المستقبل لهن

الدكتور إبراهيم الحريري

يقول أبقراط: »المرأة هي المرض«. أما شكسبير فيخالفه قائلاً:  »المرأة كوكب يستنير به الرجل، ومن غيرها يبيت الرجل في الظلام«.

و قد اثبتت الوقائع بجيل الثورة الصناعية الرابعة وتحدياتها دقة وصدق نبوءة شكسبير ومخالفة ابقراط بأن المرأة ليست بالمرض بل هي الدواء والترياق ويوافق المثل اليوناني شكسبير بأن  »المرأة إما أن تحكم أو تخدم«.

فالمرأةُ نصفُ المجتمعِ، وهي الأمُّ والأخت والزوجة والصديقة والخالة والعمة والجدة والجارة والدكتورة والمحامية والعالمة والمعلمة والمربية والمحللة والمبرمجة والصيدلانية والإعلامية والمتحدثة والمسوقة والكاتبة ورئيسة التحرير والخبيرة والمستشارة والتنفيذية والبرلمانية والوزيرة ورئيسة الوزراء والرئيسة والملكة.

 تاريخياً اُعتقد أن الرجل يملك السلطة وبشكل خاص على المرأة ويعود ذلك لتفوقه عضلياً نسبيا وليس عقلياً وبما أن عصر العضلات والتعصب والعنصرية ولى إلى غير رجعة وسيطر عصر العقل والتكنولوجيا فقط أصبح هذا التفوق زائف ولا معنى له من قريب أو بعيد.

وقد أخذت المرأة تتجه بشكل متزايد نحو تحقيق قدر أكبر من المساواة بين الجنسين في المنزل وفي مكان العمل. وقد حدثت تغييرات في أدوار الجنسين وأساليب الحياة مع مشاركة الرجال الآن في الأعمال المنزلية ورعاية الأطفال.

هذه المرأة الحاكمة والمسؤولة الني تدير الأزمات بعصر الأوبئة العالمية وتحديات كورونا بكل يسر وحكمة وتفوق وصرامة بالرغم من الإحصائيات التي تشير الى أن كوفيد 19 يفتك بالرجال ومفرطي السمنة أكثر من غيرهم.

سنتناول بكل دقة وشفافية وموضوعية من خلال الأرقام نجاح المرأة بل تفوقها بكثير من الحالات والأوقات على شريكها الرجل.

سنتعرف مبدئياً على تعريف وعناصر ونظريات وأنماط القيادة وتوافقيتها مع المرأة.

ما تعريف القيادة؟

العمل مع الآخرين وتوجيههم والتأثير عليهم لتحقيق اهداف المنظمة.

 ماهي عناصر القيادة؟

المنظمة: لابد من وجود اتباع من الناس يقومون بممارسة نشاطات معينة ولتنسيق تلك الجهود والنشاطات لابد من قيادة تقوم بذلك وصولا للأهداف المحددة.

الاهداف: ضرورة وجود أهداف محددة تسعى القيادة لتحقيقها والوصول إليها من خلال الجماعة.

التأثير: قدرة القيادة على تحريك وتفعيل افراد الجماعة واقناعهم بالقيام بالمهام الموكلة إليهم وصولا للأهداف المرجوة.

السلطة: يعرفها هارولد كونتز بانها قوة توجيه ومراقبة أعمال الآخرين.

ما هي نظريات القيادة؟

نظرية الرجل العظيم:

وهي من النظريات القديمة ومن أوائل من دعوة إليها جالتون وفكرتها ان هناك بعض الأفراد لديهم صفات عظيمة وعبقرية وخارقة وراثية ومواهب تجعلهم قادرين على القيادة أي أن القيادة تورث.

نظرية السمات:

تركز هذه النظرية على السمات التي يتمتع بها الفرد داخل منظمته التي تجعل منه قائدا عليها فالسمات الشخصية هي التي تصنع القيادة ويرى أصحاب هذه النظرية ان الله سبحانه وتعالى قد منح قلة من الاشخاص بعض الخصائص والسمات والمميزات التي لا يتمتع بها غيرهم وهذه السمات هي التي تؤهلهم لقيادة المنظمة والتأثير في سلوك افرادها.

ان مفهوم القيادة في هذه القيادة في هذه النظرية يقوم على أساس ان النجاح في القيادة يتوقف على سمات معينة تمتاز بها شخصية القائد عن غيره وان توافر هذه السمات في شخص يجعل منه قائدا ناجحا وعندما نبحث عن ماهية تلك السمات فان الآراء تختلف ووجهات النظر تتعدد إلا انه يمكن اجمالها في السمات التالية:

-الذكاء وسرعة البديهية وطلاقة اللسان

-الثقة في النفس والايماء بالقيم

-المهارة وحسن الاداء والقدرة على التكيف

-الحزم والسرعة في اختيار البدائل المناسبة

-الاستعداد الطبيعي لتحمل المسؤولية

-القدرة على التعليم والقدرة على التنسيق وتحقيق الترابط داخل التنظيم

-المهارة في اقامة اتصالات وعلاقات جيدة داخل التنظيم وخارجه

-الحكم الصائب على الامور والقدرة على تمييز الجوانب المهمة وغير المهمة للمشكلة

-الامانة والاستقامة والاحساس بواجباته الاخلاقية

-النضج العاطفي والعقلي

-وجود الدافع الذاتي الذي يحفزه للعمل وتحقيق الانجازات المطلوبة

-المهارة الادارية التي تتطلب القدرة على التصور والمبادرة والتخطيط والتنظيم والتقدير وحسن اختيار المرؤوسين وتدريبهم والفصل في منازعاتهم

 نظرية الموقف:

تقوم هذه النظرية على فلسفة مؤداها ان الظروف هي التي تخلق القادة وتبرزهم وان نوعية القادة لا ترتبط بسمات شخصية يملكها القائد بل هناك سمات وخصائص نسبية ترتبط بموقف أو ظرف قيادي معين  فتأثير القائد على الاتباع يرتبط بموقف معين من يؤثر فيه ويتأثر به ويتفاعل فيه مع الاتباع.

النظرية التفاعلية:

تفسر النظرية التفاعلية القيادة من خلال تحليل عملية التفاعل القائم بين المحاور الثلاثة للعملية القيادية القائد والاتباع والموقف سعيا لتحقيق اهداف القائد ذاته والمرؤوسين والمنظمة ويرى مؤيدو هذه النظرية ان هذا التفاعل يمكن ان يحقق لنا بيئة قيادية ناجحة وخاصة إذا ما تحققت رغبات واحتياجات الاتباع أو المرؤوسين بحكم ان المنظمة العاملة هي مرتكز هذه النظرية.

ما هي أساليب وأنماط القيادة؟

اشهرها ثلاثة انماط أساسية هي الاوتوقراطي والديمقراطي وغير الموجه (الحر) ويمكن تفريعها لأنماط فرعية.

 ويتضح من كل ما سبق بأن قيادة الجنس اللطيف لا تتعارض مع تعريف وعناصر ونظريات وأنماط القيادة بل بكثير من الأحيان تتفوق على شريكها الرجل وتتوافق مع سمات وصفات المرأة من حيث التأثير والعاطفة والعقل والتركيز والكفاءة وتحمل المسؤولية وقوة الاتصال والسرعة باتخاذ القرارات وهذا جلي وواضح من خلال معالجة وقيادة المرأة للأزمات بكثير من البلدان.

قيادة المرأة بالأزمات:

نشرت وكالة بلومبرغ بتاريخ 26-8-2020 دراسة لجامعتي ليفربول وريدنج ببريطانية حول قيادات الجنس اللطيف،وشملت الدراسة 194 دولة وتم مقارنة 19 دولة بقيادة النساء  – والتي تشكل 7 فقط من القيادات العالمية – مع  »أقرب جيرانهم« وفقًا لمزيج من العوامل بما فيها نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي والسكان وسكان المناطق الحضرية والاقتصاد والمساواة بين الجنسين والانفتاح على السفر والنفقات الصحية ونسبة كبار السن.

وخلص البحث الى إن النساء كن على الأرجح قد أغلقن بلدانهن في وقت مبكر أكثر من القادة الرجال وكانوا  »يكرهون المخاطرة فيما يتعلق بحياتهم«.

بداية بأنجيلا ميركل، مستشارة ألمانيا، التي أدارت تفشي المرض بشكل جيد ومميز بشكل عام، وكذلك اتخذت رئيسة وزراء نيوزيلندا، جاسيندا أرديرن، واحدا من أكثر المواقف صعوبة في العالم لمواجهة كوفيد-19، فبدلا من سياسة  »تثبيت معدل الإصابة«، والذي أصبح هدف كثير من الدول، اتبعت أرديرن نهجا يهدف لوقف حالات العدوى.

أخبرت إيرنا سولبيرج، رئيسة وزراء النرويج، التي سجلت 264 حالة وفاة، أطفال بلدها أنه  »لا بأس من أن تشعر بالخوف عندما تحدث أشياء كثيرة في نفس الوقت«

أطلقت رئيسة وزراء أيسلندا، كاترين ياكوبسدوتير، حملة واسعة النطاق لإجراء اختبارات للكشف عن وجود الفيروس. ورغم أن عدد سكان البلد هو قرابة 360000، لم تكتف أيسلندا بالانتظار، بل اتخذت إجراءات للحد من انتشار كوفيد-19، مثل منع التجمعات التي تزيد عن 20 شخصاً، وذلك منذ نهاية شهر يناير/كانون الثاني2020، أي قبل تسجيل أول إصابة بالمرض.

وفي تايوان، أسست الرئيسة، تساي إنغ ون، على نحو فوري مركزا للسيطرة على الوباء واتخذت إجراءات لاحتواء وتعقب حالات العدوى بالفيروس.

أما سنغافورا ورئيستها حليمة يعقوب فقط حققت نجاح مبهر بمواجهة الجائحة وذلك بفضل ارتفاع مستوى الرعاية الصحية، والاستعداد المُبكر، وتطبيق إجراءات دقيقة وصارمة لمتابعة حالات الإصابة والعدوى، وتقبل المواطنين للإجراءات الحكومية المُقيِّدة، وتوظيف وسائل الإعلام ومنصات الإعلام الاجتماعي في الترويج لأهمية النظافة والتدابير الحكومية.

و لا ننسى القادة النساء الاخريات اللاتي ابلين بلاءً حسناً بإدارة الازمات من أمثال:

بأوربا:

كوليندا غرابار كيتاروفيتش، رئيسة كرواتيا

بياتا سزيدلو، رئيسة مجلس الوزراء في بولندا

داليا غرباوسكايتي، رئيس جمهورية ليتوانيا

ماري لويز كوليرو بريكا، رئيسة جمهورية مالطا

دوريس ليوتار، رئيسة الاتحاد السويسري

كيرستي كاليولايد، رئيسة جمهورية إستونيا

 وبأفريقيا:

إيلن جونسون سيرليف رئيسة دولة ليبيريا (جائزة نوبل للسلام لعام 2011)

أمينة غريب فقيم، رئيسة دولة موريشيوس

سارا كوغونجيلوا أمادهيلا، رئيسة وزراء ناميبيا

آسيا

الشيخة حسينة خالد، رئيسة وزراء بنغلاديش

بيديا ديفي بنداري، رئيسة دولة نيبال

أميركا الجنوبية

ميشيل باشليت، رئيسة شيلي

أوقيانوسيا

هيلدا هاين، رئيسة جزر مارشال.

من حيث التمثيل البرلماني تحتل القارة الأميركية الصدارة بنسبة 41.7 من النساء في البرلمان، ثم تأتي قارة أوروبا بنسبة 26.4، ثم تليها قارة أفريقيا بنسبة 23.8، وتأتي قارة آسيا بنسبة 19.6، وتأتي الدول العربية بنسبة تقترب من 18.9 رغم ان قليل من البلدان لا وجود لتمثيل للمرأة ببرلماناتها. وأخيراً، يأتي المحيط الهادئ بنسبة 15.

وتشير أخر الإحصائيات الى أن نساء كثيرات يعملن الآن خارج المنزل؛ وتشكل النساء بالولايات المتحدة نسبة 46 من قوة العمل الا أنه لا تزال المرأة ممثلة تمثيلا ناقصا في الأدوار القيادية في الشركات ومؤسسات التعليم العالي والقطاع السياسي، ولا سيما في ضوء التركيبة السكانية المتغيرة. في الولايات المتحدة، تشكل النساء الآن 23 من الرؤساء التنفيذيين الأميركيين.  ولا تصل إلا نساء قليلات إلى القمة في التعليم العالي، رغم أن النساء يدخلن بصورة متزايدة إلى صفوف الأوساط الأكاديمية. و453 امرأة، تمثلن 16 في المائة من جميع الرؤساء، يرأسن الآن الكليات والجامعات الأميركية؛ وقد تضاعفت حصتها من رئاسة الكليات والجامعات أكثر من ثلاثة أضعاف في السنوات الـ 20 الماضية.

ليس هناك مجال للشك بان الجنس اللطيف يزاحم بقوة القيادات الخشنة والتقليدية متسلحات بالعقل والعاطفة والتحول والتغيير والفكر والثقافة والعلم والتعاون والتمكين الذي أصبح أسلوب حياة للقيادات النسوية وعلى القيادات التقليدية فتح المجال لهذه القيادات وخصوصا الشابة منها لتحقيق الأهداف وقيادة المجتمعات والأزمات.

العدد 111 / كانون الاول 2020