أفغانستان/طالبان: ماضي الحاضر ومستقبلات الحاضرفي عام 2026

أ. د. مازن الرمضاني *

بعد إنتهاء الحرب الباردة تميزت ظاهرة الصراع على الصعيد الدولي سواء بين حكومات ثمة دول و/أو بين أحدى الدول وجماعة داخلية مناهظة  بتراجع نسبة الصراعات بين الحكومات لصالح نسبة الصراعات الداخلية , بإنواعها المتعددة. وفضلا عن ذلك الصراعات الداخلية بإقترانها بمدخلات أمتدت على طيف واسع . فهذه المدخلات كانت أما قومية أو دينية/مذهبية أو سياسية أو ايديولوجية …الخ. وكما أنها كانت متعددة المدخلات, كذلك تراوحت غاياتها أيضأ بين أما الصراع على الآرض و/أو على السلطة.

وعادة كانت هذه الصراعات تُفض أما لصالح حكومة أحدى الدول بدعم خارجي أو بدونه, أو لصالح الجماعة الداخلية المناهضة بدعم خار جي أو بدونه أيضأ. ويقدم فض الصراع في أفغانستان بين حركة طالبان والحكومة المدعومة أمريكيأ, وبصيغة غير مسبوقة, أحدث مثال على مثل هذه الصراعات. وعليه نتساءل: ما هي المدخلات, التي أدت إلى فض هذا الصراع بهذه الصيغة؟ وما هي المستقبلات الممكنة و/أو المحتملة لحاضر أفغانستان خلال زمان المستقبل القريب الممتد من الآن  إلى خمس سنوات قادمة , أي إلى عام 2026؟ إن الإجابة على هذا السؤال المركب قد يساعد على فهم ما كان وما يمكن  أو يحتمل أن يكون, هذا على الرغم من أن تداعيات الإنسحاب الآمريكي ما  زالت آخذه في التشكال.

وقبل الآجابة على الشق الآول من السؤال أعلاه, تجدر الإشارة إلى أن دخول حركة طالبان إلى كابول, وفض صراعٍ إمتد على عقدين من الزمان  (2021-2001) كان مدعاة لآراء وإجتهادات ذات علاقة به لم تتميز بتعددها فحسب, وإنما تباينت وتنوعات مضامينها أيضا على نحوٍ واضح. وعلى الرغم من أن التعدد والتنوع يُعدان من بين الخصائص الآساسية لكل حياة سوية وذات معنى, إلا إنها لاتلغي, مع أهميتهما, الحاجة عمومأ إلى رؤية موضوعية تساعد على ألإدراك السليم لثمة شىء في الواقع المعاش, ومن ثم توظيف هذا الإدراك لآغراض التعامل الهادف والمؤثر معه. ولنتذكر أن بين نوعية الإدراك والفعل اللاحق عليه, علاقة طردية موجبة, سيما وأن الإدراك السليم هو الآساس لكل فعل هادف ومؤثر. بيد أنها قد تكون أيضا علاقة طردية سالبة. إن حديثتا عن حاضر ومستقبلات أفغانستان في عام 2026 يتطلع إلى المساهمة مع الرؤى الآخرى من أجل بلورة مثل هذا الإدراك.

أولا: آفغانستان: ماضي الحاضر          

لقد كانت أفغانستان قبل  تدخل القوات السوفيتية فيها عام 1979 دولة تنعم بالهدوء في العموم, بيد أنها بعد هذا التدخل بدأت بالتحول إلى دولة حرب ممتدة. فخلال زمان التدخل السوفيتي ( 1989- 1979) عاشت أفغانستان حالة الصراع المسلح بين الحكومة الآفغانية أنذاك مدعومة بالقوات السوفيتية وبين المناهظين للوجود السوفيتي. وقد أنتهى هذا الصراع بالإنسحاب السوفيتي في عام 1989. بيد أن هذا الإنسحاب لم يؤد إلى إحلال السلام في أفعانستان. فالجماعات الداخلية المسلحة, التي تشكلت قبل عام 1989 ذهبت إلى قتال بعضها البعض الآخر لنحو أربع سنوات (1996-1992), وبخسائر باهظة في الآرواح تقدر بنحو 50 الف فضلا عن موجة واسعة من اللاجئين والنازحين. وفي فترة الصراع بين هذه الجماعات المسلحة تشكلت حركة طالبان في جنوب قندهارعام 1994, والتي لقدرتها إستطاعت  تولي الحكم في أفغانستان خلال المدة  الممتدة بين أعوام  2001- 1996.

إن اتهام حركة القاعدة من قبل الولايات المتحدة بتدبير الهجوم في 11 أيلول 2001 على برجي التجارة العالمية في نيويورك ومطالبتها زعيم حركة طالبان, الملا عمر, تسليم بن لادن اليها والرفض له, أدى في عام 2001 إلى إحتلال كابول من قبل القوات الآمريكية مدعومة من قبل جماعة أفغانية تسمى  بتحالف الشمال عبرعملية عسكرية تم تسميتها ب” الحرية الدائمة”. وقد كان هذا الإحتلال مدعاة لديمومة عدم الإستقرار في أفغانستان. فحركة طالبان خصوصأ لم تنفك عن القيام بعمليات عسكرية ضد القوات الآمريكية بدأت متقطعة, ومن ثم تحولت بعد عام 2015 إلى عمليات شبه مستمرة متزامنة مع سيطرة على المزيد من الآرض تدريجيأ, وبخسائرعلى الجانب الآمريكي لا يستهان بها.

إن  حجم هذه الخسائر المتزايدة هي التي أدت برئيس الإدارة الآمريكية السابق, ترامب, إلى البدء بتنفيذ وعد أنتخابي له بالإنسحاب من  أفغنستان  عبر الدخول في مفاوضات مباشرة مع حركة طالبان في مدينة الدوحة, وأوكل في عام 2018 إلى الدبلوماسي  الآمريكي والآفغاني الآصل, زلماي خليل زادة, مهمة إنجازها. وقد أفضت العملية التفاوضية في عام 2020 إلى عقد إتفاق بين الطرفين تضمن سحب القوات الآمريكية من أفغانستان (نحو 13 ألف جندي) تدريجيأ مقابل وقف حركة طالبان عملياتها على هذه القوات خصوصأ, فضلا عن بنود أخرى.

وعلى الرغم من  بدء القوات الآمريكية  بالإنسحاب, وبضمنه تسليم قاعدة باغرام الجوية, التي كانت تشكل عصب الوجود العسكري  الآمريكي في أفغانستان, إلا أن صراع القوى الآفغانية المتناحرة حال بالحصيلة دون نجاح المفاوضات, التي كانت هذه القوى قد دخلتها, من أجل تشكيل حكومة وحدة وطنية. وقد كان هذا الفشل مدخلا مضافأ دفع حركة طالبان إلى توظيف مخرجاته لصالحها. وقد تمثل هذا في السعي من أجل تحقيق إنتصارات متلاحقة على الآرض الآفغانية إبتداءً من شهر مايس عام 2021, والتي تم إستكمالها بالدخول, غير المسبوق من حيث سهولته, إلى كابول في 15 أب 2021.

وقد تزامنت هذه الإنتصارات مع إعلان الرئيس الجديد, جو بايدن في14 نيسان 2021, إلتزامه بإلاتفاق المعقود بين الرئيس الآمريكي السابق,دونالد ترامب, وحركة طالبان في شهر شباط 2021, ومن ثم الإلتزام بسحب ما تبقى من قوات أمريكية من أفغانستان( نحو 3500-  2500جنديأ). وبإستكمال سحب هذه القوات نهائيأ في نهاية أب 2021, إنتهت أطول حرب في التاريخ الآمريكي كما قال الرئيس الآمريكي, جو بايدن . وقد كان صائبا. فالمقارنة بين الحرب الآمريكية في أفغانستان وحروب امريكية أخرى تؤكد ذلك. ومن المحتمل أن تكون هذه الحرب أخر حروب دولة عظمى بدأ دورها العالمي بالآنحسار التدريجي جراء بداية تأكل فاعليتها الداخلية ومن ثم فاعليتها الخارجية بالضرورة متفاعلة مع إستمرار صعود ثمة دول كبرى إلى قمة الهرم السياسي الدولي جراء النموالسريع في معطيات فاعليتها الداخلية.

ثانيأ: مدخلات الإنسحاب الآمريكي من أفغانستان

 وفي ضوء ما تقدم لنتساءل, ماهي المدخلات, بمعنى الآسباب , التي أدت ألى الإنسحاب الآمريكي من أفغانستان؟ كثيرة هي الإجتهادات التي حاولت الكشف عنها. وبدورنا, نرى أن من حدث كان حصيلة لصفقة متبادلة بين الآدارة الآمريكية الحالية وحركة طالبان وعلى وفق مضمون اللعبة غير الصفرية, المعروفة على صعيد دراسات الصراع والسلام, والتي تفيد أن الصراعات بنوعيها: الدولية والداخلية, تنتهي وأطرافها رابحة وخاسرة في أن. ونرى أن هذه الصفقة  دفعت  إليها ثمة مدخلات بررت الآخذ بها سواء من قبل الطرف الآمريكي متمثلا بالإدارة الآمريكية الحالية وكذلك من قبل الطرف الآفغاني متمثلا في حركة طالبان, كلا على إنفراد , أومن قبلهما معأ في أن.

فأما عن الطرف الآمريكي, تتعدد المدخلات التي دفعت به الى إستكمال سحب قواته من أفغانستان. ونرى أن أهمها تكمن في تفاعل جميع الآتي :

  1. التحرر من تحمل أكلاف باهظةعسكريأ وبشريأ

منذ إعلانها في عام 2001 وحتى نيسان 2021 وكلفة الحرب الآمريكية في أفغانستان قد بلغت , حسب المتاح من المعلومات, نحو 2.400 مليار دولار, وحوالي 2448 جندي قتيل و20660 جريح عدا القتلى والجرحى من الآفغان وغيرهم  وهم كثيرون. كما إن الولايات المتحدة كانت أقترضت مبالغ مالية ضخمة قدرت بنحو ترليوني دولار, وبفائدة تصل قيمتها حتى عام 2050 نحو 5و6 ترليونات, لتغطية تكاليف الحرب. لذا أن عدم فض مثل هذا الصراع العسكري  يعني ديمومة صراع لا ينطوي على احتمال تحقيق أي قيمة مضافة, ومن ثم هو صراع  مكلف لا جدوى منه. ولنتذكر أن الرئيس الآمريكي , جو بايدن, كان قد كرر ذلك مرارأ مؤكدأ رؤيته ذاتها عندما كان نائبأ للرئيس في إدارة باراك أوباما وأيضأ عندما كان مرشحأ للرئاسة الآمريكية عام 2020. كما أنه اكد” … إن تأجيل خروج القوات الآمريكية من أجل إظهار تصميم الولايات المتحدة تجاه حلفائها هو في نهاية المطاف ممارسة غير مجدية لن تنتهي الإ بإضعلف النفوذ الآمريكي الإقليمي والعالمي.” إن هذا التأكيد إنما يؤكد حقأ تاثير البرغماتية في  عموم التفكير والسلوك الآمريكي .

 ويتفاعل هذا المدخل مع الإستجابة الإيجابية لمطالب داخلية شبه عامة إستمرت تدرك أن الصراع مع حركة طالبان لا يقبل الفوز, ومن ثم كانت تدعو إلى الإنسحاب السريع ولكن المنظم من أفغانستان, وكذلك يتفاعل مع رؤية الإدارة ألآمريكية للنظام الآفغاني كنظام فاسد وضعيف وعاجز عن ضمان الوحدة الآفغانية. لهذا لم يكن,على الآرجح, الدفاع عن هذا النظام من بين أولوياتها الإستراتيجية. ومما يدعم  ما تقدم أن هذه الإدارة كانت, مثل سابقتها, قد دخلت مع حركة طالبان في مفاوضات دون الإستئناس المسبق برأي الحكومة الآفغانية السابقة.

2.الإستعداد للتعامل مع تحديات راهنة ومستقبلية مهمة.

داخل المؤسسات المشاركة في عملية صنع القرار الآمريكي ينتشر رأي مفاده أن إرهاب الجماعات إلإرهابية, ومثالها حركة الشباب في الصومال, والقاعدة في شبه الجزيرة العربية, وداعش في العراق وسوريا وغيرها, وإن ينطوي على تهديد للمصالح الآمريكية. هنا وهناك, بيد إنه ليس التحدي الآبرز, وإنما التحديات الراهنة وكذلك المستقبلية, التي تشكلها الصين, وروسيا الاتحادية, وكوريا الشمالية, وإيران, للولايات المتحدة. ودعاة هذا الرأي يؤكدون إن الإستمرار في حروب لا يمكن الفوز بها ينطوي على دعم مضاف لتردي تلك الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية الداخلية, وإستنزاف القدرات, الآمريكية في مواجهة ثمة منافسين دوليين تزداد قدرات بعضهم على تهديد المكانة الدولية للولايات المتحدة ومن ثم مصالحها العالمية. ومن هنا يدعون إلى الإنصراف إلى التعامل مع التحديات الآكثر تاثيرأ ويقينية , وبضمنه إعادة التموضع الآمريكي في العالم, وإعادة ترتيب أولويات السياسة الخارجية الآمريكية على وفق نوعية أهمية هذه المنطقة الجغرافية, أو تلك, وخصوصا في القارة الآسيوية, للمصالح الآمريكية العليا .

  1. توظيف تداعيات الواقع الجديد في إفغانستان لتحقيق أهداف سياسية خارجية أمريكية منشودة.

جراء نوعية موقعها الجغرافي في أسيا الوسطى, تُعد أفغانستان دولة مهمة جيوإستراتيجيا وكذلك سياسيأ . وأهميتها تكمن في أنها تجاور الصين من الشرق, وباكستان من الجنوب, وإيران من الغرب, والدول الإسلامية في الآتحاد السوفيتي السابق من الشمال. إن تفاعل هذا الموقع المهم مع التحول الجوهري في طبيعة النظام السياسي الآفغاني إلى أخر مختلف عن الذي كان قبل الإنسحاب الآمريكي, يجعل من أفغانستان ساحة دولة يقترن فيها التعاون بالصراع بين أفغانستان ودول جوارها الجغرافي. فهده الدول لها مصالح مهمة في أفغانستان تدفع بها إلى تطويرعلاقاتها الثنائية, بيد أن خشيتها من تاثر مكونات من مجتمعاتها بالتغيير الآفغاني ودعم حركة طالبان  لهذه المكونات قد يفضى إلى إقتران علاقاتها الثنائية بالصراع, وهو الآمر الذي يتيح للولايات المتحدة ثمة فرص للضغط على دول الجوار الآفغاني على نحوٍ مضاف, ترغيبأ و/أو ترهيبأ.  ولا يسمح مجال هذا المقال الدخول في تفاصيل إحتمالات التعاون والصراع بين أفغانستان ودول الجوار خصوصا والسياسات الآمريكية حيال هذه الآحتمالات.

أما بالنسبة لحركة طالبان, فهذه الصفقة أنطوت على فرصة ثمينة لتوظيف واقع أفغاني داخلي كان يتميز بالتفكك سبيلآ لعودتها إلى السلطة والحكم وبأقل الخسائر المادية والبشرية, ومن ثم تجنب الإستنزاف لقدراتها. وقد أكد الواقع أن السيطرة على كابول أفضى إلى استكمال السيطرة على جل أفغانستان بسهولة وفي وقت لم تستطع حتى المخابرات الآمريكية توقعه بدقة.

واما بالنسبة  للطرفين معأ, فمن المحتمل إنهما قد إدركا أن إستسلام أحدهما للآخرلا يبدو ممكنأ أو محتملا, هذا لقدرتهما, كلا على إنفراد, على الإستمرار في المقاومة وإيقاع الخسائر الباهظة في الطرف الآخر. ومن هنا كان فض صراعهما سلميأ هو الإستراتيجة المثلى للتعامل مع بعض خدمة لآهداف سعى الطرفان إلى تحقيقها

ثالثأ. أفغانستان مستقبلات الحاضر

  كحقل معرفي عابر لحدود العلوم  لا تسعى دراسات المستقبلات إلى التنبؤ الجازم بما سيكون مستقبل الحاضر في زمان لاحق ومحدد , فهذا يُعد خارج القدرة الإنسانية على الرغم من التراكم السريع للمعرفة, وإنما تسعى إلى إستشراف ما يُعد ممكنأ أو محتملآ من المشاهد. وتجدر الإشارة إلى أن دراسات المستقبلات تعمد إلى التفرقة بين  مقاربات التنبؤ والإستشراف. وعلى الرغم من إنو الإستشراف يحتاج عادة إلى معرفة كافية بواقع الموضوع, الذي يتناوله وإتجاهاته, بيد أن بداية الواقع الآفغاني بالتبلوروالتطور التدريجي  تتيح  إمكانية تقديم إستشراف يحظى بالمقبولية في الآقل لمستقبلات أفغانستان في عام 2026 . لذا نتساءل ما هي هذه المستقبلات؟ إننا نرى أنها تكمن في ثلاثة مشاهد مستقبلية ممكنة و/أو محتملة, وكالاتي:

  1. مشهد أفغانستان دولة ثيوقراطية/دينية متطرفه

يتأسس هذا المشهد على ما يفيد أن طالبان هي حركة, ومنذ التأسيس, تعلن أن الدين الإسلامي, وحسب مفهومها له, هو مرجعيتها الآساس , وإنها تسعى إلى أن تكون أفغانستان  ولاية تطبق الشريعة الإسلامية على شتى الصعد , وتُحي سنة الآمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وبهذا التوجه تشترك حركة طالبان مع الجماعات الإسلاموية الآخرى في هدف مشترك هو أقامة نظم سياسية إسلامية/ مذهبية التوجه والوظائف والهياكل في الدول التي تنشط فيها . ولايشير واقع هذه الحركة في الماضي إلى تراجع أخذها بالإيديولوجية الدينية. ومع غير المحتمل أن تتراجع عنها بعد وصولها إلى سدة الحكم مرة أخرى. فمثل هذا التراجع يسحب عنها أساس وجودها وشرعيتها وبما قد يؤدي إلى تفككها داخليا وتأكل تاثيرها تدريجيا لصالح قوى أفغانية أخرى وبعضها منافسة . ومما يساعد على عدم التراجع أنها تتكون من جماعات ملتزمة ومتشددة ومختلفة. وقد أكدت التجربة الآولى لحكم طالبان تاثيرهذا التشدد على أنماط سلوكها داخل أفغانستان وكذلك على سياستها الخارجية.

  1. مشهد أفغانستان دولة مدنية

لا يلغي تبني الدين الإسلامي كدين رسمي للدولة أن تكون الدولة الإسلامية دولة مدنية من حيث التوجه والوظائف والهياكل. ويفيد الواقع أن جل الدول الإسلامية الراهنة هي مدنية, وإن بنسب ودرجات متباينة. وأفغانستان طالبان يمكن أن تكون كذلك أيضأ. وعلى الرغم من أن الفترة القصيرة منذ الإنسحاب الإمريكي ليست كافية لتلمس إتجاه طالبان نحو تأسيس مثل هذه الدولة, إلا أن ثمة أنماط لسلوكها تتضمن إشارات  قد توحي إن طالبان قد بدأت بذلك, ومثالها اصدار العفو العام , وتكرارالتأكيد على احترام حقوق المرأة في التعلم والعمل وعلى وفق الشريعة الإسلامية, واحترام حرية الرأي وغير ذلك من التطمينات. وتفيد هذه الإشارات أن حركة طالبان قد تعلمت من تجربتها السابقة وتجربة المرحلة السابقة قبل الآنسحاب. فعلى الرغم من أن أفغانستان  تُعد من الدول المتأخرة تنمويأ, إلا أن قدر من الحداثة قد عاشته. فالنساء الآفغانيات مثلا لم يتعلمن ويعملن فحسب, وأنما أصبحن أيضأ قياديات كوزيرات وقاضيات ونائبات وصحفيات مثلا. وحركة طالبان قد تستطيع التغاضي عن هذا التطورالداخلي الهام وسواه, وكذلك عن مخرجات عملية التغيير السريع, التي تلف العالم  منذ زمان . بيد أن هذا التغاضي لا يمكن أن يكون إلا مؤقتا. فالمصالح تستدعي ذلك. لآن غير ذلك يؤدي إلى تكريس العزلة الدولية وتفاقم المشاكل الداخلية الراهنة, أقتصاديأ واجتماعيأ

3, مشهد أفغانستان دولة مدنية بقيادة إسلامية

يُعبرهذا المشهد المركب عن حالة وسطية بين مضامين المشهدين أعلاه . ونحن نرجح إحتمالية هذا المشهد على سواه. إذ, وبإختصار, لا الواقع الآفغاني الداخلي, ولا الحاجة للإنفتاح على العالم الخارجي, يسمح لحركة طالبان الآخذ بأحداهما فقط, وإنما الجمع بينهما بهما معا يمكن تمهيد السبيل للتنمية والعلاقات الخارجية الآيجابية. إضافة إلى أن هذا المشهد لا يُعد غريبأ على الواقع الدولي. فالعديد من الدول الإسلامية  تجمع بين مدنية الدولة وإسلامية قيادتها كتركيا مثلا. ومثلما يتعامل ويتعاون العالم مع هذه الدول الإسلامية , من المرجح ان يتعاش العالم  أيضا مع أفغانستان في ضوء هذا المشهد. وعديدة هي المؤشرات الدالة على ذلك.

*استاذ العلوم السياسية/السياسة الدولية وإستشراف المستقبلات

العدد 121 / تشرين 2021