امريكا… وعهدها القادم في ظل بايدن

هل يعود المتفائلون للرهان من جديد على الدور الأمريكي ..؟

الولايات المتحدة الامريكيه هي الدولة الأهم، وليست الأعدل، وهي الدولة الأقوى وليست الأحكم . هي دولة البطش كما خبرنا في قصفها الذري لليابان ،و كما عايشنا مذابحها في العراق. كانت امريكا ولازالت رغم الصعود المتوالي لقوى جديدة يمكن ان تزاحمها ان لم تزيحها عن موقع الصدارة. هي الدولة صاحبة القرار المهيمن في العالم.

الرئيس المنتخب جوبايدن
هل يقدم جديدا في مرحلته أم هي العودة للتقليدي ولا اكثر

نفوذها غالب في المؤسسات الدولية ،وان صادفت مشكلة ،فلا يعنيها السعي لقرار تعمل على الحصول عليه ،وهي قادرة على تجاوزه ،والمثال غزو العراق دون سند شرعي. كان عبدالناصر يصف امريكا (انها زعيمة الامبريالية في العالم)وكانت امريكا هي التي اعدت لأسقاطه من خلال هزيمة مروعه في احداث الخامس من يونيو عام 1967،وكانت اسرائيل مجرد الأداة ،ونتذكر ان الرئيس الامريكي جونسون قد قال عقب نكسة 67 ( لقد انتهى الديك الرومي) وهو الاصطلاح الذي كان يطلق على عبدالناصر(باعتباره في تقديرهم مختالا بنفسه).كان الخميني ايضا يطلق على امريكا (الشيطان الأكبر) باعتبارها صاحبة التهديد والوعيد،ازاء الحلم التوسعي الفارسي.  لكن شئنا ام ابينا فان الولايات المتحدة الأمريكيه هي الدولة الأهم في العالم لتي يتابع أخبارها الجميع ،سواء في التواريخ الانتخابيه لكل دورة من دوراتها ،أو في التصريحات أو القرارات التي تصدر عن اداراتها ،و الكثير من الدول  تتحسب لتلك التصريحات التي تصدر عن مسؤوليها  في عهودها المختلفة، حتى وان كانت تصدر في قوالب ناعمة بمعنى دبلوماسية الا ان الوقع  والتنبه كان يتساوى، فغضب الرئيس الامريكي يحسب له الف حساب. اظن ان  ذلك التحسب كان واردا في تصريحات الرئيس الجديد للولايات المتحده جو بايدن التي كان يرددها قبل الانتخابات، أزاء قلقه عن حقوق الانسان في بعض الدول ،والصراع في كراباخ بين ارمينيا واذربيجان بالأضافة بالطبع لمعارضاته الشكلية لصفقة القرن التي اعدها ترامب ،وان كان لايخفي انحيازه لأسرائيل, لكن بعد الانتخابات،بدأ في اتخاذ اجراءاته ، وتفعيل سياساته ،وقد رأيناه بعد فوزه ،يبدأ عمله باصدار عدة قرارت من شأنها ابطال مجموعة من ابرزسياسات الرئيس  السابق ترامب وذلك بعد عدة ساعات من أداء اليمين الدستورية ،و تسلمه زمام السلطه.وقد استهل هذه القرارات بقوله (ان امريكا قد عادت الى العالم) وفحوى هذه العبارة ان امريكا قد عادت الى المسار الطبيعي الذي حاد عنه سلفه دونالد ترامب.فما هو ذلك المسار الذي يشير اليه.لقد انسحب ترامب من التزامات

الرئيس السابق دونالد ترامب
هل تعد مرحلته اختطافا للولايات المتحده عن مسارها الطبيعي

دولية كاتفاقية باريس  للمناخ  (التزمت الولايات المتحدة بموجب الاتفاق بخفض انبعاثاتها ما بين 26 و28 في المئة عن مستويات 2005 وذلك بحلول سنة 2025 .كذلك الاتفاق النووي مع ايران (تم التوقيع على الاتفاق قي اطار خمسه + 1 وهم الخمسة اعضاء مجلس الأمن  الكباراضافة الى المانيا.خرج ترامب ووقع اقسى العقوبات على ايران ).ايضا  انسحب من منظمة الصحة العالميه ( اعلن الخروج منها وعدم المشاركه في تمويلها باعتبار انها فشلت في علاج كورونا كما انها عميلة للصين ) مع أن الخروج منها يستلزم

الأخطار عن ذلك قبل عام.خطى كذلك الى الامام لمحاولة الاتفاق مع زعيم كوريا الشمالية ،واجرى اتفاقا مع حركة ( طالبان ) في افغانستان لتسوية الصراع فيها ، وفي تقدير بعض المراقبين ان طالبان (جماعة ارهابيه) فكيف يتعامل معها الرئيس الامريكي بل ويبرم معها اتفاقا. تلك هي الملفات التي يبدا الرئيس بايدن في اعطائها اهمية خاصة، ونتذكر ان بايدن قد كتب بموقع تويتر،اثناء توجهه الى البيت الأبيض عقب تنصيبه مباشرة( لايوجد وقت نضيعه عندما يتعلق الأمربمعالجة ألأزمات التي نواجهها).

كلمات بايدن واشاراته

ركز بايدن على ان الصراعات حين تتعاظم فلا بد من مواجهتها بتقوية التحالفات ،وهنا يعود الى ضرورة تعزيز العلاقات مع الحلف التقليدي للولايات المتحدة ،وفي المقدمة منها بالتأكيد حلف الناتو ،وهذا يعنى من جانب اّخر  دعم العلاقه مع بريطانيا وفرنسا وقادة المانيا واستراليا واليابان وكندا ، ان لم يستطع جمع اضافات جديده ، فالحلبه لابد ان تتسع للأصدقاء ،وذلك لايعني بطبيعة الحال العداء السافر مع كلا  من الصين وروسيا ،فهو يعتمد الدبلوماسية لحل الصراع، وان كان لايستبعد اللجوء الى القوة ،ولكنها القوة التي تخدم الدبلوماسية. ،كما ان السياسة في النهاية تترجم دائما الى مصالح ،وحين تقضي المصلحه الأقتراب ان لم يكن التعاون، فالمصالح دائما هي العنصر الحاسم في تقدم السياسات،وقد قالها صراحة بقوله ( ان القياده بالدبلوماسية تعني الانخراط في علاقات مع الخصوم والمنافسين عندما يحقق هذا المصلحة الامريكية التي نتطلع اليها ويعزز من امن الشعب الامريكي.

موازين التغيير في السياسة الامريكي

هل يقدم جو بايدن أو العهد الجديد بقيادته على صنع تغيير في السياسة الأمريكيه ؟ سؤال تستطيع التجربة العربيه وتاريخها مع السياسة الأمريكيه أن تجيب عليه ،وان تفرد الصفحات لذلك .التغيير وارد لاشك فيه ،ولكنه تغيير في

بلينكن وزير الخارجيه  الأمريكي
كلمات ناعمه .. وقرارات شرسه

الأساليب،وليس في الموضوع . تغيير يمكن في احسن الاحوال وصفه بالأصلاحي ،وليس الجذري.وهو اصلاحي في اطار فلسفة النظام الغربي أو المعسكر الرأسمالي على

نحو اّخر،ولكنه لا يمثل طفرة أوقفزة الى الأمام في قيم الحريات .ان مايسمى بالقيم الديموقراطيه التي يرفع شعارها دائما النظام الغربي، ستكون سند جو بايدن،في اطارمعالجة الممارسات التي استنها

سلفه ،والتي سبق وان اشار اليها بايدن تلميحا  عبر قوله ،ان الشعب الأمريكي في طريقه للخروج من هذه اللحظه على نحو اقوى واكثر تصميما لتوحيد العالم من اجل الدفاع عن القيم الديموقراطية والتصدي للتهديدات التي تمثلها كلا من الصين وروسيا في هذا العالم .

من المؤكد انه لن يحدث اختراقا للسياسات المعهود للولايات المتحدة الامريكيه، فالموقف من اسرائيل لن يتغير في استراتيجيته ،فاسرائيل في النهاية ليست سوى قاعدة في شكل دوله للولايات المتحده والمعسكر الغربي بشكل عام ،و قد بدى ذلك مؤخرا واضحا منذ عقدت لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ جلسة الاستماع مع بلينكين لتثبيت ترشيحه لوزارة الخارجيه في ادارة جو بايدن ،اذ تم التأكيد في هذا الاجتماع على ثوابت السياسة الامريكية تجاه اسرائيل من حيث كونها راسخة ،بما يشمل ذلك اقرار خطوة نقل السفارة الامريكية للقدس ،وايضا دعم اتفاقيات الاعتراف العربي باسرائيل بما يطلق عليه ( الأتفاقات الابراهيمية ) ،وان كان من الملاحظ انه لم يرد سؤالا او جوابا حول قرار ضم الجولان أو الزحف الاستيطاني في الاراضي المحتله.لكن لابد من الاشارة ايضا الى الخطوط المعلنه في السياسة الامريكيه فقد صدرت تصريحات لوزير الخارجية بلينكين يعرب فيها عن تأييده لحل الدولتين لعلاج القضية الفلسطينيه ،وان قد حرص على تأكيده ان ذلك لن يحدث في المدى القصير ،كما ان بلينكين فرق بين اهمية الجولان بالنسبة لأمن اسرئيل ، وبين الطبيعه القانونية التي سيجري عليها بحث هذا الموضوع .

جو بايدن وقضايا المنطقة

تتعدد الملفات امام الادارة الامريكيه في المنطقه،وهي بتعريفنا نتحدث عن المنطقه العربيه،ولكن وفق التصنيف الغربي للمنطقه فهي (منطقة الشرق الأوسط )وتعني مجموعة الدول العربيه بالأضافة الى تركيا وايران، ولاشك انه منذ اتفاقية (كامب ديفيد) 1979، التي كانت اول الأنهيارات الحقيقيه التي اصابت الأمة العربيه،فقد قسمت الأصطفاف العربي ،الذي كان موحدا عقب نكسة حزيران عام 1967 وكان مؤتمر الخرطوم صاحب اللآت الثلاث اعلانا صريحا عن توحد ارادة الأمه ،ثم  تحققت حرب أكتوبر73، وقد تلى اتفاق كامب ديفيد ايضا عقودا متتالية،شهدنا فيها المزيد من التردي وكان افدحها تدميرالعراق ثم سلسلة التاّمر على سوريا وليبيا،واليمن نتج عنه تبعا لذلك توغل دول الجوار في الشأن العربي،بحيث أضحت الأدوار واضحة وجلية ،على الساحة


الرئيس الايراني حسن روحاني
تتعدد الملفات التي ينبغي فتحها مع ايران

العربيه،وتواجد النفوذ الأجنبي ،ليس عن طريق نفوذه  السياسي فحسب ،ولكن وجوده العسكري أيضا . بالطبع لعبت الولايات المتحدة دورا رئيسيا في اتساع النفوذ الايراني في العرااق،ولم تعد المشكلة مع ايران فقط حول برنامجها النووي،ولكن ايضا في تعدد ازرعها واحدثها الذراع (الحوثي) في اليمن ،وامداده بالسلاح ،مما ينشر اتساع رقعة التهديد للخليج بأكمله. لذلك فان حل ازمة اليمن مرتبط ايضا ببحث اتفاقيات السلاح النووي ،وقضية العقوبات التي فرضت على ايران ، والتنسيق من جديد مع الاتحاد الاوربي الذي يرى ان مصالحه  هي في العودة عن الانسحاب الذي قام به ترامب ،وابراز الدور السياسي في حل تلك المشاكل . تبرز ايضا العلاقة مع تركيا ،وقد كانت تاريخيا ضمن منظومة الحلف الغربي الشهير( الناتو). يلعب موقع تركيا دورا هاما في حرص المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة ان تكون تركيا ضمن خطوط دفاعه ،ومقرا للكثير من معدات حلف الاطلنطي ،فهي صاحبة الخط الاول على الحدود الروسية،كما تحرص روسيا لنفس السبب على ضمان الحد الأدنى من التعاون مع تركيا ،ولذلك فخلافات المعسكرين تلعب دورا في الحرص على عدم فقدان الموقع التركي اصلا ،يضاف الى ذلك مصلحة تركيا في تعزيز علاقاتها مع الدول التي استقلت عن روسيا بعد تفكك الاتحاد السوفييتي ،والكثير منها ذا اصول تركيه، وتحرص الادارة الجديده في امريكا على فتح اكثر من ملف مع تركيا الذي تضاعف نفوذها في مرحلة دونالد ترامب ،ومن بين تلك الملفات منظومة الأس 400 الروسية ،وموقع تركيا في حلف الناتو ،مقاتلات 35،وايضا سوريا وهي ملف لن يكون مستبعدا في المحادثات الامريكية لوضع التصورالعام لآفاق الدور التركي على الارض السورية.لايقتصر الامرعلى ذلك فقط فالأصابع التركيه في اكثر من مكان ،في شمال العراق ،وعلى الأرض اللبيبه ،وهناك قواعد غيرها.لكن المسألة لاتقتصر على دول الجوار تركيا وايران فقط ،فالشعارات الأمريكية لاتقف عند الأحداث الساخنه ،وانما تشمل كذلك قضايا الديموقراطية واساليب بعض النظم في الممارسات العملية التي تتعلق بحرية الرأي والتعبير، وتمتد الى حقوق الانسان ،والتأكيد على استقلال القضاء. شعارات براقه ترفعها الأدارة الأمريكيه في كل العصور،ويرفعها ايضا النظام الغربي، مغمضا عينيه تماما ،عن سنوات المد الأستعماري ،وطغيان الأرتكاز على قوة السلاح ، وقمته الأستيلاء على فلسطين وطرد شعب ،وتشتيت مواطنيه تحت الخيام لاجئا أو مهاجرا الى بلاد تحكم الصدفة استقراره بها.

لكن حتى رفع الشعارات فانه ايضا خاضع لتحقيق مصالح ابعد ،أو الحصول على ميزات افضل ،حتى ينخفض مستوى الشعار المرفوع ، هذا ان لم يتوار تماما ،ولايبقى منه سوى صوت  أقرب الى الفحيح منه الى دوام التصريح .

جاء بايدن ،كما جاء قبله العديد من الرؤساء الأمريكان ،وارتفعت التصريحات تعد مرة وتتوعد اخرى ،ولكنها مضت ،ولم تحقق الكثير مما وعدت،وان كانت قد أنجزت بعض ما جاءت من اجله وهو الحفاظ على المصالح الاستراتيجية المؤكدة للولايات المتحدة عموما ،ولأصحاب المصالح الخاصة ..خصوصا ،وعلينا ان لا نندهش لذلك ،فالحكم دائما للقادر على حماية مصالحه ،وان كان ذلك ليس عدلا في اطار قوانين الأنسانية،فانه يعد انصافا بمعايير الواقع والبعد عن الاحلام.

 أمين الغفاري

العدد 115 / نيسان 2021