إلى السيد حسن نصرالله 2من 2

في رسالتي الأولى إليك التي نشرتها “النهار” قبل سبع سنوات، تمنيت عليك ألا تُسّلم سلاحك إلى هذه الدولة الهزيلة وحكامها الفاسدين الطغاة، وأعيد عليك هذا التمني من جديد، فهؤلاء ليسوا أهلا لأن يُؤتمنوا على شيء، ولأني على ثقة لا يخالطها أدنى شك، بأنهم، ساعة يتسلمون هذا السلاح، سوف يستخدمونه ليشعلوا به حربا أهلية جديدة، فتصبح حالنا، كحال من يخرج من وضع ضيق إلى وضع أضيق،”من تحت الدلف لتحت المزراب” كما تقول أمثالنا الشعبية. المسؤولية الملقاة عليك الآن يا سيد، أن تبقى محتفظاً بهذا السلاح، ولا تُسلّمه إلى هذه الدولة الطائفية العنصرية القائمة على النفاق والمنافع والمصالح، واستغلال الدين بأبشع الصور وأشدها قذارة. سلّمه إلى دولة مدنية علمانية، لأن هذه الدولة، كما قلتُ وكتبتُ غير مرة، هي الدولة الوحيدة التي تقبلها شريعة السماء، إنجيلا كريماً كانت هذه الشريعة أم قرآناً كريماً، وهي الدولة الوحيدة التي تنشر العدل والمساواة وحكم القانون، كما الحال في الدول الراقية التي اعتمدت الثقافة المدنية العلمانية نظاماً ونهجاً وطريقة حياة، وهي الدولة الوحيدة التي تهدم الجدار الطائفي الذي هو أشبه بسد منيع، يحول دون انتماء المواطن إلى وطنه، فيتحول ولاؤه إلى الطائفة وزعيم الطائفة. هنا أريد أن أكون جريئاً ومخلصاً وصريحا معك يا سيد حسن، واقول إن الظروف العصيبة التي يمر بها لبنان اليوم تقتضي قيام هذه الدولة، وأي تردد أو تأخر في ذلك هو بمنزلة الخيانة العظمى للوطن وللشعب، وأضّن على “حزب الله” أن يرتكب هذه الخيانة العظمى. من الحق والحكمة أن أشير أيضاً، إلى أن قيام دولة مدنية علمانية في لبنان، وتسليم “حزب الله” سلاحه إلى هذه الدولة الجديدة، لا يعني في أي حال من الأحوال، اعتراف لبنان بإسرائيل، أو عقد صلح معها على الإطلاق. أسمح لنفسي هنا بالقول درءاً لأي شك أو ظن من حملة أختام الشك والظن والتخوين، وما أكثرهم في لبنان، إني من أشد المؤمنين بأن إسرائيل شرّ مطلق، وأنها كيان قام على خرافات واساطير دينية لا أساس لها، والشرفاء من اليهود العقلاء، والعلماء منهم وهم كثر، يدركون هذه الحقيقة اكثر من غيرهم. من هؤلاء “شلومو ساند” استاذ التاريخ في جامعة تل أبيب، مؤلف كتاب “اختراع الشعب اليهودي” وفيه أن اليهودية انتشرت بالهجرات، وأن الحديث عن شعب في التاريخ اسمه الشعب اليهودي خرافة. “إسرائيل فنيكلشتاين” أيضاً، وهو من كبار أساتذة علم الآثار في جامعة تل أبيب، يفند الحكايات والقصص التاريخية الإسرائيلية ويضعها كلها أيضاً في باب الخرافة.

لن نكون ضد اليهود أبداً، أو أي جماعة من البشر، وإلا أصبحنا عنصريين. وعلى لبنان ألا يعترف بإسرائيل، لأن ما جاءه منها من وجع، غير أوجاع الآخرين من العرب، ولأنها قامت على اغتصاب حقوق شعب ما زال جزء كبير منه يعيش على أرض لبنان، ولأنها نقيض لجوهر وجود لبنان الإنساني في هذا الشرق. هناك سبب يدفعني إلى هذا القول، هو ثقتي بلبنان وقدرات شعبه على العطاء في ميادين الفن والثقافة والعلوم، هذه التي اختبرتها في الوطن وفي المهاجر، وإدراكي الذي لا تشوبه شائبة، أن هذا البلد الصغير” الذي هو في منتهى الأهمية” كما وصفه رجل الدولة النمساوي الراحل، كليمنس مترنخ، قادر إن هو تحرر، وأعطي الفرصة، على تغيير مشاعر العالم نحو إسرائيل، لأن التعددية الروحية فيه، إن هي اعتدلت واستقامت في دولة مدنية علمانية، صارت قوة إيجابية بنّاءة، لا عاملا سلبياً هداماً كما الحال في نظامنا الحالي، ويمكن أن تكشف حقيقة إسرائيل، على نحو ليس بمقدور أحد آخر أن يكشفها. حين يصبح لبنان بلد العائلات الروحية المتصالحة مع نفسها، يصبح قويا وقادراً على تخليص العرب واليهود من هذا الكيان العنصري. في كتابه “كليلة ودمنة” يقول ابن المقفع، “إن الريح العاتية تكسر الشجرة الصلبة، لكنها لا تقوى على صغار الحشيش”، ولبنان لا يحتاج إلى آلة حربية ضخمة كالتي بحوزة إسرائيل ليكون قوياً. يكفيه حدوده والوحدة بين أبنائه، ورسالته الثقافية والإنسانية ليقهر إسرائيل، ويخّلص العالم من شرورها. قدر لبنان أن يكون منذوراً لهذا الدور، وهذا الدور هو ليس حلماً يصعب تحقيقه كما قد يتبادر إلى ذهن أصحاب العقول العملية والواقعية. الم تكن إسرائيل حلماً في خيال ثيودور هرتزل، صاحب كتاب “الدولة اليهودية”، وخيال الآخرين من الصهاينة، ثم تحول إلى واقع؟! لذلك أقول إن هذا الحلم اللبناني يمكن إنجازه على يد مواطنين من أبنائه منتشرين قي أصقاع العالم، اصحاب العقول النيّرة والإرادات الصلبة والنيات الحسنة.

أمر آخر أحسبك تعرفه حق المعرفة يا سيد حسن، وهو أن هناك من يشكّك في لبنانية “حزب الله” وفي وطنية “حزب الله”، ويقول إن الحزب ذراع إيرانية في لبنان. أقوال كثيرة ومواقف كثيرة اعتمدها الحزب عززت هذه الشكوك في أذهان الناس، ويمكنك تبديدها بمواقف لبنانية جديدة، ومنها الدعوة إلى قيام نظام مدني علماني في لبنان. ربما تكون قد التزمت مع الحاكمين في طهران، عهوداً ومواثيق يصعب على رجل غيرك تعديلها أو التنصل منها، وهي على لبنان حمل ثقيل، لكني واثق بأنك قادر، بما تملك من عقل راجح ورؤية ثاقبة وحجج قوية، على أن تقنع الحكام في طهران بحق اللبنانيين في العيش الكريم، وبأن بمقدور هذا البلد الصغير، أن يقارع إسرائيل في المحافل الدولية، من دون أن تكون في جعبته رصاصة واحدة. لا فائدة من أي سلاح يوّلد الضغائن والأحقاد يا سيد حسن، والحروب في النهاية لا تجلب غير الكوارث، وإن ذاق أحد الأطراف فيها طعم النصر، وآمل أن لا تنشب الحرب حتى لو تكللت بالنصر، وتأتي ساعة تقول فيها بينك وبين نفسك “ليتني متُ قبل هذا”، وتخاطب ربك، كما فعل الإمام علي بعد معركة الجمل، حين خاطب ربه بهذه الكلمات الأثيرة: “اللهم إليك أشكو عُجري وبُجري، شفيت نفسي وقتلت معشري”.

في الختام أقول لك أيها السيد، إن لا نظام ولاية الفقيه، ولا نظام أي ولاية أو دولة دينية، سيكون أقرب إلى “الله” من نظام الدولة المدنية العلمانية، وهذا ما يحتاجه لبنان ليتحرر من سعير نظامه، ومن الجرائم التي ارتكبها ولا يزال يرتكبها زعماؤه الاقطاعيون باسم الدين، والمخالفة لشرائع السماء. إن عظام أهلك تناديك أيها السيد، وعظام ابنك الشهيد تناديك، وتراب جنوبنا الغالي عليك وعلينا جميعاً يناديك، والوطن كله يناديك، ويناشدك الرفق بالبشر والحجر، وأخذ الحيطة والحذر، لنجنّب لبنان المكايد التي ما زال يُحيكها له أعداؤه بين حين وآخر، ليبقى شعبه قبائل وطوائف خائفة متناحرة، تتربص القبيلة العبرانية بها الدوائر، وتتطلع إلى يوم يدُقون بابها مستغيثين، قبيلة مرغمة بعد قبيلة مرغمة، لتحميهم من القبائل الأخرى، كما حدث في ماض قريب وأخر بعيد، حين كانوا  يدقون أبواب دمشق، وأبواب قناصل الدول الأجنبية!

يشكّك في لبنانية “حزب الله” وفي وطنية “حزب الله”، ويقول إن الحزب ذراع إيرانية في لبنان. أقوال كثيرة ومواقف كثيرة اعتمدها الحزب عززت هذه الشكوك في أذهان الناس، ويمكنك تبديدها بمواقف لبنانية جديدة، ومنها الدعوة إلى قيام نظام مدني علماني في لبنان. ربما تكون قد التزمت مع الحاكمين في طهران، عهوداً ومواثيق يصعب على رجل غيرك تعديلها أو التنصل منها، وهي على لبنان حمل ثقيل، لكني واثق بأنك قادر، بما تملك من عقل راجح ورؤية ثاقبة وحجج قوية، على أن تقنع الحكام في طهران بحق اللبنانيين في العيش الكريم، وبأن بمقدور هذا البلد الصغير، أن يقارع إسرائيل في المحافل الدولية، من دون أن تكون في جعبته رصاصة واحدة. لا فائدة من أي سلاح يوّلد الضغائن والأحقاد يا سيد حسن، والحروب في النهاية لا تجلب غير الكوارث، وإن ذاق أحد الأطراف فيها طعم النصر، وآمل أن لا تنشب الحرب حتى لو تكللت بالنصر، وتأتي ساعة تقول فيها بينك وبين نفسك “ليتني متُ قبل هذا”، وتخاطب ربك، كما فعل الإمام علي بعد معركة الجمل، حين خاطب ربه بهذه الكلمات الأثيرة: “اللهم إليك أشكو عُجري وبُجري، شفيت نفسي وقتلت معشري”.

في الختام أقول لك أيها السيد، إن لا نظام ولاية الفقيه، ولا نظام أي ولاية أو دولة دينية، سيكون أقرب إلى “الله” من نظام الدولة المدنية العلمانية، وهذا ما يحتاجه لبنان ليتحرر من سعير نظامه، ومن الجرائم التي ارتكبها ولا يزال يرتكبها زعماؤه الاقطاعيون باسم الدين، والمخالفة لشرائع السماء. إن عظام أهلك تناديك أيها السيد، وعظام ابنك الشهيد تناديك، وتراب جنوبنا الغالي عليك وعلينا جميعاً يناديك، والوطن كله يناديك، ويناشدك الرفق بالبشر والحجر، وأخذ الحيطة والحذر، لنجنّب لبنان المكايد التي ما زال يُحيكها له أعداؤه بين حين وآخر، ليبقى شعبه قبائل وطوائف خائفة متناحرة، تتربص القبيلة العبرانية بها الدوائر، وتتطلع إلى يوم يدُقون بابها مستغيثين، قبيلة مرغمة بعد قبيلة مرغمة، لتحميهم من القبائل الأخرى، كما حدث في ماض قريب وأخر بعيد، حين كانوا  يدقون أبواب دمشق، وأبواب قناصل الدول الأجنبية!

العدد 122 / تشرين الثاني 2021