المصالحه الخليجيه سراب خادع وقصور على الرمال

أم استيعاب للدرس وحرص،على المصالح العربية والأمن القومي ؟

في اطار احتفالي ،ومناخ يغلفه التفاؤل الحذر انعقدت القمة الخليجيه في المملكة العربيه السعودية ،بعد ان وجهت الدعوة لأمير قطر بحضور قمة هذا المجلس ( مجلس التعاون الخليجي) التي عقدت في مطلع العام الجديد في ( مدينة العلا )،كما وجهت الدعوة كذلك للرئيس المصري، رغم ان مصر ليست عضوا في مجلس التعاون الخليجي ،ولكنها جزء من مجموعة المقاطعه الرباعية للدولة القطريه، وجاء عقد هذه القمة  ،بعد أكثر من ثلاث سنوات على تلك المقاطعه ،بذل خلالها امير دولة الكويت الراحل الشيخ صباح رحمه الله جهودا مكثفة ،لم تكلل بالنجاح ،وان كانت بالتأكيد أوجدت قدرا من التفاهم ،لم يقدر له ان يكتمل ،الا بعد رحيله ،وقام الأمير الحالي الشيخ نواف بمواصلة تلك المسؤولية التي قدر لها ان ترى النور في نهاية الأمر،كذلك الجهد الذي بذلته الأدارة الأمريكيه سواء من خلال الرئيس السابق  ترامب أووزير خارجيته ،ومعه مستشاره كوشنر الذي حرص على حضور تلك القمة. سادت موجة من التفاؤل الحذر ،نظرا لتاريخ المحاولات المتعددة لرأب الصدع ربما اشهرها تلك التي عقدت أثناء حكم ملك السعودية الراحل الملك عبدالله .لكن دائما العالم يتغير ،والظروف تختلف ،وربما كانت الحاجة اليوم اكثر الحاحا في وضع نهاية لذلك الصراع في منطقة الخليج ، والتي انعكست اّثاره في العديد من القضايا الشائكه على المستوى العربي. لكن هل يمكن ان يتبدد كل ذلك الغمام ،وتغمر صحوة الأمل كل الأجواء. علينا لكي نجيب ان نطرح تلك التساؤلات أوالملاحظات التي تملأ الأذهان ،والتي لم يتضح لها جواب.

ملاحظات جوهرية على انعقاد القمة

1- مستوى التمثيل

شارك أمير دولة قطر على رأس وفد بلاده في القمة، وقد وصل إلى (مدينة العلا )حيث كان في استقباله ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الذي عانقه عند نزوله من الطائرة، وبادره بالقول ( نورت المدينه) وقد ركزت على تلك المشاهد وسائل الأعلام ،وفي مقدمتها قناة الجزيرة القطريه.ترأس أمير دولة الكويت وفد بلاده، كما ترأس نائب رئيس الوزراء لشؤون مجلس الوزراء العُماني فهد بن محمود آل سعيد وفد السلطنة ، نيابة عن السلطان هيثم بن طارق آل سعيد. مثل البحرين ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، نيابة عن الملك حمد بن ع?س? آل خليفة.كما ترأس نائب رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن راشد، وفد بلاده في القمة، في حين مثل دولة جمهورية مصر العربية وزير الخارجية سامح شكري.

هنا تجدر الملاحظة الأولى : أن ذلك التمثيل الذي لايتضمن وجود القيادات الرئيسية لبقية الوفود ، بعد أزمة استمرت فصولها في المقاطعة أكثر من ثلاث سنوات ،وارهاصات هذا الموقف وسخونته التي ادت الى المقاطعة الكاملة ،في اطار عمليات تصعيد متوالية لعبت قناة(الجزيرة) دور البطولة فيها . كل ذلك يشير بوضوح ان عناصر المصالحة لم تكتمل بعد ،وان القضايا الرئيسية التي ادت الى حدوث تلك المقاطعه لم تبحث بالقدر الكافي،ان لم تكن لم تبحث على الاطلاق،وان هذه القمة ليست سوى مجرد فتح الأبواب المغلقه ،وان كانت في نفس الوقت تطرح الكثير من النوايا الطيبه نحو فك القيود انطلاقا الى المصارحه ،وصولا للمصالحه المرجوة ، التي نتمنى لها أن تتحقق ،ولا تكون مجرد سراب .

2  البيان الختامي للقمة وعنوانها ( المصارحة والمصالحه)

صدر البيان الختامي للقمة الخليجية 41 وتضمن عودة التمثيل الدبلوماسي في اطره التقليدية مع قطر، ورحب البيان بعودة العمل الخليجي المشترك إلى مساره الطبيعي وتعزيز وحدة الصف والتماسك بين الدول الأعضاء والحفاظ على الأمن والاستقرار في المنطقة، مشددا على عدم المساس بأمن أي دولة أو استهداف أمنها والمساس بلحمتها الوطنيه، وقال وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن

فرحان إن ما تم اليوم في القمة هو (طي كامل للخلاف مع قطر وعودة كاملة للعلاقات الدبلوماسية )، مؤكدا أنه مهما بلغت الخلافات في البيت الخليجي فإن حكمة القادة قادرة على تجاوز تلك  الأزمات. من جهته، أفاد الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي نايف فلاح مبارك الحجرف الذي تلى بيان ( قمة العلا ) بأن القمة أكدت تعزيز دور مجلس التعاون الخليجي عبر توحيد المواقف السياسية وتطوير

أمير الكويت الراحل الشيخ صباح لم يدخر جهدا في العمل على المصالحة الخليجية دعما لوحدة الصف

الشراكات الإستراتيجية وأضاف أن مواطني دول المنطقة يعقدون الأمل على أن يعيد بيان القمة العمل

المشترك إلى مساره الطبيعي، مشيرا إلى أن الدول التزمت بتعزيز التعاون في مكافحة الكيانات و التيارات والتنظيمات الإرهابية التي تهدد أيّا منها ووفق بيان العلا، فإن القمة كان عنوانها( المصارحة والمصالحة)،وقد أفضت لطيّ صفحة الماضي والتطلع إلى مستقبل يسوده التعاون. ولفت إلى ان توقيع مصر الذي قام به وزير الخارجية سامح شكري على( بيان العلا) يعد توثيقا للعلاقات الأخوية التي تربط مصر بدول مجلس التعاون.

 هنا نتوقف لنتساءل،حيث تطل الظنون برأسها للملاحظة الثانية : ،فالعبارات الأنشائية مهما علت بلاغتها ،أو نبراتها،لكي تصوغ عدة سطور تعلن طي صفحات الماضي ، لايمكنها بالتأكيد أن تشفي غليلا أو تطمئن عقلا،بل على النقيض فانها تطرح شكوكا أكثر من أن تثبت يقينا ،فليست هناك شواهد مقنعة سواء في مستوى التمثيل لبعض الوفود، ثم لطبيعة ما انتظرناه من حوار يعالج،وفكر يتسامى

و.نطرح السؤال هل جرى اي نوع من انواع المصارحة أو طرحت رؤى عبر تلك الوساطات التي تولت مسؤولياتها أكثر من دولة ،وصولا الى تلك النتيجة ،وهي ابرام تلك  المصالحة التي  يعلن عنها

الآن،والتي  لانشك أنها ستسعد كل مواطن عربي ? سبق ? ومازال  يكتوى بنيران الخلافات العربية ،بل وبالحروب العربية ?العربية، بشكلها المباشر،أو بالغير مباشر، ولكي يمحو من الذاكرة تلك الصور من الشواهد التي جرت على الارض العربيه،وظواهرها المختلفة ،ابتداء  من الدعم الذي كانت تقوم به احدى الدول  لطرف من الأطراف في دول عربية أخرى،مما يساهم في حدة الخلاف او الصراع  ،او بتمويلها حركات مناهضة لعوامل الاستقرار داخل هذه الدولة أو تلك ،مما اوقع الكثير من الضحايا ،فضلا عن عمليات التدمير وبث عوامل الفتنه في ارجاء المجتمع . الخلاصة لشواهد ما رأينا :أن هذا البيان ،لا يخرج عن كونه بيان بروتوكولي ،يعني بالتوصيفات ،ولا يتخطاها الى جوهر القضايا التي سبق ،وان طرحتها  بدم بارد أبواق الأعلام ،بكل سخونة ،الى حد أنها حرضت على  ارتكاب جرائم تمزق اللحمة الوطنية فضلا عن اللحمة القومية ،وانما عنيت كلمات البيان بطرح اجراءات عمليات التواصل ،دون أدنى ضمانات لهذا التواصل المرجو ،والتعاون المأمول ،واّليات لفض الخلافات، ان تعثرت المفاوضات من جديد ،ولذلك سوابق في النكص بالوعود ،بل وبالعهود ،وهي أمور تلقي الكثير من الغمائم على مظاهر الحفاوة أو التفاؤل بذلك البيان الذي اعلن.

3   هل هي مرحلة تفاهم أكثر منها مصالحه .؟

علينا مع كل ذلك ان نتوقع اننا مقبلون على مرحلة تفاهم اكثر منها عملية تصالح ،فطوال اكثر من ثلاث سنوات من خصومة حادة ،تعايشنا مع احداثها ،وقمنا بلعن زمانها ،لايمكننا ان نحلم بأنها فترة قد تخطيناها ،وبرأنا من جراحها وكوابيسها ،لاسيما وأن الشائع انه كان للمصالحة شروطا وضعتها الرباعية المقاطعه (السعودية والامارات والبحرين ومصر) تعدادها ثلاثة عشر،مع ان الامر قد اختلف عبر تلك السنوات ،وبوجود الكثير من الوساطات ،تم اختصارها وتعديل نصوصها الى ما اصطلح عليه المبادئ السته، في محاولة الى افساح الأجواء للنبرات الهادئه في المخاطبه ،والابتعاد عن الاثارة .

المبادئ السته وهي :

1-الألتزام بمكافحة التطرف والارهاب بكافة صورهما ومنع تمويلهما أو توفير الملاذات الآمنه

2- ايقاف اعمال التحريض وخطاب الحض على الكراهية والعنف

3- ألألتزام الكامل باتفاق الرياض عام 2013 والاتفاق التكميلي واّلياته التنفيذية لعام 2014 في اطار مجلس التعاون الخليجي

4- الألتزام بمخرجات القمة العربية الاسلامية الأمريكية التي عقدت في الرياض في مايو 2017

5- الأمتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول أو دعم الكيانات الخارجة على القانون

6- الأقرار بمسؤولية دول المجتمع الدولي في مواجهة كل اشكال التطرف والارهاب بوصفها تمثل تهديدا للسلم والامن الدوليين.

بالتأكيد تلعب الكلمات دورا كبيرا في تخيف حدة التوتر مهما بلغت درجة الاختلاف،ونرى في الطريقه التي قام فيها وزير الخارجية القطري ( محمد بن عبدالرحمن اّل ثاني) في رده على مذيع قناة الجزيرة محمد كريشان في الحوار

وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن اّل ثان الخلاف كان “استثنائيا” وقمة العلا انتصار للجميع

الذي اجراه معه على قناة الجزيرة مؤخرا حين قام بسؤاله ( اليس تراجع دول المقاطعه الرباعية عن شروطهم الثلاثة عشر،واجراء تلك المصالحه يعد انتصارا لدولة قطر ؟ فرد عليه قائلا ( لا ليس انتصارا لأحد، ولكنه انتصارلدول مجلس التعاون الخليجي ،وحرصه على وحدته وتضامنه . ان الجميع قد انتصر،بعودة  هذه العلاقات الى مجراها الطبيعي) ، ثم يعود السيد محمد كريشان فيوجه سؤالا اّخر حول بعض اجهزة الاعلام المصريه ،من وجود اعلان اّخر لم ينشر، ولو تم نشره ،فسوف نكتشف رضوخ قطر للشروط السابق الاعلان عنها ،ويعود وزير الخارجيه للقول مع كل الاحترام لأجهزة الاعلام ،فاننا لانتوقف امام ما تبثه ،,ونقول اننا اجرينا تفاهمات ووقعنا ووقعت مصر على البيان ،والأجواء يسودها التفاهم والوئام .اجابات وزير الخارجيه القطري تتسم بكل اجواء المصالحة ،ولا تترك الفرصة لمن يريد ان يجهز على امل أو يصادر رغبة يسود فيها السلام والتعاون بين كل دول العالم العربي ،من جانب اّخر علينا ان نؤكد ان دور الاعلام ينبغي ان يظل دائما ملتزما بما يمكنه ان يبني ولا يهدم ، وان يكون رائد الاعلام المصالح القومية بمفهومها الشامل ،وليست القطرية بمفاهيمها الضيقة المحدودة .

المصالحه في اطار التطورات الجارية العالم

لاشك ان التطورات التي تجري في انحاء العالم عموما وفي المنطقة العربية خصوصا ،كانت لها ظلالها الكثيفة على فتح الأبواب امام مصالحة تجمع بين دول مجلس التعاون الخليجي، وتنهي المقاطعة الرباعية .هناك العديد من البؤر الساخنه في المنطقه تحتاج الى التركيز في مواجهتها ،فلا أقل من العودة الى وحدة الصف كنقطة بداية لأتخاذ ما بعدها من خطوات :هناك دور نشط للجانب الايراني ،ولعل في مساندته المطلقه لجماعة الحوثيين  في اليمن ومدها بالسلاح تمهيدا لأعطائها دورا في السياسة اليمنيه ومن ثم في المحيط العربي خير دليل على ذلك .اّثار هذا الدور اعطت الفرصة لمن يساوره حسن الظن بالولايات المتحدة الامريكيه وصنيعتها اسرائيل أنهما يمكن ان يلعبا دورا مؤثرا في حماية الخليج من التهديد الفارسي ،لذلك فوجئنا ? وليس ذلك عذرا – بالهرولة الاماراتيه والبحرانية بالأعتراف بالكيان الصهيوني ،ثم جاء التلويح برفع اسم السودان من قائمة الارهاب في مقابل الأنضمام الى طابور الأعتراف ،ويتلو ذلك الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على الصحراء الغربيه ،حتى يتم الاعتراف المغربي باسرائيل ،وتبدو الصورة العربيه من خلال تلك الاعترافات المتتاليه شديدة القتامة ،وان كان يخفف منها هو اليقين الكامل ان تلك الاعترافات المتتالية تمت تحت ضغوط واضحة الا انها لم ولن تحمل اي ظن بأن القضية الفلسطينيية هي قضية القضايا للعرب ،وكانت وستظل في مكانها من الوجدان العربي ،وللتدليل على ذلك ان الاتفاقيات التي سبق وان ابرمت مع مصر

دونالد ترامب سوف يدرك ان فلسطين لم ولن تغرب عن الوجدان العربي

والاردن ،لم تكن سوى حبر على ورق ،فلم تتقدم العلاقات خطوة واحده للأمام . المهم كانت تلك الاحداث بالأضافة الى الدم الذي مازال يجري في العراق وسوريا وليبيا واليمن ،وقيام الرئيس الأسبق دونالد ترامب باتخاذ اجراءاته الصادمة على ارض فلسطين واقدامه على الاعتراف بسيطرة اسرائيل على الجولان . احداث جسام رافقتها كارثة ( كورونا) وباء عالمي يغمر العالم وليس له سابقه في التاريخ. كل ذلك يمثل أجراسا عالية الرنين تنذر بحجم الأخطار،وتشير بوضوح الى ضرورة لملمة الجراح ،لمواجهة مسؤوليات المستقبل . الكل مثخن بجراحه .لذلك فالمصالحة الخليجية يمكن ان تكون قاطرة تجر وراءها المزيد من التفاهمات على الساحة العربيه، حتى نتمكن من التقاط الانفاس ،ونتفرغ لبناء الأوطان التي عانت من الانقسامات قبل ان تتكاثر عليها الازمات ،وتجري على ارضها من جديد الكثير من الدماء. انه درس التاريخ لمن يريد ان يغرث زهرة ،ويجددأملا ،ويصنع غدا .

أمين الغفاري

العدد 113 / شباط 2021