محترف بيروت للمسرح

عن رضا كبريت المتأرجح على الروايات: الضاحك،اللاهي،المحترف في

عبيدو باشا

هذه لطخة جديدة من لطخات الزمن . أن يموت من يسلك الدرب والأمنية . العزاء في انه احتفى بوريقات الحياة ورقة ورقة ، بحواسه الخمس وحاسة الغيب . يمتلك رضا كبريت حاسة الغيب . هكذا ، أسرج الرجل أخيراً حاسة الغياب ، امتطاها وهو يدري أنها آخر الظهورات . شوهد وهو يدخل في شقوقها.شوهد وهو ينزلق في شقوقها كما تنزلق الفكرة في الذهن .وقف على عرش الصورة الأخيرة بعد أن خاض ممتلئ الخدين حياة لم يبددها . حياة بكل الألوان . حياة دوري لم يغلب الكلام على السكوت ولا السكوت على الكلام . ذلك أن رضا كبريت ، من امتلك العديد من الصفات( العاطفة الأكثر بلاغة ، أبرزها ) سوى الغطرسة ، لاحظ من حوله ، مافوقه وما تحته . لاحظ كل شيء ، أي شيء ، ليفرغ حمولته فيه وهو يخوض في حياة حافلة ، كالحافلة. لم يقف الرجل أمام الشكليات ، كارتداء الملابس الجميلة أو اقتناء ما هو فخم .من اعتباره أن امتلاك الأساسي في الحياة هو الأساس ، بلا تصنع وبلا تكلف . لم يواعد سوى نفسه . وهو بذلك بقي فاتحة الأحداث ونهاياتها بين ما يفكر به وما يقوله . وهو بذلك ، لم يبدد مواعدة الآن بن من ضرب مواعيده معهم بالشعور المباشر . ثم بالحنين . رضا كبريت ، على الجانب الآخر من الحياة ، في سلسلة سوف تأخذ قارئها أو ملاحظها إلى المحتمل والضروري في سيرة ، اصطحبت بطياتها ما هو مأخوذ من الغام وما هو خاص جرى تعميمه على الأرضية المشتركة ، مع الشركاء المنتقين من محطات الحياة . ومع من لا يعشق توليد الإحباط من من لا ينتظر الآخر حتى يقترب منه لإسناده . لن يقوم الشباب الجدد بتظهير الصورة ولا أجزاء المسيرة ، من ازدياد المسافة بين الأجيال . لأن رضا مولود العام ١٩٣٠. لا علاقة لآداب المواعدة في اتباع السيرة أو تركها في فضاء القرن الماضي . هذا أولاً. ثانياً، لأن طبائع الولوج بالعلاقات اختلف . وهذا سبب من السبب الأول . سببان لن يسمحا لا بتظهير الصورة ولا بمطابقتها على تصرفات ومواقف الأشخاص ، المرسومة بالخيال أو من تقف على خلفيات السنوات والأيام الماضية . لن يقوم الرجل بتظهير نفسه على مواقع التواصل الاجتماعي . لا لأنه لم يود ويرغب . لأنه اختلف تمام الإختلاف بغياب الأرضية المشتركة . أرضية الإتصال في أمر وجب التنبه له .

لم يتح الإحتفال برضا كبريت في مسرح المدينة بالعام ٢٠١٦بكسر القواعد هذه . ولا بلعب دور العنوة بتفصيل حضوره في حياتهم العامة . اكتمل مسرح الجريمة ، حين شوهد الرجل بعيداً من مقررات جيل على شبكات التواصل الاجتماعي من الفايسبوك إلى تويتر وصولاً إلى انستغرام والتيك توك . الأخير وسيلة نقل عند رضًا . ووسيلة تواصل عند الشباب ، من لم يجدوا فيه أنه يمتلك من المواصفات ما يجعله يتفوق عليهم . لا يستطيع أحد أن يحصي هؤلاء في خانة الأعداء ولا الاعداء المحتملين ولا المناصرين ولا المريدين . المصيبة في ما يقع بالعقل لا بالواقع بهذا المجال . لم يعد أبطال القرن الماضي في عقول أبطال القرن الجاري ، لأن الامور لم تعد تقاس بالأمور القديمة . لم يعد الرجل يمتلك سرعة الرد ، حين لم يعد الشباب يمتلكون سبحة الأسئلة القديمة . لحظة افتراق مؤسفة . ذلك أن من بان يمتلك قلبين في عينيه ، أضحى ضد رغبات الأفراد بالانتقال من العلاقات الحقيقية إلى العلاقات الإفتراضية . غاب رضا في خاصيات التطبيق . ولكنه غاب أولاً بعد أن وجد الأسى في عيني المدينة وهي تنفجر وتتشطى مرة أخرى . وإذ وجد كبريت في منطقة الإشارات الثقافية الأولى ، وجد الجمهور في منطقة الإشارات القصوى وهم يقفون أو يقبعون في مناطق الشواهد الصامتة للأحاديث ورحاها حيث تدور الرحى . مات رضا في هوس الشباب باللايكات وابتعادهم عن التبصر في المعاني الجوهرية للكلمات والتعابير . ثم ، مات حين مات .

ثمة جواب سريع بالرد عن من هو رضا كبريت : رجل تواضع بلا سهم أو عصا . وجد في المغزل اللبناني وهو يضحك في اصعب الظروف واشدها قسوة . صحيح أن الحشود لم تره في ادواره النضالية في الحزب السوري القومي الاجتماعي . ولكنها دلائله تطغى على أمر دون الآخر . يروي رواة أنه مناصر للحزب لا عضو في الحزب . يروي رواة آخرون أنه راوي الحزب ، رفيق بالحزب ، شريكه في فترة التعرف على تلخيصات البلاد ، مراقبتها . ثم ضبط هيامها على هيام الحزب بالإنقلاب عليها . رواة كثر في عيادات جوالة . ولكن مشاركته في إنقلاب الحزب على السلطة بالعام ١٩٦١،يؤكد أن رضا كبريت هام بالحزب إلى حد أن الرجل قام بمهام حازت قلبه . لا مناصر ، رفيق بعيد من النصرة وفي اللوحة الأساسية لحياة الحزب ذي الروابط العقائدية الصارمة برفاقه . يروي الرواة ، من تركوه بين النصرة والإنتساب أو الالتحاق أو اللحاق بالحزب ومهماته ، أنه شارك في الإنقلاب . وهذا امتحان أقصى المن لا يستطيعون ضبط هيامهم . لا يستطيعون ضبط عداداتهم العاطفية على العدادات العقلية . وبالعكس . أخرجوه بذلك من مناطق الحياد ، بحيث لا يعود يرى وكأنه قارب من خشب عتيق وجد يطفو في مياه نهر يمتد حول الأمكنة . أوجدوه كجزء من النهر ، من لم يرد على أحدٍ ، من لم يسمع أحداً سوى مائه . علماً أن الرجل لم يُحدّْث بلغة الحزب القومي السوري الإجتماعي يوماً. لم يروِ أنه ناشط سياسي ولا قائد ولا محارب . لم يتباه بصورته أو ثورته أو سنواته المستحيلة . ان يروِ ، بحيث ظهر وكأنه إذا ما وجد في الحزب كرغيف لا كحليف ، بدا أنه من العاطلين عن العمل بالحزب . اشارة واجبة في الحماسة والسلوك السياسي . اشتهيت أن يروي ما تحقق من أحلامه بالحزب ، بعيداً من الأجهزة الأمنية ، لأعرف أنه انخرط . لم يخف من أن يروي . رضا لا يخاف . ولكن الكلام على الحزب قد يؤدي إلى وقوع مشاكل ثانوية بين من نفذ الاعتصام عن الكلام على دوره بالحزب وبين من لم يجد في الحزب حزب التطورات المفصلية . الكلام على الحزب ذي حدين . يؤدي إلى إحكام الطوق على الراوي . أو يضع الراوي في مقلب الحراك الخاص . رضا مع الزخم العام ، الزخم الشعبي . هكذا بدا خجولاً وهو ينتهز الفرص لكي لا يزيد. حدة المشاكل إذا روى أنه وجد في موجة تظاهرات الحزب وحده . فهمُ العوامل الذاتية فهمٌ للعوامل الموضوعية العامة . هكذا بقي في طوق بيروت الذهبية في مرحلة الستينيات من القرن الماضي لا في طوق الحزب المهدد بالأفول . ثم بطوق محترف بيروت للمسرح صاحب التصميم الجديد الإجمالي لوضع الاختلاف المسرحي على جدار المسرح . إذ أن المحترف بقي جاذباً للعيون وآسراً لأفئدة الحزبيين المؤدلجين. بالأخص من الحزب القومي السوري الاجتماعي ، لا من زعم ، من واقع أن نضال الأشقر هي ابنة أسد الأشقر ، الأمين ورئيس الحزب . وأن نضال الأشقر وجدت في روجيه عساف مايكفي من العناية ، بحيث اضحت شريكته في المحترف ، حتى بات الكلام عن واحد منهما دون الآخر ، كلاماً ناقصاً . أو كلام عقب ، لا كلام مقدم ولا مقدمة . وهو دار في فلك الحزب ، بدون إصدار بيانات تنمو في فضاءات القناطر المظلمة أو الأقواس المكسورة . وهذا ما حقق توازن الرجل في فيض المحترف لا في غيض الحزب . ارشدت حلقة الأصدقاء إلى أهم وانجع الطرق في عالم محادثات الحزبيين بعيداً من مطبات العلاقة المباشرة . جزء من جمال الحزب وجود نضال الأشقر في المحترف . جزء من جمال المحترف وجود الحزب فيه . حزب انطوان سعادة . الشجرة والإكليل . مولد حشد الطيور الجدد ، بالثقافة والفكر والفن .

وجد رضا كبريت في واحد من المستويات العليا في المسرح ، مستوى المحترف ، بعد أن قدم أعمالاً لا منافع لها بالمنافع المادية أو الخاصة ، ما دام “رفاقه” بالحزب وضعوها بالغريزة وللحاجة النفسية في خانة ما أنتج في صالح الحزب ، ولا تزال الحرب الأهلية بعيدة بعد .وجد رضًا بالمحترف بعد أن راكم الإهتمام بفكر سعادة وبمفهوم الانتباه الكبير من روجيه عساف بنضال الأشقر ، مذ قصدها في منزلها في ديك المحدي ، إثر عودتها من لندن بعد أن أنهت دراستها بالأكاديمية الملكية للمسرح . الذات تكمل الذات . هكذا أكمل الواحد الآخر .وهكذا ، راحت العوامل هذه تفعل أفعالها بحيث حاز القوميون الاجتماعيون في المحترف دورهم بعيداً من الميكانيزمات الدفاعية والهجومية . وجد من وجد بالمحترف في جغرافيا بعيدة من العلاقات المشوهة . وجد رضًا كبريت ، لا لأن رجال ونساء المحترف أقاموا أعمالهم ، في لياليهم الصاخبة ، على الانتماء للحزب . وإن شكل القوميون جمهور المحترف الأوسع . وجد ، لأنه وجد في الحزب ما يصالحه مع تاريخه ، في مدينة وجد فيها العدو والصديق . كما وجدت فيها شعوب في شعب واحد . حاز أمانه واستقراره وثقته بنفسه ، ثم جاء إلى المحترف السياسي أو إلى الحزب المسرحي . لم ينسلخ عن عالمه ليسكن في عالم مواز ، ما دام التعريج على المحترف تعريج على واحدة من الواجهات ذات التنشيط الحي لعلاقة المسرح بالسياسة وعلاقة السياسة بالمسرح . هذا نظام روجيه ونضال ونظام رضا . لا قلق إذن من الدخول في هذه المجموعة الجاهزة لأجل تعزيز الهوية على الضفتين . ريادة المحترف للحزب وريادة الحزب للمحترف . الأجواء جاهزة ما دام ما عرف بالكليك ، شكل مجتمعه بالمجتمع على العلاقات العاطفية والانسانية والفكرية بالحزب . تلك مرحلة تحددت فيها الهويات بالثقافة . لم يضخم المسرح ذاته بانعكاس هذا الامر عليه . ولم يمارس العاب الخداع مع رواده ، من أقاموا تجاربهم على الأهواء المشتركة . محترفات واسعة في مجتمعات ضيقة . لا قانون ولا انتظام ما قاد المسرحيين إلى المسرح . ما قادهم إلى المسرح هي شبكات العلاقات الداخلية العاطفية والتحرر من القيود في أزمة الهوية . أزمة أطراف لم تتصالح وهي ترى إلى لبنان كبلد طائفي ، بلد تناقض طائفي ، لكل طائفة فيه عاداتها وتقاليدها وخطوطها الحمر . ثلاث محترفات مثيرة للاهتمام بتاريخ لبنان . مدرسة المسرح الحديث مع منير أبو دبس . حلقة المسرح اللبناني مع أنطوان ملتقى . وهو تشكيل مركب من عوامل التضاد مع الحلقة ، بعد أن وجدت بالأول آخر لا ينسجم مع ذاته . إذ قادت الميول المختلفة بعض ناس المدرسة إلى توجيه النفس نحو إبراز التناقضات في طريقة شغل أخرى في حلقة المسرح . محترف بيروت للمسرح مع روجيه عساف ونضال الأشقر محترف علماني. ثلاث محترفات ثرية بالخيال والأسماء لم تجافي الواقع وهي تقدم لبنان بأحواله على ما هي عليه ، لا أفضل مما هي عليه في مجتمع تخالطت فيه المظاهر الخادعة مع المظاهر الحقة ، وسط مجتمع استهلاكي من الطراز الأول . هكذا ، وجد كبريت في المحترف العلماني ، كقومي اجتماعي لم يتسنى لأفراد جيله أن يتمحصوا حضوره المحقق إلا من مقامه النضالي ، على مسافة من مسرحياته المناطقية ، نصف الهاوية ضرب إثنين . لم يتوفر طرفه الآخر بوجوده في المحترف ، إذ وجدوا في تأرجحه ، ثم قفزه ، من مسرح الهواة إلى المحترف نمطاً لا يستساغ . بالأول نوع من المسايرة الأيديولوجية . ثمة بالمحترف، ما يخفي به عيوبه الأولى وما يستر به فقر المسرح أمام مسرح المحترف ” الفاحش الثراء “. نوع من التباهي بانقسام الناس بين الطبقات . المسرح مدن، طبقات ، ناس على برج وناس على منحدر ، أساليب ، طرق عيش ، ميول ، تحقق الهويات الفردية والجماعية . رضا بالمحترف ، رضا بالقول الصحيح . جرى امحاء المقتنيات القديمة ،من أجل الداتا ، من أجل سرد عناوين المسرحيات وإظهارها كمتاع بتوفيرها بالذاكرة ، كمنتج مدقع بالزمن الراهن ومنتج سوف يلزم الرواة أنفسهم به بعد الموت، كجزء من جميل رد الجميل لمن لم ابي أنانياً ولا مريضاً ولا متشوهاً حين قرأ في الفصل هذا جزءاً من الجزء الأخير من حكايته ما قبل الأخيرة . لم تقع اضاءة معارك مسرحيات الهواية المسرحية بالأطراف ، من جراء ضغط العوامل ذات الوجهة الحاسمة بأن مسرح الطرف ، الأطراف ، كالمسرح المدرسي . مسرح القاء سلام على الآخر ، فقط لا غير .إذ بقي حاسبوها يحسبونها من “الأجزاء الأخرى ” في تجربة المسرح . اجزاء مبتعدة عن مساحة المسرح الطويلة في اشراقاتها الصاعقة .إذاك ، بدا رضا كبريت وكأنه يرتدي بذلة صفراء وهو يقف على خلفية من اللون نفسه . لم يشاهد ، لم يِرَ إلا حين دخل في الهواء الدافئ لمحترف بيروت للمسرح . لم يعتمر قلنسوة اخرى لكي يرى . ولم يرفع قبعة الإخفاء عن رأسه لكي يشاهد . جل ما في الأمر أن الواقع في ذلك الزمن ، لم يكن لا محرجاً ولا موجعاً إلا لمن وجد نفسه خارج الأحزاب والتنظيمات والجماعات . ذلك أن المدارس والمحترفات والفرق و حلقات المسرح ، أحزاب بأقنعة ، أحزاب مقنعة، بربطات شعر لا تنفر . لأنها استعملت كعامل حاسم على طريق حل معاضل العلاقة بين المحترفات والاحزاب والجماعات من الزمت نفسها برد الشيء بالشيء . وجود بلا معاناة في مقابل الاكتراث ومعالجة الشوائب الناتجة عن عدم التصالح مع النفس من خلال التصالح مع الاحزاب . كل شيء حزب في مرحلة الستينيات بالقرن العشرين . حزب الكتائب ، القومي السوري ، الشيوعي ، البعثي ، القومي العربي . حركة الوعي مارست الحزبية في الجامعات اللبنانية . حركة ، حزب من أفعال العالم الحقيقي . أو هي جماعات تغلبت على الواقع ، حين خطت واقعها كقاعة أو كشاشة . كل من يدخل الى الأولى ومن يرى على الثانية ، يحمل ما يولي اهتمام الآخرين به .

المدهش ، أن إفريزات رضا كبريت لاعلاقة لها ، بل أنها لا تنتمي الى شكله العابث وشخصيته العابثة . كأنه دائماً في قاعة رقص او في قاعة تقترب بمعناها من كل شيء سوى فائدة الفن وفائدة السياسة . لا صلة له لا بالفن ولا بالسياسة، وهو يرى وكأنه يراهق وهو رجل لم يكسر شيئاً سوى الايغو الذاتي . يروي كما يروي الرواة ، يروي وكأنه يسند ظهره على سريره وهو يأكل الخبز المحمص قبل أن ينام . يروي ويضحك ، يروي ليضحك . لأنه يرى في الضحك عملاً تخريبياً لحلقات الحياة المظلمة .يمارس الدفع الى الضحك . إنه على الصورة هذه في الحياة وفي المسرح بمزاج مبتهج ، لا يهمه أن يقود صاحبه إلى أن يرى الفن وكأنه لا يجعل أي شيء يحدث بطريقة تجعل شيئاً يحدث . ملتهب بالضحك ، كل يوم . كل يوم يلتهب بالضحك ، ويحمل الآخرين على الضحك وكأنه يعلق نكاته وضحكاته وقفشاته على جدران معرض فني ، لا يني يدعو الآخرين إلى الولوج إليه . الضحك صهوة جواده . لا اعرف كيف لمن لا تهمه الحياة على ما هي عليه من شروط ، ولمن أشاح عن شروطها لكي لا يغدو معاقاً إذا ما اندرج في شروطها ، أن يلعب دوراً في حزب المناقبية . وأن يشارك في انقلاب ” المدرحية ” المسلح . ولو انتهى الإنقلاب كنهفة من نهفات رضا كبريت . حين وجد القوميون ، أصحاب الإنقلاب ، أن ما وجدوه لا على ما يرام . ذلك أنهم إذ اقتحموا مبنى الإذاعة اللبنانية ليتلوا بيانهم الإنقلابي ، وجدوا أن الإذاعة راحت إلى مكان آخر . انتقلت من مبناها القديم الى مبناها الجديد في منطقة الصنائع . خرج القوميون كأطفال المدرسة الى الإذاعة . وحين لم يجدوها أصيبوا بحلوقهم . فقدوا صوت الإنقلاب . اضحوا متفرجين على الصورة ، لا صناع صورة . اقتيدوا الى المعتقلات والثكنات . اقتيد معهم رضا كبريت . هناك ، حجز لهم العسكر أوقات استجواب وتعذيب، كما لو أنهم حجزوا لهم في فنادق الدرجة الأولى . شتم وضرب وتمزيق ملابس ولحم وشد احزمة على الرقاب وحزن امتد على من رفضوا الحديث مع الجلاد ، سوى رضا كبريت من بقي مصمماً على المزاح والابتهاج ، حتى روي ما روي .

روى الراوي أنه لكي يخفف عن رفاقه، حيث شوهدوا وكأنهم في يوم أجازة جماعية ، أعلن بالصوت نفسه على مدى يوم أنه سيقدم التنازل بالاعتراف بمن يقف وراء الإنقلاب . وأنه سيروي سير تواطئهم ، كما لو أنه يجيب عن اسئلة محررة في مجلة فنية . دار في خلده أن قراره صائب حين مثل في حضرة المحقق العسكري كشخصية من شخصيات الكوميديا ديلارتي ، ليتفاجأ المحقق بقوله أن اليابان وراء حركة الأجساد والعيون في الانقلاب القومي . أنها الصلة ومرجع الفائدة . ما اضطره أحد على دفع الأثمان المادية والمعنوية وهو يزيد تورطه في جل المسألة . صرح بما صرح وكأنه يريد طرد الملل والخوف من صالة عذب فيها رفاقه بدون تسلسل. ووجدت فيها دماؤهم . كأنه رجل يحسن التظاهر، الى درجة تدفع الناس إلى أن يلتفتوا لينظروا إليه وهم يتوقعون أن يكمل رواية بدأها من لعبة تحاكي لعبة الحياة . يروى أن الراوي روى . سوف تبلغ الرواية أقصى الأواصر بالحكم المحاصر والمحكوم . اضافة حياة من صور ومنشورات وأقوال مأثورة . هذا هو المهم ، هذا هو الأهم . أن يروي وأن يِروى أنه روى . روى الراوي. هو راوي الحزب والجمهور . لم يأخذ يوم راحة . ولأنه على هذه الصورة ، لم يلاحظ أحدهم ما فعله إلا إثر يقظة أو حادث أو إرتقاء أو سكر أو رفض لرواية راو لا يعرف كيف يروي كما يروي رضا .

غمس رضا كبريت يديه بالمسرح حين فتحت له نضال الأشقر باب صالته وكواليسه، وحين تتطبع ببعض الحزب القومي السوري الاجتماعي وبعد مرحلة مضطربة ، قلقة ، انتهت بمسرحية ذات سمات واضحة : الستارة . فيها امتزاج عشرات الأسباب ، الأشياء ، الطبائع ، مجموعة من مسائل السياسة والاقتصاد والثقافة وحياة الجماعة. خروج من العلاقة المأزومة بالمسرح ، حيث حب المسرح لا سياقاته المنطقية . كل شيء بعكس الطبيعة . الآن ما انتجه وافرزه لقاء تلميذة ليتلوود وتلميذ. جان فيلار والمسرح الوطني الشعبي في فرنسا . لم يأتِ دامعاً ولا منفعلاً. حيث المسرح في محترف بيروت لعبة لا علة إطالة الشعر ولا مد الجسد من الطابق السفلي إلى الطابق العلوي . لن يتخبط جسد رضا كبريت ، بالرغم من الأمر ، ليرتقي من النشوء إلى التوسع في منطق معين من القواعد . هكذا ، دخل من باب المحترف الواسع . وهكذا ، أخذه إلى نوع من الجنوح في ميادين الارتجال والاداء والتواصل ، بعيداً من الابحاث والمقالات . دخل في عالم من العلاقات تتطلب جهداً كثيفاً لعيشها. وهو اذ دخلها احياها، ما اعتبره روجيه عساف احياء جديداً للصور والافكار بالمحترف. لأن ذلك الزمن ، زمن الفكر بدون اعفاءات. زمن الحياة وهي ترسم جاداتها بمسحها بزبد الأيديولوجيا . لن يطوي أحد أطراف أغطية الصراع بين الجبارين في جيبه . لأن الصراع في جزئه البارد ، صراع فكري . وبلا فكر لا ثقافة ، بلا فكر لا فن . يقظ تماماً ويشعر بالضجر من ارتقاء درج النضال وحيداً ، ترك الرجل بقاياه المسرحية خلفه إلى نوع اشتهاه من استيقظ من نومه ومن لم يستيقظ في تلك الأيام . لو لم يدخل محترف بيروت لمات . لانتهى هوسه في امواج الذكريات . سوف يظل قائماً وسط الاصدقاء . ولكنه سيوضع في أرشيف كأنه صفحة مدكوكة بالكلمات المتقاطعة .أكمل نصف اعتقاده بالمحترف ، بعد أن أتم النصف الأول وهو يقف على مسرحياته الهاوية ونصف الهاوية كفتى من العهد الفيكتوري أو الإليزابيثي مأخوذاً بروائع الرفيق شكسبير . هناك ،بقي بعض الرماد عالقاً في قماش ثوبه المسرحي ، كأم قلقة . حيث ثمة عقد جديد، جدير ، جماعة سياسية ، خلية ، هيئة قطاع ، لجنة مركزية أو مكتب سياسي . ثمة ما ثمة في المحترف . لن تضعف المعلومات الاعتقاد . سوف تعززه . المحترف حزب ، بلجنة مركزية ومكتب سياسي وهيئات قطاع وخلايا . لا نوم على الأرائك في المسرح بعكس ما يشاع .إنه أمر مقبول، من من لم يعلق بالماضي بعد أن علق ماضيه فيه كمناضل سوري قومي اجتماعي في الجامعة الأميركية في بيروت . لم يوجد في ابراج اتصالات الجامعة . وجد على الأرضيات الإسمنتية الرطبة، الباردة ، وهو يهتم بالطلاب والموظفين ، كأنه مسؤول عن الميكانيك والتلميع ، بواحدة من ورش تصليح السيارات . يصلح ويلمع . ساحر ، ساخر ، حيي ، مالك قوة الخروج من اللوحات الجامدة ، يتجاوز حوافي اطاراتها إلى العالم الواقعي ، بعيداً من الحزازات والإصطفافات ، يقدم ما هو له إلى الآخرين ، حتى بدا كالصخرة في الخلفية ، يضع الناس عليها ظهورهم وهم يستمدون منها أمانهم بدون خوف أو شرح . هذا رجل كيمياء يقدم ولا يأخذ ، يعمل ولا يتكلم ، يرفع من هو أسفل اللوحة إلى أعلاها ، بحيث لا يظهر شكلاً يطفو . بحيث يظهر رهيفاً، شديد الوضوح ، مرئياً في بعد خاص يمحضه إياه من غير أن يدعوه إلى الإنتباه إلى ما محضه إياه والانتباه إلى التغيرات المتوجبة على ذلك . لا شك في أنه ملاحظ ذكي . رجل شجاع ، لا يسعه أن يقبل بتحقق أمر واحد، واحد فقط . وهو بذلك وضع الآخرين في مشهده الطبيعي ، في مشهدهم الطبيعي بدون منة . ولكنني ، بعد أن قفزت من خلف رأسه إلى شيفرات عينيه ما تخيلت أن بمقدور هذا الرجل أن يضع وسام التآمر على السلطة، على صدره ، من درجة فارس . أعلم أنه فعل . إلا أن ثمة من يلفق . وحين يحتاج الأمر الى التلفيق ، سوف نجد من يضيف الصور والأفعال الوجدانية على سيرة رجل لا عادي ، لكي يوحي بأنه لا يموت . موجود دوماً ولا ميتة في مقاله . لأنه يرمز إلى أشياء كثيرة ، يوم الكسل . البدء من الرمز . إذ أن التلفيق لأجل الرمز . رضا رمز من رموز الحزب ورمز حاجات نفسه وأعماله ، يقدمه الحزب كعدوى إذا أصيب بها الآخرون وجدوا بدل أن يمرضوا . رأيته ، بعد سنوات على النظر إليه وهو يروح ويجيء على لسان روجيه عساف ، من وجده منقذاً من طاعون ايحاءات المثقفين بأنهم شركات تأمين المسرح . وأن المسرح لا شيء في غيابهم . وجد رضًا أن الحياة الواقعية أفضل من حياة يقسم فيها المثقفون البروليتاريا بين بروليتاريا وبروليتاريا رثة . لا ملابس رثة ولا مظهر مسكين . بيروتي/ صيداوي، نكيح ، يستطيع أن يطير في الهواء فوق ظهر خاروف أو تيس لا فوق حصان أسطوري ، بوجهه وجسده الممتلئين . حيوي بضحكة حصان . هكذا وجدته باللقاء الأول . لا عظام باردة ولا سلوك بارد ولا عسر في الكلام ولا في التواصل . هكذا بدا الرجل شخصاً يعود من مشوار إلى دكان قريب ، لا شخصاً تراه وتلقاه للمرة الأولى بعد عودته من صور الرواة الأول . بدوت كبطة مصدومة حين شاهدته وهو يضحك من نكتة رواها ، كما لو أنه اذا استمر في وتيرة ضحكه سوف يصاب بذبحة قلبية . إنه تلقفي ، يعرفك ولو أنك لاتعرف عنه شيئاً ولا تعرفه . رضًا يعيد الأموات من الموت . ولكنه ، مع كل ما يمتلكه من صفات ، لا يمكن أن يرى كشيطان سياسة أو متآمر أو ملاكاً يركع أمام مريم العذراء ليخبرها بأنها ستنجب طفلاً يطل من اللون الذهبي المشرق المتحلزن فوق مدينة مقدسة ، فوق بيت لحم . ما لفقه الآخرون من تواطئ وتآمر ودعوة المدعي العام إلى الاجتماع لكي يخفف على الرفاق مشقاتهم باضحاكهم على اعتى رجال السلطة ، شيء لم يكتبه بنفسه ولم تخبره أمه به . إنه من صنع رفاق أحبوه وترجموا محبتهم بأسطرته . لأن الأسطورة جزء من حياة وجزء من متحف ، تدمج تاريخ الولادة بالأخبار وتدمج عالم المولود بالمشاهد العاطفية . الموجود منها وغير الموجود . ما حدث وما لم يحدث . لإخراجه من القصور العادية إلى قصور الملوك بالمخيال الشعبي . هذا معناه أن لا حكم سيء عليه. وأن حياة المؤسطر حياة لا فانية ، سوف تترك أثراً يجعل التكوينات ذات ميكانيكات شديدة الإبداع . هذه رسالة يذكرها التاريخ ، لا رفاق اذا ماتوا عزى بهم الآخرون أهاليهم بدعاء ” البقاء للأمة” . إنها المشاركة العاطفية بالتعاطف مع من لا يتكرر بالحزب ، من إذا ألقى قادته نظرة على الجدار لوجدوا صور من ابتعدوا عنهم لا من اقتربوا منهم بالخروج من المدرسة إلى بداية اشهرهم وأبراجهم . انوجد رضًا كبريت ونضال الأشقر وحدهما على الصوت المرتفع لمحترف بيروت للمسرح مع روجيه عساف . مط الرجل بدنه من الطوابق السفلى إلى الطوابق العليا ، بعيداً من أية حالات أشير إليها سابقاً . عثرت نضال على شقتها الرائعة بالحزب ، لأن أسد الأشقر والدها . سوف يقيم رضا في قصر من منطوق الرفاق . يروون ويروون بدون أن يتوقفوا . فعل المستحيل في الانقلاب . وحين أرسل نفسه إلى المحقق ، إنما هذه إضافة سهلة . ذلك أن الكلام على كلام رضا ( حين رووا أنه نسب الإنقلاب إلى اليابان ) كلام فيه هز الكتفين لا الاستخفاف من مدى الحقيقة بالصورة . ميزوه حين عثروا عليه في المسرح . ثم في المحترف مع صاحب السيرة الحسنة ، الرفيق روجيه عساف . صديق الحزب لا مرسله إلى الآخرين .

إستعد بعمله في المسرح لأجل أن يضيف. لا لأن عمل والده استدعى ذلك.لأنه اذ خرج ليتفقد نفسه ليصوغ من ما يجده( بالتفقد) حياة لا علاقة مباشرة للحزب بها وجد نفسه في الرواية ، هو الحكواتي المفوه من يريد تضييف الآخرين في حكاياته ورواياته الضاحكة . من الواضح أنه شعر أن النضال أمر ملح ليمارسه في الحزب والجامعة والمسرح . ابتعاده عن النضال بالمعنى التقليدي لم يزعج الحزب ولم يزعجه ، حين وجد الحزب أن رضا استوفى نضاله في الجامعة وفي ما لم يعد له وجود . وأن وجوده بالعالم الثقافي تدوين حضور بالإنفتاح المعروف عن الرفيق، من قرر أن يعيش داخل رأسه على الدوام ولو وجده خال من التعبير ببعض الأوقات ، كلما ابتعد عن ” أن الحياة وقفة عز ” ليقترب من ” أن الحياة على المسرح حياة غير الحياة “. من المؤسف أن لا يروى ما حدث مع رضا في محترف بيروت للمسرح . لأنه محطة اساسية لا محطة على أي حال . هذا ما فعله محررو الصحف بعد أن حانت لحظة الوداع عن ٩٢ عاماً. لا لأنهم يعلمون . لأنهم لا يعلمون . صحافة القرن الواحد والعشرين في لبنان صحافة من لا يعلم . هكذا ، ما عرفوا التحدث حين أرادوا التحدث عن رضا الفاني . هكذا ، دونوا المدون في مطوية وجدوها على باب “مسرح المدينة” سنة تكريم نضال لرضا. تكريم نضال للمناضل ، من أخرج نفسه من ما يستعدي الآخرين ، ليقيم اللحمة معهم (لا الشقاق ولا الفراق )على استغلال الوقت لتلبية حاجة الآخر . كما حدث حين توجه اليه رجال الأحزاب والمنظمات والجماعات والتجمعات ، ليقفوا على نقطة واحدة . لم يعلن حال الطوارئ من أجل اللقاء بالعابرين والجوالين والمقيمين في الجامعة الأميركية ، لأنه لم يولد ليتحسب من أحد . ولد على عدالته ، لا على العدالة المكتوبة . لن يسحق لوناً لأجل لون آخر . ولن يوقع عريضة ضد أحد . خلفه سمعته ، أمامه سمعته ، من أنه حين يستجيب للطلبات ، يستجيب لا لأنه يخشى أحداً. لأنه يدري أنه سيخسر الرهان اذا لم يمحض ثقته التامة للآخر . الناصري والبعثي والقومي والشيوعي ومن يجد أنه لن يتمتع بقوى طاغية إلا إذا بقي مستقلاً.كلما سمكت الطبقة عنده قل عدد الثقوب . الطبقة ليست منصة.الطبقة حشد يناصر الحشد وهو يخرج من الحجر ، بعيداً من الأقاويل والشائعات . هذا من معارفه الواسعة ، بعيداً من وسائط الرفاق الغارقين بالتحزب ، من وجدوا أن الغاية من الحياة هي التقدم كنجوم منفردة ، متفردة بهتافها الجاهز ، الأشبه بالحوائج. لا يريدون من الآخرين أن يقلدوا خطوطهم ولا أن يقلدوا خطوط الآخرين . انحرف رضا عن من حولوا العقائد إلى أمثال، لا عن العقيدة، وهو يغوص في انسانيته كحقيقة من حقائق النعم . ميل على السقالة ، بعيداً من الأكاليل الحجرية . قبل بدون أن يعد وأعطى بدون أن يطالب برد العطاء . هكذا ، راح يعلم أن النسخ لا يقود سوى إلى الجمود . رفض الذات هو العقيدة لا ترجمة مفرداتها من الجهة اليمنى القصية أو الجهة اليسرى الأقصى ، لأنها أكثر بريقاً. كلما زاد عدد العاملين على معروف ، وسعوا أقدام المربع . كل قدم مربع كاف .هذه علامته الفارقة. الحاجة إلى الآخر قوة لا ضعف . هكذا وجد أن التعدد غير النسخ . وأن الأعمال الحسنة لا تحتاج إلى وسيط بوجود من وجد وجوه الناس على وجهه ، كوجه واحد على ميدالية . وجه واحد على وجهي الميدالية . قدم بذوراً ولم يحمل تفاحاً وهو يتخيل أشجار نحيلة أو ضخمة وسط الأحزاب والطبقات والدرجات والعمال في الصالات أو أولئك المتكئين على أدوات البستنة . بقي على دراجته بدون اصطدام بدراجات الآخرين ، لأنه بحر . ولأنه لم يقم الحد على أحد . ولم يقاطع أحداً بحدة الموقف ولا بلحظات الملل .ولا بلحظات لا ترافقها سوى الكآبة والحزن . ولا بالسن اللازمة ولا بالثرثرة .لزوم ما يلزم لتقدم حمامة من حمائم الحزب ، لا من صقوره ، في صرح عظيم كصرح الجامعة . ولأنه لم يفكر بسؤال الآخر أن يرافقه في انزعاجاته أو دعواته أو تآلفاته إلى مصطبة عليا أو مصطبة أدنى أو في أسفل المصاطب . لم يأخذ أحداً إلى خزانة كتب ولم يُرِ آخر رشح السقف وقطرات المطر الساقطة كل بضع دقائق على غلاف كتاب علوي فوق ركام الكتب في مكتبة الجامعة . يدرك رضا كبريت الآخر ويصيبه بالدهشة من ضحكه المستمر بصيغة مضارع لا ريب فيها. إنه الأرنب لا جزارة العشب ، يفتح فؤاده كما يفتح العاشق صوره الفوتوغرافية في مساحة تغمرها اشعة الشمس الصافية ، حتى تسأله حبيبته عن زمن التقاط الصور وأحداثها . وحتى يسأل حبيبته السير معاً على طريق واحد بحجة الكلام على ماضي الصور وتآكل حوافها . رفيق الجميع ، صديق الجميع ، لا عائق بينه وبينهم . هكذا ، روى الراوي (معن بشور )أن الإختلاف بالسياسة والفكر لم يفسد للود قضية ، على ما تقول العرب العاربة ، مع هذا الضاحك اللاهي . حرف الظهر الأول ورئيس الخدم العامل تحت أمرة نفسه بأفكار غير المتوقعة .ولأنه اعتبر الآخرين عائلته والعائلة تدوم إلى الأبد ، قام القائد النقابي بتنظيم برنامج لمكافحة الأمية بين عمال الجامعة ، من خلال “رابطة الإنعاش القومي” ، من رئسها آنذاك ، في ستينيات القرن الماضي ، رغيد الصلح . أقام ما قام به بالتعاون مع من يتخاطبون بأحرف غير أحرفه وبكلام غير كلامه ، من معن بشور الى بشارة مرهج وعماد شبارو ومنصور حريق ومروان زريقات وآخرين . قوميون عرب وشيوعيون وبعثيون ومستقلون يجدون بالإلتزام الحزبي شعر الحزبي منقوعاً بالخل . هذا حال، هذا دأب رضا كبريت ، من مشى تحت مطر الأحداث بلا قبعة أو غطاء رأس أو مظلة، وبدون تعصب يتوقعه صاحبه طريقه إلى الظهور . نجا الرجل من المحو دوماً من اتساعه العقلي والفكري . لم يأخذ قطعة الخبز الكبيرة لنفسه ، حين تقاسم الخبز مع الآخرين ، بطرق غير متوقعة. تخاطبه ، يرد عليك . ودود، إلى حد أن فكرة الإنقلاب على السلطة ، لاتصمد أمام وده . ودود ، إلى حد أن الكلام على مشاركته في الإنقلاب لن يصدق إلا بحدوث معجزة أو عجيبة . لأن رجالاً يقفون إلى جانب الرجال بقصص التعاضد لا البرهان ، لا يتمتعون بالقوة على منح بشراتهم ألوان قاتمة وهم يعرفون على ما تحتوي الألوان . أدهش كلما تفكرت بالإنقلاب . أدهش ، إذ لا أستطيع أن أتخيل الرجل بالكاكي القاتم أو الفاتح على ملابسه أو بشرته . لعل من حدد الموقع ، موقع الإذاعة ، أنهى عملاً وعاد إلى المنزل . كافر بأسمال بيضاء . هكذا وجده الرفاق بعد أن وجدوا أنفسهم على أبواب إذاعة بلا إذاعة . اذاعة في مبنى آخر بنور إضافي ، بعد أن نفذ العاملون فيها ما طلبوه منهم بالضبط . حين انتقلوا انتقلت ، أصبحت جسداً زائلاً من مبناها القديم . بدا رفاق الإنقلاب كفريق صيد لم يجد صيده ، بعد أن أدرك أن ما لا يراه العقل غير موجود . أو العين الواعية . جرت تصفية العقل والعين في انتقال الإذاعة من مكان إلى مكان تحت فضاء المدينة.لن ينجو القوميون “بجريمتهم” إلا بسخرية رضا وتحريضهم على الضحك من أنفسهم . عصيانه من صدقه التام لا من هجوم على مقر لأجل تلاوة أو تجويد بيان . لن يخب ، هذا الراوي ، الرائي ، في وديان العميان . ولن يندفع نحو الهاوية من خطأ جعل الإذاعة بعيدة من توقع الإنقلابيين . وإذا حدث وشارك فعلاً، سوف يقوده جماله الداخلي إلى انتظار معتقليه على درج منزله الناحل .تاريخ أسد الأشقر حجة اعتقال . لا حجة لاعتقال رضا كبريت ولا سجنه ولا تعذيبه .لأنه امتلك نعمة تخفيف الأسى في حياة اسيانة. إشراكه بالإنقلاب تكريم على قدر ما يستحق . مكافأة على ما فعل وما سيفعل . إنه أحد احجار الحزب النفيسة ، لن ترتكب بحقه الأخطاء التمهيدية أو النهائية . لن يشحب، لن تشحب صورته بعد ، إذا ما تشفع له الآخرون ، بالحصول على المزيد من الهرج الحماسي . وقف رسامو الورشة ومساعدوهم على السقالات ليرسموا من حل في الأعوام كعام جديد .أحبوه كثيراً ليدفعوه قدماً إلى الوجود على جدارية الخلود بالأسطرة. بقصة تقليدية ، سوف يجيء ذكرها دوماً وذكره من ذكرها. صاغوها بالشعر ، ما يساعد على تداولها بالتشافه بين الأجيال ، من جيل إلى جيل . خروج من النظرة إلى الوجه برفع المشعل إلى حفر الوجه كحقيقة أزلية لا تشارف انتفاضة على الموت إلا ويذكر . إخراج من الزمن المحدد إلى الزمن الكلي . وإذا شارك ، لأنه وجد نفسه بين عمال الحقول وشعر برغبة استخدام يديه لمساعدتهم .

يحب البشر أن يقدموا الأمثلة . رضا مثال الحزب القومي السوري الاجتماعي( أحدها) . احاديثه وسط الأحداث العظمى دلالة من دلالات ، الدنيوي فيه ، المقدس ، الاعتقاد ، فهمه الزائد . انتقل رضا بموته من شيء حقيقي إلى شيء حقيقي مكثف في الدلالة على الواقع . واقع عاشه وعاشه الرفاق بطريقة ملأت أشهر الأحداث . شكله الجديد ، سيجعل عالمهم يزدهر أمام البشر والطيور البرية والجدران ، بعد أن وصل رضا كبريت إلى ذروته بموته . رجل على صهوة جواد ، لا نشوة على وجهه . لأن النشوة نشوة رفاق جدد ، سوف يمنحونها لأنفسهم كلما شاهدوا رضا على جداريته . تجرأ في الرسم . إنها قوة التحديق من الطرفين ، كل من طرفه . الأسطرة، وضع الرجل في ما هو شمولي . اعادة خلق وتكوين على أصول الأشياء . انه العالم الآخر بلوحة الحياة والموت . حيٌ يموت ، وحين يموت حيٌ لا يموت . نتاج خيال جمعي . او خلاصة تأملات الجماعة ووضعها في جنسها الآخر على نضارة النشاط المفعم بالثقافة الخاصة( يروي رضا أنه يمتلك شهادة سواقة وشهادة فقر حال ) .

رضا الآن كامل النمو لدى الشباب في الحزب . رجل حوَّل تشكيلته من الأعمال والمناظر والوجهات ، حتى تتم قراءته بحيث يظهر جميلاً كرجل من التاريخ ، حين غاص في جدار الموت بادله الجدار الحديث واعاده إلى الحياة . نجم لامع من رعاية الآخرين ، بعد أن لمع نجمه بذراعيه وعينيه وقيمة عمله .

لكم أحب طريقة تقديمه لنفسه وهو يتأرجح على رواياته . لم يسخر من الحزبية ولم يروِ رواية من صلب الواقع . لذا ، لم يقدم نفسه كحزبي . ترك حزبيته في ظلام غرف الحزب من وجد جزءاً من نيافته باعلانه رضًا كبريت واحداً من أبولوهاته . هذا ماسيفعلونه دوماً. لأن الرجل بعيد من الابتداء ، ولم يعلم نفسه بنفسه. علمه الحزب . خدمة أغراض . لن يفاجأ أحد بعدم شعور رضا بالجوع إلى الكلام على حزبيته . لأنه لن يخرج إلى الصيد إلا بعد أن يأكل الحجارة . أكلها وخرج وهو يدرب نفسه على اصباح النفس على تدريب البصر بحيث يظهر أقوى وأكثر حدة . تدفق أمام الجمع، وكأن العالم برمته ليس إلا مسرحاً يتحرك فيه العمال والفلاحون والمدراء والفنانون والمثقفون والرسامون والحفارون والتجار وصانعو الآجر والنقاد وضاربو السياط والعازفون على الآتهم الفردية أو على الآراغن في الكنائس والسحرة والمخادعون والمترجمون والشعراء وكل ما هو شائع في القرن العشرين . خلع على نفسه حياته قطعة قطعة ، قبلها حتى حين عرتها الأحداث والأيام . ثم ربطها بشكل جميل ومرح على رأسه ، ليراها من صفعته الحياة ومن صفع الحياة . الكلام على شغله في المسرح الشعبي كأنه كلام على بنطلون قصير ، لمَّا أن الكلام على المسرح الآخر كأنه كلام على بنطلون طويل . المسرح هو المسرح . هكذا وزعه رضا ، بدون أن يصغي إلى صفع كلام الآخرين وهم يقربون ويبعدون بطرق ودية أو طرق عدائية . لم يسمِ مسرحه وهو يقدم له الأضاحي لكي يرضى به المسرح ويرفع شغفه أكثر قليلاً مما توقع . سوف تؤكد استخداماته أنه صاحب تأثر مجيد بالحكواتي والكراكوز . لا متجهم رأى ما رآه من مسرح في مسرح فاروق ( ساحة البرج ). لا متجهم ، تابع أصحاب المهارة والهدف بالمسرح . محمد شامل وعبد الرحمن مرعي من تابعهم بشغف . ثنائي الخصب في اربعينيات وخمسينيات القرن العشرين . وجد أحواله في إرشادات المسرح معهما وفي تقصي المعلومات في مسرحهما الهازل . وحين لم يجد من حوله سعداء حاول أن يرسم وجهه وهو يقود عربته حاملاً رمحه وعصاه بدون أن يضع عظاءة على كتفه للإضحاك. ذلك أن رضا كبريت سليل المهرجين، من احاطوا بأذرعهم تعس العالم . المهرجون هبة الله إلى مجموع الكواكب والنجوم . لن يدخل منطقته ، لن يدخل إلى مرجل التهريج الدافئ إلا مع “محترف بيروت للمسرح” وفي صورته الشخصية ، حيث بدا ممثلاً للأقدار لا لنفسه . سوف يتكلم بمجموعة من المسرحيات بالعام العادي ، بالعام، بالعادي . مسرحيات الجانب الآخر : متمدن ، ثورة على الرجعية ، يللي بلا مصيبة عجيبة ، مجنون يحكي ، المدرسة القديمة ، حالة طوارئ ، ككاتب ومخرج وممثل . مسرحيات ربطت إلى ساقه المنخفضة . افريز في الطريق إلى وضع جديد ، مع الإنجاز الفصلي المفصلي في مسرحية “الستارة”مع ميشال نبعة . إنها بازه. علامته إلى ما لن يجزأ بعد . مسرحية بالحجم الطبيعي ، سر بها مهرجان دمشق المسرحي ، بحيث منحها جائزته بالعام ١٩٧٣. نصب للحزب فرقته الخاصة بالعام ١٩٥٧، مع انطوان ابو كرم وليلى عبيد وآخرين . غير أن الحديث عنها انتهى بين الأقسام والمنفذيات .اصبحت المسرحيات هذه بلا زمن . كأنها لم تكن . لا واحدة أكثر جمالاً وحسناً ولا واحدة أقل جمالاً وحسناً. إلا أن الرجل وجد طاقته ، وجد معلمه في مسرحيته ” بالمخفر ” . وجد فيها الهدف . ربما وجد فيها المهارة بعد أن وجد الهدف. لأن كراس مسرحياته كراس مسؤولية تتجاوز الشهرة إلى تحقيق الأهداف . أي أن تفيد المهنة بدعك المشاهد بالأقوال والأفكار . مسرحيات بروباغندا. بالمخفر بدل الأجر . روى الرواة أنها جرحت يد السلطة كما تجرح حوافي الأحجار الكريمة الأيدي ، حتى بات رضا يزور المخفر كل يوم إثر انتهاء العرض للضغط عليه وافهامه أن من الحمق أن يستمر بتقديمها ما دام يستدعى إلى المخفر ، يدخل من بابه الأمامي ويخرج من بابه الخلفي بدون إثارة ضجيج . يروي الرواة ، أن أحداً من افراد الفصيلة لم يستدعه الى المخفر بعد عرض من عروض “بالمخفر” ما أثار استغرابه ودفعه إلى التوجه إلى المخفر للسؤال عما حال بين رجال الفصيلة واستدعائه على جري العادة . رواية شبيهة برواية عمر الزعني ورياض الصلح .ذلك أن الرواية تؤكد أنه كلما أصدر الزعني أغنية جديدة ، وجد على باب سكناه دورية لقوى الأمن الداخلي ، تقوده إلى الزنزانة . هكذا لم تمر ساعات على اصداره أغنية جديدة ، حتى علم بما عليه أن يفعل ، لكي لا يسبب المهانة لنفسه كما يراها رجال الفصيلة بالمخفر البيروتي ( المخفر بعلبكي في حالة رضا ). سبق نفسه إلى بوابة البناية بدون أن يتوقف عن العدو على الدرجات ، و”يطقه” شيء من جسده رسمه تحت إبطه بكل الحب والامتنان . تعلم الرجل أنه ينبغي أن يأخذ حذره. أن يصبح مسؤولاً عن فمه الفارع بالأغاني . أن يؤكد أصالته وأن يؤكد أن مسألة الشخص وفنه ليست مسألة أفواه فاغرة. إنها نصائح صارمة في جزء من اجزائها . وإنها تختزن حياة مختلفة عن الحياة، ما تريد السلطات أن تحولها إلى حياة غير محتملة. وأن الأغنية تتجاوز تلبية حاجات الفنان الشخصية . ذلك أن الإقتراب من حاجات المواطنين ، هو ما يفترض الإقتراب منه كما ينبغي وأكثر مما ينبغي . المتعة ضرورة . ولكن عمليات رسم المتعة مسؤولية لن تكتسب قيمتها الفعلية والفاعلة في عدم تبديد الطاقة سوى على القضايا العامة . وحين سرى الزعني في فضاء الشارع وجد رياض الصلح بشخصه ينتظره هناك . قال ، لا رجال درك اليوم . لم تتوقع حدوث الأمر . وها قد حدث . بعدها ، مد الإصبع الوسطى من يده في اتجاه المونولوجيست والمؤدي والبهجة تسري في وجهه ، كما سرى عمر في فضاء الشارع ، ليعود أشد وسامة من حيث جاء .

تقرع الروايات الأبواب ليجد الجمهور أن أبطال الروايات تكتنفهم عوالم غريبة بشكل متخم . وأنهم بذلك بشر ولا بشر . انصاف بشر وانصاف الهة وهم يقارعون السلطة والخوف بايديها الأقوى الآف المرات من أيدي الجمهور . وأنتم لهم . وما داموا لهم ، هم ليسوا منهم . لا من طينهم ولا من زلقات هذا الطين . وأنهم أكثر اتساعاً وبراعة وقوة وسخاء في مقارعة الغفلات والتسلل إلى حيث لا وزن للخوف . وحيث الوعود طلبات . وختام الليالي ابداعات . ثمة ندلاً يملؤن هذا الكأس . ثمة ندلاً يحسنون الاستفادة من الزمن الراهن من أجل إطعام الناس جزءاً من ما يراه الناس نادراً: الأساطير وايقوناتها . عمر البيروتي اسطورة ورضا الصيداوي اسطورة . لا يصب الواحد في الآخر إلا ليرسما إرث الجمهور في بهو المستقبل . إنها الأسطرة .

وإذ افاق هؤلاء الندل على صورة رضا كبريت في “محترف بيروت للمسرح” ، أغمضوا عيونهم على قدر هائل من السعادة . لأن محازبهم، محاربهم ، في طريقه إلى الإكتمال في اكتمال المدينة . والحق أن رضا كبريت اندلع بشكل غير خاطئ في محترف بيروت للمسرح . لا يزال روجيه عساف يروي عن هذا العجوز أنه أومأ إيجاباً فيه. وأنه أوقد ناره بنار المحترف مع عتاعيت المسرح من شقوا مصاريع النوافذ القديمة على مصاريع النوافذ الجديدة . قال عساف، أن رضا نباش حضور ، مرتجل على مزقة من الكلام ، على مزقة من الورق ، يفعل أي شيء ، يخلق كل شيء من لا شيء ، يضحك إذا حكى ، إذا هز شفتيه أو كتفيه أو استرخى أو استلقى على ظهره أو التفت أو رمى نظرة خالية من المعنى أو تذكر أنه رماها ليحشدها من ثم بالمعنى . لا علاقة للرجل بالتخطيط . هكذا ، كلما وجد على منصة وجد ضوء النهار عليها وهي تغط في الظلام . رضا لا يتعب وهو يربت على جمله ويستمتع باللعب على نوعه من الواقع . يدهش اذ لا يستطيع أحد أن يلجم ضحكه وهو يراه أو يسمعه وهو يتحرك أو يفعل الأمرين . لم يحتفظ بهذا الشيء لنفسه . ملك القصص. كم لسانه ضد العادة . يرسم أكثر من شخص في شخص واحد . شمعة مستحقة . هدية . صاحب مهارة تفوق مهارات الآخرين. تفوق الأخريات طوال الليالي والنهارات . اصدقاؤه هنا في الداخل ، إذن لن يجد أحد الألم . لن يجد أحد سوى الأربطة بالأدوار والنقلات والأسعار الأعلى لحضوراتهم . اذا استخدموا غرفه اكتفوا. هكذا اضاء بحضوره الخفاق الوضع بحيث بدا أفضل في “المفتش العام ” و” كارت بلانش ” و” مجدلون ١و٢”و” اضراب الحرامية ” و” ومرجان وياقوت وتفاحة ” و” ازار ” . مجموعة من المسرحيات عنت ما عنته على صعيد ما يريد أصحابها وما يريد المسرح بعد وجد نفسه أكبر منه بعشرات السنوات . بعد أن وجد نفسه عجوزاً، هرماً، لا يحسن معاملة نفسه ولا يحسن المسرحيون الآخرون معاملته . مسرح مغاير ، يهجو الرأسمالية الوحشية وهو يرضع من صدرها أموالها . مسرح مقرون بالرأسمالية بصورة هائلة وهو يمول نفسه من أربابها ويهجوها بمر الكلام . تلك مرحلة تسويد الدمار ما جعله أكثر حدة ، على الرغم من أن المحترف لوَّنه بألوان مغايرة . استحق روجيه عساف ونضال الأشقر واسامة العارف ورضا كبريت وسارة سالم ذلك . كما استحقوا أن يستخدموا الأفضل في تقنيات الرسوم المتحركة ، ليرسموا فيها مشاهدهم الصفراء . إضراب الحرامية مفرش رضا الأبرز . احسن معاملة المسرح فيها واحسن المسرح معاملته فيها .

لم يتجهم الرجل ليبتسم. بقي مبتسماً بوجهه الأسمر ذي القسمات المدببة حتى في احلك الظروف . راقب ، غير أنه لم يمت هماً. من المؤكد أن حظوته لدى المسرحيين بحجم حظوته لدى الجماهير . إلا أن الشباب لا يحدقون وهم على عرباتهم أمامهم مباشرة لكي يروه . هكذا ، اختفى في المرحلة الأخيرة من حياة مدينة نسيت ناسها وهي تعد اخطاءها على اصابع يديها . لم تعد الحشود تهتاج مهللة لا للمسرح ولا المسرحيين . ولكن رضًا من تعود على مجابهة الصدمات عاش حياة بثلاث حيوات .عاش وهو يحتقر الموت وحراس الموت . أغمض عينيه نصف اغماض . واذ وجد أن عيناً واحدة تكفي أغمض العين الأخرى ومات . هذه خسارة السيد الأشهر على عرش الضحك لا على حد السيف أو السكين . دوق شديد التواضع ، يرحل بتواضع بحيث لا يستطيع صبية وصبايا الصحافة الجدد أن يقفوا على شرفته بألسنتهم الناقصة غارقين في الكسل وهم ينجرفون وينحرفون مع سيول الماء .شكر الحياة وأجلها . قبل شرف العيش ، كرجل بذل قصارى جهده للالتزام بتعهداته لنفسه ، ثم مضى إلى زمن أفضل حيث لا حكام يغمضون أعينهم على العدالة . اعاد جلده على لحمه إلى وضعه ، كزي ارتداه،مستخدماً قدماً رشيقة لتدفعه في الفضاء في وضع الاعتدال . إنه واحد من جماعة لن تشعر بالخزي وهي تودع حياتها وسط ملائكة ترافقه بوقار شديد خيم على سماء صفقت بيديها وهي تفتح أبوابها لمن كافح ليحتفظ بتوازنه. ولكي لا تقع البلاد بين ايدي المغول الجدد . شديد الكرم ، الجذاب ، خسر رهانه بعد أن سقطت امبراطورية بيروت في يد نوع جديد من البجم ، من من لا يمتلكون خططاً لأجل الناس أو الجمهور كما تبوأ مقاعده في امسيات رضا المدجج بالحياة ، المدجج بالوسائل من كل الأنواع .

العدد 126 / أذار 2022