هل تحافظ سوق الإستحواذات والإندماجات على بريقها في 2022؟

القيمة في 2021 تجاوزت الـ5 تريليونات عالمياً للمرة الأولى.. والسعودية تصدرت عربياً

هلا صغبيني

أخبار الإستحواذات والإندماجات عادت لتتصدر المشهد الاقتصادي  أخيراً بعد الطفرة غير المسبوقة التي سُجلت العام الماضي نتيجة الانحسار الجزئي لموجة جائحة كورونا.

ليس هناك من شك في أنّ وباء كورونا أبطأ صفقات الإندماج والإستحواذ (Mergers and Acquisitions)،  لكنه لم يوقفها. حتى أنها انتعشت بشكل أسرع مما كان يُخشى أو كان متوقعاً.

في البداية، ما هو الفرق بين  مفهومي الإندماج والإستحواذ؟ الأول يقصد به توحد شركتين أو أكثر في شركة واحدة لتكوين كيان أكبر حجماً، عبر نقل الذمة المالية (الحقوق والالتزامات) من شركة مندمجة إلى شركة قائمة أخرى، أو

“أرامكو” تسجل أكبر صفقة اندماج وشراء في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في 2021

ذوبان شركتين أو أكثر تحت مظلة كيان جديد تماماً. فيما الإستحواذ يعني قيام كيان بالسيطرة مالياً وإدارياً على نشاط شركة أخرى، عبر تملّك حصة من رأس المال أو حقوق التصويت.

لقد بات الإندماج والإستحواذ ضرورة كبرى لأهميتهما في تعزيز وضع الشركات، وحتى الحكومية منها، من خلال زيادة حصتها في السوق وحفض تكاليفها التشغيلية وتقليص نسب المخاطرة واكتساب مزايا تنافسية، وحتى التأثير على سلاسل التوريد.

ففي نهاية العام الماضي، تجاوزت قيمة عمليات الإندماج والإستحواذ عالمياً الخمسة تريليونات دولار للمرة الأولى على الإطلاق، مدفوعة بسيولة عالية متوافرة وأموال رخيصة وأسواق أسهم عالمية مزدهرة نتيجة السياسات النقدية التي اتبعها الاحتياطي الفدرالي والتي أنعشت أسواق الأسهم، وأتاحت للمديرين التنفيذيين في الشركات فرصة الحصول على تمويل بتكلفة بسيطة.

وكان لقطاعي التكنولوجيا والرعاية الصحية الحصة الكبرى من هذه العمليات التي قادتها الولايات المتحدة عبر مساهمتها في حوالي نصف الأحجام العالمية. إذ تضاعف حجم الصفقات الإجمالية فيها ليصل إلى 2.61 تريليوني دولار في 2021، وفقاً لبيانات شركة “ديالوجيك” (وهي منصة أسواق مالية عالمية توفر التحليلات للشركات المالية). بينما قفزت الصفقات في أوروبا بنسبة 47 في المئة إلى 1.26 تريليون دولار، وارتفعت في منطقة آسيا والمحيط الهادئ 37 في المئة إلى 1.27 تريليون دولار.

صفقات منطقة الشرق الأوسط

أما في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فكانت أعداد عمليات الإندماج والإستحواذ منتعشة للغاية نظراً الى طبيعة هذه المنطقة الغنية بالسيولة.

ويمكن الركون في ذلك إلى التقرير الذي أصدرته مؤخراً شركة “انفينيتيف”، وهي إحدى شركات مجموعة بورصة لندن، حول “الخدمات المصرفية الاستثمارية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لعام 2021″، حيث أظهر أن العام 2021 كان الأول لعمليات الإندماج والإستحواذ التي تجاوزت فيها عمليات الإندماج والإستحواذ في منطقة الشرق

انتعاش أسواق المال العالمية نتيجة السياسات النقدية التي اتبعها الاحتياطي الفدرالي

الأوسط وشمال إفريقيا ألالف صفقة. إذ ارتفع حجم الصفقات الموقعة بنسبة 40 في المئة مقارنة بالعام 2020، وبلغت الصفقات الإجمالية 1141 اتفاقية، الأعلى سنوياً منذ العام 1980.

فيما بلغت القيمة الإجمالية لهذه الصفقات 109 مليارات دولار في 2021، وهي السنة الثالثة على الإطلاق التي تتخطى سقف الـ 100 مليار دولار.

ووصلت عمليات الإندماج والإستحواذ الواردة إلى مستويات قياسية، حيث بلغت قيمتها 45.4 مليار دولار من نشاط الإندماج والإستحواذ عام 2021، بزيادة 88 في المئة، في أعلى مستوى لها منذ العام 1980. أما تلك الصادرة فبلغت 30.2 مليار دولار في 2021، بزيادة 198 في المئة عن عام 2020 وأعلى مستوى لها في ست سنوات. وكانت أكبر صفقة اندماج وشراء في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا هي تلك التي نفذتها شركة “أرامكو” السعودية وقيمتها 15.5 مليار دولار حول عقد إيجار وإعادة تأجير لشبكة خطوط أنابيب الغاز الخاصة بها.

ولوحظ أن قطاع الطاقة في المنطقة كان الأكثر نشاطاً حيث بلغ حجم نشاط الصفقات فيه 38.8 مليار دولار، بزيادة قدرها 189 في المئة عن العام الماضي.

وباتت المملكة العربية السعودية واحدة من أكثر الأسواق جاذبية للشركات العالمية التي تسعى إلى عمليات إندماج وإستحواذ جديدة. فهي كانت في العام الماضي الأكثر استهدافاً لهذه النشاطات والتي بلغت قيمتها 27.3 مليار دولار، أي ما يعادل نصف عمليات الإندماج والإستحواذ المستهدفة المسجلة في المنطقة. فيما احتلت الإمارات العربية المتحدة المرتبة الأولى في نشاط إصدارات أسواق الديون حيث بلغت 32.4 مليار دولار من العائدات ذات الصلة.

وتصدرت “جي بي مورغان” لائحة متصدري عمليات الإستحواذ لعام 2021 بقيمة 43.3 مليار دولار في الأنشطة ذات الصلة أو حصة 40 في المئة من السوق. وجاء مصرف “غولدمان ساكس” في المرتبة الثانية بحصة 37 في المئة من السوق.

ونجحت أسواق رأس المال في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في جمع 14.5 مليار دولار من 42 عرضاً عام 2021 بزيادة قدرها 193 في المئة في العائدات عن العام 2020، وهو ما يعد أعلى مستوى منذ 13 عاماً في عدد صفقات أسواق رأس المال. وبلغ إجمالي الإصدارات في أسواق الديون في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا 107.5 مليارات دولار ضمنها 152 إصداراً عام 2021، بانخفاض 12% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.

كما جمعت الطروحات العامة الأولية 8.2 مليارات دولار عام 2021، وهو ما يمثل 56 في المئة من إجمالي العائدات، بزيادة قدرها 341 في المئة عن عام 2020.

وجاءت الإصدارات اللاحقة بقيمة 5.1 مليارات دولار عام 2021 ، بزيادة 65 في المئة عن الأشهر الـ12 السابقة وأعلى مستوياتها في 13 عاماً.

وكان أكبر طرح للأسهم خلال العام الماضي، هو الإصدار التكميلي لشركة الاتصالات السعودية بقيمة 3.2 مليارات دولار بعد أن باع صندوق الاستثمارات العامة 6 في المئة من حصته.

وفي السياق نفسه، ذكر تقرير حديث لشركة أبحاث الطاقة “ريستاد إنرجي” أن صفقات الإندماج والإستحواذ العالمية بين شركات قطاع الاستكشاف والإنتاج النفطي، ارتفعت إلى أعلى مستوياتها في 3 سنوات خلال العام الماضي، لتعود إلى مستويات ما قبل الوباء. وأظهر التقرير ارتفاع صفقات الإندماج والإستحواذ العالمية بين الشركات العاملة في قطاع المنبع إلى 181 مليار دولار، في العام الماضي، بزيادة 70 في المئة عن عام 2020. وتوقع أن تواصل عمليات الإندماج والإستحواذ النمو في العام الجاري، على أن تبقى الصفقات في الولايات المتحدة محركاً حاسماً لقيمة الصفقات عالمياً.

ماذا عن العام 2022؟

هناك توقعات بأن العام 2022 سيكون استثنائياً أيضاً في عدد وأحجام عمليات الإندماج والإستحواذ. إذ يتوقع متخصصون في هذا النوع من العمليات أن تتواصل بخطى ثابتة وأن تسجَّل اندماجات كبرى.

فوفقاً لدراسة مسحية أجرتها “غرانت ثورنتون” وشملت منظمي صفقات ومستشارين، عبّر ثلثا المشاركين عن اعتقادهم بأن أحجام الصفقات ستزيد على رغم التحديات الناجمة عن الجائحة.

من جهتها، رجحت وكالة “بلومبرغ” أن تسعى شركات الإستحواذ، التي تملك أكثر من تريليوني دولار من نقد ينتظر الاستثمار، إلى تنفيذ عمليات استحواذ أكبر في العام 2022. ونقلت عن مستشارين في هذا المجال أن الصفقات الضخمة من عيار 50 مليار دولار أو أكثر، والتي ميزت فترات الازدهار السابقة، ستعود بشكل أكثر وضوحاً في 2022.

وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تشير التوقعات إلى حصول المزيد من الانجازات في هذا النوع من العمليات، سيما وأن معظم حكوماتها نجحت في مواجهة آثار كورونا، وأرست تشريعات أكثر ملاءمة للاستثمار الأجنبي المباشر، وخصوصاً على مستوى الشركات (الملكية الأجنبية للأصول، وتخفيف قواعد سوق رأس المال وتبسيط القدرة على الاستثمار في أسواق رأس المال المحلية).

ومن المتوقع أن تحافظ كل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات ومصر على مكانتها. والقطاعات الواجب مراقبتها في السعودية لنشاط الإندماج والإستحواذ هي الطاقة والتكنولوجيا، خصوصاً وأن المملكة تمتلك ميزة نسبية في قطاع الطاقة من جهة وتسعى لتصبح مركزاً تكنولوجياً عالمياً من جهة أخرى.

وفي الإمارات ايضاً، تتجه صفقات الدمج والإستحواذ إلى مزيد من التسارع في ظل مساعي الشركات المحلية والدولية للاستفادة من النمو والازدهار الذي يشهده الاقتصاد الإماراتي واقتناص الفرص التي خلّفتها تداعيات الجائحة، لتأسيس كيانات جديدة قادرة على المنافسة بقوة في الأسواق الإقليمية والعالمية.

كما أن مصر التي شهدت انتعاشاً كبيراً في نشاط الإستحواذات خلال العام الماضي، يتوقع أن يستمر هذا الزخم مع انتعاش اقتصادها في السنوات المقبلة.

ولا يجب أن نغفل أبداً أن ميزات إقليمية ستساهم في منح سوق الإندماج والإستحواذ في المنطقة مزيداً من الزخم، بما في ذلك برامج التحول الحكومي الطموحة مثل رؤية المملكة العربية السعودية 2030 ورؤية أبوظبي الاقتصادية 2030. وقد ساعدت جائحة كورونا في تسريع الخطى على مستوى المنطقة بهدف بناء اقتصادات المعرفة القائمة على البيانات، حيث أدت عمليات الإغلاق وتعطل سلاسل التوريد والتحول الشامل إلى العمل عن بُعد، إلى زيادة الإلحاح على الاستثمارات في التكنولوجيا.

كذلك، فإن التزام حكومات الشرق الأوسط بتنويع الاقتصادا وتقليل الاعتماد على عائدات الطاقة وقيادة الجهود العالمية للتخفيف من آثار تغير المناخ، يعني أن الأصول البيئية والاجتماعية والحوكمة (ESG Assets) ستكون موضوعاً مهماً للمستثمرين.

هل ينقلب المشهد رأساً على عقب؟

لكن في مقابل كل هذه التوقعات الإيجابية، لابد من طرح التساؤلات التالية التي قد تقلب مشهد الإستحواذات والإندماجات رأساً على عقب في العام الحالي:

  • ماذا لو أعاقت طفرة جديدة من كورونا، النمو المرتقب لهذه العمليات كما حصل في 2020؟
  • هل ستؤثر ارتفاعات الفائدة الأميركية على هذه العمليات، على اعتبار أن أسعار فائدة أعلى ستؤدي حكماً إلى زيادة في تكلفة الاقتراض، وهو ما من شأنه ابطاء خطى نشاطات الإستحواذ والإندماج؟
  • هل سيستمر إنفاذ مكافحة الاحتكار الأكثر صرامة تحت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بالتضييق على الصفقات الضخمة التي يتوقع الكثيرون تسجيلها هذا العام؟
  • ماذا لو ركز المسؤولون التنفيذيون في الشركات على توحيد سلاسل التوريد داخلياً، بدلاً من شراء شركات منافسة، بعدما كشف عدم الاستقرار الناجم عن جائحة كورونا مخاطر الاعتماد على أطراف ثالثة؟

فلننتظر ونراقب ما سيحصل.

العدد 126 / أذار 2022