لكلِّ مقامٍ… المؤثّرون الجدد وثقافة الافتراض

بات الزمنُ الراهن أسيرَ فرضيةٍ لا يقين فيها. احتمالاتُ حدوثِها مساويةٌ لعدمه. الكرةُ الأرضية تتقلّبُ على مزاجيةِ الحدوث وافتراضِ واقعٍ متخيَّل.

سِماتٌ ثقافية جديدة غزَت العالم وملامحُ هجينة استُبدلت بها الأصيلة الحائرة. فعمّ الارتباك بنيوياً وعمودياً، وهنا تكمن الخطورة في استعادة بنيان ثقافي حضاري سوسيولوجي، لأن الغزو الحديث تسرّب إلى العمق وإلى باطن منظومة قِيميّة فتشلّعت أساساتها.

في قلب المتاهة التي يدور فيها العالم، تكثر الإغراءات وتعظم مكامن الجذب الساحر لتطال كل إنسان مهما كانت خياراته ومجالاته، فينضم الجميع صاغراً راضياً سعيداً بالأرض الجديدة ولو كان قوامها أثيرياً هيولياً ومتعدد الأبعاد، لتكون له أرضَ الميعاد ووجهةَ الحلم. في هذه الأرض تختلف مقوّمات البقاء على قيد الحياة، عمّا هو متعارف عليه. هنا، يحتاج الكائن المفترض إلى حمض نووي من نوع آخر وهو أن يكون موصولاً Connected وإلا، بتلقائية، يخرج من عداد الزمن. في هذه الأرض يحتاج الكائن المفترض إلى رئتين سحيقتين للاستعاضة عن النفس المقطوع عند انقطاع التواصل. المثال الفاقع على ذلك، وقوع شركات التواصل الاجتماعي الكبرى في ذلك، لتخسر المنصّة الأم “فايسبوك” 20 مليار دولار في ساعات قليلة، وتحلّ النكبة على المستخدمين لنصبح، جميعاً، أيتاماً، مرضى، غرباء، تائهين، فاقدي البصيرة نتلمّس خطواتنا في الكون الافتراضي الرهيب.

في زمن الأمّية الجديدة، ربح العالم تطوّراً هائلاً قدّم للبشرية إنجازات علمية تفوق الخيال. وفي زمن العولمة خسر العالم سماتٍ إنسانية وقِيماً روحية صارت من العصور الغاربة، لتختفي معها معادلات قامت عليها عصور التنوير، ويسطو غياب الأفكار واضمحلالها، وتسطيح الثقافة وتهشيمها، والأهم انطفاء الجدلية باعتبارها القوة الدافعة خلف حركة التاريخ البشري بحسب فوكوياما.

يعيش العالم اليوم نوعاً جديداً من “صراع الحضارات” قوامه التغيير التسطيحي الذي يقوده المؤثّرون الجدد، وعلى التأثير المدمّر الذي ترسيه معادلةُ “غزو البلهاء” الذي تنبأ بها أمبرتو إيكو، ناسفاً في العمق مقولة صموئيل هنتنغتون أنّ الاختلافات الثقافية ستكون المحرّك الرئيسي بين البشر، لأن، وببساطة شديدة، لم تعد ثمّة ثقافات لتكون هناك اختلافات.

العدد 122 / تشرين الثاني 2021