العولمة و التكنولوجيا

الدكتور إبراهيم الحريري

“يستند التقدم في التكنولوجيا بجعلها ملائمة بحيث لا يمكنك فعلاً ملاحظتها، بحيث تكون جزءاً من الحياة اليومية.”بيل غيتس

“التكنولوجيا خادم مفيد، لكنها سيد خطير.”كريستيان لويس لانغ

جرت العادة بان تلتزم شركات التكنولوجيا الحياد بعيدا عن التحزُب و السياسة و قراراتها و مراسيمها لتجنب خسارة المستهلكين، و لكن كًسرت هذه القاعدة بضخامة هذه الشركات العالمية من ناحية و دخول الرئيس ترامب البيت الأبيض من ناحية أخرى  و السؤال الذي يحتاج لإجابة ,هل وصلت شركات التكنولوجيا العملاقة لمستويات تجعلها فوق السلطة و تتحدى السلطات السياسية بدول العالم قاطبة؟

للإجابة على هذا السؤال نستعرض بعض المؤشرات:

  • بأول سابقة بالعالم والولايات المتحدة الدولة التي تقود العالم بتاريخ 6/1/2021 تم حظر حساب الرئيس الأمريكي السابق بمواقع التواصل الاجتماعي وذلك حسب اتفاقية الخصوصية والاشتراك واعتبار كتاباته مظللة. فما الذي وصلت له وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي .
  • تحدى جيف بزوس المدير التنفيذي و المؤسس لشركة امازون الحكومة الأمريكية بعدم الاستجابة لفرض أي ضرائب جديدة على شركته و كان التهديد الصريح بتسريح عشرات الالاف من الموظفين العاملين بأمازون بمدينة سياتل , و بعد مفاوضات خضعت الحكومة الامريكية لطلبات أمازون و أوقف قرار زيادة الضرائب على أمازون.
  • 97 شركة أمريكية كبرى في مجال التكنولوجيا منها غوغل وأمازون ومايكروسوفت وفيس بوك وآبل وتويتر وأوبر قدمت للقضاء التماسا يوم الاثنين 6 فبراير/شباط /2017لوقف تنفيذ مرسوم ترامب حول الهجرة، و الصادر يوم 27 كانون الثاني/ يناير/2017 الذي يحظر دخول مواطني 7 دول إسلامية إلى الولايات المتحدة لمدة ثلاثة أشهر, و قد تم الغاء هذا المرسوم من قبل الرئيس  جو بايدن باليوم الأول له بالبيت الأبيض تاريخ 20/1/2021 .
  • بشهر كانون الثاني/ يناير/2021، صعدت جوجل وفيسبوك من خلافهما مع الحكومة الأسترالية، حذرت جوجل من أن هذه الخطوة ستجبرها على توقيف البحث على الويب بموقعها للأستراليين فقط، والتي يستخدمها 95 % منهم ، و ذلك رداً على قانون جديد من شأنه أن يجعل المنصات عبر الإنترنت تدفع مقابل مشاركة محتوى الأخبار.
  • أصبحت زيارات القادة التكنولوجيين لرؤساء الدول أكثر من اجتماع القادة السياسيين مع نظرائهم بالبلدان الأخرى،

وكيف لا وهم الذين أصبح لهم لوبيات بالحكومات الاتحادية والمحلية بكل الدول يتم تمويلهم بسخاء ويسعون لتحقيق مصالح هذه الشركات العملاقة، و قد افتتحت كل شركات التكنولوجيا الامريكية مكاتب لها بالعاصمة واشنطن لتكون قريبة من القادة السياسيين و متخذي القرار.

  • كثيراً ما تسعى الحكومات لدعم الشركات التكنولوجية المتعثرة بأوقات الأزمات بالدول الغربية و تشاركها الامن القومي و السيبراني , على عكس الصين و التي تعتبر شركات التكنولوجيا العملاقة و العالمية الخاصة بها بطريقة أو بأخرى تحت عباءة الحكومة الصينية.
  • أصبحت شركات التكنولوجيا تصك العملات الرقمية دون الرجوع للبنوك المركزية وتفتتح بنوك و محافظ تجوب العالم دون حسيب أو رقيب، و تشفر المعلومات بأساليب تمنع الحكومات من الاطلاع عليها.
  • التلاعب بالانتخابات وتوجيه الرأي العام للناخبين باتجاه معين دون غيرة مثل الانتخابات الامريكية عام 2016 والتصويت البريطاني للخروج من الاتحاد الأوربي 2017 وعرابه شركة العلاقات ” كامبريدج أناليتيكا للاستشارات السياسية” وفضيحتها مع فيسبوك بوصولها للبيانات الشخصية بشكل غير مشروع لحوالي 87 مليون حساب بالولايات المتحدة الامريكية لوحدها فقط.
  • وتحولت الكثير من مجالات التكنولوجيا لأدوات تستغلها وتوظفها أجهزة الاستخبارات العالمية، وأصبحت الجيوش تسعى للحصول والاستفادة من هذه الشركات في مجالات معالجة البيانات الضخمة، والأمن السيبراني والروبوتات والتضليل وطرق المراقبة الإلكترونية، والذكاء الاصطناعي وتقنيات الفضاء و غيرها.

أصبحت اليوم هذه الشركات تمتهن السياسة وتؤثر بها بشكل مباشر أو غير مباشر وبشكل فاعل ومستمر وعابرة للحدود، وتتفاوض بقوة وبطرق مباشرة مع دول العالم وخلف أبواب مغلقة. ,ولا يمكننا أن نحدد درجة التعاون والتنافس بين هذه الشركات العملاقة والحكومات والمنافسين وإن كانت هذه الشركات بكثير من الأحيان تقرب المتنافسين للمصالح المشتركة و المركبة بين الدول.

و نستعرض العشرين الكبار بهذه الصناعة وبالأرقام الدقيقة حسب أخر الإحصائيات لعام 2020 و حسب موقع فورشن(Fortune)  و هذه الشركات ملئت الدنيا و شغلت الناس بصغيرها وكبيرها ,وهي تسيطر على هذه الصناعة العالمية بكل مفاصلها:

  • Appleابل:

موطنها الولايات المتحدة الامريكية وقيمتها السوقية 2 ترليون دولار و بعدد موظفين (137000) و أصول بقيمة (339) مليار دولار حقق إيرادات عامة قدرها (260) مليار دولار و ربح بقيمة (55) مليار دولار , و العلامة التجارية352 مليار دولار امريكي

  • Microsoft ميكروسوفت:

 موطنها الولايات المتحدة الامريكية وقيمتها السوقية 1.6ترليون دولار و بعدد موظفين (144000) و أصول بقيمة (287) مليار دولار حقق إيرادات عامة قدرها (126) مليار دولار و ربح بقيمة (39) مليار دولار ,و العلامة التجارية327 مليار دولار امريكي

  • Google Alphabet جوجل الفابت:

موطنها الولايات المتحدة الامريكية وقيمتها السوقية 1.1 ترليون دولار بعدد موظفين (118899) وأصول بقيمة (276) مليار دولار حقق إيرادات عامة قدرها (162) مليار دولار و ربح بقيمة (34) مليار دولار، والعلامة التجارية324 مليار دولار امريكي

  • Amazon امازون:

موطنها الولايات المتحدة الامريكية وقيمتها السوقية 1.6 ترليون دولار و بعدد موظفين (1250800) و أصول بقيمة (225) مليار دولار حقق إيرادات عامة قدرها (280) مليار دولار و ربح بقيمة (12) مليار دولار ,و العلامة التجارية42 مليار دولار امريكي

  • Tencent تنسنت:

موطنها الصين وبعدد موظفين (62885) و أصول بقيمة (137) مليار دولار حقق إيرادات عامة قدرها (55) مليار دولار و ربح بقيمة (13.5) مليار دولار، و العلامة التجارية151 مليار دولار امريكي

  • Facebook فيسبوك:

 موطنها الولايات المتحدة الامريكية وقيمتها السوقية 800 مليار دولار وبعدد موظفين (44942) و عدد مشتركين يتجاوز 2.7 مليار، و أصول بقيمة (133) مليار دولار حقق إيرادات عامة قدرها (71) مليار دولار و ربح بقيمة (18) مليار دولار العلامة التجارية147 مليار دولار امريكي

  • IBM أي بي ام:

موطنها الولايات المتحدة الامريكية وبعدد موظفين (383800) وأصول بقيمة (152) مليار دولار حقق إيرادات عامة قدرها (77) مليار دولار وربح بقيمة (9) مليار دولار، والعلامة التجارية84 مليار دولار امريكي

  • SAP ساب:

 موطنها المانيا وبعدد موظفين (100330) وأصول بقيمة (68) مليار دولار حقق إيرادات عامة قدرها (31) مليار دولار وربح بقيمة (4) مليار دولار، و العلامة التجارية58 مليار دولار امريكي

  • Accenture اكسينجير- اندرسون سابقا:

موطنها الولايات المتحدة الامريكية وبعدد موظفين (492000) وأصول بقيمة (30) مليار دولار حقق إيرادات عامة قدرها (43) مليار دولار وربح بقيمة (5) مليار دولار، والعلامة التجارية41 مليار دولار امريكي

  • Intel انتل:

موطنها الولايات المتحدة الامريكية وبعدد موظفين (110800) وأصول بقيمة (137) مليار دولار حقق إيرادات عامة قدرها (72) مليار دولار وربح بقيمة (21) مليار دولار العلامة التجارية37 مليار دولار امريكي

  • Adobe ادوبي:

موطنها الولايات المتحدة الامريكية وبعدد موظفين (22700) و أصول بقيمة (21) مليار دولار حقق إيرادات عامة قدرها (12) مليار دولار و ربح بقيمة (3) مليار دولار، والعلامة التجارية36 مليار دولار امريكي

  • Samsung سامسونج:

 موطنها كوريا الجنوبية وبعدد موظفين (287439) وأصول بقيمة (305) مليار دولار حقق إيرادات عامة قدرها (198) مليار دولار وربح بقيمة (18) مليار دولار، والعلامة التجارية33 مليار دولار امريكي

  • Salesforce سيلزقورس:

موطنها الولايات المتحدة الامريكية وبعدد موظفين (49000) و أصول بقيمة (55) مليار دولار حقق إيرادات عامة قدرها (17) مليار دولار و ربح بقيمة (126) مليون دولار، والعلامة التجارية30 مليار دولار امريكي

  • LinkedIn لينكدان:

موطنها الولايات المتحدة الامريكية وبعدد موظفين (15000) وعدد أعضاء يتجاوز 706 مليون مشترك. والعلامة التجارية30 مليار دولار امريكي

  • Huawei هاواوي:

موطنها الصين و بعدد موظفين (194000) و أصول بقيمة (123) مليار دولار حقق إيرادات عامة قدرها (124) مليار دولار و ربح بقيمة (9) مليار دولار، و العلامة التجارية29 مليار دولار امريكي

  • Oracle اوركيل:

موطنها الولايات المتحدة الامريكية وبعدد موظفين (136000) وأصول بقيمة (109) مليار دولار حقق إيرادات عامة قدرها (40) مليار دولار وربح بقيمة (11) مليار دولار، و العلامة التجارية27 مليار دولار امريكي

  • Cisco سيسكو:

موطنها الولايات المتحدة الامريكية وبعدد موظفين (75900) وأصول بقيمة (98) مليار دولار حقق إيرادات عامة قدرها (52) مليار دولار وربح بقيمة (12) مليار دولار، والعلامة التجارية26 مليار دولار امريكي

  • Dell دل:

موطنها الولايات المتحدة الامريكية وبعدد موظفين (165000) وأصول بقيمة (119) مليار دولار حقق إيرادات عامة قدرها (92) مليار دولار و ربح بقيمة (4.6) مليار دولار، والعلامة التجارية18 مليار دولار امريكي

  • Xiaomi شومي:

موطنها الصين و بعدد موظفين (18150) و أصول بقيمة (26) مليار دولار حقق إيرادات عامة قدرها (30) مليار دولار و ربح بقيمة (1.4)  مليار دولار , و العلامة التجارية17 مليار دولار امريكي

  • Baidu بوردو:

موطنها الصين و بعدد موظفين (45,887) و أصول بقيمة (46) مليار دولار حقق إيرادات عامة قدرها (16)  مليار دولار و ربح بقيمة(4) مليار دولار , و العلامة التجارية15 مليار دولار امريكي

 هذه  هي شركات التكنولوجيا الأكثر ربحية و التي تحكم العالم و تملك بيانات الصغير و الكبير و تحللها و تفصل الشروط و الاحكام لاستخدام خدماتها, وهي تملك معلومات عنا و عن سلوكياتنا أكثر منا أنفسنا و لا نعرف مدى و اين تستخدم هذه البيانات و مدى السيطرة على الشعوب و التحكم بالآراء و الميول من خلال بياناتهم الشخصية.

الكثير سابقا طالب بفصل الدين عن السياسة  و السياسة عن الاقتصاد وأصبحت هذه المقولات من المقولات المستهلكة والتي عاف عليها الزمن. ولكن علماء الاجتماع الحاليين يطالبون بفصل السياسة عن التكنولوجيا والمباعدة بينهما ولكن هل يمكن جمع الشرعيتين؟

 فتاريخيا شرعية السياسي بقبول المحكومين واحترام الأنظمة والاحكام، وشرعية التكنولوجي باستمرار إبداعه واختراعه وزيادة المستهلكين لسلعه وتلبية حاجات المستخدمين وتحديثها باستمرار، والتركيبة الجديدة للشرعية الـ «تكنو بوليتيكس» (Techno Politics) تكون بقبول المستخدمين لمنتجات هذا الشركات بفجها وعجرها و فُجرها. والالتزام بالأنظمة والقوانين الحكومية واحترامها، ونتمنى أن يتحقق ذلك و إن كان صعب المنال.

العدد 115 / نيسان 2021