فاطمه سعيد ..السوبرانو العربيه التي  يغزو صوتها العالم

قصة موهبه،رافقتها قصة كفاح أهلتها للغناء على مسرح (لاسكالا) في ميلانو

حتى شهور قليلة لم يكن احد في مصر او في العالم العربي يعرف شيئا عن هذه المطربه الاوبرالية ( فاطمه سعيد). جوهر الموضوع أن فن الأوبرا ليس فنا جماهيريا في العالم العربي عامة،ولكن فوزها في المسابقة العالمية للغناء( فيرونيكا دن) التي استضافتها العاصمة ألأيرلندية دبلن،وفازت فيها بثلاث جوائز دفعة واحدة وقد اشرنا اليها في العدد الماضي من الحصاد، سلط عليها الأضواء بغزارة لقد اجتازت اختبارات بين 180 متسابق ،تم تصفيتهم الى 6

فاطمه سعيد
مطربة الاوبرا السوبرانو

متسابقين،ثم فازت( فاطمة) لتكون الأولى بينهم. ألأمر الذي جعل وسائل الأعلام تتناقل انباء فوزها، ولذلك قام برنامج (معكم) الذي تقدمه الاعلاميه  الشهيرة (منى الشاذلي) بالسفر اليها حيث تقدم فنها على مسرح ( لاسكالا ) الشهير في مدينة ميلانو الايطالية، وقام البرنامج بتقديمها مع لقطات من أدائها على المسرح ،وكذلك في الحياة .

فاطمه سعيد مطربه (سبرانو) ويعني هذا التوصيف ( الطبقه الأعلى بين أصوات النساء) كما ان صوتها مرشح ليكون اكثر عطاءا وتعبيرا ،بل وقدرة وجمالا ،مع تقدم السن ،وذلك أمر من طبيعة الغناء ألأوبرالي، أي ما بعد 35 ،واربعين عاما يكون الصوت أكثر نضوجا وأكتمالا،كما يقول الخبراء،وفي الغناء الاوبرالي لايمكن ان تغني ماتشاء،فكل مرحلة لها تدريباتها ،مع مرحلة السن ومساحة الصوت ،ولذلك لابد من وجود قواعد مرعية ،لمن يريد النجاح ،فضلا عن الاستمرار.

بدايات فاطمه سعيد وقصة اكتشافها

أسلوب التربية والتعليم،يكشف بالتأكيد ، عن المواهب المجهولة،التي كان يمكن ببساطه أن يلفها النسيان ،مالم تجد العين التي تشاهد ،والأذن التي تسمع ،ثم اليد التي تعاون وتشد، ومن ثم تبرز للوجود تلك المواهب المغمورة .قصة تلك الفتاة من هذا النوع . وجدت الأسرة التي تعطي العناية والأهتمام لمستوى التعليم وجودته، فلم تتوان ان تدفع بألأبنه ( فاطمه ) الى مدرسة تطمئن الى مستوى التعليم بها ،حتى وان كانت الكلفة عالية ،فاختارت لها ( المدرسة الألمانيه) في القاهرة ،وفي المدرسة وجدت الأهتمام بفن الموسيقى وقد خصصت لها حصة في ألأسبوع ،وكانت ( فاطمه) ضمن طالبات (الكورال) أي مجموعة المغنين  الذين يؤدون بشكل جماعي،أو مايسمى ب( الكورس)،ثم حدث ،وهي في السنة الثالثة اعدادي ،أي قبل ان تصل الى مرحلة الثانويه ، أن قال لها احد المدرسين في حصة الموسيقى،ان لديك موهبة في الغناء يمكن أن تصقل عن طريق أحد المؤهلين لتدريس فن الأوبرا،وكان أن قدمها للدكتورة (نيفين علوبة) ،وهي  احدى مطربات فن الأوبرا في مصر ،التي قدرت بدورها موهبة  الطالبه ( فاطمه) فتعهدتها بالتدريس والتدريب، وتقول ( فاطمه) أن الدكتوره (

نيفين) غيرت حياتي ،وحين حصلت (فاطمه) على شهادة الثانوية العامه،وبدأت في اختيار نوع الدراسة الجامعية ،كانت تلك اللحظة جوهرية تماما في مسيرتها الحياتيه،والمستقبلية في اّن واحد.هنا

يأتي دور العائلة من جديد ،فالأب(الدكتور أحمد سعيد)وهو رجل يهتم بالعمل العام،فكان عضوا في (مجلس النواب) وهو أيضا نائب لرئيس(النادي الأهلي) في مصر.أبدى الأب حماسا لموهبة وهواية  ابنته، لفن الغناء،وتجاوبها الكامل مع مادرسته لها ودربتها عليه الدكتوره (نيفين علوبه).الأم بدورها

يهمها مستقبل ابنتها،وارضاء طموحاتها،ولكن قلق الأم مشروع،فالفتاة لايتجاوزعمرها ثمانية عشر

عاما، فكيف ترحل وحدها الى المانيا لدراسة فن الأوبرا،والتدريب على اّلياته،والفن الأوبرالي غريب على العائلة ،كما أنه غير مفهوم جماهيريا ،حتى وان كان له جمهور في طبقات معينه. كان الأختيار

مشكلة،ولذلك كانت الأم تفضل لأبنتها أن تدرس اي علم من العلوم تختاره،وبجانب ذلك تدرس الأوبرا. كان الأختيار صعبا ،ولكنه كذلك ليس مستحيلا امام عامل الأرادة،والثقة الكامله في الفتاة ذات الثمانية عشر ربيعا ،تميزها  ليس في الموهبة وحدها ،ولكن في ادارة الموهبة ،والحفاظ عليها ،وتنميتها بكل ما لديها من طاقة.اتخذ الأب قراره بجانب ارادة الفتاة وموهبتها ،وأيضا في اتزان عقلها.سافرت الأبنه الى المانيا لتبدأ رحلة الدراسة وصقل الموهبة بالعلم ،ثم السهر عليها، بالتدريب  ،وكانت النتيجة كما نرى ونسمع مبهرة الى حد بعيد.ودائما الاختيار الصحيح الذي يتناسب مع القدرات،وتصاحبه ارادة قوية يمكن ان يحقق معجزات.

خطواتها في الدراسة والأحتراف

التحقت فاطمه سعيد بمدرسة ( ايلسر هاتس) الموسيقية في برلين، تحت اشراف ريناته فالتين ،وهي مدرسة ذات ماض عريق في تعليم ( الفوكال) وتعني ( الأصوات) الأوبرالية.جندت (فاطمه) كل طاقتها في استيعاب الدروس وبذلت كل جهدها في التفاعل مع حركة التدريب والتذوق الى درجة الذوبان ، حصلت على البكالوريوس في الغناء الأوبرالي عام 2013 . كان سندها بجوار حماسها هو موهبتها الأصيله ،ورغبتها الدفينه في تطوير أدواتها، بحيث تتملك كل أدوات التعبير. انها تقول أنني لاأردد كلمات أعرف معانيها،ولكني أعمل على احساسي الكامل بأبعادها. وقد مكنها ذلك الأجتهاد الذي تحيطه بكل دروسها وتدريباتها من الحصول على منحة في أكاديمية ( لا سكالا دي ميلانو) في ايطاليا ،وهي تعد أشهر دار أوبرا في العالم ،وقد اكسبها ذلك الأمر مكانة ملحوظة على ساحة الغناء الأوبرالي .  ذهبت (فاطمه) الى ميلانو في ايطاليا،وهناك كان البحث عن مكان للسكن.عوضا عن البحث والتقصي ،تم ارشادها الى دار قام بتخصيصها الفنان الأيطالي العالمي ( جوزبي فردي 1913- 1901)  لسكن الموسيقيين الذين تقاعدوا،ثم امكن بعد ذلك ان يلتحق بها بعض الشباب من الفنانين الموسيقيين،على الأقل و لأعطاء المتقاعدين جانبا من المعرفة عن تطور الحالة الفنية، و كذلك الأستفادة من خبراتهم والمبنى من عدة طوابق .يذكر في هذا الصدد أن هذا الموسيقار هو من كلفه الخديوي اسماعيل  حاكم مصر بعمل الأوبرا الشهيرة ( عايده ) لعزفها في احتفالات افتتاح قناة السويس في 15 نوفمبر عام 1869. حصول (فاطمه سعيد )،على تلك المنحة ،أضاف اليها مكانة،تم ترجمتها عمليا ، في اختيارها للمشاركة في الأحتفال العالمي بيوم حقوق الأنسان الذي اقامته االأمم المتحدة في (جنيف).وجدير بالذكر انها قد غنت في هذا الأحتفال أنشودة ( صوت الجماهير) للموسيقار محمد عبد الوهاب بعد أن تم اعادة توزيعها بشكل  موسيقي أوبرالي ،و قد قام به الموسيقي جيمس وتبورن .كان طلب القائمون على أمر الأحتفال أن يغني كل مشارك أغنية من وطنه،وتتعلق ببلاده،وتقول ( فاطمه سعيد) مع ان هناك من جمهورالحاضرين في تلك الاحتفالية  من لا يعرف اللغة العربية،وماذا تقول الكلمات الا ان الأعجاب بلحن عبد الوهاب كان كبيرا .مسرح لاسكالا في مدينة ميلانو في ايطاليا يمثل حلما لكل مطرب اوبرالي في العالم،وقد قدمت عليه (فاطمه سعيد) أوبرا(الناي السحري) للموسيقار الأشهر( موتسارت) تحت قيادة ( أدم فيشر) واخراج ( بيتر شتاين)،كما سجلت أوبرا (اّرتي) التي تمت اذاعتها في قناة التلفزيون الأوروبي عام 1916 ولاقت نجاحا كبيرا ،ما جعل الجمهور يتفاعل معها ويعتبرها الصوت الأكثر تفضيلا،مثلما ذكرت الصحف الالمانية والايطالية، واضافت انها اكتشاف واعد ،وأن أداءها مبهر،والكلمة والنطق ليس به اخطاء .وذهب بعض النقاد الى منحى اّخر،في توصيف صوتها أنه قريب الشبه بمطربة الأوبرا العالمية اليونانية الأصل ( ماريا كالاس) .

اطلالة على نشاطاتها الفنية

حازت ( فاطمه سعيد) على العديد من الجوائز لعل من اشهرها جائزة ( فيرونيكا دن) العالمية للغناء في مدينة ( دبلن في ايرلندا) ثم حصلت على المركز الاول في مسابقة الاوبرا العالمية السابعه لليلي جنشر في اسطنبول ،وجائزة غوليو بيروتي الأولى للأوبرا في المانيا ،كما قامت بالغناء على مسارح عالمية عديدة منها مسرح سان كارلو في نابولي في ايطاليا ،ومسرح أوبرا هامبورج الجيفاند هاوس في لا يبتسيج والكونسرت هاوس في برلين الى جانب مسارح دوسلدورف وبون وميونخ ويكسفورد والموتسارتيوم في سالزبورج والكونتسرت في فيينا ودينار في فرنسا،كما قامت بتسجيل السيمفونية الثامنه لمالر تحت قيادة المايسترو اّدام فيشر في دوسلدورف ،والتسجيل لراديو ( بي بي سي ) مع اوركسترا ال بي بي سي الفيلهارموني الى جانب مصاحبتها لأوركسترا برمنجهام الفيلهارموني الملكي في قاعة برمنجهام السيمفونية فضلا عن قيامها بعدة جولات موسيقية منها جولتها في عدة مدن فرنسية لتغني العمل التراثي ( شهرزاد) مع اوركسترا الشونزاليزيه لرافيل ،ثم في أمستردام في هولندا على مسرح كونسرت خيباو التاريخي لتقدم في اوبرا الأطفال دور كلوريندا في السندريلا ، ثم دور بيرتا في اوبرا (حلاق اشبيليه)،ودور لامور في اوبرا( ورفيليا واوريدس)على  مسرح لاسكالا ،وطوال مشوارها الفني شاركت نخبة متميزة من المطربين والموسيقيين العالميين مثل زابينه ماير ورولاندو فيازون،وخوان دييجوفلوريز،وميشيل شادي،وجوزيه كورا وغيرهم .ان صوت ( فاطمه سعيد) كما يقول بعض النقاد صوت عريض يمكنه ان يؤدي ادوارا ،لاينبغي او من المفترض ان لاتؤديها في مرحلتها العمرية الحاليه ،اي ان امكاناتها الصوتية تفوق مرحلتها السنيه ،وتقول فاطمه انها ادوار يمكن ان اقوم بها ولكنها تمثل حاليا خطرا على صوتي . اذ ان هناك حسابات دقيقة لمطرب الأوبرا. لكن صوتها الحالي وهي تشدو بأغان لها وقع السحر على المستمع باللغات الألمانية والفرنسية والأيطالية لمويسقيين عالميين فان الصوت يبدو جاذبا ودافئا وشجيا ،وهي حين تغني بالعربية ايضا تسرح بنا الى عالم المطربة الكبيرة العملاقة ( فيروز ) ذات الصوت (السوبرانو) الاصيل ،وقد غنت لها (زوروني كل سنه مره) كما غنت النشيد الوطني المصري ( بلادي..بلادي) لسيد درويش بالأضافة الى انشودة ( صوت الجماهير) لمحمد عبد الوهاب.

طموحات ألأوبرالية الصاعدة فاطمه سعيد

طموحها الأساسي أن تظل وفية للدرس والتحصيل ،اي انها مولعه بالتعليم والتدريب ،وتقول يوم ان أكف عن ذلك فتلك هي نهايتي ،وتقول أنني حتى على المستوى الوطني حين أنظر الى عبدالوهاب وأم كلثوم ،وسيد درويش رغم انه في عصر سبق الا ان ولعهم بدراسة الموسيقى وفنها سواء من خبرات من سبقوهم كسيد دورويش أو بتطوير دراستهم مثل عبد الوهاب ،وموسيقى عبد الوهاب عالمية فهي قامت على الأنفتاح الكامل لأساطين الموسيقيين العالميين،وضربت مثلا بلحن للموسيقي العظيم شوبير قام بتأديته بصوتها باللغة الالمانيه ،ثم قامت بتأديته باللغة العربيه وهولحن ( كلام جميل وكلام معقول مااقدرش اقول حاجه عنه)وهولحن غنته ليلى مراد في اغنية (اللي يقدر على قلبي ) لحن عبد الوهاب وهي لا تعني ان عبدالوهاب قد اقتبسه ،ولكنها تعني انه قد تأثربه لأن عبدالوهاب كان دارسا ،ومتابعا لتطور الموسيقى، كان باحثا نهما في الفن الموسيقي ومتابعا للمدارس المختلفة فيه ،ولذلك تقول أن طموحي أن أساهم بالدعوة الى تدريس الموسيقى في المدارس المصريه الحكوميه ،ودراسة فن اولئك العمالقه عبد الوهاب وام كلثوم وسيد درويش وغيرهم . ان تراثنا غني ولابد من دراسته . تقول ايضا عن فن الأوبرا ،ان عدم فهمنا في مجتمعاتنا لهذا النوع من الفن  ،لايرجع لعدم معرفة اللغه التي يقدم بها العمل الفني الأوبرالي ،لأن حتى من يعرف اللغة التي يقدم بها العمل ،فانه لن يتذوقه ايضا بسهولة ،لأن تذوق الفن الأوبرالي ،يستلزم القراءة عن هذا الفن ،والألمام بالكثير بتفاصيله حتى يمكنه التجاوب معه ،لذلك فان عشاق الأوبرا تجدهم من فئات معينة ،ليس بالضرورة المستوى المادي ولكن المهم المستوى الثقافي ومدى الألمام بذلك الفن.تقول فاطمه سعيدعن تجربتها في ايطاليا (ان الدراسة في اكاديمية لاسكالا في ايطاليا شرف كبير لي انها تجربة رائعه ان تكون في ايطاليا كمغن اوبرا ،واكاديمية (اسكالا)بالتأكيد افضل مكان يمكن ان يصنع مغني الأوبرا) . فاطمه سعيد تم تكريمها في مصر ،وحين تم ابلاغها بأن مؤسسة الرئاسة ستكرمها في ختام المؤتمر الوطني للشباب قالت( شعرت بأن ألم السنين قد توقف )وحين تسلمت (درع ألأبداع) قالت للرئيس السيسي ان تكريمه لي يعطيني دفعة للعمل 100 سنة للأمام .صدر مؤخا اول البوم غنائي لفاطمه سعيد وهو بثلاث لغات العربيه والفرنسية والاسبانية وقالت ان هدفي من هذا الالبوم ان ابين ان الموسيقى ماهي الا شعاع من النور لأنها لغة عالمية انسانية عابرة للحدود يفهمها ويشعر بها كل انسان في العالم ،وقد أطلقت على الألبوم اسم ( النور)

أمين الغفاري

العدد 113 / شباط 2021