كيف تُكمل حكومة لبنان مهماتها في ثلاثة أشهر؟

“الغام” سياسية وامنية وقضائية وإنتخابية تنفجر بوجهها

 بيروت – غاصب المختار

لعل رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي هو المتضرر الاول من التطورات الخطيرة التي حصلت في لبنان خلال الشهرين الماضيين، وبعد نحو شهر من تشكيل حكومة “معاً للإنقاذ”، إذ سرعان ماعصفت بها الخلافات والانقسامات السياسية والطائفية، فتعطلت جلسات مجلس الوزراء على خلفية طلب ثنائي امل وحزب الله تنحية المحقق العدلي في كارثة إنفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار، ثم حصول حادثة منطقة الطيونة التي سقط فيها قتلى وجرحى

الرئيس ميقاتي المتضرر الاول من الازمات

وزادت الشرخ العام في لبنان بسبب التحقيقات والاستدعاءات القضائية التي جرت . وصولاً إلى مواقف دول الخيج العربي من مواقف وزير الاعلام جورج قرداحي التي ادلى بها قبل تشكيل الحكومة حول حرب اليمن واعتبارها حرباً “عدواية عبثية”.

كان الرئيس ميقاتي قد باشر العمل بإندفاع في الشهر الاول من تشكيل الحكومة لتتنفيذ المطلوب منها على صعيد الاصلاحات البنيوية في الاقتصاد والادارة وقطاع الكهرباء، والتفاوض مع البنك الدولي وبدءالتدقيق الجنائي في حسابات المصرف المركزي وباقي المؤسسات والادارات الرسمية، وإنجازالبطاقة التمويلية للفئات الاكثر فقراً، والتحضير للإنتخابات النيابية العام المقبل. وشكّل لجاناً وزارية لكل ملف، لكن جاء موقف “الارتياب السياسي” من اداء القاضي بيطار ليوقف عجلة الحكومة، ثم جاءت حادثة الطيونة الدموية لتزيد من ضعف الحكومة بعد إتهام الثنائي امل والحزب لحزب القوات اللبنانية بإرتكاب جريمة قتل المحتجين على اداء القاضي بيطار.

لكن الرئيس ميقاتي البراغماتي المتميز غالب التطورات وحاول فصل العمل الحكومي عن العمل القضائي في انفجار المرفأ، وقام بتفعيل عمل اللجان النيابية لوضع اسس الحلول للمشكلات القائمة لتعرض على مجلس الوزراء فور استئناف جلساته، مبتعداً عن السجالات والخلافات والانقسامات تاركاً حلّها للوقت ولتصرف القضاء، لكنه لم يوفق في حلّ ازمة “الارتياب السياسي” بالقاضي بيطار بعد عجزمجلس القضاء الاعلى عن إيجاد المخرج المناسب.

أصل المشكل

لكن حقيقة الازمة في لبنان لا تتعلق بعمل إجرائي او قضية جنائية او خلاف على مشروع إصلاحي ما، فطالما شكّلت التسويات السياسية لهذه المسائل مخارج لها. بل هو بحسب كل المؤشرات يتعلق بالخلاف على كيفية إدارة الدولة في لبنان في ظل توازنات سياسية وطائفية حساسة ودقيقة، وكيفية معالجة مشكلة صلاحيات رئيس الجمهورية المنقوصة في الدستور، وصولاً الى ما يصفه “التيار الحر” إستعادة الدور المسيحي الفاعل في البلاد، عبر استعادة بعض

حسام زكي محاولة عربية لها تتمة

صلاحيات الرئيس الماروني، وعبر قانون انتخابي يؤمن الحد الاقصى من التوازن والحضور، بعدما تراجع عدد الناخبين المسيحيين بالنسبة لعدد المسلمين (نحو 65 % للملسمين و35 % للمسيحيين).

  على هذا، يمكن وضع المعارك الانتخابية النيابية ربيع العام المقبل(بين آذار مارس وايارمايو)، والرئاسية في اواخره( تشرين الاول -اكتوبر) في اصل المشكل القائم بين القوى السياسية ولا سيما المسيحية منها، وحيث تنقسم القوى السياسية الاخرى (المسلمة) بين حليف لهذا الفريق المسيحي او ذاك.

متغيرات جديدة

لكن الوقائع الاخيرة منذ حصول مشكلة القاضي طارق البيطار ثم حادثة الطيونة، اظهرت ان الامور تغيرت على نحو واضح، فثمة اصطفافات جديدة بدأت بالظهور بعد إتهام القوات اللبنانية بجريمة الطيونة، والحملات العنيفية عليها من قبل قوى سياسية كثيرة مسيحية واسلامية، وهو ما ادّى برأي اطراف اخرى الى تقوية جناح “القوات” وتعزيز حضورها في المناطق المسيحية تحت عنوان انها التي “تحمي المجتمع المسيحي من الهيمنة الاسلامية وحزب الله”، لا سيما بعد إستدعاء رئيسها سميرجعجع للتحقيق معه ولو بصفة شاهد دون غيره من مسؤولي القوى السياسية التي شاركت في حادثة الطيونة.

لذلك يحاول كل طرف الاستفادة من الأزمات المستجدة بهدف تقوية وضعه الانتخابي وشد عصب ناخبي بيئته السياسية والطائفية والمناطقية، ولو بالاستفادة من الدم المُراق ومن تراجع هيبة القضاء وسلطة الدولة المركزية.

هذه الوقائع السياسية ستنعكس بلا شك تغييرات في التحالفات الانتخابية عام 2022، فما كان سائداً في انتخابات

فيصل بن فرحان وأصل المشكل

2018 لم يعد ذاته في الانتخابات المقبلة. وثمة دوائر كثيرة مشتركة بين القوى السياسية الاسلامية والمسيحية جرت فيها تحالفات بعضها ضرورية بالسياسة وبعضها بحكم المصلحة الانتخابية لهذا الطرف اوذاك.

ازمة دول الخليج

قبل ان تعالج الحكومة ازمة التحقيقات القضائية، انفجرت بوجهها عاصفة خليجية سياسية قوية وكانت لها نتائج أولية خطيرة، تمثلت بسحب دول الخليج سفرائها من بيروت وطلب بعضها باستثناء سلطنة عمان وقطر مغادرة رؤساء البعثات الدبلوماسية اللبنانية. بعد كلام الوزيرجورج قرداحي عن حرب اليمن، وكان الرئيس نجيب ميقاتي غائباً عن لبنان للمشاركة في قمة المناخ العالمية التي عقدت في غلاسكو اسكتلندا. واستعرت الحرب الكلامية الداخلية مجدداً بين حلفاء السعودية وخصومها في لبنان، الى ان كشف وزير الخارجية السعودي فرحان بن صالح ان سبب الازمة لا يتعلق فقط بمواقف قرداحي بل بما وصفه “هيمنة حزب الله على الدولة اللبنانية وسياستها وامنها وإقتصادها. وانه لم يعد هناك من جدوى في التعامل مع لبنان”.

تسارعت المعالجات ولم يجد الرئيس ميقاتي سوى الاستعانة بالصديقين الأميركي والفرنسي لتليين موقف السعودية، اللذين سرعان ما تواصلا مع السعودية بعدما بلغ تصعيد الموقف حد المطالبة باستقالة الحكومة، واكدت الدولتان انه من غير المرغوب إسقاط الحكومة او إستقالتها لأسباب كثيرة داخلية وخارجية تتعلق بضرورة إنجاز الحكومة المطلوب منها خلال الاشهر الباقية من عمرها، وبأهمية حفظ الاستقرار الداخلي اللبناني لتعذر تشكيل حكومة جديدة خلال السنة الباقية من عهد الرئيس ميشال عون، ما يعني تعذر إجراء الانتخابات النيابية.

بو حبيب لـ “الحصاد” : هذا ما طرحناه

وعلى خطٍ موازٍ تحرك وزير الخارجية عبد الله بوحبيب بتواصل مباشر مع الاميركيين، ومع الكويت وسلطنة عُمان والامارات وقطر والبحرين. وهو قال لـ “الحصاد”: انه ابلغ وزراء خارجية هذه الدول أن لبنان مستعد لفتح حوار مباشر مع السعودية لمعالجة كل القضايا العالقة، مشيراً الى ان موضوع استقالة او اقالة الوزير قرداحي ليس  هو اصل الموضوع ولا يحل المشكل.وموضحاً ن الامارات لم تطلب مغادرة السفير اللبناني في ابوظبي بل منعت رعاياها من السفر الى بيروت، كما ان سلطنة عُمان وقطر لم تتخذا أي إجراء بحق البعثات الدبلوماسية اللبنانية، وهذا يدل على تفهم خليجي للوضع اللبناني ولتفاصيل المشكلة المستجدة.

اضاف: الرئيس ميقاتي وأنا ابدينا استعدادنا لزيارة المملكة اذا رغبت بدعوتنا لفتح هذا الحوار، وتأكيد رغبتنا بأفضل العلاقات مع العرب لا سيما دول الخليج، واذا كان لدى السعودية امور اخرى تتصل بلبنان يحب ان نبحثها سويا وبصراحة لمعالجة ما يمكن. فنحن لا يمكن ان نقطع الحوارمع الاشقاء العرب.

وعلمت “الحصاد” ان اتصالات ميقاتي و وزير الخارجية بو حبيب شملت معظم الدول الغربية والخليجية باستثناء السعودية، لشرح الموقف اللبناني من مسألة كلام وزير الاعلام جورج قرداحي عن حرب اليمن ولتأكيد العلاقة المتينة مع الاشقاء الخليجيين، وان اربع دول خليجية على الاقل ابدت تفهمها للموضوع ولوضع لبنان الدقيق والحساس، لكنها كانت مضطرة لمسايرة الموقف السعودي لحفظ وحدة دول مجلس التعاون.

تدخلت جامعة الدول العربية وزار لبنان الامين العام المساعد حسام زكي والتقى الرؤساء عون وبري وميقاتي والوزير بوحبيب في زيارة وصفت بأنها استطلاعية، حيث ذكرت مصادر الرؤساء لـ “الحصاد” انه يُمهد لطرح أفكار ما لاحقاً بعد تقييم زيارته وما لمسه لدى المسؤولين اللبنانيين”.

لكن المعلومات اشارت الى ان الطرح الوحيد كان استقالة الوزير قرداحي طوعاً طالما تتعذر إقالته في مجلس الوزراء الذي لم ولن ينعقد تحت اي ظرف، فباتت مهمة زكي معلّقة ولها تتمة الى حين معالجة قضية قرداحي، لأن منطق المعترضين على اقالته يقوم حسب مصادرهم على ان قرداحي لم يكن وزيراً عندما قال ما قاله، وانه سبق واستقال وزير الخا رجية السابق شربل وهبه بسبب موقف من السعودية كان بمثابة زلّة لسان واعتذر وإستقال، لكن السعودية لم تغير موقفها من لبنان ولا تعاملها معه واستمرت بمقاطعة الحكومة السابقة والحالية.

مصير الحكومة

وسط هذا الصراع السياسي الانتخابي الداخلي والاقليمي المتفجر، بقي الهم الاساسي إعادة الحياة الى جلسات مجلس الوزراء، التي توقفت بسبب الموقف من تحقيقات القاضي بيطار ومن قضية قرداحي. وجرت محاولات ساهم فيها بشكل اساسي الرئيس ميقاتي والبطريرك الماروني بشارة الراعي وبدعم “مشروط” من الرئيسين ميشال عون ونبيه بري، واساسها فصل العمل الحكومي عن التحقيقات القضائية في ملفي إنفجار المرفأ وحادثة الطيونة، واستعادة دور المجلس الاعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء والنواب في التحقيق مع النواب المتهمين بالاهمال الوظيفي في إنفجار المرفأ عندما كانوا وزراء في الحكومات الماضية.

وبالرغم من المساعي التي جرت لتغيير موقف السعودية، ودخل على خطها رئيس المجلس نبيه بري عبر محاولة توسيط الكويت لمعالجة المشكلة مع السعودية، وتواصل الرئيس ميقاتي مع عددمن الدول العربية والغربية وزار مصر مؤخراً، فإن حكومته وقعت في عجز عن متابعة تفاصيل الملفات التي تعهدت بإنجازها في بيانها الوزاري بسبب ضيق الوقت. فإعتباراً من كانون الثاني – يناير  المقبل ستدخل البلاد ومعها الحكومة في التحضيرات للإنتخابات النيابية، وسيتفرغ جميع السياسيين لها.

هي ازمة حقيقية عطّلت طموح الرئيس ميقاتي بتحقيق إنجازات ما، وأثّرت على عهد الرئيس عون الذي خرج لتوّه من ازمة حكومية استمرت سنة كاملة نتيجة عدم تشكيل الحكومة بعد تكليف الرئيس سعد الحريري، ونتيجة عجز حكومة تصريف الاعمال برئاسة حسان دياب، ما يعني ان كثيراً من الملفات المفترض إنجازها سيتم تعليقها ورميها في حضن الحكومة الجديدة التي تتشكل بعد الانتخابات حسب الدستور. وها هو الرئيس عون في السنة الاخيرة من عهده ولم ينفّذ سوى القليل مما تعهد به نتيجة الخلافات السياسية والظروف المستجدة ماليا واقتصادياً بعد التحركات الشعبية في العام2019 وجائحة كورونا. ولا احد بمقدوره التكهن بما سيحصل في سنة الانتخابات النيابية والرئاسية.

بقيت فسحة اخيرة للحل تمثلت بمواقف الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله قبل اسبوعين، وصفتها اوساط الرئيس ميقاتي بالهادئة، “حيث لم يرفع سقف التحدّي إلى أعلى المستويات، ولم يصل بالتصعيد إلى ذروته التي توقعها البعض، ولو انه تمسك ببعض المواقف المبدئية كرفض استقالة الوزير قرداحي، لكنه دعا الى معالجة الازمة مع الخليج بما تراه الحكومة مناسباً. على هذا بنى الرئيس ميقاتي تحركه الاخير”.

العدد 123 / كانون الاول 2021