طفلك عنيد لا يسمع الكلام؟

إليك الحلّ…

من بيروت – رنا خير الدين

نموذج التربية الحديثة يقوم على معايير نسبية، آنية قابلة للتجديد، ذلك بفعل أن دراسة نماذج التربية الحديثة ينبثق من مؤشرات نفسية، ذاتية، مجتمعية خاصة بالأهل وأولادهم.

ليس الجميع على القدر ذاته بالمعرفة الدقيقة للتربية الحديثة ومفاهيمها، ونقصد بذلك أن عملية التربية ليست عملية عبثية عشوائية، بل تحتاج إلى دراسة كاملة بأسس تكفل نجاحها بالحدّ المعقول. حيث من الصعب دوماً تحديد

الأمان والعاطفة أساسيات التعلم وكسب المهارات

السلوكيات الصحيحة في التربية، ففي الزمن الماضي سادت مبادئ العقاب والقسوة باعتبارها تنمّي وتقوي شخصية الطفل ليصبح شجاعاً، الأمر الذي أُثبت لاحقاً سوء تأثيره على نفسية الطفل، لا بل يصبح ذو شخصية عدائية هشّة في حال هجوم ودفاع على مدار الوقت.

نسعى في هذا التقرير إلى تحديد إمكانيات الأهل الجيدة في التربية الحديثة من خلال اكتشاف ذواتهم، واستكشاف نقاط القوة والضعف لدى أطفالهم، على أساس توطيد علاقة متينة قائمة على التواصل الإيجابي، الحب غير المشروط، الطاقة الإيجابية في العلاقة، ثبات المعايير والمبادئ، التركيز على التربية بشكل دقيق لا بشكلها الظاهر والعام، ونستعين لذلك بمدربة مهارات حياة الأطفال الأخصائية “ملاك أبوريا” التي فصّلت لنا برنامج التربية الإيجابية وكيفية التخطيط الأبوي لنجاح عملية التربية بأفضل صورة.

قبل الولوج في تفاصيل التربية الإيجابية، لا بد من الوضع في الحسبان طرق تلقي الطفل المؤشرات الاجتماعية والسلوكية من حوله وكيف يتفاعل معها، ويقطع الأهل شوطاً كبيراً في عملية التربية ما إن فهموا طريقة تطور تفكير الطفل ونموه الدماغي وعملية التلقي لديه واستجابته وردّات أفعاله..

لا يمكن قياس فعالية التربية، فهي عملية كزراعة البذور في أرض جرداء تتفتح براعمها بعد فترة وتأتي بثمارها

التربية الحديثة واجب أساسي لإنتاج مجتمع شاب مثمر

الجيدة أو المهترأة بعد فترة من الزمن، الأمر سيّان ينطبق في تربية الأطفال إما تتطور مهارات الأطفال واستجاباتهم وسط جوّ عائلي قائم على المعاملة الحسنة، والإصغاء والتواصل، والصراحة أو تكون التربية آحادية من قبل الأهل ويزداد الشرخ بين الأهل وذويهم.

في بدء الأمر، يطرح الأهل عموماً طريقة التربية بحسب تأثّرهم بتربيتهم وطرق تفكيرهم ونمط حياتهم إضافةً إلى بقايا ذكرياتهم التي يسعون دائماً إلى تكرارها أو تحقيقها مع أطفالهم، كذلك الأب الذي طمح طوال حياته أن يكون طبيباً لكنه أصبح نجاراً فيسعى طيلة الوقت إلى الضغط على ابنه في تحقيق حلمه هذا متناسياً اهتمامات الأخير وأحلامه الخاصة وقناعاته!

أخطاء التربية الشائعة         

  • إهمال التربية بكاملها: بعض الأهل لا يسعون مطلقاً إلى تلبية احتياجات أولادهم الفكرية والتربوية والاجتماعية، على مبدأ “يربون بمفردهم”.
  • التسلّط الأبوي: الذي يسعى من خلال أحد الأبوين إلى التحكّم بكافة تفاصيل حياة وقرارات أولاده، بحيث لا يسمح لهم بأخذ حريتهم مطلقاً ما ينقص ثقتهن بأنفسهم ويضعف شخصيتهم.
  • تناقض المعايير والمبادئ: يُقصد بذلك حين يسعى الأهل إلى تربية أطفالهم على أسس لا يطبّقونها على أنفسهم، وهذا التناقض تأتي آثاره وخيمة على الأولاد خصيصاً في مرحلة المراهقة.
  • العقاب القاسي أو الاستسهال بالخطأ: يمكن أن يتركا تأثيراً سلبياً على صحة الطفل النفسية تحركها مشاعر متطرفة.
  • التركيز على مظاهر الصورة العامة: شكل التربية عموماً مهم لكنه ليس الأهم، فإن مظهر تربية الطفل أمام المجتمع مهمة، لكن الأهم كيفية تربيته من خلال الحفاظ على صحته النفسية بحال جيدة التي تضمن الصورة الاجتماعية الجيدة للوالدين.

بالتالي، تشكّل التربية هاجساً لدى الأهل بشكل كبير بحيث يسعون خلال رحلة العلاقة مع أطفالهم إلى الكمال، الأمر الذي يضع الأهل والأولاد على حدّ سواء أمام ضغط نفسي على الدوام، من منطلق أن الأهل يبغون السيطرة على الفعل وردود الأفعال، وغالباً ما تقع فجوة في علاقة التواصل والتبادل، وتشير “أبو رايا” في هذا الخصوص إلى استبدال ذلك بالمرونة في التواصل، من خلال تقبّل الأهل ردود فعل أطفالهم وعدم توقّع الأفضل منهم دوماً، بل

التعامل الناجح مع الطفل العنيد يقوم على المشاركة

تعليمهم كيفية النجاح ومواجهة الأحداث.

التسلّط الأبوي وضعف الشخصية

التسلّط الأبوي يهزّ شخصية الطفل أو المراهق، كما هو الحال مع العقاب القاسي والتنمر حيث ترى “أبوريا” أن الحلّ الأنسب لهذه الحالة هو وعي الأهل لسلوكهم السلبي الذي يحدث خللاً في النمو الطبيعي للطفل، يحيث بات التسلّط الأبوي أو أحد الأبوين نمط تقليدي نابع من تربية غير واعية، وتسعى بالهدف الأول إلى تكرارها عن جديد. وتؤكد “أبورا” أن التسلّط نتائجه وخيمة على مستقبل أولادهم في كيفية اتخاذ القرارات وضعف “الأنا” لديهم.

الصحة النفسية للطفل… أولوية

بدأت مؤخراً تظهر مؤشرات الصحة النفسية والعقلية للطفل وأهميتها لتطوره الفكري والعقلي، لا بل ذهبت الدراسات إلى أكثر من ذلك باعتبار أن الصحة النفسية والتجارب التي مرّ بها الطفل تمكّن من تحديد شكل حياته في المستقبل أو نمطه السلوكي عندما يكبر، مثلاً الطفل الذي تعرّض خلال نموّه إلى القسوة والتعنيف سيتفاقم لديه الشعور العدواني أو الاتطوائي عندما يكبر ما يحول أمامه إمكانية اتخاذ قرار في العمل، الزواج أو حتى التأثر المباشر في قراراته اليومية، وهو ما يسمّى التردّد.

لذلك، يندمج في العملية العقلية والنفسية جوانب عدة غير الأهل، كالمدرسة والمعلم والمحيط الاجتماعي ومدى الوعي لعملية التطور الفكري للطفل او المراهق التي تحكمها جوانب حسّاسة وفرط العاطفة. والمعنى في فرط العاطفة هنا،

التوبيخ يترك أثراً سلبياً على نفسية الطفل.. تجنّبوه

هو أن الطفل أو المراهق يكون الجانب الأساسي المتحكّم به هو العاطفة لا العقل. لذلك إن حالته التكاملية بين العاطفة والعقل والنفسية ليست سهلة لكنها بسيطة ما إن فهم الأهل أسبابها والسعي للحفاظ على صحة أطفالهم الإدراكية والمعرفية.

التواصل بديل الانفعال..

مهارة التواصل هي عملية مكتسبة يعلمها الأهل لأطفالهم من خلال تطبيقها معهم! وتتكوّن عملية التواصل الناجحة من عدّة أساسيات بحسب “أبوريا”:

  • الاستماع للطفل، بحالة غضبه وانفعاله لا توبيخه، ففي حالات انفعاله يحتاج لكلمات مشجّعة تساعده على الهدوء. بعد ذلك، محاولة التواصل معه لشرح الموقف وردّ فعله وتعليمه الصح والخطأ، ففي حالات الغضب الطفل لا يكون جاهزاً للاستيعاب والتعلّم.
  • ابتعاد الأهل عن المصطلحات التي تغضب الطفل وتثير انفعاله، خصيصاً التي تبرز نقاط ضعفه الجسدية ـ التعلمية والفكرية، وتلك الخاصة في “انتقاد” سلوكه في المواقف.
  • عدم مقارنته مع أقرانه بتاتاً، لأن ذلك لا يفيده بشيء سوى بازدياد نقمة الغضب والاستفزاز لديه.
  • الحب غير المشروط الذي يزيد ثقته بنفسه، ويُقصد هنا عدم ربط محبة الأهل لطفلهم بعلاماته المدرسية، أو إكمال طعامه، بل على الأهل تقديم الحب له رغم كلّ الظروف، ما يشجعّه مستقبلاً على تحسين صورته أمام أهله ايجابياً من تلقاء نفسه.
  • الدعم العاطفي في تبادل أطراف الحديث مع الأهل أو الآخرين، مثلاً إعطاء المراهق مساحة للتعبير عن رأيه واحترامه، ولو كان مغاير لرأي الأهل، والعمل فيما بعد على تصحيحه وتوجيهه إلى السلوك الصحيح.

كل هذه الأساسيات في علاقة التبادل والتواصل تساعد الطفل على الإدراك بصورة ايجابية أكثر والتعلم بشكل أفضل والاستماع أكثر، من خلال الاحترام المتبادل، التواصل المستمر واحترام الاختلافات.

 طفلي عنيد… كيف أتعامل معه؟

تشير الأخصائية “أبوريا” إلى ثلاث خطوات للتعامل مع الطفل العنيد:

  • الابتعاد عن صيغة الأمر والتوجّه بصيغة السؤال: الطفل العنيد غالباً ما يرفض صيغة الأمر في القيام بواجبته ويميل إلى الإجابة، حيث يشعر أنه من يأخذ القرار في واجباته. مثلاً بدل من القول الأهل: “هيا، اخلد إلى النوم!” استبدالها: إنها الساعة الثامنة ليلاً، ما رأيك بالخلود إلى النوم؟”. بذلك يُعطى الطفل إمكانية في
    مدربة مهارات حياة الأطفال ملاك أبوريا

    الاختيار ما يسهّل التعامل معه.

  • تحويل واجباته إلى ألعاب: اذا كان الطفل العنيد صغيراً، ترى “أبوريا” أن تشجيعه على القيام بواجباته على شكل لعبة يحفّزه على القيام بها، بذلك لا يشعر بضغط نفسي على كاهله، مثال على ذلك القول له: ما رأيك بالذهاب للاستحمام ركضاً؟ أو كالأرنب؟
  • إعطائه خيارات لكن محدودة: الأمر الذي يساعده أن يكون مشاركاً وصاحب قرار، ما يساعده على التعاون والاستجابة، ويكون أيضاً قادراً على الابتكار والإبداع.

تنصح منظمة “اليونسف” الأهل باستخدام أسلوب “التأديب الإيجابي” الذي يقوم على تنمية علاقة إيجابية مع الطفل وعلى إفهامه ما هو المطلوب منه حيال سلوكه. من خلال: تخصيص وقتاً للاختلاء بالطفل، الإثناء على أفعال الطفل الحميدة، فهم الطفل جيداً، ابتكار أساليب لإلهائه، استخدام عواقب هادئة.

 ما هو برنامج التربية الحديثة؟

تشير “أبوريا” انه برنامج تدريب للأهل يساعدهم في عملية التربية، من خلال جلسات تدريب تقوم على غالبية المواقف التي تصادفهم في عملية التربية، وتعطيهم خيارات الحلول الحديثة والبديلة عن تلك التي كانت سائدة في مفاهيم التربية التقليدية.

  • وعي وإدراك الأهل لأهمية التربية على صحة الطفل أو المراهق النفسية والجسدية، وكون التربية علاقة تبادلية.
  • استيعاب الطفل في حالة غضبه واستفزازه الشديدين من خلال طرق فعّالة أكثر في امتصاص مشاعره السلبية وتحويلها إلى طاقة إيجابية، مثل كلمات التقبّل والحب غير المشروط.
  • إعطاء الطفل مساحة أمان كبيرة، أهم ما ينبثق عن مفهوم التربية الحديثة هو الأمان، الذي يكفل بدوره عملية تعلّم أكثر مرونة وفعالية.
  • استنزاف جميع إمكانيات الأهل التربوية والعلمية من أجل أطفال أصحاء نفسياً ومقبولين اجتماعياً.
  • إعطاء عاطفة المراهق ودوافعه أهمية بالغة أثناء العملية التربوية.
  • الابتعاد عن الرقابة الصارمة وصيغة الأوامر.
  • تشجيع الطفل على الوظائف البيتية على اعتباره فرداً مهماً ومشاركاً في العائلة.

العدد 121 / تشرين 2021