الشعرُ النسائيّ، وآفاقُ التغيير

نسرين الرجب_لبنان

             يستشهد هذا المقال بآراء عدد من الشاعرات العربياّت والغنيّات عن التعريف في مسارهن الشعريّ المتنوّع، وهنّ (أسماء الشرقي، سارة الزين، دارين حوماني وزنوبيا ظاهر) للحديث عن مجموعة من النقاط التي تضيء على تجربة المرأة  اليوم في الكتابة الشعريّة، ويتطرّق إلى موضوع النسويّة في الكتابة فيتساءل هل تمكّنت المرأة فعلًا من التحرّر من سطوة اللغة وسطوة الرقيب الذكر في كتاباتها وكيف؟ وهل استطاعت المرأة -من وجهة نظر تجاربهن- الخروج من النمطيّة والمُكرّر في الموضوعات، وللحديث أيضًا عن موضوع الحب على اعتباره

زنوبيا ظاهر

أقرب الموضوعات التي تعكس تطوُر العقلية الأنثويّة وأبعاد التفكير في العلاقة مع الآخر بعيدًا عن الوقوع في فخّ الجسد أو الوجدانيّة المملّة؟!

          النسويّة والشعر

          لطالما ترجمت المرأة الشاعرة وجودها النسويّ بأساليب مُختلفة على اختلاف تجارُبها، فالمرأة ليست واحدة مُكررة، فكيف هي علاقة الشاعرات بالنسويّة؟!

          تذكُر الشاعرة زنوبيا ظاهر هنا، أنّ النسويّة فكرة غير مستوردة، وتُوضّح: جدّتي كانت نسويّة، أكرّر هذه الجملة دائمًا لأقول إنّ المرأة مقاومةٌ مذ أنجبت أوّل طفلٍ للبشريّة. وأنّها قويّة تشبه أرضها وجسدها وحدسها الّذي لا ينضب. النسويّة فكرة غير مستوردة، بل لها جذور في كلّ ثقافة. يقلقني أن تسود الفكرة القائلة بالعكس. مخاضٌ كبير نمرّ به، نحن نساء هذه البلاد، هذا ما أكتبُ عنه. عن هذا الصراع العميق بين سلوك جدّتي وسلوكي. وعن هذا الالتقاء العميق بيننا أيضًا. في الحقيقة، أنا امرأة أنتمي إلى الروح الأنثويّة الّتي لم ينقطع وصلها منذ الأزل، وأؤمن بأنه لا نسويّة واحدة، بل ثمّة نسويّات، وهذا التعدّد بيئة صحيّة للمقاومة الفعّالة.

          بينما تتحدّث الشاعرة دارين حوماني عن أنّ الكتابة التي تعدّ “نسويّة” ستكون أكثر نضجًا وعمقًا من الكتابة “الرجاليّة”- على حدّ تعبيرها-  وترى أنّ: المرأة احتاجت زمنًا قبل أن تبدأ بوضع اسمها على الأعمال الأدبيّة أو الفنيّة، فالكثير من النسوة العربيّات وحتى الأجنبياّت كُنّ يوقّعن نتاجهن الأدبي والشعري بأسماء ذكوريّة،  فيرجينيا وولف –مثلًا- كتبت في روايتها “غرفة تخص المرأة وحده”: “لو كان لشكسبير مثلًا أخت لديها نفس الموهبة التي يملكها، فلن يُمكنها أن تبلغ النجاح الذي وصل إليه هو أبدًا”. فقد كانت السطوة الذكوريّة تستخف وترفض الاعتراف بمواهب النسوة اللواتي كنّ يخجلن من توقيع أعمالهن الأدبية، لذلك فقد تم تسمية الأعمال التي كتبتها النساء فيما بعد بأسماء متعددة منها “الأدب النسويّ” و”الكتابة النسائيّة” وغيرها. وتُضيف حوماني أنّه بغضّ النظر عن التسمية – والكلام لها- : “الكتابة الشعرية لا تخضع لجنس كاتبها، إنها عملية تمخّض لتجربة المبدع نفسه، ذكرًا كان أم أنثى،

أسماء الشرقي

وشعر المرأة سيحمل بلا شك الرؤية والفلسفة الخاصة بها تجاه العالم. وبرأيي، أن الكتابة التي تعدّ نسويّة ستكون أكثر نضجًا وعمقًا من الكتابة “الرجاليّة” لأنها، خارجة من قرون من المعاناة والاختزال في غيتوات مغلقة بما فيها سجن الجسد وحتمًا الروح، هذه المعاناة التي لم يمرّ بها الرجل، لذلك من الجهل أن نعمل على ترتيب الكتابات التي تحكي عن قضايا كبيرة كأدب مهم وتلك التي تحكي عن سجون المرأة المتعدّدة كأدب أقل مرتبة، وكأنّ الرجل سيبقى التابو الرابع الذي لا نزال عربيًا مصابين به، في الوقت الذي تخطّى الغرب هذه المصطلحات وأصبحت من الماضي بالنسبة إليهم.”

          فيما تُفيد الشاعرة أسماء الشرقي أنّها أجرت تحقيقًا حول “الأدب النسوي في تونس” باستقصاء شهادات من مبدعات تونسيّات، وعن ذلك تقول: ” المرأة المبدعة كما الرجل هي ذات فاعلة ومنفعلة لغويًّا وفكريًّا وعاطفيًّا، فكل ما تكتبه هو نابع من كينونتها البشرية ولا رهان في اختلافها مع الرجل إلا في درجة الوعي بالأشياء داخلها وخارجها”.

          تذكُر الشاعرة سارة الزين أنّ النسويّة  بمفهومها الحالي -التي تُقابل الذكورية- “لا أنتمي إليها ولا أؤمن بها”، وتُضيف: المرأة ليست ضدّ أحد وليست منافسة لأحد ولا أحبّ وضعها في مقابل أحد، أنا ببساطة أعيش وجودي وفلسفتي وحرّيتي من دون إثبات شيء للآخرين، ومن دون الانتقاص من أحد، ومن دون السعي للبروز على حساب نداءات مطّاطة، فنحن نعيش ثورةً إنسانيّة، نعيش في بلادٍ نتسوّل فيها كي نتنفّس رجالًا ونساءً، نعيش وجعًا لا يفرّق بين الأجناس، نعيش فوضى وخرابًا أكبر من فرديّتنا ونسويّتنا..” وترى الزين أنّه على النسوة اللاتي يعانينن من القمع الذكوريّ أن يلجأن إلى “المقاومة بالشعر والإبداع والنجاح واستكناه جوهر الذات الإنسانية بدلًا من الانغماس بصراعات فرديّة ستحجّم دورها وتغرقها بالتفاصيل…” وتوضح أنّ الشعر يمثّل الخلاص للمفهوم الأعمق للمرأة، وأنّ ترجمة ذلك تكمن في التجريب وتطوير التجربة الشعرية والإبداعية ورفض الأطر المفروضة والأفكار المعلّبة والغوص “صعودًا” في الأسئلة الكبرى التي تتيح للمرأة حضورًا  لا يدخل ضمن نطاق “الجاهز” و”المحدود” و”الممنوع”.. ويتخطى ذلك صوب “الممكن” و”المبتكر” و”اللامحدود”..

          التحرّر من سطوة اللغة وسطوة الرقيب الذكر

          لا أعلم من رسّخ مقولة “صوت المرأة عورة” وقاربها من مضمون دينيّ لا صحّة له، فالتاريخ يشهدُ على أنّ صوت المرأة ثورة حقيقيّة فصوت السيدة زينب بنت الإمام علي بن أبي طالب قلب مجلس يزيد ابن معاوية، وهزّ طغيانه. وهو ما كان عليه صوت المرأة القويّ الذي لا يخفض في القول مراوغة ولا مداهنة لتحقيق مطمع، فهل تمكّنت المرأة اليوم من التحرّر من سطوة اللغة وسطوة الرقيب الذكر في كتابتها؟!

          تُصرّحُ الشاعرة دارين حوماني، أنّ كتاباتها انتقلت من مكان لآخر، وأرجعت ذلك لتراكم التجارب التي تضع بصماتها في روح كل كاتب، فتشرح:  فبعد أن كانت كتاباتي تفسيرًا لعالم أعيش فيه، أصبحت تفسيرًا للعالم كله، ولم تعد محصورة بذاتي وجسدي وخيباتي بل تنطق بخيبات الإنسان من الإنسان، وربما تريد أن تحكي عن الخيبة الكونية السماوية. لذلك فإن الآخر الذي أوجّه له الكلام في شعري يصلح أن يكون ذكرًا أو أنثى، فالإحساس تجاه الوجود نفسه، والحبّ بلا شك هو تصوير لحالة إنسانيّة عميقة عامة وليس شخصية. لكن بالتأكيد، أجد نفسي دائمًا أعود إلى المرأة وشجونها في مجتمع لا يريد أن يخرج من ذكوريته ومن أحواله الشخصيّة الدينيّة التي تحطّ من قدر المرأة واحترام حقوقها مهما حاول المعنيّون أن يقولوا العكس، فظلم المرأة من المجتمع والدين إضافة إلى التقاليد كلها غيتوات لم نخرج منها، على الأقل في لبنان.

          أماّ الشاعرة سارة الزين  فهي  ترى أنّ القيد محضُ وهم تبتكره المجتمعات في مخيّلاتنا وتزرعه في عقولنا مخافة أن نمشي بعكس التيّار، كما تُضيف: لا أعيش صراعًا ضد الجنس الآخر وكذلك لا أعيش فوضى كينونتي أو رفضًا لطبيعتي، نعم قد أختلقُ شعريًّا حربًا تطال كل من حولي، فالانقلاب لعبةٌ لا أفوّتها، وهي تغريني إلى حدّ القفز حافيةً فوق الجمر! أظنّ أنّ وسائل التواصل حاليًّا أتاحت للمرأة أن تعبّر عن حقيقتها من دون خوف، وأدري أنّها

سارة الزين

تعيش جلدًا ذكوريًّا ومجتمعيًّا وفكريًّا وجسديًّا على الدوام.. لذا قد أتناول موضوعها في بعض أبياتي تناولًا فلسفيًّا كمثل قولي: ” أنا امرأةٌ أقطّعُ كلَّ يومٍ/ أيادي الشعرِ إنْ مرّتْ حيالي/ عليّ من التأنُّثِ ألفُ وزرٍ/ كما اللعنات تملأُ لي سلالي/ ولستُ أقيمُ للرائين وزنًا/ أنا مشغولةٌ جدًا بحالي/ أنا الموؤودةُ الأولى بذنبِ/ أبوءُ به على أيدي الرجالِ”.

          عن التساؤل ذاته تُجيب الشاعرة زنوبيا ظاهر قائلةً:  لا نتحرّرُ أبدًا، فالتحرّر يعني اختفاء القيد، وهو لن يختفي. الحياة صراع، عراكٌ دائم لنا أن نقبلهُ كبداهة، وبهذا القبول لن نسلم، لكنّنا على الأقلّ لن نستقبل خيبةً في الظهر.  أشعر أحيانًا بأنّني قد أكون أخطأت إن أردت أن أتحرّر من سطوة الأشياء ( الأب، الأمّ، اللغة، الدين، السينما، الشوكولا أيضًا..) كلّها ليست منفصلةً عنّي .  كلّ ما أريدهُ الآن أن أتحرّر من نفسي. أثقلُ الحملِ النفس.

          وتؤكّد الشاعرة أسماء الشرقي، أنّه:  لا يمكن إنكار سطوة هذا العالم على كتابات وإبداعات المرأة الشاعرة، وإن تعددت التجارب واختلفت المشارب وسقوط العديد من التجارب الشعريّة في ربقة المتداول اليوميّ، أو الانحراف عن الأبعاد السامية للكتابة الشعرية من خلال استدعاء صور شعريّة موغلة في ترذيل رسالة الشعر سواء باستغلال الجسد جسرًا لاستجداء ذائقة المتلقي أو الإيغال في الرمزيّة المبهمة، إلى غير ذلك، على الرّغم من البعد الجمالي والتوزيع البصري للنص الشعري  لكني أعتقد أن هناك من التجارب الشعرية النسويّة التي تمكنت من كسر هذه ‘الطابوهات’ الحسية ووطأ خيالهن الشعريّ عوالم جديدة ومبهرة خلقن في خضمّها صورًا شعريّة كونيّة راقية والأمثلة كثيرة من القصائد التي تناولت الأوضاع السياسية للوطن، التمييز العنصري، العنف ضد المرأة، المبحث الصوفي.

          الشعر النسائيّ بين المُعتاد والتجديد

          تعكس الكتابة الشعريّة للنساء على اختلاف مضامينها الكثير من  الواقع الاجتماعيّ والفكريّ والنفسيّ للمجتمع، واليوم النتاج كثير وغثّه غلب سمينه في ظلّ فورة مواقع التواصل الاجتماعي، فهل أفلحت المرأة الشاعرة اليوم في البوح خارج سياق الموضوعات النمطيّة؟!

          تلفُت الشاعرة سارة الزين، إلى أنّ: الشعر بحدّ ذاته هو خروج عن النمطيّة، وهو ثورة على الذات قبل أن يكون ثورةً على الآخر، هو حرب داخلية مستدامةٌ لا تنطفئ. تُكمل: ولذا، في حال تطرّق الشاعر “الحقيقي” الى الموضوعات النمطيّة المطروحة في الطريق، فهو سيتناولها بفرادة من يعرف كيف يصفّق بجناحين من خيال ومجاز، وتجديد وابتكار، وجنون وتأمّل، هي ثنائيّاتٌ تحيل العاديّ الى “سحريّ”، والنمطيّ والتقليدي الى تجديدٍ وفرادة.

دارين حوماني

وتُضيف: فإنّ الشاعرة التي اصطفاها الشعر (ولا أعني هنا تلك التي ادّعت الاصطفاء) تشكّل روح الشعر وتجلّياته وهي بذلك تخرج من جسدها وقوالبها المجتمعيّة المفروضة عليها لتعيش فلسفة وجوديّةً وحضورًا فكريًّا بقالب شعري مختلفٍ ومغاير .

وقد يكون الحب من أكثر الموضوعات التي يتطرق له الشعراء رجالا ونساء، فالزين تؤمن أنّ للحب: فلسفة خاصة في قلب الشاعر، ومهما حاول ترجمة فلسفته هذه، ستبقى هناك حلقة مخفية لا يستطيع التعبير عنها، الشاعر يتغذّى بالحب ويعيش عليه ويشقيه ويضنيه ويتعبه! ويتلذذ بالبدايات ويغريه المجهول والمستور والمخفيّ. -وهي تعني هنا كلّ أنواع- الحب وتضيف: وقد ذكرتُ فخّ الجسد في إحدى قصائدي التي أتحدّث فيها عن أحلام المرأة الطموحة :

          “تقولُ للجسدِ المسكونِ شعوَذةً :

           أنْتَ البقيّة ُ لا تعبأ ْ بِمنْ وقعوا.”

          من جانبها تُشير الشاعرة أسماء الشرقي:  لا بدّ أن نّتفق منذ البدء على أنّ الشعر في أرقى تجلياته يمثل مزيجًا متداخلاً من الأحاسيس وإرهاصات الذات التي يطفو بها لغويًّا على سطح الورقة ليرسم صورًا شعريّة من زوايا روحه وأبعاد أفكاره مهما كان جنس الباث المبدع.. تُكمل الشارقي: اليوميّ المعيش يحتكر الحيّز الأوسع من اهتمامات المرأة الشاعرة اليوم، ومن ثمة من كتاباتها كالحبّ بمختلف تمظهراته، وكلّ ذلك في علاقة بالآخر الذي عادة ما يكون الحبيب أو الصديق أو الشريك. وتذكُر أنّها: كـشاعرة عربية اخترت عالمي الشعري بثبات، وقد تناولت على امتداد تجربتي الشعريّة مواضيع متعددة ويظلّ الحفر في أديم الذات متواصلًا من دون أن نبلغ لحظة الرضا لأن الشاعر الحق هو من يؤمن بفلسفة سيزيف  “إنّ الأنا في جغرافية أحاسيسي الشعرية قبس من الخلق وفراشة لا تخاف الاحتراق مادامت تؤمن أن التجدد سنة الكون”.  وتُضيف:  الشعر كون محكم الأبعاد يفينا حق البوح إذا احترمنا قواعد القول وأسس المقول من دون أن نغيّب ذواتنا في معاجم اللغة أو نسقط في متاهة المحاكاة الفردية للأنا وإقصاء الآخر  ،لعلي راهنت في كتاباتي على مشاربي المعرفيّة وتجاربي المبتدئة في فن التصوف الروحي والاحتراق في العشق واللامتناهي… وأعتقد أنها من أهم التجارب التي يمكن أن تُساعد المبدع على تنقية كينونته الصغرى السابحة في الكون المطلق وبعيدًا عن أي توجه عقائديّ يمكن أن يكبّله.

          وفي السياق ذاته أوضحت الشاعرة دارين حوماني: كتابة المرأة الأدبية منذ رابعة العدوية والخنساء وصولًا إلى مي زيادة ونازك الملائكة وغيرهن لم تكن موضوعاتها محصورة بعناوين معينة ولا متكئة على يومياتها وسيرتها الذاتية، بل كتبت بجرأة تعكس رغبة الشاعرة أو الكاتبة بالتحرّر من قيود المجتمع، فلم تخضع هذه الأديبات لأي سطوة رقابية حتى ولو كان الرقابة داخلية، أي من ذات الأديبة نفسها. فقد تجرأت المرأة الأديبة وكتبت عن المناطق المظلمة في المجتمع ونطقت بتساؤلات وجودية .

          فيما تؤكّد الشاعرة زنوبيا ظاهر، أنّ الشعر كائنًا لا مشاعر له، وهي ترى أنّ الشاعرات يعملن بجدّ للخروج عن النمطيّة: ولا أرغب في الحكم على ما يقمنَ به. أتحدّث عن نفسي، في كلّ لحظةٍ أكتبُ فيها، أكبحُ لغتي عن أن تصير تعبيرًا عن مشاعري، صرتُ أتطلّع إليها كتعبيرٍ عن وجودي. في اعتقادي، هذا هو الشعر. كائن لا مشاعر له. وقد يكون هذا اعتقادًا مؤقّتًا. لكن، حتّى ذلك الحين، أحتفظُ بمشاعري لنفسي، وبنفسي للشعر. في مكمنٍ آخر تُصرّح، أنّ: الشعراء أنبياء أزمنتهم، وهم قلّة. والشاعرات آلهة أزمانهنّ، وهنّ أكثر قلّة. لكنّ الشعر باقٍ بكاملِ دهشته يجتذب الغاوين، لا يسمح لإنسانٍ بالنجاة من رغبته العميقة بأن يكون شاعرًا! لذلك، كلّنا نحاول. نوظّف أجسادنا، عاطفتنا، غنائيّتنا، أو “خواطرنا”، طامحين إلى الشراكة في المعنى. أغلبنا يفشل، لكنه لا يخرج مخذولًا، فالكتابة على الأقلّ علاج نفسيّ.  لكنّ الأكيد، أنّ الملل سمة الشعر المُتَخيّل. الدهشة من نصيب الشعر الطالع من ذات الواقع.  الحبّ المُتخيّل المقولب في الفصل الحادّ من الذكر والأنثى، القائم على الصراع، ولّى زمنه. المرأة المجروحة، أو بعيدة المنال، الرجل الفارس، قاهر الجبابرة، أو قيس ليلى.. مفاهيم ولّت. أشعر أنّه زمن الشراكات والمساومات والرماديّات!

          ختامًا، في الشعر كما في الحياة لم يكٌن من السهل أن تخرُج المرأة من دائرتها المُغلقة فقد احتاجت إلى عقودٍ من النضال والسعيّ، وبهذا فالكتابة النسائيّة ليست حبيسة الموضوع ذاته، والنمطيّة لا تقع على اختيار الموضوع بل على كيفية تناوله، وهنا تؤدي الثقافة واتّساع المدارك قوّتها ودورها في صقل المعنى، فالشهرة لم تعد معيارًا والمُتلقي لم يعُد يتعامل مع الشعر النسائيّ كفُسحة في الغزل وفي محاكاة نوازعه ونزواته التي تصوّرها مستجديَة باكية.

العدد 127 / نيسان 2022