لبنان عاد الى الاتفاقات الاقليمية الاقتصادية من بوابة إستجرار الطاقة

داعمو نجيب ميقاتي يفتحون ابواب العالم امامه… ولكن

بيروت- غاصب المختار

من فرنسا بدأ رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي رحلة فتح الابواب الدولية الموصدة امام لبنان منذ اكثر من عام. ومنها الى بريطانيا حيث التقى وزير الدولة لشؤون الشرق الاوسط وافريقيا. وان كانت الابواب غير مشرّعة بالكامل بانتظار الاصلاحات الموعودة، التي قدّم في بيان حكومته الوزاري تعهدات بإنجاز ما امكن منها خلال فترة حكومته، التي لن تمتد الى اكثرمن ايار – مايو من العام المقبل بعد إجراء الانتخابات النيابية العامة، بالتوازي او بمواكبة مع صندوق النقد الدولي للمضي في تنفيذ خطة التعافي الاقتصادي للبنان.

عوائق امام الإصلاحات الكاملة

 تعهد الرئيس ميقاتي للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون خلال لقائه به في باريس، بإجراء الاصلاحات الاقتصادية والمالية والمصرفية والادارية، لكن حسب معلومات “الحصاد” من مصادرميقاتي فهو ابلغ ماكرون عدم القدرة على إنجاز كل الاصلاحات المطلوبة لأسباب كثيرة، منها ضيق وقت الحكومة وعمرها القصير (قرابة خمسة اشهر قبل الدخول في تحضيرات الانتخابات النيابية في آذار – مارس المقبل)، والخلافات السياسية حول الخطة الاصلاحية التي طرحت في حكومتي الرئيسين سعد الحريري وحسان دياب السابقتين ولم يمكن تحقيقها بسبب هذه الخلافات، وهي

رئيس وزراء الاردن في  بيروت إحياء اللجنة المشتركة

الخطة التي تحوم حولها انتقادات وملاحظات لجهة اعتمادها على تحرير سعر العملة الوطنية بالنسبة للدولار، ورفع الدعم الرسمي نهائياً عن المواد الغذائية والسلع الاستهلاكية والمحروقات، ما يعني تفلّت السوق وفوضى المضاربة، وزيادة الضريبة على القيمة المضافة بما يفوق طاقة المواطنين من ذوي الدخل المحدود او المتدني، وخصخصة قطاعات عديدة للدولة منها الكهرباء والاتصالات والنقل العام ومرافق اخرى، قد يكون بينها حسب بعض الاقتراحات خصخصة ادارة مرفأ بيروت.عدا ترشيق القطاع العام بخفض عدد الموظفين بشكل كبير ما يعني مزيداً من البطالة، ومزيداً من تفاقم الازمة المعيشية التي يعانيها اللبنانيون حالياً.

الخلاف قائم على مفهوم الخصخصة وشروطها وفائدة الدولة منها، حتى لاتضيع الاموال هباء كما حصل عند خصخصة قطاع الهاتف الخلوي قبل استعادته للدولة من قبل الرئيس اميل لحود، حيث كانت حصة الدولة منه نحو 800 مليون دولار سنويا، بينما صارت بعد استعادة الدولة له بالمليارات.

جولات خارجية لكن مشروطة

المهم ان الرئيس ميقاتي شق طريقه نحو الانفتاح على العالم، وتقول مصادره انه بصدد القيام بزيارات اخرى تشمل مصروالكويت وقطروالاردن والعراق وتركيا، لكن برنامجها لم يوضع بعد لحين الانتهاء من تثبيت اقدام الحكومة الجديدة وتمكنها جيداً من الملفات الخطيرة المطروحة امامها. إلّا ان ميقاتي اجرى مروحة اتصالات واسعة مع زعماء ورؤساء حكومات هذه الدول تمهيداً لوضع برنامج الزيارات وسبل الدعم، وبناء عليه اوفدت بعض الدول كمصر والعراق والاردن وفوداً لزيارة لبنان ولوضع اسس التعاون المستقبلي. حيث زار بيروت رئيس وزراء الاردن بشر الخصاونة وجرى الاتفاق على عقد لقاءات وزراية لبحث اجراءات استجرار الكهرباء والغاز من الاردن ومصر،

ميقاتي مع ماكرون فتح الابواب

واحياء اللجنة اللبنانية الاردنية المشتركة. كماحطّ في بيروت وزير خارجية ايران حسين أميرعبد اللهيان.

و ثمة حديث عن موفدين أميركيين وروس وأوروبيين سيزورون بيروت في الأسابيع القليلة المقبلة. وقد بدأت طلائعهم بزيارة السفير الفرنسي المفوض ادارة مساعدات مؤتمر سيدر الاقتصادي بيار دوكان، ووزير الشؤون الخارجية الالماني نيلز آنين، ووزير الخارجية القبرصي. ووفد من إدارة صندوق النقد للتوافق على آلية التفاوض بين الصندوق والحكومة اللبنانية، في ظل إرادة فرنسية وأوروبية بتسريع وتيرة المفاوضات من أجل إبرام تفاهم بين الجانبين قبل نهاية السنة الحالية.

وكشفت مصادر دبلوماسية لبنانية لـ “الحصاد” أنّ باريس باشرت إتصالاتها بـ “مجموعة أصدقاء لبنان” لجسّ نبضها حول إمكانيات تقديم دعم سريع للحكومة، بالتوازي مع تحضيرات فرنسا لعقد مؤتمر دولي للمانحين في اقرب فرصة، بالتوازي مع بدء مفاوضات الحكومة مع صندوق النقد الدولي، الذي شكلت الحكومة في اول جلسة رسمية لها نهاية ايلول – سبتمبر الماضي الوفد المفاوض معه.وباشر الوفد فورا حسب مصادره تحضيرملف المفاوضات، وقال رئيسه نائب رئيس الحكومة الدكتور سعادة الشامي لـ “الحصاد” ان الوفد باشر مهامه فور تشكيله ونحن بصدد تحضير الملف وتوحيد الرؤية لمقاربة التفاوض.

وفي السياق، لم يستبعد السيناتور الاميركي ريتشارد منتال الذي زار بيروت في أيلول – سبتمبرالماضي، للبحث في سبل دعم الجيش اللبناني، فكرة “خطة مارشال المصغرة للبنان لأن مصالحنا الأمنية تعتمد عليها”، حسبما قال.

مقابل هذه الحركة الخارجية، ثمة حركة داخلية للسفراء الاوروبيين تجاه المسؤولين اللبنانيين، حيث التقاهم مؤخرا الرئيس ميقاتي. كما قال رئيس لجنة الشؤون الخارجية النيابية ياسين جابرلـ “الحصاد” : ان اللجنة تعمل بهدؤ وصمت بعيداً عن الاعلام، وهي عقدت لقاءات وأجرت إتصالات مع عدد من السفراء العرب والاجانب، من اجل الوقوف على رأيهم ومواقف دولهم في الوضع اللبناني وإمكانيات مساعدة لبنان ولو بالحد الادنى حالياً. واوضح ان تركيز سفراء الاتحاد الاوروبي كان على موضوع إجراء الانتخابات النيابية في موعدها مهما كانت الظروف. اضافة الى موضوع الاصلاحات البنيوية في الاقتصاد والادارة لتقديم الدعم للحكومة الجديدة.

تنشيط سوري

على خطٍ موازٍ، ثمة معلومات عن أنّ اتصالات تجري بعيداً عن الأضواء بين قيادات سياسية حليفة لسوريا وشخصيات سورية رسمية، بهدف إعادة تنشيط العلاقات اللبنانية السورية رسمياً بعد التراجع الذي شهدته خلال السنوات الماضية. وكشفت المعلومات عن توجّه لإعادة  تفعيل المجلس الأعلى اللبناني السوري الذي انبثق عن معاهدة الأخوة والتنسيق الموقّعة بين لبنان وسوريا عام ١٩٩١ وتم تجميده بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري عام 2005 .

 ووفق المعلومات فإنّ موافقة سوريا على استجرار الغاز المصري وكهرباء الأردن عبر أراضيها، شكّل دافعاً مهمّاً لاستعادة العلاقات ولو ببطء، إضافة إلى عوامل أخرى مثل انتهاء الحرب السورية.

ومن المقرّر كما تضيف المعلومات أن تعقد لقاءات لن تتأخر كثيراً بين وزراء من البلدين لتنشيط العلاقات وإجراء تعديلات على عدد من الإتفاقات الإقتصادية.

ومع ذلك مازال الرئيس ميقاتي يتعامل ببراغماتية مع الموضوع السوري، فلا يمانع بزيارة وزرائه الى دمشق للتنسيق وفتح ابواب التجارة والاقتصاد والنقل والشحن البري والترانزيت، خاصة بعد فتح معبر جابر بين الاردن وسوريا، وهو وافق في احدى جلسات مجلس الوزراء على تكليف وزير الاشغال العامة والنقل علي حمية رسميا التفاوض مع سوريا على الغاء رسوم مرور الشاحنات اللبنانية عبر الاراضي السورية انطلاقاً من مبدأ  المعاملة بالمثل كون الشاحنات السورية التي تدخل لبنان لا تدفع اي رسوم. ولكن ميقاتي  لن يقوم بأي خطوة اوسع لا سيما على الصعيد السياسي، حيث علمت “الحصاد” ان الادارة الاميركية وافقت على رفع العقوبات المتعلقة بإستجرار الكهرباء والغاز عبر سوريا الى لبنان لكن شرط عدم استئناف العلاقات السياسية الكاملة مع السلطات السورية.

وفي هذا الصدد قالت مصادرمتابعة للحراك باتجاه سوريا وبعض الدول العربية الاخرى، ان هذا الانفتاح ليس هدفه فقط تأمين الطاقة للبنان، بل هو في المحصلة النهائية اعاد لبنان الى الاتفاقات الاقليمية الاقتصادية والسياسية، وسيلي ذلك طلب لبنان من الادارة الاميركية توسيع مروحة الاستثناءات من عقوبات قانون قيصر لتلبية مقتضيات تنفيذ خطة التعافي الاقتصادي.

… وروسي ايضاً

وذكرت مصادر مطلعة بأن روسيا لن تتراجع عن رغبتها في الاستثمار في لبنان ودعم اقتصاده وتنفيذ مشاريع انمائية وبنيوية مهمة فيه لا سيما في مجالي الكهرباء والطاقة والبنى التحتية، بالرغم من عودة التقارب الغربي العام مع بيروت، اذ ان جدية موسكو في التعاطي مع الملف اللبناني كبيرة جدا. انطلاقاً من كون لبنان بوابة رئيسية واساسية نحو سوريا.

لكن المصادر اشارت الى ان روسيا لن تدخل في منافسة مع فرنسا حول إعادة إعمار مرفأ بيروت، لأنها تدرك اهمية هذا المرفق بالنسبة لباريس، مع انها سبق وعرضت المساهمة في إعادة إعماره. عدا عن إدراكها ان لفرنسا دوراً كبيراً في لبنان لا يمكن ولا يجوز ان ينافسها احد عليه، لأنها الاقدر على فهم التفاصيل اللبنانية، والمقبولة اكثر من قبل السلطات اللبنانية وغالبية الشعب اللبناني.

واضاف المصدر: لكن هذا لا يعني ان روسيا ستغيب عن لبنان، بل سيكون لها دور اساسي فيه سياسياً واقتصادياً،لأنها باتت عنصراً اساسياً في استقرار الوضع الاقليمي، وهي تعمل على تعزيز هذا الاستقرار الذي يشمل لبنان.

ابواب الخليج؟

لكن المصادر الدبلوماسية اوضحت ان ابواب دول الخليج لن تُفتح بسهولة امام الرئيس ميقاتي ما لم يتم التوافق قبلاً مع المملكة العربية السعودية، التي لا زالت تقفل ابوابها امام اي حكومة لبنانية، وهي قررت منذ سنوات عدم التدخل المباشر في لبنان، بسبب موقفها من الحكومات التي تشكلت وضمّت ممثلين عن “حزب الله”، وهي اشترطت علناً وقف تدخل الحزب في اليمن ودعمه لـ “الحوثيين” عندها تفكر بوسائل دعم لبنان.

وقد دخلت مصر والاردن وفرنسا على خط محاولة إقناع السعودية بالانفتاح على لبنان ودعم الحكومة ولو معنوياً وسياسياً إن لم يكن مالياً، على امل ان يقوم الرئيس ميقاتي بزيارة المملكة مفتتحاً جولة خليجية، كما جرت اتصالات مع الادارة الاميركية للغاية ذاتها، لكن لم يحقق هذا المسعى اي نتيجة.

وذكرت بعض مصادر المعلومات، ان ديبلوماسيين فرنسيين ابلغوا المعنيين في لبنان ان لا يأملوا كثيرا في الموضوع السعودي، علماً ان الرياض لن تكون سلبية بالكامل تجاه لبنان لكنها لن تكون مساهمة بالانقاذ. ولكن الفرنسيين اعطوا ضمانات انهم سيؤمنون دعما خليجياً للبنان بغض النظر عن الموقف السعودي، وتحديدا من قطر والكويت ولاحقا من الامارات العربية المتحدة.

هذا الموقف السعودي لم يمنع الرئيس ميقاتي من فتح الابواب الاخرى المتاحة، ولم يمنع دول مثل الاردن من ايفاد رئيس الحكومة الاردنية بشر الخصاونة الى بيروت، ولا وزير الطاقة اللبناني وليد فياض من زيارة القاهرة وعمّان، للبحث في تنفيذ اتفاق جر الكهرباء والغاز الى لبنان، ولا إحياء اللجنة اللبنانية – الاردنية المشتركة بين البلدين لاستعادة التنسيق والتعاون في كل المجالات. وثمة نية لإحياء اللجنة اللبنانية – المصرية ايضا للغاية ذاتها.

العدد 122 / تشرين الثاني 2021