لكلِّ مَقام… حفلة تفاهة

ضَعْ كُتُبَك المعقّدة جانبًا، لقد شُنَّ الهجومُ بنجاح، لقد تصدّرَ التافهون مواقع التأثير!

يَختصر الفيلسوف الكندي د. آلان دونو (Alain Deneault) المشهدَين الثقافي والاجتماعي الرّاهنَيْن في كتابه الجدليّ “نظام التفاهة” (La médiocratie) الصادر عام 2015، بهذه العبارة الدّالة على ضحالة العصر وسيطرة التفاهة والتافهين. ما يثبت ذلك، أن فيلسوفًا كـ “دونو” سخّر معارفه العلمية والفكرية والفلسفية وتجربته الإنسانية للترويج لهؤلاء، من دون أن يقصد، فأوقع نفسه في الفخّ عينه الذي سقطْنا فيه جميعًا، وطبعًا، من حيث لا ندري أو نقصد.

ماجدة داغر  

سِمة العصر، أو التفاهة، غوايةٌ شديدة الجذب. تمامًا كشجرة المعرفة، وتفاحتُها مباركة كالسّمكتَين اللتين أطعمتا حشودًا كثيرة. قضمةٌ تكفي كلّ الرؤوس المنتظِرة في القطيع، قضمةٌ واحدة كالضغط بإصبع واحد على زرّ النووي ويختفي العالم… ويَتَصَعْلك العالم. “إنه زمن الصعاليك الهابط. كلّما تعمّقَ الإنسان في الإسفاف والابتذال والهبوط كلّما ازداد جماهيريةً وشهرة”، بالعودة دائمًا إلى فيلسوفنا في “نظام التفاهة”.

اختلاط التفاهة مع البلاهة، أسّسَ لقيام نُظُمٍ مبتكرة، قادرة، متمكّنة، شبيهة بالأنظمة الديكتاتوريّة والتوتاليتاريّة، وذلك عبر تكبيل أفراد مجتمعاتٍ مرموقة ومجتمعات متخلّفة، بقيودٍ عصرية حديثة وبرّاقة يُدمن، من وُضعت في معصمَي ثقافته، على تلميعها والحفاظ عليها كما لو أنها ساعة سويسرية فاخرة. فيتسنّى لمؤسسي هذه النُظم تقديم أنفسهم “كجهاز رسمي ورمزي، يقود الناس المرؤوسين والمسيطَر عليهم، إلى تحويل طاقاتهم الروحية باتجاه دعم هيكل اجتماعي مصمّم ومُنفّذ من قبل الطبقة المسيطِرة” كما يشرح “دونو”.

ولأنّ الطريق إلى جهنم محفوف بالنوايا الطيّبة، نجد أنفسنا، (نحن الطيّبين!)، في منافسةٍ شرسة مع سالكي هذه الدرب، كأنّنا ننشد التفاهة ونُنهي عن تفاهتها. وفي الطريق، يدوسنا الواصلون: الجميلة البلهاء، الوسيم الفارغ، الشاعر “المُتشَوعِر”، العالِم الأمّي، الإعلامي “المُعَولم”، الفنان الانتهازي، المؤثّرون “العباقرة”، وكل المتربّعين على منصّات مغرية في معظمها هلاميّة وغير قادرة أن تقدّم أي منتج قِيَميّ صالح لتحدّي الزمن.

وما دام “القوي هو من يسيطر على الخطاب” وفق تعبير الفيلسوف الفرنسي “ميشال فوكو”، يبرز هذا الصّنف من الناس بصورة الأقوياء بلا منازع. خطابهم جاهز على المنصّات، وتحت إصبعهم الوسطى… زرّ النووي.