آخر ايام 2020 في الكورة شمال لبنان  

جاد الحاج

يللا يللا يا اصحاب/جينا لبسنا تياب جداد/ وزيّنا شجرة كبيرة/ كلها الوان الميلاد . .   هذا مقطع من إحدى اناشيد ‘الوان الثلج’ المغناة المسرحية للصغار والكبار، قدمتها مجاناً مؤسسة  ‘كاريتاس’ في مدرسة القديسة تيريزا في اميون ، عاصمة الكورة . كتبت المسرحية واخرجتها معلمة الرقص ليال ضومط التي لعبت ايضا دور فرح، بطلة القصة، ورافقها   فريق متنوع الاعمار من الراقصين والمؤدين والمنشدين.

السليقة والارتجال  متدفقتان ومرحتان في ‘الوان الثلج’ عبر إيحاءات سوريالية شفافة لا تبدو هجينة او مستغربة بالنسبة الى مخيلة الصغار، ولا تلقي بظلٍ ثقيل على مخيلة الكبار، مثلاً: كيف للريشة ان تتكلم؟ بل كيف لها ان تدّعي الإبداع و’تتمرجل’ على الالوان الثلاثة الاساسية في حقل الرسم والتلوين: الاصفر والاحمر والازرق؟ ناهيك بأن الريشة تتجاهل تماماً دور اليد التي تحملها الى اللوحة والعقل والمخيلة خلف اللوحة. فهي تتبجح وتعترف بأنها “شايفة حالها”. إلا ان الراوية، فرح، هي أيضاً مكابرة، متمسكة بموقعها وبدورها وعدم حاجتها للآخرين ، مع انها تقول ‘مهما كان الانسان صغيراً لا شيء يُنقص من أهميته كإنسان… وتنتقل عدوى المكابرة الى الألوان نفسها فيعتدُّ كل لون بمزاياه وجماليته الخارقة.

 في تلك الاثناء ينشب حوار بين فرح الرسامة ورجل الثلج الذي ظهر من حيث لا ندري. تقول فرح انها تتخيل احياناً نحلة تسبح وسمكة تطير عالياً فأعلى وهي، أي فرح، ممددة على قوس قزح تقطف غيوم السماء وتضعها في سلتها… ومع ذلك لا تكتفي غروراً بل تود ان ترى ما رسمته وقد تحول حقيقة حية ملموسة تنبض وتعيش. أما رجل الثلج فيعدها بأنه سيحول احلامها وأفكارها حقائق ملموسة، وما عليها سوى الاستمرار في الرسم حتى تكتمل اللوحة.

شو بحب إني احلم/ بحب سافر بالخيال/ عم بحلم سيارة كبيرة كتير/ وطيارة وتحتا جبال/ تغني ليال . . . اما عقدة المكابرة المنتشرة لدى الجميع   فيحلها رجل الثلج بحكمة بسيطة: مهما كان الانسان مكتفياً بذاته مستوحداً بارادته  لن يحلو له العيش الا برفقة الآخرين، ولذا فعليه بالنزول من برجه العاجي الى ارض الحقيقة والواقع.

لحّن أغاني المسرحية زوج ليال ورفيق دربها جوزف ضومط، وهي برعت في انتقاء الملابس والديكورات وتصميم الرقصات ولو انها في بعض الاحيان احتاجت الى تكثيف خبرتها المسرحية لتمتين السياق التصاعدي وبلوغ القطف الاخير من دون حاجة الى وعظة افترضتها ضرورية، لكنها في الواقع  تنتمي الى  اسلوب برنامج ‘الدنيا صور وحكايات’  للراحلين ابو ملحم وام ملحم، فمغزى المسرحية منتشر في مشاهدها وحواراتها، وليس بحاجة الى  ‘الكرز’ في النهاية.

قبل جائحة كورونا كانت ليال تعلم الرقص في مدارس الكورة وفي مقرها الخاص قرب  أميون، وكان ذلك المكان مقصداً للكبار والصغار، خصوصاً  انها اهتمت بإحياء احتفالات أعياد الميلاد الفردية والمناسبات العائلية وجعلتها مناسبات كاملةالاوصاف شكلاً ومضموناً، الا ان تدابير الحجر والتباعد الإجتماعي وما يرافقها من حذر وموجات انتشار مفاجئة للوباء، حجب عن ليال الكثير من فرص العمل.  مع ذلك تجدها مقبلة مدبرة  على الدوام،  متفائلة بصورة تبعث على الرجاء والأمل.

العدد 113 / شباط 2021