المغرب إسبانيا: مواجهة من أجل “الصحراء”

اتهام للرباط باستخدام سلاح المهاجرين وأوروبا منقسمة بعد موقف ترامب

محمد قواص

حين اهتم الإعلام الدولي في شهر حزيران / يونيو الماضي بنقل صور صادمة لزحف آلاف من المهاجرين القادمين من المغرب صوب شواطئ إسبانيا، أعاد العالم الانتباه إلى قضايا العالم المعقدة والتي لم تجد لها حلا منذ عقود. فمن جهة هناك أزمة الهجرة غير الشرعية التي تقض مضجع دول الشمال ومسؤولية دول الجنوب في ذلك، ومن جهة أخرى انقسام العالم حول قضية الصحراء الغربية التي يطالب المغرب بالسيادة الكاملة عليها ويعتبرها جزءا من الوحدة الترابية المغربية، فيما تطالب جبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر بالاستقلال الكامل.

وكان واضحا أن الزيارة التي قام بها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى زعيم البوليساريو في المستشفى بعد عودته من إسبانيا، كانت تهدف إلى إرسال إشارات للمغرب وإسبانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، حول

تكدس اللاجئين على شواطئ إسبانيا إنذار وجهته الرباط إلى مدريد

ثبات الموقف الجزائري الداعم للبوليساريو وأن على كافة الدول المعنية أن تأخذ علما بهذه الحقيقة في تدبير علاقاتها مع المنطقة.

ولئن تبدو القضية مصطنعة لتأجيج الخلاف التاريخي القديم بين المغرب والجزائر، فإن الموقف الدولي بقي مستغلا لهذا الخلاف وساعيا إلى اللعب على أوتاره كمادة يستخدمها في علاقاته مع المغرب والجزائر. كما أن الموقف الدولي لا سيما الأوروبي بقي متعددا متغيرا وفق مصالح كل دولة في رسم علاقاتها مع دول شمال أفريقيا. وعلى هذا يمكن رصد التحولات الحاصلة في موقف فرنسا والولايات المتحدة خصوصا، فيما برز في الأشهر الأخيرة مواقف معادية للخيار المغربي من قبل ألمانيا واسبانيا على نحو أسال حبرا كثيرا حول الدوتافع والحيثيات الاي تفقف وراء ذلك.

المهاجرين في سبتة

وما حصل على شواطئ مدينة سبتة من تكدس مفاجئ للمهاجرين أثار قلقا لدى دول العالم لا سيما داخل الاتحاد الأوروبي بعد أن بدا أن المشهد يوحي أن المغرب استخدم “سلاح” المهاجرين واللاجئين للضغط على إسبانيا ومعاقبتها، على نحو يذكر بسلوك تركيا في هذا الصدد حين سمحت لمئات الآلاف من المهاجرين للعبور نحو أوروبا بما أثار حينها هلعا أوروبيا قاد الاتحاد إلى توقيع اتفاقات مالية جديدة مع تركيا، دون أن يبدد الأمر إمكانية استخدام أنقرة لهذا “السلا” مجددا لتصفية حسابات كثيرة مع أوروبا والمساومة في ملفات خلافية متعددة.

وقد يندرج الخلاف بين المغرب وألمانيا داخل السياق الطبيعي للتباين الذي يحصل بين الدول لأسباب معينة، ويتبدد بزوال هذه الأسباب. بيد أن اندلاع الخلاف بين المغرب وإسبانيا، مهما كانت حيثياته، ينهل من تاريخ دراماتيكي بين البلدين، فيوقظ جروحاً عتيقة تعود لقرون لا يمكن لديباجات دبلوماسية القرن الواحد والعشرين أن تتجاوزها.

على هذا فإن مشهد آلاف المندفعين نحو مدينة سبتة على شواطئ إسبانيا فضح غضبا مغربيا لم يكن بالإمكان إدارته عبر تبادل المواقف والتصريحات. فإذا ما اعتبرت مدريد أن الحدث “اعتداء” دبره المغرب ضد حدود إسبانيا، فإن أصواتا أسرعت للخروج من الرباط تذكر من يهمه الأمر  أن المغرب ليس حارسا لحدود بلدان أخرى.

تكشف صور “تسونامي” اللاجئين في سبتة الذي نقله إعلام العالم أجمع عن حقيقة لطالما تغيب في يوميات العلاقة بين الدول. ولعل الباحثين في شؤون الهجرات البشرية يعرفون أنه لو تُركت دينامية الأمر لبديهياته لشهد العلم “غزوا” بشريا بديهيا من بلدان الجنوب نحو الشمال، ذلك أن علوم الديمغرافيا على مدى تاريخ الإنسانية تشرح حركة خطوط تنقل الناس وفق حوافز الوفرة التي تقل هذه الأيام جنوبا وتفيض شمالاً.

والحال إن اتفاقات أبرمتها أوروبا مع دول شمال أفريقيا، أسفرت عن شراكة هذه الدول لمنع تدفق اللاجئين بالشكل الذي نقله الإعلام الدولي باتجاه مدينة سبتة على الشواطئ الإسبانية، وأن سقوط هذه الشراكة يقود آليا إلى تعميم ذلك المشهد الاستثنائي الأخير وجعله من العاديات. بكلمة أخرى فإن منطق الأمور يقول إنه إذا ما ذهبت دول الشمال، بما في ذلك إسبانيا، إلى عدم أخذ مصالح الدول المتشاطئة بالحسبان فإن الأخيرة غير معنية بأن تكون “حارسة” لحدود الجيران.

مدريد والبوليساريو

رسميا لا يعترف المغرب بسيادة اسبانيا على سبتة. يعتبرها مع مليلية مدينتين محتلتين من بقايا الاستعمار الاسباني الذي لم ينتهِ. والظاهر أن مدريد لم تتوقع رد فعل مغربي غاضب حيال ما اعتبرته الرباط مساً بسيادتها واعتداء على أبجديات العلاقة بين الدول. فإسبانيا، وهي الدولة التي كانت تستعمر “الصحراء” وتتقاسم مع المغرب حكايات من دم وحروب، تعلم أن التشكيك بسيادة المغرب على هذا “الإقليم” واستقبال زعيم التنظيم الذي يطالب بانفصال الصحراء هو “رجس” لم تسكت عنه الرباط سابقا ولن تسكت عنه راهنا أو لاحقا.

ليس في الأمر خطأ بل خطيئة. أدخلت مدريد زعيم البوليساريو إبراهيم غالي وهي تعرف أنه يحمل أوراقا ثبوتية مزورة. استضافته في إسبانيا تحت مسوغ “الأسباب الإنسانية” للاستشفاء من فيروس كورونا وهو المطلوب لدى القضاء الإسباني للتحقيق في تهم تتعلق بـ “التعذيب” وارتكاب “جرائم ضد الإنسانية”. وبغض النظر عن التهم والسياق القضائي الذي يدين ويبرئ، فإن ما انتهجته إسبانيا لا يمكن إلا أن يكون مخططا ارتكب عن سابق تصور وتصميم، على نحو لا يجب أن يفاجئ رد فعل المغرب اسبانيا وحكومتها.

والأمر ليس صدفة بل توجهاً اسبانيا لانتهاج سياسة واضحة تنكر على المغرب السيادة على الصحراء الغربية إلى درجة أن مدريد لن تشارك هذا العام، كما جرت العادة، في المناورات العسكرية “الأسد الأفريقي 2021” بحضور الولايات المتحدة والتي تجري في المغرب وتضم تسع دول أوروبية وأفريقية. ولئن جاء التبرير الرسمي الاسباني يتحدث عن أسباب تتعلق بالميزانية، كشفت صحافة مدريد أن اسبانيا لا تريد المشاركة في مناورات ستجري مرحلة منها في الصحراء الغربية لتجنب أي اعتراف بالسيادة المغربية على الصحراء. بيد أن رواية الصحافة الاسبانية بددتها مصادر مغربية أكدت أن الرباط هي التي رفضت المشاركة الاسبانية.

الرباط: “الصحراء” مغربية

قد تختلف الموالاة والمعارضة في المغرب حول ملفات كثيرة في السياسة الداخلية والخارجية للبلد، لكنها مجمعة على “الوحدة الترابية”، أي على سيادة المغرب التامة على إقليم الصحراء. الأمر لا يحتمل اجتهادا ولا وجهات نظر على

الرئيس الجزائري يزور غالي في المستشفى: رسالة للمغرب وأوروبا والعالم

نحو لا يمكن معه تفهم “السقطة” الاسبانية. ولئن تعترف جهات سياسية إسبانية بالخطأ وتنتقده (منها وزير الخارجية الإسباني الأسبق خوسي بيكيه) وتعمد الحكومة إلى إيقاظ محاكمها لاستدعاء غالي ثم التخلص من وجوده في اسبانيا، فإن عبق الأزمة ببين البلدين يستدرج سرديات أليمة.

لم تقبل مدريد قرارا اصدرته إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب أواخر العام الماضي تعترف به الولايات المتحدة بمغربية الصحراء، ولم تهضم تطور العلاقات اللافت الذي سُجل مذاك بين الرباط وواشنطن. صحيح أن دول الاتحاد الأوروبي تحاول الموازنة في علاقاتها المغربية والجزائرية، بحيث قد لا تبتعد مدريد عن المزاج الأوروبي العام، إلا أن التاريخ “الصليبي” ثم الاستعماري لإسبانيا في العلاقة مع المغرب يتيح استعادة حكاية سقوط الاندلس وعقائد الملكة الكاثوليكية إيزابيلا ضد المسلمين، كما يعيد في المغرب استعادة ذكرى محمد بن عبد الكريم الخطابي وثورته ضد الاسبان.

تورطت إسبانيا في خطيئة ليس واضحاً ما يقف وراءها. وإذا صح أن في الأمر حسابات سياسية داخلية استغلها حزب فوكس اليميني المتطرف، فإن دخول العامل العنصري على خطوط السياسة والدبلوماسية والأمن الخاصة بالعلاقة مع المغرب، أضعف موقف مدريد، وجعل من استنجادها بأوروبا مهزلة لا تليق بدول كبرى ولا تتسق مع قواعد وأبجديات حسن الجوار.

ترتبط اسبانيا والمغرب بشراكة اقتصادية تجعلها في الصف الأول. تتحدث التقارير عن وجود آلاف الشركات

الصحراء الغربية يعتبرها المغرب جزءا من التراب المغربي

الاسبانية العاملة في المغرب تشكل نشاطاً اقتصاديا أساسيا يتساءل أصحابه عن الحكمة من تلك الصبيانية التي تقارب بها مدريد شأنا مغربيا بامتياز. تستدرك حكومة اسبانيا ورطتها. تعيد التموضع للتخفيف من وقع الحدث والكلام عن الحاجة المشتركة للتعاون. غير أن مدريد تلقت صفعة بحيث تلعثمت دبلوماسيتها وتعثر خطابها وباتت تحسب بارتباك خسائر الخوض في ثوابت حاضر قد ينفخ رياحا عاتية في أشرعة تاريخ مثقل بالعصبيات والنفور.

لن يجد ملف الصحراء الغربية خاتمة له قبل أن يتمكن المغرب والجزائر من تصفية الأحقاد القديمة. والظاهر أن هناك مستفيدين لدى البلدين من بقاء هذا الخلاف. الرباط تتهم المؤسسة العسكرية الجزائرية بتسعير الموقف ومنع تطور الموقف الجزائري، فيما تصدر في الرباط كواقف لمحللين تعتبر الجزائر عدوا يعمل على إدامة عداوته. ولئن صدرت عن العاهل المغربي الملك محمد السادس دعوات للحوار وطي صفحة الخلافات بين البلدين بقيت منابر الحجزائر تشكك في نوايا الرباط وترفض الاستجابة لأي دعوات لفتح الحدود وتطبيع العلاقات بين البلدين.

ترامب يعترف بمغربية الصحراء

أعلن البيت الأبيض أواخر العام الماضي أن الولايات المتحدة الأمريكية وافقت على سيادة المغرب على الصحراء الغربية وذلك عقب الموافقة على التطبيع الكامل مع إسرائيل لتكون بذلك الدولة العربية الرابعة خلال عام 2020 التي تطبع العلاقات مع تل ابيب وذلك بعد الإمارات والبحرين والسودان.

سانتياغو أباسكال، زعيم حزب فوكس الإسباني اليميني المتطرف: لا نريد في إسبانيا رجالا يركعون خمس مرات في اليوم باتجاه مكة

و أكد ترامب دعمه لمقترح المغرب المتعلق بالحكم الذاتي في الصحراء الغربية كأساس وحيد عادل ودائم لحل النزاع وذلك في مكالمة هاتفية مع العاهل المغربي الملك محمد السادس.

وقال ممثل جبهة البوليساريو لدى الأمم المتحدة، سيدي عمر، ردًا على ترامب إن الوضع القانوني يحدده القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة.

وأضاف عمر في تغريدة على تويتر: “تشير الخطوة إلى أن النظام المغربي مستعد لبيع نفسه في سبيل الحفاظ على الاحتلال غير القانوني لأجزاء من الصحراء الغربية”.

وقال أبي بشرايا، ممثل البوليساريو في أوروبا، إن التغير في السياسة الأمريكية لن يغير شيئا من واقع الصراع وحق شعب الصحراء الغربية في تقرير المصير.

وأكد  الديوان الملكي المغربي إن واشنطن ستفتح قنصلية في الصحراء الغربية كجزء من اتفاق التطبيع مع إسرائيل لتشجيع.

ولايزال النزاع الإقليمي حول الصحراء الغربية مستمرا منذ عقود بين المغرب وجبهة البوليساريو. ولا تزال الأمم المتحدة مكلفة بالإشراف على استفتاء لاستقلال الصحراء الغربية – رغم عدم تحقق ذلك منذ عام 1991، عندما دشنت الأمم المتحدة بعثتها هناك.

ويمثل الاعتراف الأمريكي  بـ”مغربية الصحراء” اختراق دبلوماسي تاريخي في حين أن تطبيع العلاقات مع إسرائيل جزء من استمرارية مرتبطة بخصوصية المغرب من خلال الروابط بين الملك والجالية اليهودية.

في منتصف نوفمبر 2020، عزز المغرب الذي يسيطر على ثلثي مساحة الصحراء الغربية وواجهتها البحرية الغنية بالأسماك ومخزون الفوسفات، تواجده عبر إرسال قواته إلى منطقة عازلة كانت تسيطر عليها الأمم المتحدة، بهدف تأمين الطريق الوحيد إلى غرب إفريقيا في أقصى الجنوب ومنذ ذلك الحين، والوضع متوتر بعدما انتهكت جبهة البوليساريو اتفاق وقف إطلاق النار الموقع في العام 1991 تحت رعاية الأمم المتحدة.

وبحسب وزير الخارجية المغربي، فإنه في نهاية “سنوات عدة من العمل والتواصل النشط”، توجت الجهود الدبلوماسية المغربية في ما يتعلق بقضية الصحراء “باعتراف الولايات المتحدة، القوة العظمى لمجلس الأمن واللاعب المؤثر على الساحة الدولية”.

خلافات المغرب وألمانيا

استدعى المغرب في 6 أيار / مايو الماضي، سفيرته لدى برلين زهور العلوي، للتشاور بسبب موقف ألمانيا “السلبي” بشأن قضية الصحراء و”محاولة استبعاد الرباط من الاجتماعات الإقليمية حول ليبيا”. وقالت وزارة الخارجية المغربية في بيان، آنذاك، إن “ألمانيا راكمت المواقف العدائية التي تنتهك المصالح العليا للمملكة”.

ملك المغرب محمد السادس دعا مرارا لطي صفحة الخلافات مع الجزائر

وقبل استدعاء السفيرة بشهرين، كان المغرب أعلن مطلع آذار/ مارس الماضي، قطع علاقاته مع السفارة الألمانية بالعاصمة الرباط، جراء “خلافات عميقة تهم قضايا مصيرية”.

وقالت الخارجية المغربية حينها في رسالة إلى أعضاء الحكومة، إن “خلافات عميقة تهم قضايا المغرب المصيرية، استدعت قطع العلاقات التي تجمع الوزارات والمؤسسات الحكومية مع نظيرتها الألمانية”.

وكان ملفتا للانتباه، أن رسالة الوزارة، لم تذكر تفاصيل الخلافات التي أدت إلى قطع العلاقات مع سفارة برلين.

بينما أخرج بيان “استدعاء السفيرة”، الأزمة من دائرة الصمت، معلنا عن خلفياتها، في وقت كان يذهب أغلب المتتبعين والمحللين، للقول بأن قطع الرباط علاقاتها مع السفارة الألمانية، له علاقة بقضية إقليم الصحراء.

وحددت وزارة الخارجية المغربية في بيانها الأخير، ثلاثة أسباب دفعت المملكة إلى اتخاذ هذه المواقف في علاقاتها مع ألمانيا.

وقال البيان: “سجلت ألمانيا موقفا سلبيا بشأن قضية الصحراء المغربية.. جاء هذا الموقف العدائي عقب الإعلان الرئاسي الأمريكي الاعتراف بسيادة المغرب على صحرائه، وهو ما يعتبر موقفا خطيرا لم يتم تفسيره لحد الآن”.

وأضاف: “هناك محاربة مستمرة لا هوادة فيها للدور الإقليمي المغربي، وتحديدا بالملف الليبي، و(ظهر) ذلك في محاولة استبعاد المملكة دون مبرر من المشاركة في بعض الاجتماعات الإقليمية المخصصة لهذا الملف، كتلك التي عقدت في برلين”. وأضاف: “السلطات الألمانية تعمل بتواطؤ مع مدان سابق بارتكاب أعمال إرهابية، سيما من خلال الكشف عن معلومات حساسة قدمتها أجهزة الأمن المغربية إلى نظيرتها الألمانية”، دون تفاصيل.‎

ويرى المحللونأن قرار استدعاء سفيرة المغرب، له رمزيته في الممارسة الدبلوماسية، ويعكس عمق المشكل، بسبب المواقف المعاكسة لمصالح المملكة، التي تنهجها الحكومة الألمانية، في وقت لم يكن المغرب إلى الأمس القريب، ضمن أولوياتها الدبلوماسية. واعتبروا أنه لا يمكن للمغرب أن يقف مكتوف الأيادي، وهو يرى مواقف مناوئة من السلطات الألمانية، تجاه قضايا مرتبطة بالثوابت المغربية، وأنه لا يمكن أن يتحول البلد إلى متفرج، والحكومة الألمانية تحرك مجلس الأمن ضد المصالح المغربية.

خلاف المغرب والجزائر حول الصحراء

تعترف الجزائر بالـ “جمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية” التي أعلنتها جبهة البوليساريو من جانب واحد في الصحراء عام 1967، في حين تقترح الرباط منح الصحراويين حكما ذاتيا تحت سيادتها.

ويسيطر المغرب على 80 في المئة من مساحة الصحراء الغربية الممتدة على مساحة 266 ألف كيلومتر مربع،  ويتعامل معها مثلما  يتعامل مع باقي جهات المملكة الأخرى.

وترى مصادر جزائرية أن موقف الجزائر فيما يخص طبيعة نزاع الصحراء الغربية مبني على نقطتين، “أنه منذ ثورة تشرين الثاني / نوفمبر فإن الجزائريين تربوا على عقيدة رفض كل حالة استعمار من أي جهة كانت، ولهذا كانت الجزائر بجانب العديد من الحركات التحررية في العالم، ودعمت ومولت 17 حركة تحررية إفريقية وغير إفريقية، ولذلك نرى أن جبهة البوليساريو هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الصحراوي. وتضيف المصادر أن النقطة الثانية تكمن في أن القانون الدولي واضح بشكل صريح كما هو مدون في الأمم المتحدة منذ 1923 بأن الصحراء الغربية إقليم غير محكوم ذاتيا، والأقاليم غير المحكومة ذاتيا تستحق حسب ميثاق الاستفادة من تنظيم استفتاء تقرير المصير، وهو ما تطلبه الجزائر. وتتابع المصادر أنه من حق الصحراويين أن يختاروا أن يعيشوا مستقلين أحرارا في أرض أجدادهم أو الانضمام إلى المغرب، وهذا قرارهم، وبالتالي لا عدوانية ولا كراهية من جان الجزائر تجاه المغرب ولا تخلي عن مبادئ الجزائر ضد احتلال المغرب للصحراء الغربية”.

لكن المصادر النغربية ترى أن الجزائر دائما تنظر إلى المغرب بأنه تهديد وأن الخلاف بين البلدين يعود إلى عقود مضت منذ السنوات التي تلت استقلالهما، وأنه عندما ظهرت مشكلة في الصحراء الغربية وجدت فيها الجزائر فرصة لإضعاف المغرب وأيضا لقطع ارتباطها بإفريقيا جنوب الصحراء. وتةضح المصادر أنه بعد استقلال الجزائر كان المغرب يطالب باسترجاع جميع الأراضي التي اقتطعتها فرنسا منه وألحقتها بالجزائر في مرحلة الاستعمار، فكان هذا سببا كبيرا أدى إلى نشوب حرب الرمال في 1963 ومنذ هذا الوقت حدث هذا الشرخ النفسي بين البلدين”.

وترعى الأمم المتحدة منذ عقود جهودا لإيجاد حل سياسي ينهي النزاع حول الصحراء الغربية، لكن المفاوضات التي تشارك فيها أيضا الجزائر وموريتانيا توقفت منذ 2019 بعد استئنافها في 2018.

وتضيف المصادر المغربية أن المغرب ليس لديه مشكلة في حق تقرير المصير كمبدأ من مبادئ القانون الدولي، مشيرة إلى أن اقتراح المغرب إعطاء الحكم الذاتي للصحراء الغربية يندرج ضمن هذا المفهوم”.

وترى المصادر المغربية أن العلاقة الوطيدة بين الجزائر وجبهة البوليساريو وخاصة أنها الداعمة الأساسية للأخيرة، ستنعكس سلبا على العلاقات مع المغرب، لكنها تعتبر أن هذا التأثير سيظل محدودا لأن العلاقات بين البلدين في وضعية غير طبيعية منذ سنوات، لكن الأمر لن يؤدي هذا إلى وقوع حرب.

وترد مصادر جزائرية بأن العلاقات بين البلدين متأزمة بالفعل متهمة المغرب بأنه السبب في ذلك. وتقول المصادر أن الحدود مغلقة بسبب قرار مغربي في عام 1994 عندما حدثت اعتداءات في فندق في مراكش، فحملت السلطات المغربية المسؤولية للدولة الجزائرية وطردوا جزائريين من المغرب وأغلقوا الحدود وفرضوا التأشيرات، فقامت الجزائر بالمعاملة بالمثل.

المغرب فرنسا: تعاون كامل في ملف الهجرة

عكس ألمانيا وإسبانيا، تبدو الشروط أكثر نضجا بين باريس والرباط لبدء خطة ترحيل آلاف الأطفال غير المصحوبين المنتشرين في المدن الفرنسية؛ ذلك أن قنوات التواصل مفتوحة بين الجانبين، وتمضي إلى مزيد من التفاهم بشأن هذا الملف الذي تريد الرباط حسمه في أقرب وقت ممكن.

وطالبت فرنسا المصالح القضائية والأمنية المغربية بالحصول على معلومات بشأن هؤلاء الأطفال من أجل اتخاذ خطوات عملية لتسهيل عودتهم إلى المغرب، بحيث ستنطلق هذه العملية خلال الأشهر المقبلة وستهم عددا من القاصرين الذين هاجروا بطريقة غير شرعية إلى فرنسا.

وجدد المغرب وفرنسا رغبتهما في “تسهيل” عودة القاصرين المغاربة غير المصحوبين بذويهم. ورحبت مذكرة دبلوماسية مغربية بـ “التعاون النموذجي” مع فرنسا القائم على الاحترام المتبادل، مع إشارة واضحة إلى إسبانيا في سياق دبلوماسي متوتر: “لسوء الحظ، هذا النهج لا يخص بعض البلدان التي تستمر في تبني نهج اللوم”.

وتشير المصادر إلى أن هناك وارتياحا في فرنسا لمستوى التعاون والتنسيق في هذا الملف بسبب أن المجتمع الباريسي كان يعاني منذ سنوات من ظاهرة انتشار القاصرين المغاربة الذين كانوا يأتون عبر شبكات الهجرة ويصلون إلى باريس وضواحيها. وتضيف المصادر أنه كانت هناك مواقف سياسية تندد بالظاهرة وتطالب بمساءلة المغرب بشأن هذا الملف، ومع ارتفاع مستوى التعاون وتجاوب المغرب عبر قرار ملكي في هذا الشأن عادت الأجواء إلى طبيعتها.

وتعتبر المصادر المغربية أن القرار الملكي جاء في وقت كانت إسبانيا توظف فيه ورقة الهجرة لتشويه المغرب وتقدمه على أساس أنه يمارس ابتزازا سياسيا على الطريقة التركية على دول الاتحاد الأوروبي، وجاء القرار الملكي ليصحح هذه المغالطات وليطرد هذه الأفكار المسبقة التي باتت تتشكل لدى بعض شرائح الرأي العام الأوروبي. وانتهت المصادر إلى أن المغرب منخرط بشكل جدي في معالجة إشكالية الهجرة والمشاركة في إيجاد الحلول لهذه القضايا، وأن القرار الملكي سحب البساط من تحت أقدام قوى اليمين المتطرف التي كانت تحاول استغلال الظاهرة لتحقيق اختراقات في الرأي العام الفرنسي، خاصة خلال هذه المرحلة الانتخابية بامتياز”.

العدد 118 / تموز 2021