بعد الهجمات الإرهابية على الأفراد والكنائس   

أوروبا  تدعو الى دمج النازحين في الحياة العامة ضمن حقوق المواطنية وواجباتها 

بروكسل ? جاد الحاج

اتسم عام 2020  بوحشية العمليات الإرهابية التي طاولت مناطق متباعدة: في موزامبيق، مطلع تشرين الثاني، هاجم مسلحون تابعون لداعش قريتين آمنتين فقطعوا رؤوس خمسين شخصاً في ملعب لكرة القدم، ثم انطلقوا الى قرية مجاورة حيث لم يوفروا النساء والعجزة والأطفال. وفي الرابع والعشرين من آب فجّر اترابهم  قنبلة في دراجة نارية وسط اسواق جوجو في الفيليبن، تبعها تفجير انتحاري نفذته امرأة في المكان نفسه، ما اسفر عن مصرع 14 شخصاً وجرح ما لا يقل عن ثمانين. وفي الخامس والعشرين من آذار هاجم دواعش افغانستان معبدأ لطائفة السيخ في العاصمة كابول ودام اشتباكهم مع الجيش ست ساعات متواصلة اسفرت عن مقتل 25  شخصاً وجرح العشرات وانتهت بتحرير ثمانين رهينة. وفي الثاني من تشرين الثاني سقط خمسة مواطنين في فيينا عاصمة النمسا  في هجوم  آخر. . .

صحيح ان عملية فيينا  اسفرت عن اجراءات تعسفية قاسية  طاولت الجالية التركية هناك بشكل خاص مما حرك حمية الرئيس آردوغان في واحد من خطاباته النارية، لكنه لم يتوعد بإجراءات اقتصادية كما فعل رداً على الرئيس الفرنسي ماكرون لاحقاً حين لوح بمقاطعة الواردات الفرنسية ــ حصل ذلك  بعد ان استنفرت فرنسا الأسرة الاوروبية برمتها.

في اليوم الثاني من شهر تشرين الاول 2020 تحدث الرئيس الفرنسي   في منطقة ايفلين عن  وجود ‘ الإسلام في أزمة ‘ وذلك  ضمن حملة اصلاح   هدفها تمتين الجسم العلماني للدولة.   واتهم ماكرون بعض الجهات المسلمة في فرنسا بما سماه ‘الانفصالية الإسلامية’.  في المنطقة نفسها، وبعد مرور اقل من اسبوعين، اغتال  اللاجىء الشيشاني عبدالله انزوروف البالغ من العمر 18 سنة استاذ التربية الوطنية صاموئيل ?ـاني وقطع رأسه في وضح النهار.  كان ?ـاني الضحية رقم 260، منذ كانون الاول 2015 .وقد لحق هذا الحادث حادثًا آخر قبل شهر، حيث اصاب شخص باكستاني اثنين بجروح بالغة أمام المقر السابق لمجلة  شارلي إبدو التي نشرت الرسوم الكاريكاتورية  المسيئة للنبي محمد. للمفارقة جاء الحادث  متزامنًا مع محاكمة المتهمين في الهجوم على المجلة  عام 2015.

وأخيراً وقعت مأساة كنيسة السيدة في مدينة نيس  اواخر تشرين الأول .  نفذها شاب  تونسي   يُدعى إبراهيم العيساوي هاجم   الكنيسة اثناء القداس،  فطعن رجلًا وامرأةً حتى الموت،   ونحر امرأة  اخرى فوق   الستين من عمرها وأصابَ إثنين آخرين قبل أن تُطلق الشرطة الفرنسيّة النار عليه وتعتقله.

 عقب تلك الهجمات ، وبعد نقاش حاد، أعلنت حكومات الاتحاد الأوروبي في بيان مشترك بأن ازدياد التطرف العنيف في أوروبا مرتبط بشكل أساسي بعجز المهاجرين عن الاندماج  الاجتماعي ضمن واقعهم المستجد. ووصف وزير الداخلية الألماني هورست سيهوفر بيان وزراء الشؤون الداخلية في الاتحاد الأوروبي الذي تم الإعلان عنه  في نهاية المداولات بأنه “دليل بارز على التضامن الأوروبي” علماً أن البيان أتى بعد مسودة أولية مثيرة للجدل تمّ التخفيف من حدّتها بصعوبة كبيرة.  فبعد أسبوع من الإختلافات في الرأي حول محتويات البيان المقترح الذي دعت إليه بشدّة كل من فرنسا والنمسا وألمانيا، حُذفت المقاطع التي تتعرّض  للإسلام بشكل واضح  وأُضيفت بنود تشدّد على ضرورة تعلم الوافدين الجدد لغات وطنهم الجديد و”كسب لقمة عيشهم”   من خلال قبول غير مشروط للظروف المحلية بعاداتها وتقاليدها وقوانين البلاد المضيفة.

ومع ذلك، سلطت عواصم الاتحاد الأوروبي الضوء على الحاجة إلى تحسين التماسك الاجتماعي في أوروبا معربة بذلك عن ردة فعلها تجاه سلسلة جرائم القتل الإرهابية التي حدثت في باريس ودريسدن وكونفلانز، وسانت أونورين ونيس وفيينا. وجاء في البيان أن “الاندماج طريق ذو اتجاهين”.  مما يعني أنه من المطلوب أن يبذل المهاجرون جهدًا بارزًا ليندمجوا في المجتمع   المفترض أن يساعدهم على تحقيق ذلك الإندماج.    أي انه على الوافد ان يبذل الجهد اللازم كي يستوعب مسار الحياة الجديدة المتوفرة له، وان يُقبل على الإنخراط الإيجابي في ذلك المسار.

صدر  بيان المجموعة الاوروبية   في الذكرى الخامسة  لهجمات  ارهابية وقعت في   باريس  منذ خمس سنوات، وتضمن  مبادرات  جديدة في السياسات المتعلقة بالمهاجرين ــ  على سبيل المثال، استُبدلت العقوبات ضد   الذين لم يفلحوا في الاندماج بتحذير مبدئي للمنظمات غير الحكومية  لعلها تلتفت الى الواجبات  المعقودة على دورها التكميلي في إرشاد وتأهيل اللاجئين ، وكأن فحوى هذه التوصية: يد واحدة لا تصفّق ، عليكم ان تساهموا في تحويل اللجوء الى مواطنة متفاعلة، منضوية، وقادرة على المساهمة في الحياة العامة.

وجاء في البيان أن “المنظمات التي لا تعمل وفقًا للقانون وتسعى لدعم ما يتعارض مع الحقوق والحريات الأساسية يجب قطع التمويل العام عنها على المستوى الوطني والمستوى الأوروبي على حدّ سواء”. “كذلك، يجب الحد من التأثير الأجنبي غير المرغوب فيه للمنظمات المدنية والدينية الوطنية من خلال التمويل غير الشفاف”.

ودعا تشارلز ميشيل ، رئيس المجلس الأوروبي ورئيس وزراء بلجيكا الأسبق ، إلى إنشاء معهد أوروبي “لتدريب” الأئمة المسلمين في السياق المذكور .من جهة أخرى، شدّد البيان على ضرورة أن يتماشى التعليم والتدريب الدينيين ? تحت اشراف الاتحاد الأوروبي – مع الحقوق والقيم الأوروبية الأساسية”.

 وتجدر الإشارة هنا الى ان  المسودة الأولية للبيان اثارت مخاوف حكومات هولندا والسويد وإسبانيا وإيطاليا ولوكسمبورغ  كونها تربط مكافحة الإرهاب بالهجرة   وتركز بوضوح سافر على ” إسلاموية” اللاجئين. وقد أوضح رئيس الوزراء الهولندي السابق   مارك روته ،  هذه النقطة خلال مؤتمر صحفي مشترك مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ومستشاري ألمانيا والنمسا أنجيلا ميركل وسيباستيان كورتس،   فتم بعد ذلك تفصيل البيان ليربط  مخاوف اوروبا من  صعود اليمين المتطرف كردة فعل على  الإرهاب الإسلاموي، كما يتداوله   الإعلام وتجيّش له وسائل التواصل الاجتماعي.

 تلت مأساة الأستاذ صاموئيل ردة فعل عالية على امتداد التراب الفرنسي. وقد شارك في مأتمه ما لا يقل عن اثني عشر الف شخص  ، كما انتشرت على جدران المؤسسات الرسمية لوحات مكبرة لأعماله الكاريكاتورية. وفي المقابل خصص الشيخ شمس الدين الحافظ امام مسجد باريس الكبير صلاة الجمعة عن نفس الضحية وطالب أئمة مساجد فرنسا في خطبته ان ينددوا بالجريمة ووقع ثلاثون اماماً عريضة تؤكد عزمهم على كرز التصدي لمخاطر التعصب باعتباره ظلامية منبوذة تقود الى الكراهية العمياء.

العدد 113 / شباط 2021