الجراحة الروبوتيّة… نظامٌ طبيّ جديدٌ

هل يحلّ عن الطبيب البشري؟

الرياض – رنا خير الدين

يخطو العالم منذ بداية الألفيّة الثانية خطوات سريعة نحو تطوير منهجية التشخيص الطبي والجراحة وتقنيات المعالجة، فمع اكتشاف الجراحة بالمنظار التي لاقت أصداء إيجابية على مستوى العالم واعتُبرت آنذاك أهم الاكتشافات في حقل الطب والجراحة، ها هي اليوم الجراحة بمساعدة الرجل الآلي تسلك درب التجربة عينه.

الاهتمام بالتشخيص الطبي حساسٌ، خصوصاً لهؤلاء الذين يعانون من أمراض تحتاج جراحة فيها الدقّة والسرعة والمرونة، ويمكن اعتبار الجراحة المنظارية حلّت ذلك، لكن يزعم العديد من الأطباء في أنحاء العالم أن الجراحة

الروبوت يجتاح الحقل الطبي

المنظارية صعبة في الأداء والتنسيق بين حركة اليدين والأدوات وذلك لمحدودية بعض الأماكن في الجسم، كما أن هذه الجراحة – أي المنظارية – تحتاج إلى الكثير من التدريب للتمرّس والتطبيق على أعلى مستوى وتحقيق نجاح العملية. من هنا، جاءت الحاجة إلى الجراحة بمساعدة الرجل الآلي أو ( Robotic Surgery) .

عام 2001 قام الجرَّاح الفرنسي جاك مراسكو من غرفة في إحدى ناطحات سحاب في مدينة نيويورك الأميركية، بإجراء عملية استئصال المرارة بالمنظار الجراحي (عن بُعد) لمريضة ترقد في مستشفى في مدينة سترازبورغ الفرنسية، مستخدماً تقنية الرجل الآلي لأول مرة في عالم الجراحة ولقّب وفريقه الطبي هذه العملية بـ”عملية ليندبيرغ”. وتناقلت وكالات الأنباء العالمية هذا السبق الجراحي وسط دهشة عارمة من قبل الأوساط الطبية العالمية.

تاريخ جراحة الرجل الآلي

يشير د. إيهاب عبد الرحيم علي إلى أن الدكتور جيمس ماكوين ” McEwen” والدكتور بريان داي “Day” وجيوف أوشينليك “Auchinleck” وفريق من طلبة الهندسة في مدينة فانكوفر الكندية عام 1983 قد استخدموا أول روبوت جراحي في العالم، وأطلقوا عليه اسم أرثروبوت، واستخدم حينذاك في رأب مفصل الورك الكامل لإعداد عظم الفخذ للزرع بعد استئصال رأس عظم الفخذ.

وفي عام 1985، استُخدم روبوت يُدعى “بوما 650” لوضع إبرة لخزعة دماغية استرشاداً بالأشعة المقطعية المحوسبة. تمتع الروبوت “بوما 650” بست درجات من الحرية، مما مكّنه من الوصول إلى أي نقطة داخل محور

منظومة دا فنشي الجراحية

حركته. كان هذا الروبوت قادراً على تحديد موقعه من خلال مقياس الجهد “potentiometer” الذي يتحكّم في ستة محركات مؤازرة.

وفي عام 1988، تمّ تطوير البروبوت “Probot” في كلية إمبريال كوليدج بلندن واستخدم في جراحات البروستاتة. وقد صُمّم لتمكين الجراح من تحديد الحجم المطلوب استئصاله من غدة البروستاتة، والذي يتم قطعه آلياً من دون تدخل إضافي من الجراح. وفي عام 1992، تم تطوير روبودوك “ROBODOC” من قبل شركة الأنظمة الجراحيّة المتكاملة لتقليل الأخطاء البشريّة في عمليات استبدال مفصل الورك.

الجراحة الروبوتيّة أقل تكلفة من الإنسان

في مقالٍ له نُشر على موقع ) “Futurism” المهتم بالتطورات التكنولوجية الطبية على صعيد العالم) يشير الدكتور الهندي جايش أمين، إلى أنه قد لا يكون من المريح التفكير في روبوت بارد غير مفكّر يجري على المرضى عملية جراحية؛ ومع ذلك فإن الروبوتات قادرة على التصرف بدقة أكبر بكثير من الإنسان العادي.

ويحدّد أمين أن الجراحة الروبوتية أقل تكلفة من الإنسان، ويعزّز ذلك من خلال قوله: “الأهم هو أن الجراحة الروبوتية ذات الوصول البسيط قد تكون ميسورة التكلفة أكثر من التقنيات أو الأساليب المنافسة الأخرى. وبينما قد تكون الروبوتات رسومًا باهظة الثمن لمرة واحدة، إلا أنه من الأسهل بكثير دفع تكاليف تشغيل الروبوت بدلاً من دفع تكاليف الإنسان، وهذا هو بالضبط سبب تولّي الآلة المسؤولية خلال الثورة الصناعية”.

نظام دافنشي الجراحي

لا يمكن الحديث عن الروبوت الآلي وتوغله في الحقل الطبي دون التعرف على نظام دافنشي الجراحي الذي كان الأهم في إنجازٍ من هذا النوع. تتكوّن منظومة دافنشي من وحدة تحكّم الجراح وهي عبارة عن غرفة مشابهة لغرفة المريض، وسرير للمريض مزوّد بأربع أذرع روبوتية يتم التحكّم بها عن طريق وحدة التحكّم. ثلاثة من الأذرع مخصّصة للأدوات التي تلتقط الأشياء، ويمكنها أيضاً العمل كمباضع، مقصات، أو مماسك. يستخدم الجرّاح أدوات التحكّم الرئيسية في غرفة التحكّم لاستخدام الأذرع الروبوتية الثلاثة أو الأربعة (حسب حاجته). يتفوق تصميم الأذرع الروبوتية المزوّدة بمفاصل على قدرة اليد البشرية؛ تحجيم الحركة والحدّ من الاهتزاز وتحسين حركات اليد الجراحية يفسران مدى دقة الجراحة التي يمكن للمنظومة القيام بها.

مميزات وعيوب النظام الروبوتي

كأية تقنية جديدة تعتمد بالدرجة الأولى على الروبوت تحتاج إلى التجربة والتحديد للتعرف على أهميتها ومميزاتها، بحيث أثبت النظام الروبوتي الجراحي نجاحه في الكثير من العمليات الجراحية التي كانت تتطلّب الوقت والجهد. وبذلك يمكن الإشارة إلى مميزات عدة لهذا النظام:

  • مميزات الأمان: تقليص فرص الأخطاء الطبية الشائعة الناتجة عن الجراحة التقليدية.
  • فعاليته ونجاحه: أثبت هذا النظام فعاليّته في ما يخصّ جراحات المسالك البولية، أمراض النساء التي تتطلب الجراحة.
  • من مميزاته أيضاً: فترة نقاهة قصيرة، تحكّم ممتاز بالسرطان، درجة ألم أقل، وتقليل كمية مسكنات الألم المستعملة، جرح جراحي أصغر وأفضلية تجميلية، تقصير فترة المكوث في المستشفى، تقليل الحاجة إلى نقل الدم، تقليل خطورة العدوى.
  • يمكن أن تتحرك الآلات الروبوتية الصغيرة جداً من رسغ الإنسان من زوايا وجهات أكثر بفضل التقنية التي يطلق عليها اسم “ايدنويرست”، وبفضل هذه الخاصيّة يمكن أن تجرى هذه العملية بشكل كامل وأكثر راحة
    نحو توجه تكنولوجي طبي متطور

    وخاصة في المناطق الضيقة والصغيرة في الجسم.

  • إن الاستخدام الذي بدأ بعمليات المرارة والارتجاع والأمعاء الغليظة في البداية قد وجد مجالات استخدام في الجراحة العامة بواسطة عمليات الغدة الكظرية والطحال والبنكرياس وعمليات السمنة.

كما لهذا النظام الجراحي الروبوتي عيوب أكدها العديد من الأطباء والنقّاد. يمكن تحديدها إلى حدّ الآن على الشكل التالي:

– صعوبة التعلّم: يصعب على الأطباء المتدرّبين تعلّم تقنيات الجراحة الروبوتية وتطبيقها في غرف العمليات.

– تستخدم منظومة دا فنشي برمجيات احتكارية، التي لا يمكن تعديلها عن طريق الأطباء، مما يحدّ من حرية تعديل نظام التشغيل.

  • تكلفته العالية: يمكن أن تصل تكلفته 2 مليون دولار أميركي تجعله بعيد المنال عن الكثير من المؤسسات.
  • يمكن استخدام الأدوات عشر مرات فقط، يحسب النظام في كل مرة يتم استخدامه.
  • أخيراً، يجمع البعض على أن وقت تجهيز الروبوت في بعض الأحيان يكون طويلا مقارنة بوقت العملية كاملاً، فتجهيز الروبوت يحتاج 45 دقيقة أما بعض العمليات فقد تستغرق نصف ساعة.

نماذج ناجحة

  • جراحة السمنة: السمنة هي من أكبر المشاكل الصحية في العصر الحالي، بحيث تزايد الطلب على إجراء عمليات تقليص المعدة أو ربطها، وقد أثبتت الجراحة الروبوتية فعاليتها في هذا النوع.
  • جراحة الأمعاء: بسبب صعوبة الوصول إلى الأمعاء وتشابكها، يسمح النظام الجراحي الروبوتي في الوصول والتوغل داخلها وإجراء اللازم.
  • الجراحة العامة: أثبت النظام الجراحي الروبوتي نجاحه في عمليات استئصال البنكرياس والكبد.

فائدة العلم منوطة دائمة بمدى دقّتها وفعاليتها ونجاحها على فترة معينة، ومما لا شك فيه أن العلم لا يتوقف هنا في المجال الطبي، من خلال إجراء العمليات الجراحية الروبوتية عن بعد وتشغيل نظام تكنولوجي جديد في حقل الجراحة هو بداية لحلول أخرى في مجال الطب. فهل يمكن في القريب البعيد أن نشهد روبوتاً طبيباً يشخّص المرض؟

العدد 124 / كانون الثاني 2022