عن عمر الشريف والحضور “الشامي” في مصر

محمد علي فرحات

لا يخلو الذباب الالكتروني من تكرار القول ان الممثل الراحل عمر الشريف يهودي الديانة، وحينما تأتي الردود بأنه مولود لعائلة مسيحية كاثوليكية تعود أصولها الى دمشق عاصمة سورية، يحاول الذباب الالكتروني ان ينسب يهوديته الى الأم، وذلك غير صحيح فأمه وأبوه مسيحيان، وهو أعلن اسلامه في حياتهما، على رغم صعوبة ذلك في العائلات العربية التي يشكل الدين بالنسبة اليها انتماء عصبياً أكثر مما هو طريق عبادة.

أعلن عمر الشريف (ميشال شلهوب) اسلامه أوائل خمسينات القرن الماضي وفي أواسط ذلك العقد تزوج من الممثلة فاتن حمامة بعد قصة حب مشهودة، وكان له حضور بارز في السينما المصرية تلاه حضور في السينما الفرنسية

عمر الشريف

والأميركية، وقد أهلته لذلك خلفيته التعليمية الراقية في الإسكندرية وكونه يتقن اللغتين الفرنسية والإنكليزية فضلاً عن العربية لغته الأم ولغات أخرى المّ بها في حياته الصاخبة في عواصم العالم.

ما يهمنا هنا هو ولع الذباب الالكتروني، خصوصاً في مصر، بنسبة شخصيات فنية واقتصادية الى الديانة اليهودية من باب التشكيك فيها، وقد حدث ذلك بعد انشاء دولة إسرائيل عام 1948 وتبدل النظرة الى المواطنين اليهود العرب، لأن الدولة العبرية كانت ولا تزال تدعي تمثيلهم وتعتبرهم مواطنين مدعوين ل “العودة” الى “وطنهم القومي” إسرائيل، ولم تنجح نضالات اليهود الديمقراطيين، المثقفين وغير المثقفين، في تغيير تلك النظرة لدى عامة العرب. لكن الكتلة السكانية اليهودية في مصر لم تغادر وطنها مع قيام إسرائيل بل بقي معظمها مقيماً الى جانب كتل أخرى ذات أصول غير مصرية مثل الشوام (غالبية لبنانية وأقلية سورية وفلسطينية وعراقية) واليونانيين والايطاليين وغيرهم. لقد غادر معظم هؤلاء مصر بعد التمصير الذي أقره مجلس قيادة الثورة، لكفّ يد المصريين غير الأصليين عن معظم الأعمال التي يتولونها، وقد كان قراراً خاطئاً لأن “الشوام” وسائر المتمصرين ذوي الأصول الأجنبية لم يمثلوا الرأسمالية كما رأى التحليل الناصري آنذاك، انما كانوا يمثلون الطبقة الوسطى التي كانت تدير المؤسسات في المدن المصرية. في حين كانت غالبية الرأسماليين من المصريين الأصليين.

وبتطبيق التمصير حدثت الهجرات الكبرى للمتمصرين وبينهم “الشوام” واليهود، وتسبب ذلك بانتكاسة لمصر عالجها عبدالناصر لاحقاً بقرارات اشتراكية متسرعة خفضت مستوى الأداء التعليمي والاقتصادي ما أدى الى تراجع مصر اجتماعياً وثقافياً واقتصادياً، وأوصلها الى ما وصلت اليه من مآزق.

وبالعودة الى تعليق الفشل على من تبقى من المتمصرين، والميل الى نسبة مثقفيهم واعلامهم تعسفاً الى الديانة اليهودية. يرد اسم الكاتب المصري الفرنكفوني البير قصيري الذي عاش معظم حياته في فندق متواضع في باريس، وهو مسيحي أرثوذكسي تعود أصول عائلته الى بلدة القصير السورية القريبة من حدود لبنان الشمالية الشرقية. وهناك سامي الشوا العازف المجدد وهو سليل عائلة كاثوليكية من مدينة حلب. وما يلفت النظر نسبة عائلة صيدناوي التي تملك محالاً تجارية شهيرة وسط القاهرة الى الديانة اليهودية، علماً ان هؤلاء مسيحيون أتوا الى مصر من بلدة صيدنايا السورية القريبة من حدود لبنان الشرقية والتي تضم الى الان ديراً شهيراً يعود بناؤه الى الامبراطور البيزنطي جوستينيان.

ان التعريض بالأشخاص عبر نسبهم الى الديانة اليهودية يغرف من بئر جماعة الاخوان المسلمين التي تشيطن الأديان الأخرى، في حين ان الحكمة والواقع والمسار التاريخي تقتضي الفصل بين ديانة الشخص وتوجهاته السياسية، فليس كل يهودي عنصرياً اسرائيلياً بالضرورة ولا هو عدو بولادته لأم وأب يهوديين. ان العداوة تنشأ عن موقف سياسي لا أكثر ولا أقل. وقد تميزت المجتمعات العربية، خصوصاً في المشرق بالتنوع الديني والعرقي، ولم يمنعها ذلك من تقديم نموذج حضاري على رغم محطات حروب تسببت بخراب وتراجعات. وهنا لا بد من ملاحظة وجود مركزية مصرية ناتجة عن ثقل المجتمع وعراقته. لكن المصريين من حيث كونهم مركز العرب وشمال أفريقيا مدعوون للعب دور عاصمة المنطقة وليس الانقطاع عنها وصم الآذان عن سماع نداءاتها.

مصر مكتفية بذاتها. هذه حقيقة. لكن الوجه الثاني من الحقيقة هو ان مصر تؤكد اكتفاءها بلعب دور المركز الذي أعطي لها وحدها في المنطقة. وأول هذا التأكيد هو الابتعاد عن خلط الاشاعة بالمعلومة التاريخية أو الثقافية، وقد كان للعرب “الشوام” بالتأكيد دور في نهضة مصر الحديثة هو الجسر بينها وبين المنطقة ولا بد من حفظه.

العدد 120 / ايلول 2021