لبنان تحت المجهر الدولي وفي الداخل لا حسيب ولا رقيب عمداً

سندريللا مرهج

انقلب السحر على الساحر في لبنان بنهاية العام 2020؛ فعِوض أن ترحل سلطة صرخ الشعب بوجهها طالباً تغييرها ومحاسبة فاسديها واسترداد الاموال المنهوبة والمهرّبة إلى بقاع الأرض، منادياً على الإسراع بإنقاذ الوضعين الإقتصادي والإجتماعي المتدهورين.

ها إنّ الشعب هو الذي يرحلُ إمّا مهاجراً إلى بلاد تمنحه فرصة العيش بكرامة، وإمّا صامتاً قابعاً في زوايا الخيبة، وإمّا مشروع قتيل على أيدي فيروس كوفيد-19 وأمراض القهر في بلدٍ النظام الصحّي والإستشفائي فيه حدّث ولا حرج، وإمّا شهيداً على أيدي  »معلّم لحام« في عاصمة عامت ثماني سنوات على 3750 نيترات أمونيوم.

استفحلت الفوضى في واقع البلد كما استشرى الضياع بين سلطة تتعمشق بحكومات أو مشروع حكومات كما تأتي تبقى، وبين آمال شعب ضاقت به سبل العيش وهو تحت الحصار.

في هذه المشهدية المريرة تبرز محطّتان لا بدّ من التوقف عندهما لتبيان حقيقة وضع لبنان تحت المجهر الدولي في مرحلة التسييب الاقتصادي والمعيشي.

أوّلاً: المبادرة الفرنسية والرعاية الرئاسية

خيّب رموز السلطة السياسية اللبنانية آمال الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الذي حضر الى لبنان عقب انفجار مرفأ بيروت واعداً اللبنانيين بإحاطتهم بالمساعدات اللازمة سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي من خلال حثّ اركان الحكم على تأليف حكومة وفاق وطني ودفع المجتمع الدولي الى تقديم المساعدات لتعويم الاقتصاد اللبناني.

النتيجة: اختلف أقطاب الحكم على كلّ شيء تحت عناوين عدّة، فتأخرت المساعدات وجُمّدت وبقي لبنان دون حكومة حتى كتابة هذه السطور.

في الواقع، تعهّد الرئيس الفرنسي أمام اللبنانيين برعايته حلّ أزمتهم، فما سبب العرقلة الرئيسي؟

الواقع إنّ العرقلة عمدية من الداخل والخارج.

في الخارج:

-تترقّب دول التحالف العربي نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية بحذر شديد وتنتهج القطيعة عن التدخل العلني في السياسية اللبنانية بقرارٍ أميركي ـ عربي لجهة منح المبادرة الفرنسية فرصتها.

في الداخل:

أُعجب بعض الفرقاء اللبنانيين بالمبادرة الفرنسية حدّ المماطلة لتأخير بلوغ نتائجها المرجوة وذلك بهدف كسب وعود فرنسية في أكثر من جانب منها المتعلق بالمكانة الحزبية للبعض ومنها بالادوار السياسية، فأقفلت الإدارة الأميركية الطريق على رعايات مستقبلية فارضة عقوبات مروحية طالت أكثر من فريق في ما كان يُعرف بحلف 8 آذار كان آخرها المرشّح الرئاسي،كما يُروَّج، جبران باسيل.

ثانياً: العقوبات الأميركية والتلويح بالعقوبات الفرنسية

لا شكّ أنّ العقوبات الأميركية الأخيرة سواء المسندة إلى قانون قيصر أو إلى قانون ماغنيتسكي تربك من حيث الظاهر تشكيل الحكومة ولكنّها بقراءة أخرى تبدو وكأنّها تبادل أدوار أميركي ـ فرنسي في سبيل تغيير شكل السلطة عبر إبعاد الأحزاب، كلّ الأحزاب، عن التمثيل الوزاري بعدما بات محسوماً دولياً ومحلياً أنّ إبعاد حزب الله وحده عن حقيبة وزارية في السلطة التنفيذية أمرٌ من الصعب تحقيقه. ترضي هذه النتيجة الجانب الأميركي لجهة إقصاءحزب الله عن هذا الدور لجناحه السياسي، وكذلك ترضي الجانب الفرنسي لجهة المساهمة بتلبيته مطلب الشعب الناقم على الحكم وذلك بتغيير شكل السلطة.

الامور الحكومية بعد العقوبات الأميركية في مكانها راوح. تلوح في الافق عقوبات فرنسية فيما إذا بقي التناحر سيد المواقف السياسية المحلية والبلد دون حكومة. مَن قد تطال؟ وتحت أيّ تهمة؟

في المبدأ، إنّ مفهوم العقوبات الخارجية تدخّل في السياسة المحلية وتعدٍّ على السيادة الوطنية فمن واجب الدولة أن تقوم بمحاسبة المرتكبين والمقصّرين والفاسدين.

في الحقيقة، لا جواب لدى أحد على سؤال بديهي يطرحه كلّ مواطن وهو: أين الدولة من حقيقة 100 مليار دولار دين عام؟

أمّا في الشأن المحلّي، إنّ قراءة سريعة للأحداث الأمنية الأخيرة اللبنانية تشير أن الشعب اللبناني في خطر. الأخطار مستمرّة دوماً من احتمالية عدوان إسرائيلي أو أيّ عدوان آخر بهدف ليّ ذراع لبنان في فترة التفاوض على ترسيم الحدود الجنوبية؛ ناهيكم عن المخاطر المحدقة به من الإهمال في إدارة مفاصل الدولة، إهمال على غرار كارثة مرفأ بيروت.

الضغط على الشعب اللبناني يزداد يوما بعد يوم، جائحة كوفيد-19 تكشف هشاشة إدارة الأزمات في بلد يُفلس وغرام حكومة تصريف الأعمال بالمنهجيات المستجلبة غيباً كمن يترجم رواية أدب إنكليزي إلى لغة عامية ويتغنّى بالأسلوب اللغوي الفصيح. فما بين إقفال عام وجزئي للبلد وتطمينات وتهويلات، الدواء مفقود ولا أسرّة في المستشفيات كافية وتعطيل عن الاعمال لمدة غير مدفوعة. لا تعويضات لجميع متضرري انفجار المرفأ، لا قرار موحّد للمدارس بالفتح أو الإغلاق. البطالة تتفوّق على المشهد، يرافقها ازدياد نسبة الجرائم. تدهور العملة الوطنية مصدر فرج لأصحاب الدخل بالدولار الأميركي وكارثة معيشية للآخرين…غلاء الأسعار يصيب الجميع وكذلك الإحباط العام … في المحصّلة، لبنان في الفوضى.

لا حسيب ولا رقيب ولا منقذ وكأنها الفوضى الخلاّقة غير العسكرية تتحقق عمداً تمهيداً للسيطرة على البلد أرضاً وشعباً ودولةً من جهّات دولية. حتى الساعة إنّها جهّات هي الأخرى متناحرة فوق رؤوس اللبنانيين. شمالاً سوريا وتركيا، جنوباً لبنان وإسرائيل، شرقاً لبنان وسوريا، غرباً جميعهم والغاز، ومن كل ّحدب  على طول شرق البحر الابيض المتوسط، الاساطيل في البحر ترسّم حدودها… عسى أن يستيقظ لبنان من كبوته وحده ليبقى لنا استقلالنا عزّة وعيد.

العدد 111 / كانون الاول 2020