الترهيب الآقتصادي الآمريكي, مستقبلات إدارة الصراع الدولي على أوكرانيا

أ.د. مازن الرمضاني*

يُعد الترهيب الاقتصادي أحد الآدوات الاقتصادية, التي اقترنت بتوظيف أحدى الدول لقدراتها التاثيرية, وبضمنه تلك الآقتصادية الفائضة عن حاجتها, سبيلا للتاثير في قرارات ومن ثم في أفعال دولة اخرى, لصالحها . وعادة يتم إستخدام هذه الآداة  في الاوقات التي تتميزفيها العلاقات الثنائية بين دولتين ,أو بين مجموعة دول ودولة أخرى, بخصائص الصراع , سواء قبل تصعيده إلى مستوى الحرب أو بعد هذا التصيعيد رفدأ لدعم الآداءالحربي. وقبل البحث في مستقبلات إدارة الصراع الدولي على أوكرانيا, نرى ضرورة تناول أداة الترهيب الاقتصادي, وتحديد المقصود بمفهوم أدارة الصراع بالتتابع. .

تاريخيا, كان إستخدام أداة الترهيب أوالإكراه الاقتصادي Economic Coercion)) خلال القرون السابقة على القرن العشرين محدودا. فالواقع الحضاري للعالم انذاك اقترن بثمة خصائص أدت إلى علاقات دولية محدودة الآطراف والآطر والآهتمامات . وهذه الخصائص لم تسمح بهذا الإستخدام على نطاق واسع.

بيد أن تحول الآقتصاد والسياسة تدريجيأ, ولاسيما في عالم  اليوم , إلى وجهين لعملة واحدة  أدى إلى دعم  إستخدام وتاثير هذه الآداة بمدخل مهم مضاف. ومما ساعد على ذلك مخرجات التحولات الكبرى التي عاشها العالم خلال القرن العشرين على صعيد السياسة/العلاقات/ الدولية. فهذه المخرجات أفضت إلى أن تتميزهذه العلاقات بخصائص تكمن, مثلا, في نمو عدد اللاعبين الدوليين وتنوعهم (الدول القومية والوحدات الدولية دون مستوى الدول, بإنواعها ), وتصاعد مشاركتها في التفاعلات الدولية, فضلاعن شمولية إطار هذه العلاقات للكرة الارضية, والفضاء الخارجي, وقيعان البحار, والمحيطات, إضافة إلى تنوع قضاياها وتجددها المستمر.

وقد أتاح هذا الواقع الجديد للعلاقات بين الدول ثمة فرص مضافة لتوظيف أداة الإكراه الاقتصادي. فإستخداماتها لم تعد تقتصر, كما كانت, على أزمنة السلام وبضمنه أوقات الصراعات قبل تحولها إلى حروب فحسب, وإنما صارت تشمل أيضا أزمنة الحروب من خلال اللجوء إلى أليات الحصار,و/أو العقوبات و/أو الحظر, و/أوالمقاطعة, الشاملة أو الجزئية, تحقيقا لآحد,أوعدد, من الآهداف الاتية :

  • أرغام أحدى الدول, في أوقات السلم, على تغيير أحد أنماط سلوكها ليتماهى ومصالح الدولة القائمة بفعل الإكراه الاقتصادي.
  • دعم أحداث التغيير السياسي الداخلي في أحدى الدول, سبيلآ لتغيير نظامها السياسي بإخر موال للدولة القائمة بفعل الإكراه الاقتصادي
  • بث رسالة تهديد غير مباشرة إلى دولة, أو دول, أخرى مناهظة للدولة القائمة بفعل الإكراه الاقتصادي.
  • إضعاف قدرات الدولة المراد معاقبتها, في اوقات الحرب,سبيلا داعمأ للهدف المنشود جراء إستخدام القوة العسكرية بصيغة مباشرة أو بالنيابة, ضدها.
  • إستمالة الراي العام الداخلي في الدولة القائمة بفعل الآكراه الآقتصادي سبيلا لتأمين دعمه لسياسة داخلية و/أو خارجية تعتمدها حكومتها.

وقد ساعدت على الآخذ بسياسة الإكراه الآقتصادي ثمة مدخلات مهمة . ولعل ابرزها الآتي:

  • اولا, اتجاه نسق القوة في السياسة الدولية إلى أن يكون, في العموم, اقتصاديا.
  • ثانيا, تسارع نمو ظاهرة الاعتماد الاقتصادي الدولي المتبادل.
  • ثالثا, تفاوت القدرات التاثيرية بين الدول.
  • ثالثا, نمو تصاعد معارضة الراي العام الداخلي والعالمي لآستخدام القوة العسكرية جراء تاثيرمتغيرات أخلاقية ومادية.

وقد تباينت مخرجات توظيف هذه الآداة بين عدم الفاعلية في احيان والفاعلية في احيان اخرى. فهي لم تكن مؤثرة في العديد من الصراعات الدولية. وثمة أمثلة, عبر الزمان, تؤكد ذلك. فمثلا, لم تؤد العقوبات الاقتصادية الجماعية التي اخذت بها عصبة الامم في عامي 1936-1935 ضد ايطاليا إلى الحيلولة دون غزوها للحبشة. كذلك لم تؤد المقاطعة العربية الجماعية لاسرائيل إلى التاثير سلبا في نمو قدراتها الشاملة. كما أن الحصار الاقتصادي الدولي الشامل على العراق عام 1991 لم يدفع بحد ذاته إلى إسقاط نظامه السياسي, وإنما بالغزو والاحتلال الآمريكي له عام 2003. كذلك لم تفض, لحد الآن,ذ العقوبات الآمريكية والآوربية غير المسبوقة ضد روسيا الآتحادية بعد إستخدامها للقوة العسكرية في أوكرانيا إلى سحب قواتها العسكرية منها أو وقف إستخدامها لها.

وينسحب الفشل الذي اقترنت به العقوبات الاقتصادية الدولية الجماعية في احيان ايضا على تلك العقوبات التي عمدت احدى الدول منفردة إلى تبنيها ضد دولة أخرى . فمثلا لم يؤد إستمرار الحصار الآمريكي على كوبا لعقود إلى ازاحة فيدل كاسترو عن قمة النظام السياسي الكوبي. والفشل ذاته ينسحب على العقوبات الآمريكية على الاتحاد السوفيتي (السابق) جراء تدخله العسكري في افعانستان عام 1979. فهذه لم تحل دون استمراره.

إن هذا الفشل لآداة العقوبات الاقتصادية, سواء على الصعيد الجماعي أوالفردي, كان مرده تاثيرمخرجات عدد من المتغيرات, ومثالها الاتي:

  • أولا, مقاومة الراي العام المحلي للفكرة التي تتأسست عليها هذه العقوبات. فتجربة العقوبات تفيد أن بها أريد, أن تفضي مخرجاتها إلى تدهور الحالة الاقتصادية لآحد المجتمعات سبيلا لدفعه إلى الانقلاب على قيادته. بيد أن هذه التجربة تفيد أيضا أن إلتفاف هذا المجتمع اوذاك حول قيادته هو الذي إفشل هذه العقوبات. وبهذا الصدد, لنتذكر حالة العراق خلال فترة الحصار خلال سنوات 2003-1991.
  • ثانيأ, توافر الدولة المراد معاقبتها على قدرة اقتصادية ذاتية عالية مدعومة بعلاقات اقتصادية خارجية متبادلة وطيدة .
  • ثالثا, ذهاب الدولة المراد معاقبتها إلى إعادة ترتيب واقعها الاقتصادي الداخلي بجهد ذاتي و/أومن خلال الإستعانة بالدعم الاقتصادي, السري أو العلني, لدول مناهظة للدولة القائمة بفعل الإكراه الاقتصادي.
  • رابعا, استمرار ثمة دول في التعامل الاقتصادي,غير المعلن, مع الدولة المراد معاقبتها على الرغم من تبنيها لسياسة رسمية معلنة داعمة للدولة القائمة بفعل الإكراه الاقتصادي ضد هذه الدولة.
  • خامسا, تعاطف الراي العام العالمي والدولي مع الدولة المراد معاقبتها اقتصاديا.

بيد أن الحالات التي تفيد بعدم فاعلية أداة الإكراه الاقتصادي في احيان لا تلغي  إنها كانت فاعلة في أحيان اخرى. فالإكراه الاقتصادي كان فاعلا في ثلاث حالات:

  • أولا, عندما يُستخدم, كداعم مضاف لآدوات اخرى كالحرب مثلا, وكذلك عندما يقترن الواقع الداخلي والخارجي للدولة المراد معاقبتها بمعطيات لا تسمح لها بالمقاومة و/أوالإستمرار بها و/ او إفشاله. لذا كانت هذه الآداة ناجحة عندما تم توظيفها حيال ثمة دول في عالم الجنوب, لاسيما تلك المتآخرة أو المتخلفة منها.
  • ثانيا, عندما يُستخدم في تلك التوترات و/ أو النزاعات التي تندلع جراء قضايا محدودة الآهمية, والتي, لنوعية هذه القضايا, تندفع لدولة الثانية المراد معاقبتها إلى الإستجابة لمطالب الدولة الآولى جراء قناعة الثانية أن إستجابتها لا تنطوي على تحملها خسارة مهمة في مصالحها.
  • ثالثا, عندما يُستخدم من قبل دولة مؤثرة ضد دولة اخرى منساقة وراء سياساتها, وإدراك الاخيرة إنها لا تستطيع إفشال هذه الآداة جراء نوعية القدرات, ومن ثم التاثرالدولي الذي تتمتع به الاولى.

وجراء مخرجات التطبيقات العملية لآداة الإكراه الاقتصادي , تباينت الرؤى بصدد فاعليتها وتوزعت على ثلاثة إتجاهات: الآول, وقال: بفاعليتها خصوصا بعد التراجع النسبي لآهمية مفهوم الجيوبولتيك ( الجغرافيا السياسية ) في مرحلة ما بعد الحرب الباردة لصالح مفهوم الجيواقتصادي Geo-Economics) ) . أما الثاني, فقد ذهب الى التشكيك بجدواها ,ورأى أن لها مخرجات سلبية لاتقتصر على الدولة المراد معاقبتها والدول التي تتبادل وهذه الدولة علاقات تجارية واقتصادية واسعة حسب, وإنما تنسحب أيضا على الدولة القائمة بالإكراه الاقتصادي ذاتها, هذا خصوصا عندما تقوم بين هذه الدولة وتلك المراد معاقبتها شبكة علاقات وطيدة متعددة المضامين. وبين هذين الآتجاهين يقع الآتجاه الثالث,الذي يؤكد على أن هذه الآداة لا غني عنها في الصراع بين الدول على أن يراعى في تنفيذها عدم الآضرار بالمدنيين ومصالح الدول الاخرى.

وأما عن مفهوم إدارة الصراع Conflict Management , فتعدد الرؤى ذات العلاقة به . وتفيد مضامين هذه الرؤى بإتجاهين أساسيين ومختلفين: الآول يرى ان هذه الإدارة تعبر عن كيفية التعامل مع دينامية الصراع عبر أدوات مختلفة المضامين سبيلا لتطويعه والسيطرة عليه وبما يحول دون تصاعدة إلى مستوى أكثرخطوره, آي مستوى الحرب. وبهذا المعنى يستوي مفهوم إدارة الصراع ومفهوم ضبط الصراع The Adjustment of Conflict   عند مستوى محدد. ويؤكد فالنشتاين , أستاذ دراسات السلام والصراع السويدي, في معرض حديثة عن المفاوضات بين الدولتين العظميين خلال الحرب الباردة, مثل هذه الرؤية, بقوله: ” إن هذه المفاوضات لم تهدف إلى إزالة خلافاتهما الجوهرية وإنما لإدارة صراعهما وعلى النحو الذي يضمن عدم خروجه عن نطاق السيطرة.” ومما ساعد على ذلك واقع توازن الرعب,الذي كانت العلاقة الثنائية الآمريكية – السوفيتية تتميزبه. فهذا الواقع هو الذي فرض الآخذ بمفهوم إدارة الصراع , بمعنى ضبطه, سبيلا لضمان منع تصاعد صراعهما إلى حرب نووية.

وبالمقابل, يدرك الاتجاه الثاني إدارة الصراع بدالة السعي نحو ايجاد تسوية سلمية  له تتيح حصيلتها فضه/حله على نحوٍ دائم, ومن ثم يرى دعاة هذا الإتجاه أن إدارة الصراع وحل الصراع سلميأ يعبران عن مفهومين متماثلين. وتبعا لذلك تتميزإدارة الصراع ,عند دعاة هذا الإتجاه , بتدرج توظيفها لعدة إستراتيجيات تحقيقا للغاية النهائية المنشودة, ابتداءً من إستراتيجية منع الصراع, إلى إستراتيجية صنع السلام, مرورأ بإستراتيجية حفظ السلام, وإنتهاءً بإستراتيجية بناء السلام , بعد فض الصراع, كهدف نهائي.

وفي ضوء ما تقدم, نرى أن إدارة الصراع لا تتحدد بمضمون هذا الآتجاه أو ذاك وإنما تجمع بينهما معا في أن, وعلى وفق معطيات الصراع  السائدة في وقته .إذ بهذه الإدارة قد يراد, في أحيان, ضبط الصراع, خصوصا عندما يكون من نمط تلك الصراعات التي تعبرعن تناقض حقيقي في المصالح , ومن ثم في المواقف. ولان مثل هذه الصراعات لا تقبل الحل خلال زمان قصير إلا عبر  مضمون معادلة اللعبة الصفرية (أي الربح لطرف والخسارة لطرف أخر), تضحى السيطرة عليه للحيلولة دون تصاعده إلى مستوى الحرب هي السبيل الموضوعي/ الواقعي للتعامل معه . بيد أن السيطرة على الصراع , عندما تتحقق, فإن مخرجاتها  قد تفضي , في أحيان أخرى, إلى تهيئة الظروف اللاحقة والملائمة لبلورة معطيات إيجابية تساعد على  التعامل مع الصراع  تبعأ لمضمون معادلة اللعبة غير الصفرية (أي الربح والخسارة لكافة آطرافه) ,ومن ثم حله سلميا على نحو دائم.

بيد أن إدارة الصراع, سواء كانت ترمي إلى ضبط الصراع أو إلى حله سلميأ, لا تعني أنها كانت ناجحة في كافة حالات الصراع. فالفشل كان لصيقا بها أيضأ. وتُعد الحروب الدولية المتكررة, قبل إنتهاء الحرب الباردة أو بعدها, فضلا عن كثرة إنتشار الحروب الداخلية بعد إنتهاء هذه الحرب, بمثابة الدليل على هذا الفشل. إن هذا الواقع هو الذي أتاح للعبة الصفرية أن تكون هي البديل لإدارة الصراع .

وعليه, نتساءل : ما المشاهد المستقبلية الممكنة أو المحتملة لإدارة الصراع الروسي-الآمريكي, غير المباشر, على أوكرانيا. إننا نرى إنها ثلاثة مشاهد: فإما فض الصراع , على وفق مضمون اللعبة الصفرية, وبمشهدين: آما بربح أمريكي وخسارة روسية, أو بربح روسي وخسارة أمريكية. وأما المشهد المستقبلي الثالث, الذي يكمن في تبني مضمون اللعبة غير الصفرية عبر إستراتيجية  الحل الوسط وبحصيلة تفضي إلى حل الصراع وكل من طرفيه الآساسين: روسيا الآتحادية والولايات المتحدة الآمريكية, رابحان وخاسران في أن واحد.

  1. مشهد الربح الآمريكي/ الخسارة الروسية

لقد سبق لمؤسس النظرية الواقعية (التقليدية), هانز موركنثاو, التاكيد على أن الدول في تعاملها مع بعض , تنطلق من  أخلاقية خاصة تختلف عن تلك التي ينطلق منها الإنسان في العموم, هي إخلاقية حماية مصالحها الحيوية. لذلك دعا إلى عدم الخلط بين الآثنين. وينسحب  النزوع الدائم إلى حماية المصالح على الدعم الآمريكي, بإنواعه, إلى أوكرانيا . فهذا الدعم لم ينجم  جراء تمسك الولايات المتحدة بالقواعد القانونية والاخلاقية المتفق عليها عالميا, سيما وأن تاريخ السياسة الخارجية الآمريكية  ينطوي على أمثلة عديدة لا تؤكد مثالية هذه السياسة. أن بالدعم الآمريكي لآوكرانيا اريد ان تحارب هذه الدولة بالانابة  By  Proxy)) عن الولايات المتحدة في سعيها إلى أحتواء المدخلات الداخلية, ومن ثم الخارجية, لبداية تأكل دورها الدولي. ولنتذكر أن نظام القطبية الدولية الآحادية, الذي نجم عن إنهيار الآتحاد السوفيتي, بدأ, ومنذ زمان, يتأكل لصالح نظام دولي أخر قيد التشكل, هو النظام الدولي متعدد الاقطاب, الذي تشكل روسيا الآحادية أحد أقطابه الآساسية.

لذا من المرجح أن تعمد الولايات المتحدة جاهدة, كسواها من القوى الكبرى عبر الزمان, إلى تأخير أفول دورها الدولي. وقد وجدت في استخدام روسيا الاتحادية للقوة العسكرية في أوكرانيا الآداة لذلك. فإضافة إلى العمل من أجل إيقاع خسائر باهظة في القوات الروسية وتوظيف هذه الخسائر كمؤشر على محدودة القدرة الروسية على الفعل, هي ترسل أيضا رسائل تهديد كامنة للدول الكبرى البازغة الآخرى, ولا سيما إلى الصين, بإعتبارها القطب الاخر للنظام الدولي قيد التشكل والمنافس الآهم للقيادة الدولية الامريكية. ومع هذا الجهد الآمريكي المكثف,والمدعوم أوربيأ, والرامي إلى تأمين الخسارة الروسية, لا نرى أن هذا الهدف يقبل التحقيق. ولنتذكرأن الصراع الامريكي مع روسيا الاتحادية, هو صراع لا يتماهى مع الصراعات الامريكية مع دول في عالم الجنوب. إذ هو صراع مع قوة نووية كبرى ذات مشروع قومي . لذا من غير المرجح ان تقبل روسيا الاتحادية بخسارة إستراتيجية في اوكرانيا .وبهذا الصدد لنتذكرأيضا أن توظيف أداة الآكراه الاقتصادي يحتاج  عادة لزمان طويل حتى تتجلى مردوداتها المنشودة. وحتى ذلك الوقت ستكون الحرب في اوكرانيا قد انتهت .وبالمقابل  من المرجح أن تبقى التداعيات السياسية لهذا التوظيف على العلاقات الثنائية الروسية-الامريكية-الآوربية ممتدة لزمان لاحق طويل.

  1. مشهد الربح الروسي/ الخسارة الآمريكية

لا تختلف روسيا الاتحادية عن سواها من الدول. فهي الآخرى تسعى إلى حماية وضمان مصالحها العليا, ومن بينها ضمان مصالح امنها القومي بالضرورة. لذا وجدت في السعي الآمريكي  الرامي إلى مد حدود حلف شمال الاطلسي ( الناتو) إلى أوكرانيا, ومن ثم تحويلها إلى قاعدة معادية لها, تهديدا خطيرا لآمنها القومي. ومن هنا جاء إستخدامها للقوة العسكرية لدرء هذا التهديد, حسب تصريح الرئيس الروسي, بوتن, ذاته.ومن غير المرجح إنها ستقبل بعدم تحقيق الاهداف المنشودة جراء هذا الإستخدام. فقبولها الفشل لا يعني قبول الخسارة الإقليمية حسب وإنما خسارة موقعها الدولي لصالح الولايات المتحدة. لذا من المحتمل أن تعمل جاهدة على كسب الحرب من خلال تصعيد أستخدام القوة العسكرية في أوكرانيا. أن توافر روسيا الآتحادية على قدرة نووية تفوق تلك الآمريكية تضفي على أستراتيجيتها الرادعة تثيرا مضافا, وهو الآمر الذي يدعم نزوعها نحو فض الصراع لصالحها.

وبالمقابل, من غير المرجح ان تقبل الولايات المتحدة بالخسارة في أوكرانيا , سيما وإنها تنطوي على مخرجات تدعم عملية أفول دورها الدولي. إن الإصرار الروسي على الربح والإصرار الامريكي على عدم الخسارة يدعم أمتداد الصراع على أوكرانيا لزمان طويل بعنصر مضاف, وهو الآمر الذي قد يقترن بإحتمالية تصاعد الصراع إلى مستوى يهدد العالم بالخطر. لذا لا بديل امام كل من الطرفين المتصارعين سوى المشهد الثالث لصراعهما.

  1. مشهد إستراتيجية الحل الوسط

 إن الإصرارالآمريكي والروسي على الربح يفضي إلى حالة تتطلب الخيار بين بديلين: فأما صراع ممتد بمخاطره العالمية, وأما التفاوض من أجل أيجاد سبيلا للحل. وللارباح المقترنة بالبديل الثاني, نرجح أنه سيقترن بهذا المشهد. تفيد إستراتيجية الحل الوسط Strategy of Compromise) )  بإسلوب من التفكير ينزع إلى تأمين التعاون المشترك بين أطراف الصراع سبيلا للحيلولة دون أن يكون أحدها بالمحصلة أما رابحا أو خاسرأ. وتتميز هذه الإستراتيجية بإلية قوامها مقايضة الآخذ بالعطاء وإستمرارالآخذ بها حتى تتمكن أطراف الصراع من تحقيق التوافق بين  تناقض مصالحها وتأمين رضاها المشترك. لذا تُعد تطبيقأ عمليأ لمضمون اللعبة غيرالصفرية (None- Zero -Sum-Game).

ويجد الآخذ بإستراتيجية الحل الوسط دعمأ إيجابيا مضافأ, عندما تفيد المعطيات الموضوعيى للآطراف المتصارعة أنها لا تستطيع فرض إرادتها على بعضها البعض الاخرسبيلا لتحقيق ما تصبو اليه, وكذلك عندما يتدخل طرف ثالث في الصراع ويستطيع تأمين التقارب بين المصالح المتضاربة لهذه الآطراف. وهذا هوالواقع الراهن للصراع الروسي-الآمريكي على أوكرانيا.

*إستاذ العلوم السياسية/السياسة الدولية وإستشراف المستقبلات

العدد 128 / ايار2022