الأمل أو ورقة البقاء

 جاد الحاج

الله أعلم ما الذي يبقى للذين يفقدون الأمل؟ هل يبقى لهم شيء من الرجاء؟ هل يتعلقون بحبال الاوهام الخادعة أم يسقطون في لجّة بلا قرار؟

يروى أن فتاة دون العاشرة من عمرها أصيبت بمرض عضال بدا انه سيهدد حياتها بشكل حاسم على رغم خضوعها لأكثر العلاجات المتيسرة. وكانت لتلك الفتاة شقيقة تكبرها بسنة لا أكثر، تحنو عليها وتتألم لمصابها وتصلي لكي ينقذها القادر القدير كي تكبرا معاً مثلما حلمتا في سنوات الطفولة.

مقابل نافذة غرفة الفتاة المريضة شجرة بدأت تفقد أوراقها. وقد علقت الفتاة عينيها على تلك الأوراق المتناثرة كلما هبت رياح الخريف. بعد ايام من الهبوب القوي اصبحت الشجرة عارية إلا من أوراق قليلة. حينئذ ندهت الفتاة المريضة اختها وسألتها: كم ورقة بقيت في تلك الشجرة؟ لماذا؟ سألتها الأخت، فقالت لأنني سأموت مع آخر ورقة تسقط على الأرض.

في اليوم التالي هدأت العاصفة وبدا كأن الشجرة تتشبث بآخر أوراقها والأوراق أيضاً تعاند السقوط. إلا أن الفتاة المتألمة أدركت أنه عارض عابر ولا بد في الأيام القليلة المقبلة أن تعود الرياح وتنهزم الأوراق العنيدة وتخسر الشجرة رهانها السخيف. إلا أن الأيام التالية لم تسجل سوى سقوط نادر لتلك الأوراق الصفراء الهزيلة وبدأت الفتاة المريضة تفكر في معنى ذلك التغير العجيب، وشعرت بشعاع بعيد يقترب نحوها من داخلها، من حيث لا تدري، من مكان لم تعهده من قبل.

وهبط الليل وهبت العاصفة من جديد. أغمضت الفتاة المريضة عينيها وسلمت أمرها للقادر القدير. ونامت نوماً عميقاً. وفي الصباح التالي فتحت عينيها ورأت ورقة واحدة متشبثة بغصن يرتعد في الريح. حينئذ نادت اختها التي هرعت اليها مسرعة. قالت الفتاة المريضة: انظري هناك انها ورقتي الأخيرة، انه يومي الأخير. أجابتها اختها قائلة: وماذا لو لم تقع الورقة؟ تعجبت البنت المريضة وقالت: وكيف لها أن تتشبث بغصن هزيل وحولها كل الأماليد عارية والريح عاتية كما ترين؟ قالت الاخت: أحياناً تجري الأمور بعكس ما نتخيلها. أما انت فما عليك إلا أن تحفظي رهانك على بقاء تلك الورقة في مكانها!

في تلك اللحظة عاد الأمل إلى نفس الفتاة المريضة بشكل لم تتوقعه لكن روحها استضاءت وولد في نفسها إقبال جديد نحو الحياة. وهكذا قررت أن تراقب تلك الورقة طيلة النهار وأن تحلم بها معلقة في مكانها طوال الليل.

مضت الأيام ومضت الليالي ولم تسقط الورقة وذات يوم نهضت الفتاة المريضة من سريرها ومشت نحو اختها في الحديقة وقالت لها: لا يبدو أن الله يريد لتلك الورقة ان تسقط. لعله يريدني أيضاً أن أعيش؟ قالت الاخت: نعم، الله يريدك أن تعيشي وأنت الآن متعافية تماماً، فوجهك مشرق ومحياك بشوش. تعالي لنكتشف سرّ تلك الورقة السحرية.

الواقع أن الاخت علقت في الغصن ورقة اصطناعية وأحكمت الرباط عليها وكما يتشبث الغريق بخشبة وحيدة في البحر عقدت الفتاة المريضة ما تبقى لها من رجاء على مصير تلك الورقة، والقادر القدير ختم الرجاء بالامل والأمل بالشفاء، سبحانه في مجده.

العدد 112 / كانون الثاني 2021