الشاعرة نيكيتا جيل

نسرين الرجب- لبنان

«لا تستهن بالشعراء أبداً/ إنهم قناصة مُسلّحون بالكلمات / يعرفون كيف يصيبون الهدف بالعبارات/ وكيف يطلقون النار بالمقاطع/ وكيف يخلّدون قتلاهم في أبيات».

 نيكيتا جيل (Nikita Gill) شاعرة بريطانيّة من أصول هنديّة، وُلدت في بلفاست العام 1987، وانتقل والداها للعيش في نيودلهي وهي في سن مبكّرة حيث كبُرت وتعلّمت هناك، ثم انتقلت للعيش في إنكلترا وهي في العشرينيّات من عمرها. دومًا ما تُصادفنا مقاطع مترجمة من قصائدها على  صفحات التواصل الاجتماعي.

 تُعد جيل واحدة من شاعرات الأنستاغرام -كما هو معروف في إنكلترا- المؤثّرات، في شعرها الكثير من الحميميّة والألفة، وهي تخاطب الإنسان في وحدته وتحُث على الأمل والتعافي من الإساءات، نسويّة ورسّامة ومصوّرة. تأثّرت في كتاباتها بأعمال سيلفيا بلاث، مايا أنجلو، وروبرت فروست. تمّ رفض النشر لها عدّة مرّات، وقد رأت في الرفض امتنانًا وفرصة للنجاح خارج الصندوق. فهي ترى أن الرفض في الكتابة هو القاعدة وليس التوقع. حتى وجدت في الأنستاغرام فرصتها في النشر، فكانت تنشر مقاطعًا من قصائدها التي لاقت استحسان جمهور واسع من المتابعين، أنتجت عدّة دواوين شعرية، وقصص منها: الجمر البري Wild Embers (2017)،  “روحك نهر Your Soul Is A River 2016 ، حكايات وحشية Fierce Fairytales 2018. وعن كتبها تقول: “أعتبر كتبي أولادي، روحك نهر كان طفلي، الجمر البري كان طفلي النار. كان هذا الكتاب هو الأصعب في الكتابة. أردت حقًا أن يكون أفضل كتاب كتبته، وأن أظهر للقرّاء أنني أستطيع محاكاة أنواع مختلفة من أنماط الكتابة، وهذا هو سبب كونه مجموعة من القصائد و القصص. يتضمن أيضًا رسومًا توضيحيّة أصليّة مرسومة باليد..”

أرواح صُنِعتْ منَ اللَّهبِ

          يبدأ الشعر من فائض الشعور، وهو يُمثل نوعًا من الحساسيّة في محاكاة العالم، وترجمة تلقّينا للتجارب والخبُرات في حياتنا بطريقة فنيّة مجازيّة وموجزة، وفي الشعر المُترجم غالبًا ما يخسر الشعر شيئًا من حمولته في المعنى، وخاصة إذا كانت التجربة المنقولة خاصة جدًا وبعيدة عن الهم الإنسانيّ العام، أمّا إذا كانت التجارب والمُتحدث عنه قريب المنال إلى أفهامنا يسهُل وصوله وتبقى اللغة شُغل المترجم وقدرته على حبك المعنى المنقول بصورة لغويّة تستحقه، تكتب جيل نفسها لذا فحين تقرأ لها ، ولو مُترجمًا، تشعر بأنها تهمس في أذنك. تستخدم تجاربها الشخصيّة للحديث عن الاكتئاب والبقاء على قيد الحياة، والتعرض للاعتداء، كلماتها هي شريان الحياة لقرائها من الشابات تفتح مواضيع متنوّعة ليس من السهل تناولها، في كتاباتها تمرّد وإيمان بقوّة الروح الإنسانيّة: ” بأرواحٍ صُنِعتْ منَ اللَّهبِ،/ نحن جميعًا نجومٌ/ تحملُ أسماءَ البشر”ِ.

وقوّة وانسياب في التحدث عن الضعف والرقّة: “أحب إنسانا رقيق المشاعر، إنسانًا يبتسم بلطف للجميع، حتى الذين لا يبادلونه السلام..”، وعن اختلاف الطبائع واحترام المشاعر التي تختبئ خلف جبل من الجليد: ” في تلك اللحظة بينما يجلس هادئًا أمامك/ كهدوء محيط/ في يوم مشمس./ تذكر كم شاسعة هي حدود المحيط/ وبينما الماء هادئ في مكان ما/ ففي مكان آخر من المحيط ذاته هنالك عاصفة هائلة”. تقول في إحدى مقابلاتها، أنها تضع كل خبراتها فيما تكتبه، فنيودلهي هي المكان الذي عاشت فيه وذهبت فيه إلى الجامعة، وفي الرابعة والعشرين من عمرها انتقلت إلى لندن.

ترى في  الشعر طريقة للتواصل مع مجتمعها، لأنها كما تقول؛ كانت تتلقى الكثير من الرسائل من الفتيات في مجتمعها، تتحدث نيكيتا عن الفروق بين الدين والمُمارسات، فالقول أن المرأة إلهة يتنافى مع كيفية التعامل معها على أرض الواقع.

 تتحدث في كتاباتها عن الحرب وعن قسوة اللجوء: ” يخيل لي أني أتيت بالحرب معي/ فوق جلدي/ كفن يلف رأسي/ قيح تحت أظافري..”

“الوطن هو حيث كان عليك أن  تعلّم/ أطفالك الهرب/ من رجال يرتدون الحرب والدماء…”

عن الحُب والفُراق، وألم الهجر: “أمر مخيف حقا/ أن القلوب لا تصدر صوتا عندما تنكسر/ حوادث السير تنتهي بانفجار/ السقوط ينتهي بارتطام/ حتى الكتابة… بينما تتحطم القلوب في سكون تام/ وكأن لا أحد/ حتى الكون نفسه/ يمكن أن يخلق صوتا لهذا الخراب/ وكأن الصمت هو الطريقة الوحيدة / التي يمكن أن يعبر بها العالم عن خشوعه/ أمام قلب يتصدع”

وفي حثّها على التعافي تؤمن بأن الندوب والقصص المحزنة هي التي تصنع الشخص:” لا تستهن بالخرائط التي على جسدك وروحك ولا تكرهها/ هذه هي الندوب التي لم تُفقدك قيمتك أبدًا/ وهي القصص التي تجعل منك كلا لا يتجزأ..”

تتلاعب بتقنياتها ورؤيتها الفنية في عالم من الهدوء والخيال المسالم الحالم: “كلمة جميلة هي جلد/ عميق، سجن مكون من خمسة أحرف وضعوك فيه”

          كوني رحيمة

          تتحدث في مقابلة معها، عن تجربتها مع والدتها، وتقول أن الأطفال يرون أمهاتهم آلهة حتى سن الثانية عشر يؤمنّ كل حاجاتنا، والدها كان يأتي في أشهر قليلة من السنة إلى المنزل، كان الصبية في الحي يلاحقونها ويقولون عن والدتها كلاما نابيّا، وهذا ما غيّر صورة الأم الإلهة إلى الأم الإنسانة في ذهنها. تقول في قصيدة بعنوان “أمهات وبنات” وهي من ترجمة ضيْ رحمي : “لن تكون رحيمة على الدوام/ أحيانا ستتعمد تمرير الفرشاة بقسوة أثناء تمشيطك/ أحيانا سيرتفع صوتها غاضبًا/ فيتعرق كفاك ويتجمدان رعبًا…” إلى أن تقول: “ألمها لم يجد متنفسًا/ إصاباتها عولجت على نحو خاطئ/ اضطرت إلى لعق جراحها لتتمكن من البقاء/ لم يرشدها أحدًا  لما عليها فعله/ لذا فعلت ما في وسعها لتبقي الوحش بعيدا في جوفها/ كوني طيبة، كوني لطيفة، كوني حكيمة.. طوال اليوم/ ما من متسع لألمها../ وفي النهاية نسينا جميعًا أنّها مجرد بشر/ اغفري لها الطريقة التي يكشف بها عذابها عن نفسه/ هكذا يعمل سحر الدم/ على أية حال/ “غير مشروط” لم تعنِ مثاليًا على الإطلاق..”

 تُنصف الرؤية إلى بنات جنسها، وترى أن في النساء قوة  لم تُعط حقها من الاعتراف، فترى أن العالم  يحتفي بالحديث عن أوديسيوس أحد أكثر أبطال حرب طروادة تأثيرا في الميثولوجيا اليونانية، فيما لم يأت أحد بالحديث عن بينيلوبي زوجته، حيث رمى قواريرها ليحمي مملكته، وهي التي ربّت أولاده.

           الحكايات الوحشيّة

          كانت أمها تروي لها القصص الخيالية، القصص كانت غامضة وساحرة، وتجد فيها جزءا من روحها، فبرأيها أن القصص تُعرّف المجتمع بطرق متعددة. وفي مقابلة لها عن كتابها الحكايات الوحشيّة، حيث نكشت بعيدًا في المعاني المختبئة خلف القصص المُسلية التي تروَ عادة للأطفال، والتي تحوي الكثير من الأبعاد والتي لا تتوافق مع مبدأ احترام الأنثى وقوّتها واستحقاقها، فتقول: “القصص الخيالية التي نشأت عليها كانت قصص ديزني. أدركت أنهم لم يكونوا جيدين بما فيه الكفاية. إذا نظرت إلى القصص الخيالية القديمة، فإن معظمها كتبها رجال مثل: الأخوين جريم. إنها مليئة بكراهية النساء؛ لا تعتبر النساء مثاليات إلا إذا كنّ سلبيات. إذا نظرت إلى الجمال النائم و سنو وايت ، هناك الكثير من المشكلات المتعلقة بالموافقة… ، إنها تقدم وجهة نظر معيبة حول كيفية تصرف الرجال أيضًا.”

تجد في السؤال نجاة من الوقوع في حفرة التسليم للمرويات وتناقلها بكسل: ‘إذا لم تسأل، فسوف ينتهي بك الأمر بمواقف سياسية مثل التي نحن فيها الآن”

          في شعر نيكيتا جيل سهولة وليونة، وحكمة واسعة، ودفعٌ نحو التحليق خارج سرب المُكرّر والمُتعارف عليه، وصدق لا يرتجي استفزاز الواقع بقدر ما يطمح لتحسينه إيمانًا بقوّة الكلمة، ودعوة للتأمل في الطبيعة وتعلَم الحكمة من أيسر الطرق التي سخّرها لنا خالق الكون: “في بعض الأحيان، كل ما يتطلبه الأمر هو مشاهدة طائر أمّ وهو يعلم الطائر الصغير كيف يطير ليذكّرنا بما يفترض أن يفعله آباؤنا، ويعلّمنا أن نطير إلى العالم ونتعلم كيف نعتني بأنفسنا فيه أيضًا. “

العدد 124 / كانون الثاني 2022