في وداع مسعود الأشقر- لبنان الذي نريد

معن بشور

خلال الانتخابات النيابية عام 1996، قال لي صديق ” ان مسعود الأشقر المرشح عن  المقعد الماروني في بيروت (التي كانت دائرة واحدة آنذاك) يريد زيارتك وأخوانك في تجمع اللجان.”

وسألت صديقي مستغرباً :” مسعود الأشقر يعني بوسي ما غيره “.

أجاب ضاحكاً :” نعم انه بوسي ما غيره .”

قلت له :” من الناحية المبدئية أهلاً وسهلاً ولكن دعني أتشاور مع رفاقي، خصوصاً ان اللقاء اذا تم، يجب ان يشارك فيه بعض اخواني الفاعلين شعبياً في العاصمة….”

      وخلال تشاوري مع الرفاق، كان الرأي ايجابياً، كيف لا ونحن في الأساس دعاة بناء جسور بين أطراف الوطن الواحد،  وكنا مع المفكر الكبير منح الصلح (رحمه الله)  والوزير بشارة مرهج، والاخرين من مؤسسي “دار الندوة” حريصين على إعادة لم شمل اللبنانيين بعد حرب عبثية مدمرة عاشوها على مدى 15 سنة، وكنا نسعى سواء من خلال “اللقاء اللبناني الوحدوي” او “برنامج شباب لبنان الواحد:” ان نؤسس بيئة لبنانية واحدة خالصة من كل العيوب المدمرة، بل نسعى لتحرير هذه  “البيئة” من كل الامراض التي فرضتها عليها الحرب و التي تسللت  من خلالها الثغرات في نظامنا وعلاقاتنا الداخلية.

      وحين تم اللقاء مع العزيز مسعود فوجئ القائد “الكتائبي” القديم بحسن الاستقبال من لبنانيين آخرين كانوا طيلة تلك الحرب اللعينة في المقلب الآخر منها، بل فوجئ بلبنانيين يقولون له بكل وضوح :” لقد ذاق اللبنانيون المرّ من تلك الحرب، وهم مصممون ان لا يسمحوا لاحد ان يعيدهم اليها.. صحيح ان بيننا خلافات فكرية وسياسية ، وهو أمر موجود في كل بلدان العالم، ولكن هناك طرق لمعالجةهذه الخلافات بغير الحروب والفتن الدموية… هناك دول وشعوب خاضت حروباً بين بعضها سقط فيها عشرات الملايين من الضحايا ، وها هي اليوم بتفاهمها تلعب دوراً في قيادة العالم….

      ورغم  أننا لم ننتخب مسعود في ذلك الحين، لكن نشأت علاقة وصداقة مع احتفاظ كل منا برأيه، واحترام كل منا لرأي الآخر، وكان الكثيرون يستغربون حضور مسعود العديد من أنشطتنا وفعالياتنا، ونحن لا  نغيب عن دعوة لفعالية ينظمها…

      ولا أغالي اذا قلت انني شعرت بخسارة كبيرة حين سمعت من الصديق الوزير نقولا تويني بإصابة “بوسي” بالوباء الخبيث، ثم بتدهور حالته الصحية، ثم بوفاته.. فقد شعرت اننا خسرنا محاوراً صادقاً من مدرسة أخرى، واننا خسرنا لبنانياَ أصيلاً ينتمي الى فكر مختلف، وكنا نشعر ان وطننا لا يقوم إلا حين يدرك كل منا ان عليه ان يعيش مع آخر يختلف معه في الفكر والرأي لكن لا يختلف معه في حب الوطن والدفاع عنه….

        لقد جمعتنا بالراحل العزيز نزعته الإنسانية حيث  ان البيئة   اللبنانية لا تكتمل سلامتها إلا حين يكتمل تفاعلها مع محيطها العربي، فاللبنانية ، كما العروبة ، هي دعوة الى الإنسانية،  لانهما هويتان لا تزدهران إلا اذا تحررتا من الطائفية والعنصرية والعصبيات البغيضة.

العدد 113 / شباط 2021