رفقا بالتاريخ … يـادكــتور

عن (مذبحة القلعه وحركة التصحيح) بصحيفة المصري اليوم

لا اتعقب الدكتور مصطفي الفقي في كتاباته،ولا اتعمد التعقيب على  ارائه، ولكني فقط اتابعه كواحد من قرائه، حتى وان كان يصدمني احيانا في بعض اجتهاداته ،وكما وصفني أنني لا احتمل كلمة واحدة عن عبدالناصر،فانني بالفعل لا احتملها ولكن فقط ممن احترمهم واجلهم وهو واحد منهم ،ليس لموقعك يا دكتور(مدير مكتبة الأسكندرية)ولكن احتراما لمكانتك الفكرية وثقافتك الراسخة والمتنوعه .اما الآخرون فان قناعتي بهم ،انهم لايزيدون عن كونهم من سواقط المتاع . ولذلك اقوم بالرد عليك اليوم في مقالك بجريدة ( المصري اليوم) تحت عنوان ( من مذبحة القلعه الى حركة التصحيح)،وان كنت قد ذكرت في ثنايا المقال أن الرئيس انور السادات قد اطلق عليها ( ثورة التصحيح) في 15 مايو عام 1971، واذكرك انه لم يكتف بذلك التوصيف ،وانما أنشأ مدينه اسمها (15 مايو)  ،ثم كوبري باسم

محمد علي باشا
قام بتأسيس مصر وفق قواعد القرن التاسع عشر

(15 مايو) هو احد الجسور التي تربط القاهرة بمحافظة الجيزة ،ثم ردد بعض المنتفعين أوالموتورين من الحكم الناصري امثال الشاعر عبدالرحمن الشرقاوي والدكتور مصطفى ابوزيد فهمي ان الرئيس انور السادات قد اسس بذلك ( ثورة التصحيح ) الجمهورية الثانية ،وقد اصبح الأول رئيسا لتحريرمجلة (روزا اليوسف)وكانت ابرز الصحف السياسية واكثرها انتشارا،وأصبح الثاني في منصب ( المدعي العام الأشتراكي) ،وقد قام بصياغة الأتهام فيما يسمى قضية ( المؤامرة)بعد ان تنحت النيابة العامه حيث لا توجد قضية. وكانت تهمة ( الخيانة العظمى) هي الاتهام الذي واجهته مجموعة من الوزراء، وكان كل ماارتكبوه هو( الأستقالة) فقط ، اما بقية من وجه لهم الاتهام ،فكان الأشتراك في الخيانة العظمى ،وشكلت لهم محكمة خاصة وفي ظلال (النظام الديوقراطي) الذي تم التبشير به قام الرئيس الديموقرطي بحرق بعض الاشرطه بادعاء انها شرائط تسجيل لمكالمات خاصة لبعض الشخصيات ،وذلك في عرض مسرحي مثير،وايضا رفع شعار (دولة العلم والايمان) .وقد رأينا بالفعل كيف انتهت دولة (الديموقراطية) بأكبر حركة اعتقالات في تاريخ مصر الحديث (اعتقالات سيبتمبر1981) شملت كل النخب المصرية من سياسيين وحزبيين ومثقفين وقيادات سياسية ودينية وعماليه ،وشهدنا ايضا دولة (العلم والايمان) التي استشرت فيها السلاسل والجنازيرالتي يتعامل بها رجال الجماعات الدينية الذين اطلق لهم الرئيس السادات العنان وقام بتسليحهم لمطاردة قوى اليسار عموما  والناصريين خصوصا ،واستخدموا تلك الأسلحة في التعامل معهم خصوصا في الجامعات  ،وانتهى بهم الامر في النهاية الى القيام باغتيال الرئيس السادات (الرئيس المؤمن) نفسه كما كان يطلق عليه اعلاميوه في عرض عسكري كبير .  الغريب بعد كل ذلك ان رجلا في مكانتك يا دكتور مازال يذكر ذلك اليوم البائس في تاريخ مصر والعرب ،وفي مقال يتضمن الحاق اسم الرئيس السادات ( هكذا ..!) بأكبر عملاقين في تاريخ مصر الحديث  وهما (محمد علي) و( جمال عبدالناصر) !!ّ!. انطلت فكرة ( ثورة التصحيح) تلك على بعض الكبار من التيار الماركسي مثل الدكتور فؤاد مرسي فقبل تعيينه وزيرا للتموين،قبل ان تتم الاطاحة به بناء على طلب تجار شارع الشواربي للبضائع المستوردة ،والدكتور اسماعيل صبري عبدالله الذي قبل تعيينه وزيرا للتخطيط، وقد تمت الاطاحه به ايضا ليلحق بالدكتور مرسي ، اما الدكتور عزيزصدقي الذي يلقب بابو الصناعة المصريه في العهد الناصري ،والذي اصدر بيانا في منتصف ليل 13 مايو عام 1971 لدعم الرئيس السادات ضد دعاة الفتنه، كما ذكر،فقد قدر الله له ان يعيش ليرى بنفسه تصفية المصانع التي سهر عليها ،وهي تباع جهارا نهارا ،امام عينيه. ناهيك عن الكاتب الكبير لطفي الخولي ،الذي كتب عدة مقالات اثناء فترة حكم الرئيس السادات تحت عنوان (مدرسة السادات السياسية ) ،وحين لقيته في لندن ذات يوم وسألته عن تلك المقالات ،قال انها لم تكتمل ،و لذلك من حقك ان تسيئ الظن بها،ولكنه حين عاد الى مصر انضم الى حركة تطبيع مع الكيان الصهيوني ( جماعة كوبنهاجن) ويتزعم الحملة معه الدكتور عبدالمنعم سعيد ،واتذكر مواجهات قام بها ضد هذه الحركة وضدهم شخصيا الراحل الكبير الكاتب سعد الدين وهبه .

 في قرنين من الزمان

محمد علي وجمال عبدالناصر

   تستهل مقالك يادكتوربالعبارات التاليه ( استهوتنى المقارنة بين الوالى محمد على باشا وبين الرئيسين جمال عبد الناصر وأنور السادات، كل على حدة، واكتشفت أن هناك أوجه تشابه مع كل منهما) واقول لك يا دكتور ان هناك من سبقك الى هذا التشبيه- بلا انور السادات (بالطبع) –  تحت عنوان ( في قرنين من الزمان محمد علي وجمال عبدالناصر) كتب هذا المقال الأستاذ الجليل الراحل ( احمد بهاء الدين ) في جريدة الاهرام في الذكرى الثانية تقريبا لرحيل الزعيم الخالد .قال الاستاذ الجليل احمد بهاء الدين : عاش محمد علي الكبير ثمانين سنة( 1769-1849 )

الزعيم الراحل جمال عبدالناصر
اعاد تأسيس مصر وفق قواعد القرن العشرين

حكم منها مصرثلاثة واربعين عاما (1805-1848). وعاش جمال عبدالناصر52سنه (1918- 1970) حكم منها مصر ثمانية عشر عاما (1952- 1970)أكثر قليلا من ثلث المدة التي حكم فيها محمد علي .وفي خلال هذين القرنين من الزمان ( 1769-1970) اللذين ولد وعاش ومات فيهما محمد علي وعبدالناصر كانا هما اكبر علامتين في تاريخ مصر والمنطقة العربيه ،وكانا كلاهما – كل بمنطق عصره – قمتي المحاولتين الجبارتين في مجالين . اولهما: محاولة انتشال هذه الأمة من وهدة التخلف واللحاق بالعصر. ثانيهما: محاولة ان تقف مصر – والمنطقة – على قدميها وبارادة مستقلة في مواجهة عالم خارجي قوي لا يريد ان يسمح بذلك.يبقى مجال ثالث لم يدركه محمد علي وادركه عبدالناصروبمنطق العصر الذي ظهر فيه وهو العدل الاجتماعي .وان المرء ليذهل لأوجه الشبه بين نضال كل منهما وعمله وطموحه ودوره في حياة مصر، بشرط ان يدرك فارق المئة سنة التي تفصل بينهما وان لكل عصر لغته وقيمه ووسائله – ومفاهيمه – ازاء اسرع مائة سنة من التطور في حياة العالم .يستطرد الاستاذ الجليل فيقول كلاهما واجه تحديات متشايهة ،في ظروف مختلفة ،وتحت اسماء ،متباينة،ولكن اطارهما العام فيه ملامح اساسية مشتركة..

ثم يقوم الاستاذ الجليل بشرح وتعداد التحديات المتشابهه قبل ان يقول{ بعد مائة سنه بالضبط من اعتزال محمد علي الحكم ( 1848) وبعد ان اتم صياغة مصر في صورة الدولة التي نعرفها ،كان الضابط الشاب جمال عبدالناصر ( 1948) في حرب فلسطين تتبلور في ذهنه بشكل نهائي فكرة ثورة جديدة ومشروع صياغة جديدة لمصر.ثم يضيف والدرس الكبير ليس في ان هناك شبه ما بين (الشخصيتين)فالفروق كبيرة هنا ،والخلفية التي جاء منها كل منهما مختلفة تماما ،ولكن وجوه الشبه التي صادفها كل منهما ،والتحديات التي حاول ان يتغلب عليها ،هذا هو الدرس الكبير ،لأنها ظروف مستمرة الى حد بعيد ،متصلة بمكان هذ الوطن وهذه الامة من خريطة العالم سياسيا وجغرافيا وحضاريا على السواء. يستطرد الأستاذ الجليل في تناول التحديات والانجازات التي صاغت الدولة المصريه في القرن التاسع عشر ،ثم اعاد عبدالناصر صياغتها وفق قواعد القرن العشرين في عرض ممتع واخاذ,

فماذا حقق الرئيس انور السادات يا سيدي ؟

رؤية الدكتور مصطفى الفقي

يذكر الدكتور مصطفى الفقي ان عبدالناصر عصف بالقيادات الدينيه مثل محمد علي حين عصف بالمشايخ الذين نصبوه ونفي السيد عمر مكرم،وعبدالناصر- ياسيدي –  لم يتطوع بالعصف بجماعة الأخوان الا بعد ان حاولت اغتياله بالاتفاق مع الرئيس نجيب ،الذي تعهد بتهدئة الجيش ان ثار لأغتيال عبدالناصر. لقد حاول عبدالناصر ان يتعاون مع هذه الجماعة،والدكتور يعرف انه استثناها من قانون الغاء الأحزاب وابقاها باعتبارها (جمعية) وليست (حزبا)وكتب حينها  الكاتب الكبير الراحل (محمد التابعي) مقالا في جريدة (اخبار اليوم ) بعنوان (خيار وفقوس في مجلس قيادة الثورة) ينتقد فيه قرار استثناء جماعة (الأخوان) من قرار حل الاحزاب،و الأكثر من ذلك ان عبدالناصر  ذهب الى زيارتهم في مقرهم بمنطقة الحلمية ،وبادروه بالهتاف( الله اكبر ولله الحمد ..لا حكم الا بالقراّن..لا حكم الا

الاستاذ الجليل احمد بهاء الدين
شهادة لا تشوبها شائبة

بالقراّن)،ووقف جمال عبدالناصر منتصب القامة ليهتف  ايضا (لا حكم الا بالقراّن) ثم أردف اليس محاربة الفساد حكم بالقراّن،اليس تحقيق الحرية والاستقلال حكم بالقراّن،اليس تحقيق العدل الاجتماعي حكم بالقراّن،اليس محاربة الفقر حكم بالقراّن)وران الصمت ازاء كلماته ومنطق كلامه، هذه الزيارة مصورة ومعروضه ،شأنها شأن خطابه الذى روي فيه حواره مع المرشد ومطالبة المرشد له بارتداء المرأه الحجاب الخ .ثم حاول عبد الناصر بعد عدة سنوات ان يعود بهم الى بداية جديدة باطلاقه سراح المسجونين واعادتهم لوظائفهم وترتيب اوضاعهم، لكنهم عادوا للتخطيط لفكرة  اغتياله من جديد وتدمير المنشاّت والجسور في القضية الشهيرة بسيد قطب عام 1965،وكان لا مفر من العودة بهم للسجون مرة اخرى دون ان تكون لديه اي نية مسيقة للعصف بهم . ثم وللتاريخ لماذا لا يذكر احد ماذا صنع العهد الملكي مع الاخوان ،اليس الملك من قتل المرشد الأول حسن البنا بواسطة القلم السياسي في وزارة الداخلية ،وعبدالناصر هو من قدم القتلة للمحاكمة،وماذاصنع رئيس الوزراء ابراهيم عبدالهادي بهم بعد اغتيال النقراشي ووسائل التعذيب لهم والقصة الشهيرة عن ( العسكري الأسود)! وقد تحدث عنها يوسف ادريس في احدى رواياته. وتلك احدى القضايا التي لا يتطرق اليها احد ،ممن يتغنون بالعصر الليبرالي زمن الحكم الملكي وينسون تماما الثالوث الرهيب الذي يدمغ ذلك العصر ( الفقر والجهل والمرض).!!

الرئيس السادات كما يراه الدكتور الفقي

يقول الدكتور نصا عن الرئيس السادات { يجب أن نعترف بأنه وإن لم يملك كاريزما عبد الناصر،إلا أنه كان يملك رؤية بعيدة فى التعامل مع القوى الغربية،جعلت منه رجل دولة من طراز رفيع على نحو لم يسبقه فيه إلا محمد علي}.هنا اعود للأستاذ الجليل (احمد بهاء الدين) واشير الى ماكتبه في  يناير 1970

في مجلة المصور تحت عنوان (لماذا التركيز على عبدالناصر؟) واقوم بتلخيص المقال من الذاكرة   { كان عبدالناصر هو من تصدى لكل المشروعات الغربيه الاستعمارية ومحاولات  الهيمنه على المنطقة بداية من تصفية قواعدها العسكرية مرورا  بحلف بغداد ثم مشروع ايزنهاور الى الحلف الاسلامي اضافة للحروب التي خاضها والدعم العسكري الذي قدمه من اجل حركة التحرر ،واليوم وبعد وقوع النكسه ،ما زال يتمسك بنفس السياسات المعادية للنفوذ الغربي ،واعلانه الضفه قبل سيناء والجولان قبل سيناء والقدس قبل سيناء ،تأكيدا لمفهوم وحدة الأمن القومي العربي،وخوضه لحرب الاستنزاف  ،واكثر ما يثير القوى الاستعمارية الآن ان الرجل الذي كان ممسكا بكل تلك الخيوط وهو منتصر،مازال يمسك بها وهو غير منتصر،ولذلك تشتد الحملات الغربيه عليه حتى الآن }. عاد الاستاذ الجليل احمد بهاء الدين فنشر نفس المقال في الاسبوع الاول لرحيل عبدالناصر وقال في بداية المقال نشرت هذا المقال في حياته ،ولم اجد ما اكتبه عنه بعد رحيله سوى نفس المقال الذي تحدثت فيه عن دوره ،وهو على قيد الحياة .هذا عن عبدالناصر وفق شهادة الاستاذ الجليل احمد بهاء الدين يادكتور مصطفى ،فماذ قال نفس الاستاذ الجليل عن الرئيس السادات ؟. هنا اعود الى كتاب ( محاوراتي مع السادات) بقلم احمد بهاء الدين ص 68 وانقل نصا قال الرئيس السادات مخاطبا احمد بهاء الدين  { انني اعتقد ان مثلي الاعلى بين كل زعماء العالم الثالث هو شاه ايران ؟ يقول الاستاذ بهاء  وابديت دهشتي الشديدة بالطبع وتساءلت عن الاسباب فاستطرد السادات قائلا : زعماء عدم

الدكتور مصطفى الفقي
مدير مكتبة الاسكندريه – رفقا بالتاريخ

الانحياز بتوعك الذين ملئوا الدنيا ضجيجا منذ سنوات نهرو ..وسوكارنو..وحتى عبدالناصر ..وحتى تيتو اللي لسه عايش ..اين هم الآن ؟ راحوا فين ؟ اللي مات واللي انهزم واللي راح في انقلاب واللي انكمش داخل حدوده زي تيتو !واحد فقط من هذا الجيل وهذه المرحله كلها باق في مقعده ،بكل سلطانه وهيلمانه ..والدنيا تسعى اليه ،هو شاه ايران. يمضي الأستاذ بهاء الدين في القول،وقبل ان التقط انفاسي استطرد يقول في حماسة.ان السبب بسيط كل هؤلاء تصوروا ان في العالم قوتين عظميين هما روسيا وامريكا وحاولوا التعامل معهما على قدم المساواة والحقيقه غير ذلك تماما فهناك دولة عظمى واحده هي امريكا ،وروسيا ليست حتى دولة عظمى ثانية ،انها تأتي بعد امريكا بعشرة او بعشرين درجة وبعدهما دول اوروبا واليابان وان شاه ايران هو الوحيد الذي ادرك هذه الحقيقه قام عمل ايه( قعد على حجر امريكا ومسك في هدومها ) ألخ يعقب الأستاذ بهاء بالقول ( هذا الكلام الذي سمعته من السادات ظل من يومها محفورا في ذاكرتي كالنقش على الحجر .انه ليس كلاما عابرا لقد وجدت فيه من ساعتها اول شرح كامل لفلسفته السياسية ولرؤيته للعالم ،وكان هذا الكلام مؤشر واضح وصريح وقوي ،جعلني اتوقع اتجاهات السادات المقبله

( كان ذلك في اوائل عام 1974 كما ذكر الاستاذ بهاء)

كلمه قبل النهاية

لم تكن نكسة عام 67  يادكتور هي السبب فيما نعانيه الآن مع قسوتها ،ولكن كان السبب هوتغيير السياسات من ارادة وطنية خالصة الى 99% من الحل في يد امريكا  كما يرى الرئيس السادات ،اما الارادة الوطنية مع اي عوامل اخرى فلم يكن لها نصيب سوى 1% ،و كان نموذجه ومثله الاعلى شاه ايران ،والجلوس على الحجر الامريكي والامساك بهدومها. احمد بهاء الدين لم يكن مجرد كاتب كبير أو مفكر عظيم ،ولكنه في المقام الأول كان ( كاتبا نظيفا وعميقا) وشهادته لا تشوبها شائبه . ونرى في جنازة الرئيس السادات ان من شيعه كان قيادات الغرب ومنهم رؤساء سابقون لأمريكا بالأضافة الى مناحم بيجين.اما شعبه فقد قاطعها، بينما جنازة عبدالناصر قد شيعها الملايين من شعبه ومن ابناء الامة العربيه ودول العالم الثالث كما نكس ثوار فيتنام اعلامهم حدادا .  يادكتور رفقا بالتاريخ

* امين الغفاري

العدد 119 / اب 2021