“محمد عيتاني”المسرح هو الذي يبث داخلي شعور القلق

نسرين الرجب- لبنان.

“ورشة” مساحة فنيّة حُرّة لمُحبي المسرح..

      درس المُخرج والمُمثل والكاتب المسرحيّ اللبنانيّ “محمد عيتاني”، المسرح في جامعة ليدز في بريطانيا (University of Leeds)، وقدّم في مشروع التخرج أوّل عمل مسرحي له باللهجة اللبنانية المحكيّة، كانت المسرحية -حسب قوله- عبثيّة تتناول موضوع تهميش الأشخاص الذين يعانون من أمراض نفسيّة وعقليّة في المجتمع، وأعاد إخراجها في لبنان، تحت عنوان “بيت بيوت”، قام بانتاج عدّة مسرحيّات منها “حلوة مرّة” وهي مسرحية

محمد عيتاني

كوميدية دراميّة، تمثّل حالة الرفض للواقع السياسي والاجتماعي، وعادةً ما تميل أعماله إلى المسرح العبثي أو اللامعقول، وهو يقوم بتدريس مادة المسرح في جامعة بيروت العربية.

      التقته الحصاد بهدف الحديث عن مشروع “ورشة” والذي هو محترف فنيّ يهدف إلى استقطاب المهتمين بالفنون الأدائيّة من مختلف المجالات والفئات العمرية، ويقدّم التدريب والعروض في الفنون على أنواعها، ومنها مشغل “يلا نمسرحها” في مسرح وسينما إشبيلية (صيدا)، والذي هو عبارة عن سلسلة دورات تدريبية تشمل العمل على مختلف المهارات المسرحية، وتُختتم بالعمل على مسرحية بمشاركة الطلاب.

      ورشة

       يذكُر الأستاذ عيتاني: أنّ التأسيس لمشروع “ورشة”  تزامن منذ السنة الماضية، مع الأحداث الصعبة التي مرت بها البلاد، جراء الأزمة السياسيّة والاقتصادية، يوضّح: خلال ثورة 17 تشرين، كنا منقطعين عن المسرح، فتشجعنا للعمل على تفعيل دور المسرح في المجتمع، مع وجود الكثير من الطلاب الذين لم يكن بإمكانهم التواجد على الخشبة، ومن ناحية ثانية: رأينا أنّ  المجتمع اللبناني لا يُشجع على التربية الفنيّة، إضافة إلى ارتفاع الأقساط للراغبين بالدراسة مقارنة مع الوضع الاقتصادي الصعب، من هنا برزت الحاجة لدراسة أنواع مختلفة من الفنون، بتكلفة بسيطة، وبهدف الوصول إلى شرائح اجتماعيّة واسعة.

      وعن كيفية تأسيس  فريق العمل الذي تتألف منه “ورشة”، يلفت: نحن كمجموعة نعمل معا منذ ثلاث سنوات، “رشيد حنينة” هو مخرج وكاتب سينمائي ومسرحي، درس الإخراج التلفزيوني والسينمائي وانغمس في العالم المسرحي وكواليسه وله أعمال منها “غشاء”، “وسيم العشي” وهو مصمم غرافيكي ومنتج منفذ وتواصل اجتماعي، و”ريان زرين” وهي منتجة أفلام.

      يُكمل: بدأت الفكرة معي أنا “ووسيم العشي”، حيث كنّا من المؤسسين لـ”ورشة”، وانضم إلينا لاحقًا “رشيد حنينة” و”ريان زرين”  اللذين هما في الفريق الإداري والفني لـ”ورشة”، فرشيد حنينة يعطي ورشة كتابة وريان تعطي ورشة إنتاج، لاحقًا انضم للفريق “عمر سنتينا” مدير خشبة المسرح، و”ليال سنجر” فنيّ تصوير وتواصل اجتماعي، اقترحنا أن نبدأ في “صيدا” كونها بحاجة ماسة لمساحات فنيّة من هذا النوع، وبدأنا في مسرح “إشبيلية” وقد اخترنا إشبيلية لأن مسرحها يمثّل لي شخصيًّا ذكريات كثيرة مع الأفلام والفن، فاخترنا البدء فيه.

 يُضيف: هناك خطة لاستكمال المشروع في مناطق أخرى، ومن المتوقع توسعة نشاطاتنا لافتتاح مستويات عليا من التدريب، ومنها: (ورشة صناعة أفلام، إنتاج سنيمائي، إنتاج مسرحي، تصوير، مونتاج)، فنحن ما زلنا في مرحلة اختبار لتركيبة وإعلان المساحات، وهناك إمكانية لتوسعة إطار الورشة.

      خلق مجتمع فنيّ خاص بالورشة

      يرى عيتاني، أنّ الهدف -بشكل عام- من “ورشة” هو خلق مجتمع فنيّ خاص بالورشة، ومنفتح على المجتمع الأوسع: فما نسعى إليه هو مجموعة أشخاص، مهتمين بالفن بالمجمل وبالمسرح خاصة، لتكوين فريق عمل متماسك ويعمل دوريًا على أعمال فنيّة تُطرح من وقت لآخر، وطرح أعمال جديدة على المجتمع، إن كان من خلال المسرح أو الأفلام أو النصوص، وهناك إمكانية لصناعة برامج عبر الانترنت، والراديو، بُغية الوصول إلى انخراط المجتمع أكثر في المجال الفنيّ، ودفع الشباب للمشاركة في العمل الفنيّ الجدي، والدوري.

      توْق للمسرح العبثي

      ينطلق النص المسرحي عند عيتاني، من الحاجة للحكي، يُضيف: أو حاجة شخصيّة للممثل أن يقول شيئًا، أو حاجة موجودة في عالمنا اليوم وفي مجتمعنا، ونبدأ في إيجاد تصورات مشابهة، وقد نطرح موضوع معيّن في صور مختلفة وموحيَة، بشكل غير مباشر، وأحيانًا نحكي الخبر على هو عليه، بحسب نوع المسرح المُقدّم. يعتمد فريق “ورشة” المنهج  الستانيسلافسكي كونه منهجًا مسرحيًا يعمل على الواقعيّة في التمثيل وعلى قدرة الممثل في تجسيد حالة واقعية حقيقيّة، ويأخذ الجمهور إلى بُعد تصديقي.

ويُشير إلى أن: هذا لا يمنع الفريق من العمل على مختلف أنواع المسرح، بحسب ما تستدعي الحاجة الفنيّة، ولكن هناك دائمًا توْق للمسرح العبثي، وخاصة مسرح “صامويل بكيت” و”جون بول سارتر”، وهذا مستمد من أن الحالة العامة التي نعيشها بشكل عام في لبنان هي مرحلة عبثيّة وغير مفهومة في كثير من الأحيان، وهذا النوع من المسرح ظهر بعد الحرب العالميّة فكان الناس في ذلك الوقت غير مُدركين جيدًا لما يعيشونه ويفتقدون للهدف والمعنى من وجودهم، وهذا يمثل -بالنسبة لنا- نوع من التوازي بين ذلك الزمن والزمن الحالي، في ظل الأحداث التي نعيشها.

      كلّ شخص قابل لاكتساب مهارات التّمثيل

       يرى عيتاني: أن كُل شخص يمتلك القدرة على التمثيل، وهذا ما قاله المسرحي “أغوستو بول”، أثناء كتابته لمذكراته في المسرح، كل شخص قابل لاكتساب مهارات التمثيل وذلك يعود لمدى جديّته وشغفه بالمسرح ومدى استعداده للعطاء، في السنوات السابقة عملت كثيرًا مع أشخاص لم يكن لديهم خبرة احترافيّة في عالم التمثيل فكانوا طلاب في الثانوية وفي الجامعة، وبدا لي أن هؤلاء لديهم حب كبير للعمل، وقد يعطون أكثر من شخص اختصاصي ومتمرّس، كون الأخير يواجه أهله ومجتمعه الرافض لهذه المهنة.

      التمثيل هو فِعل وردّة فِعل

            يتقاطع المسرح مع العديد من العلوم المعرفيّة والفكريّة، كَوْنه يمتلك القدرة على النفاذ إلى شؤون الفكر البشري، فهو بطبيعته مساحة لطرح الأسئلة -والكلام لعيتاني- وأفكاره مستمدة من الواقع المعاش، ويمكن تقديمها للمشاهد بأسلوب جديد، ومن وجهة نظر مختلفة،  فالفلسفة وعلم النفس مجالين مهمّين يرتع في فضائهما المسرح، وخاصة عند العمل مع ممثل على المسرح، وأثناء ابتكار الشخصيّة ودراستها، من الضروري فهمنة السيكولوجية الخاصة بالشخصيّة (العادات والتقاليد والأساس)، ومن المهم أن نفهم أن التمثيل هو فعل وردة فعل، ولذا علينا، أن نكون على معرفة الأسباب الكامنة وراء الفعل، وتحليل الحدث في وقت ظهوره، وإيجاد تفسيرات مقنعة لتصرفات الشخصية.

      يُضيف متحدثًا عن الدور المهم للفلسفة في المسرح، كونها: تدخل في العمل الدراماتورجي وتفسير الأحداث وطرح الأسئلة المنطقية ومعالجتها، وإيجاد الأجوبة المنطقية لها، وهذا يعتمد على نوع المسرح والهدف منه، هل هو بداعي التسلية مثل مسرح الشانسونييه، أم غايته معالجة حقيقية للأفكار.

      حريّة القيام بأعمال مستقلة

      وفي حديث عن التحديات التي تواجه عمله كممثل ومخرج مسرحي في لبنان، يُشير: إلى إشكالية غياب الدعم وصعوبة الانتاج وضعفه في مقابل الانتاج للمسلسلات التجاريّة، والأفلام السينمائيّة التجاريّة، فالمسرح بطبيعته ليس تجارًيا، لذا فالدعم المادي شبه معدوم، ممّا قد يؤثّر على نوعيّة الأعمال من الناحية التقنيّة كون المعدّات المستخدمة مُكلفة، وإذا كان هناك انتاج يكون من خلال دعم الجمعيات العالميّة وبعض السفارات، مثل (آفاق، السفارة السويسرية) وعادة الأعمال المموّلة من جهات خارجيّة تكون مكبّلة ضمن توجّه معيّن لهدف يخص الجهة الداعمة، وقد يكبّل طرح الأفكار أحيانًا، وهذا ما يتناقض مع أهدافي الشخصية، يُضيف: بالنسبة لي الانتاج دومًا هو مجهود شخصي، فالصعوبات تشكّل دافعًا للشخص لخلق فرصته وإيجاد المنفذ الخاص به، وهو ما يمنح الفنان حرية للقيام بأعمال مستقلة.

يُضيف عيتاني: لا تتلقى “ورشة” أي دعم من أي جهة، وفي هذه المناسبة نشكر “سينما ومسرح إشبيلية”، الذين فتحوا لنا المجال للعمل على خشبة مسرحهم، ونعتبر أنفسنا شركاء معهم في مهمة خلق بيئة فنيّة، ووعي فنيّ في المجتمع الصيداوي، ولاحقًا في مناطق أخرى.

      وهو يعتبر أنّ الرقابة على النصوص، تُعيق العمل الفني، وهو أمر  مرفوض ?بحسب حديثه- كونها تضعنا في صراع القول واللاقول، من هنا ابتكرنا “ورشة” لتكون مطمح لكل شخص يريد العمل في المجال الفنيّ على المدى البعيد، وهي مساحة لتنميَة القدرات.

      عروض فنيّة جوّالة

      يثابر عيتاني على خلق فرصته كما يعبّر، ويذكر أنّه: ضد فكرة أن العمل في الفن لا ينتج مالاً، فالذي يريد أن يعمل في أي مجال لديه خيارين: إما يقوم بابتكار فرصته أو لا يعمل، فبقدر ما تعطي تأخذ، فـ”ورشة” هي مجتمع خاص وفيه أحلام، والمشروع الذي نعمل عليه حاليًا هو عرض مسرحي وعدد من الأفلام، التي ستتكرس في مهرجان فني في السنة الحاليَة، لوحات فنيّة، موسيقى، عروض مسرحيّة، وأفلام لأشخاص لديهم حاجة لإظهار عملهم في مساحة ومن دون أن يكونوا مضطرين لدفع مبالغ مالية عالية وخاصة في ظل غلاء أجرة المسارح وصعوبة الترويج للعمل الفنيّ.

      نهدف لجعل عروضنا الفنية جوالة في عدد من المهرجانات اللبنانية والعالمية، وهذا يحتاج وقتا لبلورة هذه الأفكار، وهناك تصور واضح على كيفية تقديم هذه الأعمال في نطاق عالمي.

      يعمل المسرح على وعي المتفرج

 يتحدث عيتاني عن دور المسرح في العمل على وعي المتلقي، فالمسرح في قناعته، هو: الذي يبث داخلي شعور القلق، وعدم الارتياح، ويمنحني وقفة، ويجعل من رأسي ساحة لتصارع الأفكار والتفكّر بالكثير من الأمور، يخلق داخل رأسي أسئلة ليوصلني إلى وعي معين، فهو لا يعطي الفكرة على طبق جاهز، ولكنه يدفعني للسؤال والتساؤل ومراجعة الأفكار، فهو قد يقدم لي فكرة جديدة للمعرفة.

      ويلفُت إلى أنّ الذي يميز المسرح اللبناني هو تنوعه، وامتلاكه الأساس لكثير من الأفكار والأسئلة التي يُمكن أن تُطرح -كوننا نعمل مسرح في لبنان- هناك غنى في الأفكار، وغنى بالممثلين الشباب، الذين أثبتوا حضورهم القوي، ويرى عيتاني أن لدى الممثل المسرحي اللبناني أهلية لمنافسة الكثير من المخضرمين، إضافة إلى كون المجتمع المسرحي صغير في لبنان ?والقول له- مما يمنح شعور أنّك جزء من عائلة، فالدائرة صغيرة، وهذا لا يلغي منافسة المسرح اللبناني للمسرح العالمي، فهناك الكثير من الأشخاص الذين يعملون منذ 2016، وقد أحدثوا قفزة  نوعية في العمل المسرحي المقدّم.

      يختتم  الأستاذ عيتاني حديثه عن مشروع “ورشة”؛ فيُعلِن أنها عمل  مُمْتد، وهناك إمكانية للمشاركين في الدورة الحالية أن يشاركوا في المستوى الثاني والثالث، وتطوير مهاراتهم؛ وسنعمل على انتاج أعمال دورية خارج نطاق ورشات العمل المقدّمة، والانتقال من مرحلة إلى أخرى إن كان عبر التمثيل، الإدارة، المسرحيات، الطاقم الفنيّ (كون الفريق يتوسّع)، دمج المشتركين بالعمل الفني الجديّ، وخلق أعمال فنيّة مستمرة، وهذا ما يعطينا فرصة لإنتاج أعمال على مدار السنة، والتحضير لمناسبات فنيّة مختلفة.

العدد 113 / شباط 2021