ولكنها دولة تشكل حدودها من خلال توسعات تقدم عليها بالتدريج وفق قاعدة (الضم ثم الهضم).

3 – ثم نجد تطلعاتها الآن تمتد إلى الأردن فتعمل على محاولة جديدة بضم (غور الأردن) وان كان الملك عبدالله الثاني قد قام بتحذيرها من الاقدام على ذلك الأمر، بل وأنذر بقيام (صراع واسع النطاق) ستخوضه الأردن ان جرت تلك المحاولة. لكن هل يعني ذلك ردع إسرائيل، أم انها ستعمد إلى ذلك ان تيسر الأمر في ظرف سياسي ملائم. ان التوسع في الأرض العربية هدف تسعى إليه وسوف يظل.

إسرائيل مشروع استعماري للهيمنة على المنطقة العربية

ثم يتطور الامر تباعا باعلان (صفقة القرن) الأمريكية التي يتحمس لها (ترامب) لكي تبتلع إسرائيل الضفة الغربية، وذلك بعد اعلانه المسبق مدينة القدس عاصمة للدولة الإسرائيلية، ونقل السفارة الأمريكية اليها، ومن المحتمل ان تأتي الإنتخابات الأمريكية بقيادة مغايرة لـ(ترامب) ويصعد (بايدن)

لكن علينا ان نتذكر دائما أن وجوه القيادات الأمريكية قد تتغير مع كل جولة انتخابات، ولكن السياسات لا تتغير، وان كانت تختلف في حجم الفجاجة سواء في التعبير أو في القرار، لكن الأهداف واحدة، فالرئيس الأمريكي يأتي لكي يحقق المصالح الأمريكية، وليس رجل (المدينة الفاضلة) التي نادى بها افلاطون، فالسياسة بوجهها الطاهر والشريف هي المصالح المشروعة، وليست المصالح التي تتخلق من المؤامرات والغزو والنهب وسرقة الشعوب، السياسة

نتنياهو
اعترف ان تهديده الأكبر
يكمن في القومية العربية

بوجهها النظيف والشريف هي التعاون، والتكامل، والتنسيق من أجل غد أفضل للجميع، وللقيم الإنسانية الرفيعة التي حضت عليها الأديان، وبشرت بها كل العقائد، واجتهد فيها الإنسان عبر وسائل المعرفة والثقافة الرفيعة. وان كانت بعض الدول العربية التي ترفع شعار (مصلحتها) أولا في الاعتراف والتطبيع مع إسرائيل، فانها ترفع شعار خادع وقصير النظر، فإسرائيل ليست عدوا فقط لفلسطين، وانما هي عدو للمشروع العربي كافة أي أنها عدو لكل قطر عربي على حدة، بل وعدو لكل دول المنطقة الغير عربية أيضا، فمشروعها هو الدولة الكبري التي تهيمن على المنطقة بأسرها، وهي في حقيقة الأمر الوجه الحقيقي للمشروع الإستعماري العالمي الذي بزغ منذ أن توحشت الرأسمالية، وتشكلت لها أنياب ومخالب على اتساع العالم.

الصراع العربي الإسرائيلي وجوهره

تم توصيف الصراع العربي  الإسرائيلي منذ بدايته على انه صراع وجود، وليس صراع حدود، ولم يكن هذا التوصيف العربي للوجود الصهيوني، مجرد توصيف بلاغي، لخطر محتمل، وانما كان توصيفا علميا مدروسا، ومحسوبا، جرى التدليل علية كثيرا سواء من الإجراءات الإستعمارية مثل الإجراءات التي اتخذتها بريطانيا ابتداء من وعد بلفور عام 1917، إلى تعيين هربرت صمويل مندوبا ساميا في فلسطين وهو يهودي صهيوني لتسهيل عملية اغتصاب فلسطين إلى المواقف الأوروبية الأخرى ومنها كذلك قيام إسرائيل باغتيال وسيط هيئة الأمم المتحدة (الكونت فولك برنادوت) لأنه اعد تقريرا انحاز فيه للجانب العربي وأدان الجاني الإسرائيلي، ولم تتعرض إسرائيل إلى أي

04
الرئيس محمود عباس مع اسماعيل هنيه
الوحدة هي صمام الأمن والصمود والانتصار

عقوبات. اضافة إلى تبني الولايات المتحدة الأمريكية في العقود الأخيرة أمر دعم إسرائيل عسكريا واقتصاديا وسياسيا إلى حد ان إسرائيل قد ضربت لها سفينة التجسس الشهيرة (ليبرتي) في البحر الأبيض المتوسط، أثناء عدوان عام 1967وسقط في ذلك القصف عشرات الأمريكيين، وتسامحت الولايات المتحدة في الأمر تماما. اذا تركنا ذلك الجانب التاريخي وان لم يكن بعيدا، فلدينا التصريحات الأحدث ومنها تصريح رئيس الوزراء الحالي (بنيامين نتنياهو) يوم الأثنين 20 يناير الماضي في مقر الشاباك الذي يكشف فيه مرامي إسرائيل القريبة في تهديد المنطقة بأسرها وقوله إن  »غايتنا الكبرى هي التغلب على التهديد الإيراني وهو تقليدي ونووي و(إرهابي)، كما تغلبنا على التهديد الكبير الذي تمثل بالقومية العربية«.  »وأضاف نتنياهو في تغريدات على حسابه بموقع تويتر، إن إسرائيل تجري اتصالات مع دول لم تحلم بالتعاون معها (دون تحديدها)، مشيرًا إلى أن هذه الدول تريد التعاون مع المخابرات الإسرائيلية. يتحدث نتنياهو عن القومية العربية باعتبارها كانت التحدي الأقوى، الذي كان يمثل له تهديدا كبيرا حسب وصفه، باعتبار ان القومية العربية هي الرباط الجامع للأمة العربية التي يتطلع نتنياهو إلى تدميرها، ويزعم انه تغلب عليها، مع العلم اننا لم نصل بعد إلى نهاية التاريخ حتى يجزم بعنصر الغلبة عليها.

لكن في النهاية يتضح ان الصراع ليس مفتعلا، وليس مجرد خلاف في التوجهات السياسية بين الدول ولكنه صراع يكشف عن عملية هيمنة كاملة، تبغي الإلغاء للآخرين، ولذلك فعبارة ان كل قطر عليه ان يبحث عن خلاصه الوطني فقط، عبارة تنم عن ادراك قاصر عن فهم طبيعة الخطر، ونتذكر عبارة جمال عبدالناصر في خطاب التنحي عام 1967، حول قيامه بالتصدي للدفاع عن سوريا وطلبه من قوات الأمم المتحدة المرابطة على الحدود للفصل بين القوات المصرية والإسرائيلية المغادرة (ان من يبدأ بسوريا سوف يثني بمصر)وهذا هو مفهوم الأمن القومي العربي وليس مفهوم الأمن القومي القطري.

ان الأمن القومي العربي، أمن جامع، لا مكان فيه لأدعاء قطر من الأقطار (أن مصالحه أولا) فهو شعار مضلل، والمصلحة العربية تفرض شعارا أكثر حكمة وبعدا مقتضاه (كلنا أولا).

المعركة التي يخوضها الشعب الفلسطيني لإسترداد حقوقه المغتصبة، معركة مريرة، وطويلة، شهدتها اجيال سابقة، قاتلت ولم تسلم للغاصب، والكبار ماتوا، ولكن الصغار لم ينسوا، ولم يغفروا، واستمر نضالهم، وسوف يستمر، وأتذكر لواحد من قيادات الحركة الفلسطينية (عصام السرطاوي)، وقت ان حاصرت قوات إسرائيل قوات منظمة التحرير الفلسطينية في بيروت في اوائل الثمانينات، وكان حاضرا لمؤتمر في مركز الدراسات العربية في لندن، ولاحظ موجات الحزن والأسى ترتسم على وجوه الحاضرين ان وقف وقال: ايها السادة امسحوا دموعكم وجففوا ماّقيكم، فلسنا في حاجة إلى دموعكم، ولا حتى مواساتكم، واطمئنوا ففلسطين سوف تتحرر، وسيحررها الفلسطينيون وليس غيرهم، وهم قادرون على ذلك بالصبر والكفاح والإصرار، فالاوطان تتحرر فقط بالإرادة والإستعداد لدفع الثمن مهما كان غاليا، ونحن نملك الإرادة وندفع بالفعل الثمن. لكن تبقى الوحدة هي السلاح، والوحدة هي التصميم، والوحدة ان شاء الله هي الانتصار.

العدد 111 / كانون الاول 2020