الاتفاق الأمريكي العراقي

الانتقال السلمي لوظائف القوات الأمريكية في العراق

د. ماجد السامرائي

لخص البيان الأمريكي العراقي المشترك الذي صدر في السادس والعشرين من يوليو بعد نهاية جولات الحوار الاستراتيجي الأمريكي العراقي ولقاء الرئيس الأمريكي بايدن لمصطفى الكاظمي طبيعة مهمات القوات الأمريكية التي حضرت للعراق عام 2014 بطلب من الحكومة العراقية إثر اجتياح تنظيمات داعش للأراضي العراقية .

كان وجود هذه القوات خلال معارك داعش فاعلاً من خلال الضربات الجوية ضد داعش كما دعمت وفصائل الحشد الشعبي الذي نتج عن فتوى المرجع الشيعي علي السيستاني , لكن تلك الفصائل تنكرت فيما بعد لذلك الدعم وأعلنت بايحاءات وطلب إيراني بأن القوات الأمريكية هي محتلة يتطلب قتالها عبر الهجمات الصاروخية على السفارة الأمريكية والقواعد التي تستضيف قوات أمريكية . يتذكر العراقيون إن تلك الأحزاب والفصائل المسماة ولائية لطهران لم تكن تعتبر القوات الأمريكية محتلة منذ عام 2003 حتى عام 2011 تاريخ رحيل تلك القوات من العراق بقرار من الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما , اعتبروا المقاومين من الشعب العراقي إرهابيين .

خلال عام وبعد أن أصدر البرلمان العراقي بأغلبية شيعية ورفض كردي سني قرار إخراج القوات الأمريكية انعقدت أربع جولات بما سمي الحوار الاستراتيجي الأمريكي العراقي المستند على اتفاقية الاطار الاستراتيجي الموقعة بين واشنطن وبغداد عام 2008 والتي تحوي بنوداً عدة للعلاقات الأمريكية العراقية في مجالات الاقتصاد والتنمية الاجتماعية والصحية وكذلك الجانب الأمني والعسكري حيث بموجبها تم خروج تلك القوات عام  2011 .

آخر جولة تمت في واشنطن قبيل لقاء مصطفى الكاظمي بالرئيس جوبادين في السادس والعشرين من يوليو الماضي حيث أعلن الرئيس الأمريكي قراره  بانتهاء المهمات القتالية في العراق وفق جدول ينتهي نهاية هذا العام 2021 وتحويل وظيفة تلك القوات الى مهمات دعم استخباري واستشاري , تأكد هذا التعهد وفق بيان مشترك  صدر ذلك اليوم .

المهم إن الجانبين العراقي والأمريكي وقعا اتفاقيات ضمن علاقات الاطار الاستراتيجي خصوصاً في مجال الاستثمار في إنتاج الغاز الذي يعاني العراق من هدر سنوي فيه بحرق ما قيمته 2.5 مليار دولار، وفي مجال الطاقة الكهربائية لإنتاج 30 ألف ميغاواط والطاقة البديلة، وإعادة تشغيل 50 ألف مصنع معطلة منذ عام 2003م وتطوير الزراعة بعد أن تحول العراق من الاكتفاء الذاتي إلى استيراد 92% من احتياجاته الغذائية.

من اللافت إن الرئيس الأمريكي جو بايدن كان يحمل قصاصة ورق بيده خلال مقابلته للكاظمي كتبت عليها ملاحظة يبدو عن كان متعمداً مشاهدتها من قبل كاميرات الصحفيين المتواجدين كتبت فيها ملاحظتان  الأولى : ايران تأخذ بعين الاعتبار وقف الهجمات

والثانية: الولايات المتحدة تستعد للرد على الهجمات .   

تكتسب هذه الاتفاقات أهمية كبيرة بالنظر إلى ما يعانيه العراق من ظروف اقتصادية صعبة فبحسب بيانات البنك الدولي يوجد في العراق نحو 15 مليون شخص عاطل عن العمل و10 ملايين شخص يعيشون تحت مستوى خط الفقر و4 ملايين شخص يعيشون في مدن عشوائية و6 ملايين طفل يتيم يعانون ظروفاً قاسية بسبب الحروب، بالإضافة إلى انتشار الأمية والجهل بين 8 ملايين مواطن، وارتفاع الديون إلى 134 مليار دولار والعجز المالي إلى 100 مليار دولار، وذلك كله بسبب السياسات الفاشلة للحكومات العراقية السابقة التي لم تتبنَّ استراتيجية شاملة لبناء الاقتصاد والمجتمع العراقي , لذا يفترض اليوم اعتماد اقتصاد السوق المفتوح وفسح المجال للاستثمارات الوطنية والدولية للاستثمار في الثروات الطبيعية التي تقدر قيمتها بـ 20 ترليون دولار لكي يتمتع الشعب العراقي بالرفاهية والازدهار بدلاً من الفقر والبطالة والحروب.

كما هو واضح من نصوص البيان الختامي، فإن سحب القوات القتالية الأمريكية الذي سينجز في نهاية عام 2021 لا يعني سحب القوات غير القتالية مثل المستشارين والمدربين والدعم والمساعدة العسكرية، وتطوير القدرات العسكرية للجيش العراقي بصنوفه المختلفة، مثل القوة الجوية والدفاع الجوي، كما ينطبق هذا الموقف على قوات حلف شمال الأطلسي والدول المشاركة ضمن قوات التحالف الدولي التي ستبقي على قوات استشارية غير قتالية مساندة في الجهد الاستخباري والتدريب لرفع جاهزية القدرات القتالية للقوات المسلحة العراقية.

من الواضح أن الحكومة العراقية، عبر تلك الصيغة الخاصة بالوجود الأمريكي في العراق، ترغب في التخلص من ضغوط إيران والجماعات الموالية لها، فقد دأبت طهران عبر التنظيمات الموالية لها في العراق على استهداف القوات الأمريكية في البلاد من أجل تحقيق مجموعة من المصالح الخاصة بها، سواء ما يتعلق منها بالدفع نحو رحيل هذه القوات من العراق، أو من أجل تخفيف الضغوط عليها في الملف النووي، غير أن حكومة الكاظمي لم ترغب في إنهاء الوجود الأمريكي تماماً، وإنما أبقت جانباً منه يتعلق بتقديم الدعم والمشورة والتدريب من أجل رفع قدرات القوات العراقية في مواجهة التهديدات التي تتعرض لها البلاد.

ردود الفعل حول الإعلان الأمريكي العراقي   

قوبل إعلان سحب القوات الأميركية القتالية من العراق بترحيب قوى سياسية عراقية عدة بينها من حلفاء إيران، إلّا أن فصائل مسلحة هددت بمواصلة الهجمات، معتبرة أن ما جرى مجرد تغيير مسمى القوات من قتالية إلى استشارية.

أبرز تكتل شيعي يشكل الواجهة السياسية للفصائل المتحالفة مع إيران “تحالف الفتح” برئاسة رئيس منظمة بدر الموالية لإيران هادي العامري وصف “خروج القوات القتالية بشكل كامل” بأنه “خطوة إيجابية متقدمة باتجاه تحقيق السيادة الوطنية الكاملة”.

رئيس التكتل الشيعي الأبرز رجل الدين مقتدى الصدر بارك الاتفاق وطالب ما اسماه المقاومة بالتوقف عن عملياتها المعروفة باستهداف القوات الأمريكية في العراق , فسر تصريح الصدر هذا بين الأوساط السياسية بأنه رسالة الى العالم بأنه متصالح لكنه يبّطن طموحه للوصول الى رأس سلطة العراق .

الفصائل الولائية التي كانت خلال السنتين الأخيرتين وراء الاستهدافات العسكرية لم يعجبها اتفاق الكاظمي بايدن  , ما عدا الفصيل المليشياوي التابع لمرجعية النجف ” كتائب الإمام علي ” الذي بارك هذا الاتفاق , رفضت كتائب حركة النجباء المتطرفة هذا الاتفاق وتعهدت باستمرار استهداف القوات الأمريكية فسرت ذلك الهجمات بنفس يوم اعلان الاتفاق المذكور .

التيارات الراديكالية الإسلاموية التي لا تؤمن بالنظرية السياسية للدولة الوطنية، وتعتبرها غير شرعية من الناحية الدينية، طبقاً لأفكار الإمام الخميني، لذا تستهدف نشر الفوضى وانتشار العنف المسلح للتنظيمات الولائية لتقويض سلطة الدولة والقانون وتكريس ظاهرة اللادولة لتحويل العراق إلى مسرح للعمليات العسكرية في إطار نظرية المواجهة المسلحة المستمرة ضد القواعد العسكرية والمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط والخليج العربي لإقامة “دولة العدل الإلهي” مما يضع الحكومة العراقية أمام ضرورة تبني مواقف استراتيجية تُحقق ضمان المصالح الوطنية العراقية في السيادة والاستقلال، وبما يعزز وحدة الدولة والشعب ونبذ مختلف أشكال التمييز الديني والمذهبي والعرقي وتحقيق التوازن في العلاقات الخارجية مع دول الجوار وفي إطار العلاقات الدولية.

غالبية الأوساط السياسية والإعلامية العراقية تنتقد مواقف التيارات الولائية في العراق التي لا يحلو لها خروج القوات الاميركية بشكل ودي وتريد تحقيق نصر وهمي وتوظيف هذا الأمر لتحقيق مصالح ومكاسب سياسية علماً بأن الحكومة هي من تحاورت في واشنطن ومن يقود المفاوضات بشكل مباشر هي شخصيات من المكون الشيعي بالتالي فلا وجود لمبررات للازدواجية في الأحاديث وتوجيه التهم إلى الأكراد أو السنة بأنهم الراغبون ببقاء القوات الأجنبية بشكل منعزل عن بقية المكونات. الاتفاق العراقي الأمريكي  سحب الذرائع التي كانت تُسوقها الفصائل المسلحة الشيعية لاستهداف المصالح الأميركية في البلاد.

وعلى الرغم من محاولات تلك الجماعات التأثير في زيارة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي لواشنطن والتقليل من شأنها والقول إنها لن تحقق نتائج تُذكر واتهام الحكومة بالتهرب من تنفيذ قرار البرلمان العراقي في يناير (كانون الثاني) 2020 الداعي إلى إخراج القوات الأميركية وتقليص دور سفارة واشنطن، فإن الاتفاق كان مفاجأة أربكت الجماعات تلك.

كما إن القوى المعارضة للاتفاق ستذهب تدريجياً إلى العزلة لأنها تعارض في إطار خارج مصلحة الوطن والأمن الوطني وتطوير قدرات الدولة الدفاعية والتنسيق مع دول المنطقة والعالم . لهذا فستسعى الى تخريب الأوضاع الأمنية العراقية الداخلية من خلال تخريب الانتخابات التي من المحتمل تأجيلها , وفق سيناريوهات غير مطمئنة ٍ

لقد نجح مصطفى الكاظمي بمهمته في واشنطن برضى إيراني , الأهم من ذلك أمريكا نجحت في إعادة توصيف مهمتها في العراق , كونها وفق الاتفاق الجديد تحتفظ بحق الرد على أي عدوان عسكري يستهدف قواتها في العراق  .

رغم التهدئة المؤقتة التي تشهدها الساحة العراقية بعيد عودة مصطفى الكاظمي من واشنطن , إلا أن المليشيات تحاول التملص من النصائح الإيرانية بتلك التهدئة لحين الانتهاء من ملف مفاوضات النووي في فينا المتعثر حيث يبدو إن واشنطن رغم إصرار الرئيس بايدن على الانتهاء من هذا الملف لصالح إيران لا يتمكن من تجاوز مخاوف أصدقاء أمريكا في المنطقة المتخوفين من القنبلة النووية الإيرانية المتوقعة , وقصة الصواريخ البلاستية الإيرانية التي تهدد الأمن الإقليمي مضافاً اليها حركة شهر يوليو-أغسطس في بحر العرب بعد استهداف ناقلة إسرائيلية وقتل شخصين بريطاني وروماني من بحارتها . مما يشير الى أن الأجواء لا تشير اللى التهدئة إنما الى التصعيد .

المستقبل مظلم أمام المليشيات الولائية في العراق بسبب عدائها لتطلعات شعب العراق وتورطها بقتل شباب ثورة أكتوبر , علماً بأن النظام الإيراني رغم تمسكه بتلك المليشيات لكن أمنه القومي يبقى فوق كل اعتبار.

العدد 120 / ايلول 2021