التشكيليّة السعودية منيرة الصالح العنزي

“الخيال هو أول طريق الإبداع” 

من الرياض – رنا خير الدين

يساورك عند اللقاء الأول معها في مرسمها قائم في حديقة منزلها شعوراً استثنائياً في استنباط مفاهيمها الفنية وقولبة التشكيل عندها. التشكيلية السعودية منيرة الصالح العنزي، تضفو على حافة واقعها وخيالها في آنٍ، لديها سعيٌ خاص نحو الفنّ لا تشاركه مع أحد، تحب التفاصيل وتبتعد عن الضوضاء قدر الإمكان لتسكن في عالمها الهادئ الزاخم  في الحكايات والرموز الشعورية، الذكريات، المستقبل حتى أنها تعطي مساحة كبيرة من أعمالها للجمالية في كل تفصيل، وتعبّر عن مكنونات الإنسان بطرقها الخاصة والعفوية، فهي دقيقة في التشكيل وطبيعية في التعبير لا يمكن السيطرة على نشاطها ولا تكهّن بما يحوم في مخيلتها.

ذلك الزخم الفني المتناثر على جدران منزلها يضفي دفء لزائريه، فهنا تجد لوحة تشكيلية لامرأة مقنعة، ذات وجه غامض لا يمكن التعرف عليه وهناك تجد رسومات تاريخية ولوحات للتراث السعودي المتمثل باللباس الشعبي

التشكيليّة السعودية منيرة الصالح العنزي

والأبواب القديمة المنقشة، إضافة إلى ذلك يبرز في منزلها حبّها لأعمالها وشغفها في حضور الفنّ أينما حلّت.

التشكيلية منيرة الصالح العنزي حاصلة على دبلوم في التصميم الداخلي من معهد شيلفد، وماجستير في تطوير المناهج وطرق التدريس من جامعة كانسس ستيت، بكالوريوس في التربية الفنية من جامعة الملك سعود. اضافة إلى أنها معلمة فنون. عضو في منظمة “NAEA” في أميركا، عضو في منظمة الحرفيين “FAA” في أميركا، كما لها مشاركات عديدة في معارض مشتركة وفردية عالمياً.

تنوعت استخداماتها التشكيلية بين الألوان الزيتية، ثم الاكرليك إلى ما يسمى مزيج الوسائط أو ما يعرف (mix media) حتى أنها رسمت بالكلوركس.

تتجه العنزي كثيراً إلى فنّ الميكس ميديا (mix media) الذي يبرز بقوة في لوحاتها، إلى أنها أضفت عليه شيئاً من روحيتها حتى يتمكّن متذوقوا الفنّ من تمييز أعمالها عن سواها، فهي تعتبر أن لديها شغفٌ غير مسبوق في التقديم والمحتوى.

عن سؤالها عن زخم الألوان في أعمالها تقول: عشق الفنان ألوانه، فلا حياة بدون ألوان، لا تعبير من دون ألوان، إن أردت التعبير عن الحزن أميل إلى الألوان الترابية، وإن مالت لوحتي للفرح أذهب إلى اختيار ألواناً أكثر ابتهاجاً. ليس هناك لون فرح وآخر حزين، نحن من نرسّخ عمّا تعبّر عنه الأداة من خلال محتوى، التعبير والرموز، حيث يمكن أن تكون اللوحة باللون الأسود والرمادي وهي تعني ولادة جديدة وحياة! لا داعي إلى تقييد اللون بل الانسياق وراء الشعور الكامن من الفنّ ولتتناسب الألوان تلقائياً في فلك اللوحة.

 اعتمدت العنزي في تشكليها على وجوه النساء، وخصصت العيون بوضوح في أغلب لوحاتها، وتقول عن ذلك أن أكثر ما يلفتها في وجه الإنسان هي عيونه، بحيث تميز ما بداخله وتصنّفه من نظرته. وتضيف: الفنان دائم الشعور بالآخر وتشدّني العيون الحزينة المليئة بالكلام السرّي غير المباح، وبذلك يكون للعيون روحانية مرنة في التفصيل والتشكيل لدي. أما بالنسة لصور النساء، فالنساء مرآة الجمال والأنوثة، وعيون المرأة غالباً ما تدل عن الحقيقة في داخلها، لذلك ببساطة اخترت النساء لأنهن صلة الخصوبة والحياة وسر من أسرار الدنيا.

 ما هو فنّ مزيج الوسائط؟

استخدامها لفنّ مزيج الوسائط أثار فضولي في المعرفة، عنه. فهو نوع من أنواع الفنّ المرئي، يُستخدم فيه أكثر من وسيط أو مادة. تعدّ التجميعات والكليات عبارة عن مثالين شائعين للفنّ بجمع وسائط ومواد مختلفة بما في ذلك القماش والورق والخشب والأشياء الموجودة. أول عمل فنّي حديث يمكن اعتباره وسائط مختلطة هو مجموعة “الحياة الساكنة” من بابلو بيكاسو لعام 1912 مع الضرب بالعصا، والتي استخدمت الورق والقماش والطلاء والحبل مما تسبّب في تأثير زائف ثلاثي الأبعاد. تستمر الوسائط المختلطة في كونها نموذجًا شائعًا للفنانين، مع استكشاف أشكال مختلفة مثل الوسائط الرطبة والعلامات.

كما اتسم النصف الثاني من القرن العشرين بالتغيرات السريعة والمتلاحقة في كل مجالات الفنون وغابت الحدود والفواصل بينها. وأصبح الفنّ التشكيلي في خضم من التفاعلات والتداخلات. أدى ذلك إلى ظهور أنواع جديدة من الفنون مثل: الأوب آرت والكينيتك آرت، والعمل التجميعي في الفراغ، البيرفورمانس. ومع التطور التكنولوجي الهائل وتطور استخداماتها في الفنون ؛ أصبح استخدام التكنولوجيا المتطورة سمة متكررة في الأعمال الفنية، مثل في: فن الصوت “sound art”، والفيديو، والرسوم المتحركة “moving images”، والتفاعل المباشر “interactivity” . كل هذا التطور أدى إلى ظهور فن الوسائط المتعددة “Multimedia art” الذي يجمع بين الفنون البصرية والفنون الأخرى مثل الدراما والأدب والرقص، والسـينما، أو الموسيقى بحسب مدونة “SSRN”.

أنواع الميكس ميديا:

  • الكولاج: يتضمن الجمع بين مواد مختلفة مثل الأشرطة ومقتطفات الصحف والصور وما إلى ذلك لإنشاء كل جديد.
  • التجميع: هو عبارة عن متغير ثلاثي الأبعاد للصورة المجمعة مع عناصر بارزة داخل أو خارج ركيزة محددة، أو ترتيبات ثلاثية الأبعاد تمامًا للأشياء أو المنحوتات.
  • فنّ الكائن الموجود: هذه الأشياء التي تم العثور عليها واستخدامها من قبل الفنانين ودمجها في الأعمال الفنية بسبب قيمتها الفنية المتصورة.
  • الكتب المعدلة: هذا شكل محدد حيث يعيد الفنان استخدام الكتاب عن طريق تعديله أو تغييره ماديًا لاستخدامه في العمل. ويمكن أن يتضمن ذلك قصّ الصفحات ولصقها فعليًا لتغيير محتويات الكتاب أو استخدام مواد الكتاب كمحتويات لقطعة فنية. كل هذه الأنواع استخدمتها العنزي على فترة طويلة وتعرضها في منزلها الكائن في الرياض.

التراث السعودي في تشكيلها!

حرصت العنزي دوماً، بحسب قولها، في كافة أعمالها ومعارضها وتدريسها على ابراز التراث السعودي والزخرفة الشعبية. حيث تأثرت بالأبواب القديمة الشعبية والنقوش الخشبية من الحقبة السابقة، بالتالي مالت إلى التعبير عن زحمة التفاصيل وحجمها وهندستها المعمارية، وتقول عن ذلك: تصميم الأبواب التراثية القديمة المزخرفة لها في داخلي شغف في التطبيق، فهي رافقتني بذاكرتي وأسعى دوماً إلى تصويرها في اللوحات. فهناك الباب المسماري والمقطّع، وأبو صاير وباب بوخوخة، والباب البغدادي والبادوري وغيرها.

“الكلوركس”… من الظلّ إلى النور

منذ عام 2005 تواظب العنزي على استخدام الاكريليك وتوقفت عن الرسم بالألوان المائية والزيتية، خصوصاً بعد سفرها إلى أميركا، حيث شكّلت هذه الفترة فاصلاً في حياتها الفنية، ثم تعرفت على الرسم بالكلوركس وتقول عن التجربة: للوهلة الأولى يصعب استيعابه كفنّ، لكنني أقول عن هذا النوع أنه السهل الممتنع بحيث خيارات اللون محدودة، والخطأ يشوّه الرسمة. يحتاج هذا النوع إلى الدقّة والتكنيك، ولا يستهويه الجميع من ناحية الخامة الحساسة والمخاطرة فيه. ولا بد من الإشارة  أنه لا يمكن ادخال أي أدوات أخرى معه، ويصبح الرسم فيه تطبيق الظلّ لإعطاء النور للصورة لا العكس كما هو في الواقع، وهنا تكمن الصعوبة في تطبيقه، لكنه من الجميل استخدامه طالما يتم معالجته على اللوحة بتقنية عالية ودراية بدرجات الألوان لتحديد بدايتها ونهايتها.

وعن سؤالها ما الذي يترك بصمة الفنان، أسلوبه أم روحانيته في التطبيق، تقول عن ذلك: اختيار موضوع اللوحة يحدّد شخصية راسمها لكن الروحانية التي فيها تعطي عمله الفني زخم من المشاعر وتترك أثر لدى متتبعي الرسم والتشكيل، لكن خاصية الفنان تكون بالتقنية العالية في الأداء والتصوير، فكلما كانت التقنية على المستوى الجيد كلما أثارت فيض من المشاعر والذكريات. والتفاصيل في بعض الأحيان تكون أهم من اللوحة ككل، وتميز الفنان عن آخر، لذلك أعطي التفاصيل أهمية كبيرة وأسمح لنفسي في الولوج في عدة مواضيع في لوحة واحدة، ففي لوحة أعبر عن الحزن والقوة والتضحية في آنٍ وفي أخرى أبرز الجمالية فقط، كل لوحة تقودني إلى مكان وشغف مختلفين.

المجتمع السعودي والفنّ!

تطور المجتمع السعودي فنياً في مجالات الرسم والنحت والتصوير وفتح باب المواهب الفنية ساعدها كسواها على الانسياق أكثر في الفنّ من خلال التعبير والتصوير في الفكرة والتطبيق، بحيث باتت المفاهيم تبرز من خلال إعطاء المرأة حرية في الطرح والتقديم للفنون الحديثة. وعن المرأة السعودية تقول: المرأة السعودية مناضلة، استطاعت من وسط البيئة المحافظة ابراز نجاحها وكفاءتها وقدرتها على التأقلم مع الظروف والتطورات الطارئة بشكل ملحوظ، ويميزها نضالها الدائم في اثبات هويتها وتراثها في المجالات المختلفة رغم التحديات بعيداً عن الضعف والتبعيّة.

العدد 120 / ايلول 2021