افغانستان  . . تعود وتخترق الاضواء

لكن الى اين ستسوقها قدراتها.. انجاز للوعود أم يعوقها الافتقار للرؤى والتأهيل؟

 عادت افغانستان لكي تشغل اهتمامات العالم،وتفرض عليه متابعة انبائها ،ليس عن العقود السابقة من السنين فحسب ،ولكن الى ماقبل ذلك من تاريخ .عرفت افغانستان الحكم الملكي ،وكذلك الحكم الجمهوري ،وعرفت الأيدولوجية الماركسية ،كما انها انخرطت تحت ما يسمى الحكم الاسلامي وفق اجتهاد خاص بتجربتها . جربت الحروب تحت تعريفات (المجاهدون المتطوعون )،كما انها ايضا مرت بمرحلة (الجيوش والجنود المنظمون)، وعرفت كذلك (الانقلاب) كما عرفت (الثورة )  .لكل ذلك يمكن القول أنها في تاريخ وجيز شهدت تعدد الفصول وتنوع

عبدالغني برادر
القائد العسكري لطالبان والمرشح لقيادة افغانستان

الاساليب،واصبح العالم الآن يرقب حركتها،ويتساءل على اي شاطئ سترسو تجربتها ،والى اين ستسوقها الأفكار أو الأقدار لكي تنجز الاهداف وتحقق الوعود ،أم ان الأخفاق سيكون حليفها  سواء في الرؤى أوالأفتقار للتأهيل . تتصدر حركة (طالبان) هذه الايام مانشيتات الصحف، اذ تتسابق اجهزة الاعلام في نشر اخبارها ،وتطور حركتها،وقد حققت بالفعل انجازا كبيرا على ارض الواقع ،وأصبح وضع الولايات المتحدة الامريكية،وهي الدولة الاعظم في العالم في موقف كثير الحرج ،نتيجة لتلك السرعة التي احكمت فيها (طالبان) سيطرتها على الاراضي الافغانية، في حضور الجيش الأفغاني الذي يبلغ في تعداده 300 الف جندي تولت الولايات المتحده تشكيله وتدريبه وتسليحه بالمئات من المليارات  الدولارية ، ومع ذلك تبخر تماما ولم يشترك في اي معركة او حتى في مجرد مقاومة، بل على العكس ترك سلاحه وولى الادبار. هي اهانة اكثر منها فضيحة لدولة عظمى لم تعرف ماذا  دار حولها ، وفي اي مناخ كانت تعمل ،ولا تدرك  اطلاقا ما يحاك ضدها في دولة تستعمرها لأكثر من عقدين من الزمان ،ويكفي ان نذكر ماقالته جريدة ( الأوبزرفر) البريطانية في ختام افتتاحية لها تتمحور حول رأي الصحيفة في ( المأساه التي تشهدها افغانستان) قالت ( شهدنا هزيمة تاريخية ومدمره لرئاسة الرئيس الأمريكي جو بايدن ولبريطانيا وحلف شمال الأطلسي والغرب والديموقراطية والأخلاق وحقوق الأنسان العالمية ). لكن علينا نحن من جانب اّخر ان نصفق لحركات الشعوب التحريريه، وكفاحها من اجل ان يرفرف علمها على كل ترابها ،رغم اي تحفظات يمكن ان تلحق بنظام الحكم القادم ،واي قيود يمكن ان يكبل بها من حلموا بذلك اليوم ،وهو التحرر من حكم الأجنبي..اننا نرجو ونتمني ان لايكونو ا قداستيقظوا من كابوس الاحتلال الى كابوس اّخر من التطرف والاقتتال.

 من هي طالبان

طالبان(جمع كلمة طالب في لغة البشتو) وهو الاسم الذي اطلق على الحركة الاسلامية لطلبة المدارس الدينية في ولاية ( قندهار) جنوب غرب افغانستان وتقع على الحدود مع دولة باكستان . نشأت هذه الحركة على يد الملا محمد عمر مجاهد ( 1959- 2013) . كان رجلا متدينا ،متطلعا الى القضاء على كل المظاهر التي تتنافى مع احكام الدين وفق رؤيته ،وكان اكثر ما يثير حنقه الفساد او الانحراف الاخلاقي الذي انتشر وساد، وايضا كانت عوامل عدم الاستقرار السياسي احد تلك الدوافع  التي استفزته لمثل هذا التفكيرفي مثل هذا النشاط ،و كذلك كان الحماس الطلابي من طلبة المدارس الدينية احد ابرز الاسباب التي جعلته يقدم على تشكيل ذلك التنظيم الطلابي ،الذي انتخبه بدوره ( أميرا) له في ذلك العام 1994. لكن يبقى السؤال هل كان ظهور ذدلك التنظيم نتيجة جهد زعيم ،أو مجرد مؤازرة من جماعة التفت حوله ،أو كان ايضا تحت رعاية خاصة من أجهزة اقليمية مثل ( جهاز المخابرات الباكستاني) ليكون سندا لها

احمد شاه مسعود
زعيم ولاية ( بناشير المتمرده

في سياستها أزاء التدخلات السوفيتيه والأمريكية وغيرها ممن يتبارون على مناطق النفوذ على الساحة الأفغانية سواء بنظم يدعمونها أو تشكيلات يمولونها . طالبان حركة اسلامية سنية تعتنق المذهب الحنفي،ولا تقبل الحكم في شؤونها بغير احكام ذلك المذهب ،فهو واجب ديني لابد من تنفيذه ، . ينتمي معظم افراد حركة طالبان الى القومية البشتونية ويتركز معظم ابنائها في شرق وجنوب افغانستان. ترجع ثقافة هؤلاء الطلاب الى المدارس الدينية ( الديوبندية) وهي تعود في نسبها الى قرية (ديوبند) في الهند ،وقد تأثروا بالمناهج الدراسية لتلك المدارس ،وهو ما أدى في النهاية الى تأثيره على اساليب الحكم لديهم . في تلك المدارس تتغير مرتبة الطالب العلمية من مرحلة الى اخرى ،فيطلق عليه في البداية لفظ ( طالب) وجمعها في لغة البشتو ( طالبان) ،وحين يقطع شوطا في التعليم تتغير مرتبته فيطلق عليه لقب ( ملا) وحين يتم تحصيله ويكمل دراسة المنهج ، ويتخرج من دورة الحديث يصبح ( مولوي) وتوضع على رأسه العمامه ،و يحصل بمقتضى ذلك على اجازة في التدريس. طالبان لا تعد نفسها حزبا مثل تشكيلات الاحزاب المعتادة، بل تعتبر نفسها حركة.

 نظــام الحكــم ووضع المرأة

طالبان لها هيكل شبه تنظيمي يتربع على قمته ( أمير المؤمنين)،وهو موقع له جلاله ويتمتع بصلاحيات واسعه ،وله حقوق شرعية ،ولا تجوز مخالفة أوامره ،كما لا يجوز عزله الا اذا خالف التعليمات الدينيه أو عجز عن القيام بمسؤولياته ،وهو يبقى في موقعه حتى الموت .لها مجلس شورى ولكن قراراته مجرد توصيات يستأنس بها امير المؤمنين. وهو من يتم انتخابه بواسطة ( أهل الحل والعقد)، وليست جماهير الشعب من الناس ،ولذلك لا نندهش حين يصدر تصريح عن بعض قادتها يفيد بأنهم لن يطبقوا(النظام الديموقراطي)،باعتبار ان الديموقراطية عن طريق البرلمان ، تعطي التشريع ( للشعب) وليس ( لله) كما ينبغي ،كما انها ترفض وضع دستور للبلاد ،لأن الدستور في الدولة الاسلامية هو ( القراّن والسنه) ،وهذا يعني ان سلطة القرار مادامت لاتخضع للأغلبية كما تطبق النظم الديموقراطية،فسوف تخضع لرجل واحد ،له لقب ديني يحصنه شخصيا كما يحصن قراراته وهو امير المؤمنين . على جانب اّخرفان الحركة تعطي اهتماما كبيرا بالمظهر الاسلامي وهو مراعاة اطلاق اللحى ،ولبس العمامة للرجال ،اما النساء فالحجاب هو المهيمن ،وقد اعلنت الحركة حاليا بأنها مع تعليم المرأة،ولكن من غير المعروف حتى اي مرحلة، من التعليم ،كما لم يصدر ما يوضح موقفها كذلك من عمل المرأة،حتى وان سمح لها بالتعليم حتى حصولها على شهادة علمية ؟.

 طالبان و علاقاتها مع محيطها الاقليمي

تتلامس الحدود مع بعض الدول ،ولكن تتنافر المواقف نظرا لأختلاف الأيدولوجيات والعقائد وكذلك المصالح ،فالهند مثلا لايمكنها ان تتغاضى عن خلافاتها المزمنة مع باكستان خاصة على الحدود،وتبعا لذلك فانها ترى في نظرتها الى افغانستان انها تمثل عمقا استراتيجيا لباكستان ،ويعزز من ذلك ما يتداول ان باكستان قد لعبت دورا رئيسيا في نشأة (طالبان) بل ويرون ان المولوي (فضل الرحمن )امير جمعية امراء الاسلام في باكستان ،وكان يرأس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الباكستاني في حكومة ( بنازير بوتو) انه من طرح فكرة ( طالبان) ،وقد تم اعتماد فكرته كما نرى ،ومن ثم تم تدريبها و تجهيزها عسكريا ،واستمرت باكستان في دعمها حت قويت شوكتها.اما بالنسبة لأيران فان تاريخ العلاقات بينهما كان دائما يتسم بالتوتر والصدام ،فطالبان تتهم ايران ،انها تعمل على تصدير المذهب الشيعي ،ومن خلاله تؤكد سيطرتها السياسية ،فالمذهب الشيعي ليس مجرد مذهب تبشر به،ولكنه وسيلة لتحقيق اغراض

قوات طالبان لحظة دخولهم لقصر الرئاسة

سياسية.وايران من جانبها تتهم طالبان باضطهاد الأقلية الشيعية ،وتعمل على تقليص اعدادهم ،ولذلك تفضل ايران ان لا تحكم طالبان افغانستان وحدها وانما تشترك معها مجموعة من الاحزاب والتيارات السياسية حتى يمكن كبح جماحها، والصين تتطلع الى نوع من التعاون الاقتصادي لما تتمتع به افغانستان من ثروات وموارد طبيعيه بالأضافة الى الجانب الأمني، فلا تتحرك طالبان الى اثارة النوازع الدينيه في الدول الأسلامية المجاورة لها مثل طاجكستنان وتركستان ،وهي دول تجمعها عرقيات مع افغانستان .أما فيما يتعلق بروسيا فهناك تاريخ طويل من المعارك ،ففي حقبة الثمانينات من القرن الماضي تولى الحكم حزب الشعب الديموقراطي ،الذي سمي لاحقا الحزب الوطني وكان حزبا ماركسيا بعد ان ساعد في الاطاحة بالملك ( محمد ظاهر شاه) عام 1973 ،وساهم في ايجاد نظام جديد وهو النظام الجمهوري ثم صعد الحزب الى السلطه في عام 1978 بقيادة محمد نجيب الله ،بعد ان تمت الاطاحة بقائد الانقلاب داود خان الذي خلف الملك محمد ظاهر. في نهايات سبعينات القرن الماضي قررت أمريكا ان انسب وسيلة لأضعاف النظام اليساري، حليف الاتحاد السوفيتي في ذلك الوقت، هو حشد المجاهدين الإسلاميين ضده. وقد تصاعدت حركة الحشد وازدادت زخما بعد التدخل (الغزو) العسكري السوفيتي لمساعدة نظام الرئيس محمد نجيب الله في افغانستان ، وقد تعاونت مع الولايات المتحدة في ذلك بعض الدول العربيه بتصدير (المجاهدين) قبل ان يطلق عليهم بعد سقوط الاتحاد السوفييتي لقب (ألأرهابيين ). لذلك نقول ان ذكريات تلك الحروب مازالت تلقي بظلالها على الموقف الراهن من توجس وترقب بين كل الأطراف، وتتطلع روسيا للتعاون شرط ان لاتثير (طالبان) المشاكل بالتحريض أو التدخل في سياسات الآخرين.

ثم ماذا بعد ..؟

منذ ان سيطرت طالبان على كل الاراضي الأفغانيه ماعدا ولاية ( بناشير)  التي يعزلها موقعها الجغرافي عن بقية افغانستان ،فلا يتم الاتصال بها سوي عبر مضيق ،ولذلك يسهل الدفاع عنها الى جانب سلسلة أخرى من جبال هندوكش كمدافع  طبيعي في وجه التوغلات العسكرية. تساؤلات واجتهادات  كثيرة تطرح  عن المستقبل،وتتناقلها اجهزة الاعلام ،ويتناولها بالتحليل الكثير من الباحثين والكتاب، البعض لا يخفي تشاؤمه خصوصا بعد ان اعلن بيرس مورجان (مسؤول مبيعات الجيش الامريكي ) في مؤتمره عما تركه الجيش الامريكي خلفه بعد اعلان انسحابه قال( ادركنا الآن فقط انه بسبب الأهمال وسوء الأداره أن طالبان قد سيطرت على مايساوي 85 مليار من المعدات الامريكية ويشمل ذلك 75000 مركبة واكثر من 600 ألف سلاح صغير وخفيف . طلبان لديها الآن طائرات هليكوبيتر بلاك هوك وتعد أكثر من 85% مما يتوفر للعديد من  دول العالم و ليس لديها فقط اسلحة  ولكن لديها ايضا اجهزة رؤية ليلية . كما لديها دروع واقية ومستلزمات طبيه بشكل لا يصدقه عقل،ومالا يمكن فهمه بالنسبة لي ولآخرين هو ان لدي طالبان ايضا اجهزة بيومترية تحتوي على بصمات الاصابع ومسح الجليد ومعلومات السيرة الذاتية للأفغان من الذين ساعدونا على مدى عشرين عاما ،وهذا هو ماعلمناه الآن وعلى التو. السؤال بعد ذلك .

اشرف غني
الرئيس السابق لأفغانستان

أفغانستان الى اين ..؟ سيناريوهات كثيرة محتملة . هل يمكن ان تصبح افغانستان دولة تسعى الى تشكيل وجودها داخل المجتمع الدولي ،تتعاون وتتفاعل لبناء مجتمعها ،والنهضة به في اطارمن العلاقات الطبيعية بين الدول ،وان تكون  نموذجا  لحكم اسلامي رشيد يتطلع للتعاون مع كل القوى السياسية والدينية والثقافية وطلائع الفكر والابداع محليا ،كما يصبح نموذجا للأنفتاح على العالم دون تطرف . أن تنظيم خراسان المتطرف الذي اعلن عن مسؤوليته عن انفجارات مطار كابول، ينظر الى طالبان باعتبارها الخصم الرئيسي الاستراتيجي، ويصنفها على انها مجموعة من “القوميين القذرين” ، الذين يطمحون فقط إلى تشكيل حكومة محصورة في حدود أفغانستان، وهذا يتعارض مع هدف “الدولة الإسلامية” المتمثل في إقامة خلافة عالمية. هناك من يرى أن هجمات طالبان على الجماعات كانت تتزامن بشكل ملفت للنظر مع الهجمات الجوية الأمريكية، ولكن الى مدى يكمن هذا التنسيق فان الأمر لا يزال غير واضح. من جانب اّخر هناك من يرى ان الانسحاب الأمريكي

المتعجل من أفغانستان قد تسبب في إحداث حالة من الخوف والذعر لدى حلفاء واشنطن، وهم يفكرون فيمن ستتركه أمريكا في المرة المقبلة؟ بل ويرون ان هناك احتمالات في ان تصبح افغانستان ملجأ مريحا للتنظيمات المتطرفة ،وسيجدون على ساحتها مكانا اّمنا وفسيحا ومأوى لتجنيدهم عناصر جديده وتدريبها . المستقبل وحده ،والتجربة

اجتماع طالبان في الدوحة

الجديده لحركة اسلامية تمكنت من احراز ذلك النصر في مواجهة القوى العظمى في ذلك العصر،فهل تنجح التجربة في حمل مشاعر الاستقراروالامان لذلك البلد الذي عاصر واكتوى بنيران الحروب في مواجهىة الغير ،وبنار الانقسام والاحتراب الداخلي . هل يتمكن في النهاية ان يضع نهاية لعقود من الاضطراب ،ويرسو بمجتمعه على برالآمان ؟

                                                                                   أمين الغفاري

العدد 121 / تشرين 2021