المستقبل العراقي بعد انتخابات 2021

د.ماجد السامرائي

حصلت انتخابات العراق 2021 تحت عنوان الانتخابات المبكرة حيث جاء هذا التخصيص الزمني قبل ستة شهور من الانتخابات التقليدية التي كان من المفروض حصولها في شهر أبريل من عام 2022 , كانت ثورة أكتوبر 2019 هي المطالبة بإحداث انتخابات مبكرة كجزء من مطالب متعددة مثل سن قانون جديد للانتخابات وتعديل الدستور والكشف عن أسماء قتلة شباب ثورة أكتوبر ال 600 إضافة الى أكثر من خمس وعشرين ألف جريح .

كان الفعل الرئيسي المباشر الأول للثوار الشباب إزاحة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي الذي تبوأ منصبه عام 2018 عبر صفقة توافق بين الأحزاب الرئيسية الحاكمة للبلد , لكنه طبّق سياسة واجراءات أمنية سهلت مهمات القتلة من المليشيات المسلحة , كانت الشهور (   13  ) التي قضاها في الحكم من أسوأ عهود عراق ما بعد 2003 , كان يتبجح بصرفه مخصصات ( جيب ) مليون دولار شهرياً لا يُحاسب على جهات صرفها .

 الهدف من عمليات الاغتيال البشعة منذ أكتوبر 2019 بحق 600 شاب وشابة كان منع تشكيل جبهة من شباب الشارع العراقي للمنافسة في الانتخابات البرلمانية ، ومنذ اندلاع الاحتجاجات حتى الآن نجحت أكثر من ثلاثين عملية اغتيال من أصل ثمانين قامت بها عناصر مجهولة لم يُلقَ القبض على أيٍّ منهم حتى اللحظة، ومن بين المحاولات الناجحة أتى اغتيال الهاشمي في يوليو/تموز 2020 أمام منزله وأبنائه ليُجسِّد سطوة الميليشيات ولا مبالاتها بمكانة الرجل، ومكانة أيٍّ ممن سعوا لكبح نفوذها في بغداد.

ظلت ثورة الشباب تتابع حركة رئيس الوزراء الجديد مصطفى الكاظمي الذي تم تكليفه من قبل الأحزاب من خارج كتلها كسابقه عادل عبد المهدي , لكنه مُحمّل بمهمة رئيسية اعترف بها مرات عديدة بعد تنصيبه هي : إجراء انتخابات مبّكرة كان المفروض أن تحدث منذ أوائل عام 2020 لكن الأحزاب المتسلطة وضعت العراقيل أمام تشكيلها بذلك الوقت المبكّر ليتطابق مع وظيفتها كما لم يعلن الكاظمي أسماء المجرمين قتلة الشباب ولم يلق القبض على أي منهم . من السخريات التي رافقت سياسات الكاظمي في هذا المرفق الحساس إنه أعلن عن إلقاء القبض على المدعو قاسم مصلح أحد قادة الحشد الشعبي تحت المادة أربعة إرهاب وهي مادة قانونية كانت دائماً ما تطبق على المعتقلين من الإرهابيين حيث لا تجوز على المطبقة عليهم الكفالة او إطلاق السراح المشروط أو غيرها . بعد اعتقاله اقتحمت الفصائل الولائية لإيران المنطقة الخضراء وطوّقت مكتب رئيس الوزراء الكاظمي الذي خضع لابتزازها واطلق سراح مصلح تحت عنوان ” لعدم كفاية الأدلة ” .

قانون جديد للانتخابات لم يغيّر قواعد اللعبة

القانون الانتخابي الجديد الذي استمرت مناقشته داخل البرلمان لمدة شهرين صدر على فرضية جعل العراق دوائر انتخابية متعددة بعد أن كان العراق دائرة واحدة . القانون الجديد كذلك استبدل التنافس عبر القوائم الى التنافس عبر الأسماء ذلك يعنى إن المُرشّح من منطقة ما يفوز على غيره بأعلى الأصوات . تم تغيير المفوضية العليا للانتخابات السيئة الصيت بانتخابات صحيح إنها من القضاة لكن واقع الحال هم القضاة الذين ترشحهم الأحزاب الحاكمة . هكذا أية فعالية إجرائية تتعلق بالعملية الانتخابية لا يمكن أن تُستحدث من دون أن تخدم سلامة مستقبل قادة الأحزاب ومواليهم في الانتخابات التي استقرت تلك الأحزاب على إجرائها في العاشر من أكتوبر 2021 . فيما لم يتم التحرّش بقانون الأحزاب العراقي لكي توضع فيه ضوابط تمنع تدفق المال السياسي للأحزاب السادة وهذا الذي حصل فيما بعد خلال فترة الدعاية الانتخابية قبل يوم من الاقتراع الانتخابي حيث كشفت مظاهر الدعاية الانتخابية للأحزاب الرئيسية تحت أسماء أصحابها وليس عناوينها مدى البذخ الفاحش للمال السياسي المتدفق من السرقة والفساد عبر اللجان الاقتصادية لتلك الأحزاب .

فعالية الاقتراع والنتائج

تنافس على المقاعد النيابية 3249 شخصاً و21 تحالفاً و109 حزب ,ليصبح العدد الكلي لمقاعد البرلمان الجديد 329 نائباً فيما وضعت ” كوتة ” خاصة للنساء بنسبة 25% .  قُسم الاقتراع الانتخابي الى قسمين : الخاص المتعلق بمنتسبي القوات المسلحة والأمن والمسجونين والنازحين كان تاريخ هذه الفعالية 8 – 10 أما الاقتراع العام فحصل في العاشر من أكتوبر 2021 . حاولت المفوضية العليا للانتخابات بقيادتها الجديدة خلال الأيام القصيرة التي سبقت يوم الاقتراع أن تبدو بأنها مهنية وذات مصداقية عالية ,. قد يكون ذلك قد تحقق بنسبة بسيطة قياساً على انتخابات 2018 لكن الطعون من الجهات الفنية اعترضت على نسبة 41% التي أعلنتها كنسبة مشاركة شعبية . ذكرت تلك الجهات إنها مغالطة تخالف النسبة الرياضية البسيطة , فوفق الأرقام التي ذكرتها المفوضية قالت إن 9 ملايين شاركوا في الانتخابات من مجموع 25 مليون نسمة فلو تم تقسيم 9 ملايين على 25 مليون وضربها برقم مائة لظهرت النتيجة 36% وليست 41% حسب المعلن من المفوضية , فيما إن نسبة المشاركة الحقيقية لم تتجاوز 4 ملايين نسمة وبذلك لا تتجاوز النسبة 16% كذلك راقبت تلك الجهات الفنية المختصة العيوب والعطلات للأجهزة الألكترونية في مئات المراكز الانتخابية , اضافة الى الخيبة التي عبرت عنها مسؤولة الأمم المتحدة في العراق ( يونامي ) بأن نتائج الاقبال الشعبي مخيية للآمال , ساندتها في ذلك مسؤولة البعثة الأوربية المراقبة للانتخابات .

لحد كتابة هذا التقرير لم تعلن النتائج النهائية , لكن يمكن للنتائج الأولية أن تعطي مؤشرات واضحة قريبة من الواقع على اتجاهات العملية الانتخابية . والملفت المثير للسخرية إن الناطقة باسم المفوضية العليا للانتخابات أعلنت في مؤتمر صحفي مُتلفز بأن خدمات مفوضية الانتخابات مجانية .

النتائج الصادمة هي تراجع كتلة الفتح برئاسة هادي العامري الموالي لإيران والتي تضم القوى السياسية التابعة للمليشيات تحت عناوين الحشد والمقاومة فبعد أن حصدت الفتح  عام 2018 48 مقعداً حصلت الآن على 14 مقعداً مما أثار هادي العامري معلناً بأن الانتخابات مزيفة رد عليه المنتصر الحاصل على 73 مقعداً مقتدى الصدر برفض الدعوات الإقليمية والداخلية المشككة بالنتائج . فيما حصل تحالف تقدم برئاسة محمد الحلبوسي على الموقع الثاني ب 38 مقعدا تلاه تحالف نوري المالكي 37 مقعدا فيما حصل التحالف الكردستاني على 32 مقعدا أما التكتل الكردي الاتحاد الوطني فقد حصل على 15 مقعدا . النتيجة الصادمة الأخرى هي ان كلا من تحالف عمار الحكيم وحيدر العبادي حصل كل منهما على مقعدين فقط . فيما حصل الحراك الشعبي وأحد الناشطين من ثورة أكتوبر على 10 مقاعد لأول مرة .

 كانت آمال المليشيات معقودة على تقدم ممثليها في البرلمان الجديد لنقل وتجسيد السياسات الإيرانية بكل سلاسة وبلا تعقيدات داخل البرلمان أهمها معاودة الضغط على تنفيذ قرار ترحيل القوات الامريكية من العراق وعدم الاكتفاء بتحويل مهامها من قتالية الى استخبارية مثلما تقرر من قبل الرئيس الأمريكي بايدن خلال مقابلته لرئيس الوزراء مصطفى المالكي نهاية يوليو الماضي .  تعني تراجع القوى المليشياوية  , بما يعني فتح معركة النفوذ على مصراعيها بين القوى ” الشيعية ” الحاكمة المتمثلة برغبة مقتدى الصدر الهيمنة وتقرير رئيس الوزراء المقبل يقابله نوري المالكي الذي من المحتمل أن يعقد تحالفات مقابلة من قبل بعض حلفائه المؤيدين لإيران , ليصبح للكتلة الكردية بقيادة مسعود البرزاني وزن التأثير بما سمي سابقاً ويحضر الآن ببيضة القبان أما الذهاب مع المالكي وتحالفاته أو مع مقتدى الصدر وتحالفاته , ثم ليشكل الرقم السني عبر الفائز محمد الحلبوسي مركزاً مهما في هذه اللعبة .

وسط أمواج الصراع حول مركز النفوذ السياسي الأول يغّرد رئيس الوزراء الحالي لوحده في حلمه باستمراره في رئاسة الوزارة رغم الإعلان الصريح لمقتدى الصدر بأن رئيس الوزراء يجب أن يكون صدرياً , لكن الفقه ” الشيعي ” يجيز نظرية ( التقيّة ) فقد يقصد مقتدى الصدر أن يكون رئيس الوزراء المقبل موافق عليه من قيادته الصدرية . كما نشرت صحيفة وول ستريت جورنال أخيراً تقريراً قالت فيه ” يبدو أن الكاظمي يجهز نفسه للبقاء في منصبه من خلال صفقة ما بعد الانتخابات بين القوى السياسية المتنافسة في البلاد، لكنه يواجه معارضة شديدة من الجماعات المدعومة من إيران التي تتهمه بالتورط في مقتل سليماني وأبو مهدي المهندس عام 2020.”

لا تُهدِّد هذه المجموعات العسكرية المسلحة والمُموَّلة من الخارج أمن العراق واستقراره فحسب، بل تُهدِّد علاقاته الخارجية أيضا نظرا لارتباطها الوثيق بإيران، ومن ثمَّ بصداقات طهران وعداواتها التي تُعقِّد باستمرار السياسة الخارجية العراقية. وتمتلك هذه الجماعات أحزابا ورجالا مُمثِّلين عنها في منظومة الحكم العراقية التي بنتها بكفاءة على مدار 18 عاما من الغزو الأميركي، وهي أحد الأسباب الرئيسية التي دفعت الشباب العراقي إلى الخروج في الاحتجاجات الواسعة . وفي انتهاك صارخ للمادة 9 من الدستور، التي تحظر على العناصر المسلحة الترشح للانتخابات، أدرجت «كتائب حزب الله»، المصنفة جماعة إرهابية من قبل الولايات المتحدة، مرشحيها ضمن قائمة “حركة حقوق”. وكانت الميليشيتان الوكيلتان لإيران «عصائب أهل الحق» و«منظمة بدر» قد قامتا بالخطوة نفسها.

ردود الفعل السياسية والشعبية

تناقلت وسائل الاعلام المحلية ومواقع التواصل الاجتماعي ردود الفعل من قبل المنظمات والهيئات الشعبية المعارضة للنظام القائم , أشارت من خلالها الى أن ما حصل في العاشر من أكتوبر يؤكد بما لا يقبل الشك فشلاً ذريعا للعملية الديمقراطية في البلد والتي ستكرس ذات النهج السابق وتهيء الاجواء مرة اخرى لانتفاضة جماهيرية سلمية ثانية تطيح بالنظام الحاكم برمّته .

إن عزوف المواطنين عن المشاركة في الاقتراع يؤكد المواقف المبدئية لهم ولفعالياتاهم السياسية والشعبية والتي أطلقت على نفسها المعارضة , حيق تنقسم الى صنفين معارضة داخلية علنية تشكلت في ظل العملية السياسية معتقدة إنه يمكن تطوير فعالياتها , وهذه المعارضة مسموح بها من قل أركان النظام السياسي لأنها تُحسّن من صورة الأحزاب الفاسدة التي تعيد تشكيل وإنتاج نفسها عام 2021 .

الصنف الثاني هي المعارضة الوطنية ذات المبادئ والرؤى المبدئية الواضحة والتي ينشط محركو نشاطاتها داخل وخارج العراق مع مراعاة السرية لمعارضة الداخل خشية استهداف أشخاصها من قبل المسلحين المليشياويين المرتبطين بايران . هذه المعارضة الجادة تحمل مشروعاً وطنيا ً لتغيير النظام السياسي القائم واحلال البديل العراقي الوطني الديمقراطي المدني .

لا يتوقع لهذه الانتخابات أن تلبّي المطالب الأساسية لـ  “حركة تشرين”، وهي الحدّ من الفساد المنهجي وتوفير فرص العمل، ومحاسبة الجماعات المسلحة. وتحظى هذه المطالب بشعبية عبر قطاع واسع من الطيف السياسي: ففي استطلاع حديث للرأي أجراه “مركز تمكين السلام في العراق”، دعم 70 في المائة من المستطلعين حركة الاحتجاج ،  وذكر 80 في المائة منهم أن الفساد هو أحد أكبر المشاكل في العراق – أي ما يقرب من عشرة أضعاف نسبة الذين ذكروا تنظيم «الدولة الإسلامية» (8.8 في المائة) أو قضايا الرعاية الصحية/فيروس كورونا (5.9 في المائة). يبدو أن الاحتجاجات والاعتصامات ستبقى نموذجاً موازياً للسياسة في العراق إلى أجل غير مسمى.

كيف ينظر العرب والعالم للعراق

لم تحصل انتخابات في العراق 2021 على ما حصلت عليه من دعم عربي ودولي منذ اول انتخابات عام 2006 بعد سن الدستور الغامض الذي لم يكن يوضح طبيعة النظام الجديد الذي أسسته واشنطن باحتلالها العسكري المباشر هل هو إسلامي أم مدني , لكنه تحول الى نظام محاصصة طائفي وعرقي . رمت المنظمات الدولية بثقلها لدعم انتخابات العراق في مقدمتها مجلس الأمن بقراره 2567 حيث كثف من أعداد المراقبين إضافة الى الاتحاد الأوربي الذي أصدر بياناً خاصاً بدعم هذه الانتخابات وارسال مراقبين عنه لدعم هذه الانتخابات كما تبرعت واشنطن بالأموال للعملية الانتخابية كذلك الدعم العربي سواء من قبل مجلس الجامعة العربية الذي أرسل بعثة مراقبة خاصة أو البيانات الرسمية لغالبية الدول العربية . ذلك حصل ليس من أجل عيون أبناء شعب العراق ولا لمكانته الخاصة المختلفة عن البلدان العربية الأخرى , لكن لأن الوضع في المنطقة وفق محللين وخبراء سياسيين وأنا من بينهم, مقبلٌ على حركة تفاهمات مخطط لها في مقدمتها التفاهم الإيراني السعودي في ضوء جولات الحوار لإطفاء حرب اليمن رغم إن المخاطر الإيرانية لن تتراجع على عموم المنطقة , كذلك العمل الأمريكي الدؤوب في ظل الإدارة الحالية لبايدن المصّر على توقيع الاتفاق النووي مع طهران بأي ثمن وهذا ما يريح النظام الإيراني الموجوع بمشكلاته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية . وهناك شغل أمريكي إيراني روسي تركي على حل المشكلة السورية وتأهيل عودة سوريا للمجتمعين العربي والدولي تحت حكم بشار الأسد , مؤشرات ذلك الانفتاحات العربية من قبل الامارات والأردن إضافة للعراق الذي ظلت حكوماته تدعمه منذ سنوات .

مع ذلك كله لكن شعب العراق كان وسيكون هو الخاسر الكبير مما يحصل بسبب إعادة تدوير رؤساء الأحزاب الفاسدة لتواصل تجويع الشعب ونهب ثرواته وإبقائه مرتهناً للقوى الخارجية.

العدد 122 / تشرين الثاني 2021