الأختيار ( الجزء الثالث )   مسـلـسل .. وثـائقـي يـرتـدي ثـوب الـروائي

حتما ولابد ان تتباري ماكينة الاعلام الاخوانيه سواء المعلنه او عبر خلاياها النائمه في مهاجمة هذا المسلسل،وستكون اولى اتهاماتها ،كيف يتم عمل مسلسل في ظل النظام الحاكم ،وهو طرف في معادلة الاطاحة بنظام الأخوان ،ويتجاهل من يطرح هذه المعادلة ان نظام الاخوان،لم يكن بالقطع نظاما حاكما ،ولكنها مليشيا وثبت الى الحكم في اطارثورة شامله اندلعت ضد نظام مبارك ،وبكونها ميليشيا منظمة ،ومدعمة بقوة مسلحه ومدربه ،وعمرها يمتد الى ثمانين عاما

الفنان ياسر جلال

في ذلك الوقت ،منذ نشأت عام 1928 ،استطاعت ان تتسلل فتركب الموجة الثوريه ،ونجحت في ان تصل الى السلطه ،ولكن شأنها شأن كل حركة انتهازية،سرعان ما انكشفت بل وتعرت، فهي حركة تعيش داخل تفسيراتها واجتهاداتها الخاصة وعلى ذلك فهي خارج حركة التاريخ والتطور بل هي اسيرة لاجتهادات بعيدة تماما عن صحيح الدين ،والدين عماده التاّخي والتعاطف بين الناس ،والتصالح مع النفس والغير،وهي على العكس من ذلك تؤمن بالعنف والاغتيال ،وتاريخها ملطخ بالدم ،وهو ماض لم تستنكره ابدا ،حتى ان زعيمها المؤسس (حسن البنا)وصف تصرفاتها اثر اغتيال محمود فهمي النقراشي (انهم ليسوا اخوانا وليسوا مسلمين).

سوف تظل تجربة الحكم لجماعة الأخوان المسلمين في مصر، مصدر الهام للكثير من الأعمال الروائيه والفنية لسنوات طويله،وعلى الأخص أنهم رغم صداماتهم المتكررة مع كل نظم الحكم المصريه سواء الملكية أو الجمهورية ،مع تعدد حكامها وتباين توجهاتها واختلاف برامجها،ومدى قربها وتعاونها مع البعض منها،الا انهم لم يقدموا أبدا على اجراء عملية نقد أو تقييم لتجربتهم،واعمال مبدأ العقل والنقد لتجنب المسارات التي عرضتهم للكثير من المتاعب التي عانوا منها،ومن ثم لأحكام الادانة المجتمعية قبل القانونية،ولكنهم ابدا ظلوا ثابتين على نفس النهج من المكابرة،والعزة بالأثم،وتبعا لذلك ارتكابوا نفس الاخطاء،التي سبق وان وقع فيها اسلافهم من قيادات التنظيم.هم لم يخرجوا ابدا من(الجيتو) الذي شكلوه لأنفسهم وغاصوا في سراديبه،ولم تتفتح لذلك انظارهم فضلا عن مداركهم أن الأنغلاق على الذات،وادعاء العصمة من الأخطاء لا يمكنه ان يقود الى مسار اّخر غير الذين تنكبوه المرة تلو الأخرى،وأصاب البلاد والعباد بالكثير من الأخطار،وشكل كل ذلك الاعراض الكامل من جماهير الشعب تجاه

الفنان صبري فواز

سلوكياتهم في التعامل مع الآخرين وابرزها ( الكذب والتضليل )وهذه الكلمات  ليست قذفا او سبا على الاطلاق،وانما هي توصيفات لأعمال وسلوك مارسوه بالفعل .هم يتذكرون ولا شك في بدء عملية الانتخابات التي جرت بعد ثورة ( 25يناير) عام 2011 ،ورفعهم لشعار( المشاركه لا  المغالبه)،ولكنهم بعد استحواذهم على غالبية كبيرة في انتخابات البرلمان ،قاموا بتشكيل الوزارة ،ووعدوا انهم لن يتقدموا لأنتخابات رئاسة الجمهورية ، لكن قفزت بهم طموحاتهم الى الاستحواذ على السلطة التشريعية والتنفيذية ورئاسة الجمهوريه ،ومن ثم داعبتهم احلام التمكين من مفاصل الدولة تمهيدا للاستحواذ على الحكم لمئات السنين حسب تعبير الدكتور مرسي (سوف نحكم لخمسمائة سنه).

فكرة المسلسل

المسلسل يقوم على فكرة التأريخ لمرحلة من الحكم بظروفها الطارئه في مصر،كان الخطر فيها على الوطن ينبع من الداخل،او بمعنى اّخر كان الخطرمن الداخل بمؤازرة من بعض القوى في الخارج. كان الخطر في رمزه كما قال (عدلي منصور) الرئيس السايق للجمهورية المصريه (ان مصر تحملت قرونا من الضغط السياسي ،وعقودا من القهر الاقتصادي ولكنها لم تحتمل عاما واحدا من التحول الثقافي) ،ولذلك فان فترة حكم الاخوان كانت جديرة بهذا التسجيل في هذا العمل الوثائقي بالدرجة الاولى، الذي خضع لمجموعة من التسريبات، المصورة، وبالتالي الدامغه ،لمجموعة من التصرفات والأقوال والحوارات (صوت و صورة )،للكثيرمن التهديدات التي قامت بها قيادات حركة الاخوان،وعلى ذلك فهي ليست ادعاءا يمكن انكاره. انها تحكي وتروي كل المحاولات، لاحكام السيطرة ،واعادة تشكيل المؤسسات الحاكمة من القيادات والعناصر الأخوانيه وفق مصالحها،كان ذلك هو همهم الاول،وعلى ذلك كانت التدخلات نشطه و مباشرة من اعضاء ( مكتب الارشاد) الأخواني ،وبمعاونة قيادات من حزب(الحرية والعدالة)

الفنان خالد الصاوي

والتركيز على الاستيلاء على وزارة الداخلية بكل ما يحتويه دولابها من اسماء جماعات الاخوان والتنظيمات المعاونه لها مثل (الجماعة الاسلاميه) و( حزب الوسط)، لطمس حركة نشاطاتها ولذلك كان الأقدام على اذاعة اساليبها في التدخلات السافره في اجهزة الدولة.كان واجبا كشف الحقيقه من خلال اعمال تسجيليه تضع النقاط على الحروف.وكان هذا المسلسل الذي يأخذ شكل الرواية عملا يوجه في الاساس للأجيال اللاحقه،لكي ترى وتسمع وتعرف التاريخ الأسود  ،اما الاجيال المعاصره،فكان لا بد لها ان تدرك ماذا كان يدور خلف الكواليس ،وماهي اسباب تلك الكراهية ،التي يصفها عضو جماعة الاخوان (احمد منصور) في مقاله الشهير بجريدة (الشروق ) المصريه بوصفه (طوفان الكراهية) الذي اصبحت تحظي به تلك الجماعة من جموع الشعب  أثر توليها الحكم لمدة عام واحد .

احداث المسلسل

لابد من التنويه ابتداء ان هذا المسلسل، يصل الى ذروة الاحداث التي تتمثل في خروج الملايين من ابناء الشعب المصري في 30 يونيو رافضة لحكم الاخوان المسلمين ،ولكن سبق هذا الجزء الثالث جزأين الاول والثاني .كان الجزء الاول الذي عرض في شهر رمضان عام 2019  ،ويتناول المسلسل نشاط العناصر الارهابيه في مداهمتها لبعض المواقع في منطقة سيناء،و منها الهجوم على (رفح) عام 2017 ويجسد المسلسل تضحيات الكتيبه 107 الذين بذلوا ارواحهم ودمائهم اثر الهجوم الأرهابي على كمين ( البرث) وقد نفذته عناصر تنظيم (داعش) على بعض نقاط التمركز العسكري المصري جنوب مدينة رفح واسفرت المعركة عن استشهاد 26 فرد من افراد القوات المسلحة المصرية ،ولقي اكثر من اربعين فرد من تنظيم داعش مصرعهم ودمرت لهم اكثر من ستة سيارات . جدير بالذكر أنه كان من بين الشهداء الضابط ( احمد منسي ) في تلك المعركه ،وقد جسد شخصيته في المسلسل الفنان امير كرارة ،كما قام الفنان احمد العوضي بتمثيل شخصية الأرهابي (هشام عشماوي) الضابط المنشق من الجيش المصري، والتحق بتلك الجماعات وكان ضالعا في ذلك الكمين ،وقد تم القبض عليه لاحقا في منطقة ( درنه) في ليبيا بواسطة القوات الليبيه في مهاجمتها للعناصرالأرهابيةهناك

الجزء الثاني يتناول الفترة من عام 2013 وكم  البطولات والتضحيات التي واجهتها الشرطه المصريه لعمليات الارهاب والتسلط التي قامت بها جماعات التطرف ضد الشرطه والمواطنين معا،والاغتيالات التي تمت بواسطة القناصه من اعلى البنايات للناشطين من قوى المعارضة لهم ،وقد عرض ذلك المسلسل في رمضان 2021 ،ومن ابطال ذلك المسلسل الفنان كريم عبدالعزيز واحمد مكي واياد نصار

الأختيار الجزء الثالث

يتميز هذا الجزء انه دمج بين الأحداث وصورها الواقعيه،وبين المشاهد وقدراتها  في فن الأداء تمثيلا ولذلك يطلق على هذا المسلسل بأنه عرض تدعمه الوثائق على مرأى ومسمع من المشاهد. لذلك وقع هذا المسلسل على عناصر الجماعه وخلاياها النائمه وقع الصاعقه. يبدو ذلك واضحاويستطيع المتابع تلمسه في كتاباتهم وفي تعليقاتهم عبر

الفنان عبدالعزيز مخيون

قنوات التواصل الاجتماعي التي استنفرت ،وايضا عبر بعض القنوات الفضائيه التي تروج للجماعة،متجاهلين تماما سلسلة من مقاطع الفيديو والتسجيلات الصوتية المسربة،والتي تكشف الوضع المأساوي الذي عاشته مصر في هذه الفترة،وسط سياق درامي يتضمن الأحداث منذ تولي الجماعة الحكم حتى الرحيل بثورة  30 يونيو 2013.

احداث ووقائع

ابان حكم الرئيس الراحل (محمد مرسي) اطلت ازمة (سد النهضة) برأسها ،مما كان حريا بالنظام الحاكم ان يتخذ موقفا،فدعا الرئيس الراحل الى اجتماع لعض القوى السياسية من احزاب وشخصيات عامة وقد اعتذر الكثيرون عن الحضور،ولبى الدعوة بعض القوى المتعاطفه مع الاخوان،لكن المدهش أن الاجتماع كان مذاعا مباشرة على التلفزيون ،وتضمنت المناقشة اقتراحات في منتهى الغرابة منها وجوب تكليف اجهزة من قوى الامن بعمل اضطرابات في اثيوبيا ،مما استدعى تدخل قيادة الجيش لايقاف هذه المهزلة التي تذاع على الهواء، وفي حين ان وزير الاعلام كان احد قيادات الاخوان وهو السيد ( صلاح عبدالمقصود) وهي واقعة في حد ذاتها تكشف مدى عوار تلك الجماعة وعدم قدرتها الذاتيه على ممارسة الحكم لدولة عريقه مثل مصر،لها تاريخها الاعلامي والصحفي ،ومن ابنائها قامات كبيره في العلم والفن والثقافه والادب .تضمنت الاحداث ايضا في تاريخ تجربة هذه الجماعة في الحكم ،ومنها قيام الرئيس الراحل (محمد مرسي) بالذهاب الى المشير( حسين طنطاوي) القائد العام للقوات المسلحه ،بعد اجراء الانتخابات ،ناقلا له ان معلوماتهم انهم فازوا في الانتخابات لرئاسة الجمهورية ،وانه في حال اعلان رئيس اّخر فان ذلك سيضرم نارا لاقبل لأحد في مواجهتها ،وهو تهديد صريح ،ويذكر المعاصرون لتلك الفترة أن الرئيس الراحل محمد مرسي خرج ايضا على شاشة تلفزيون للأخوان وكرر نفس التهديد اذا اعلن نجاح مرشح اّخر خلاف الاخوان(حنولعها)اي سيشعلون النار في كل مكان،وهي تهديدات لا تكشف جديدا في تاريخ الأخوان فهم اصحاب رصيد كبير في الاغتيالات السياسيه،والاعداد لعمليات تخريبيه مثل ترتيبهم لتدمير القناطر الخيريه في مؤامرة سابقه.

عرض المسلسل كذلك لأحداث محاصرتهم للمحكمة الدستوريه ،وحصارهم لمدينة الأنتاج الاعلامي، والاعتداء على مقر حزب الوفد بالاضافة الى العديد من الكنائس واقسام الشرطه في محافظات عدة منها الفيوم وبني سويف والمنيا والجيزة ، ونتذكر المذبحة التي قاموا بها في مركز الشرطه في دكرنس ناهيك عما جرى في الاعتصام الذي قاموا به في اميدان ( النهضة) في محافظة الجيزه بجوار حديقة الاورمان ،وهي حديقه متفرده بالزهور النادره ،وقاموا بتخريبها ونزع اشجارها بل وتحويلها الى ( مراحيض ) لعناصرهم .اما اعتصام ميدان رابعه ،فقد قاموا باحتلاله ومحاصرته ،وذاق السكان للمنطقة اقسي تجربة مرت بهم، فقد تحولت المنطقة الى معسكر مسلح ،وكانت اول طلقه رصاص من اسلحتهم وكان الضحية الأول احد ضباط الشرطه.

سيناء ايضا لم تسلم

خلال العام الذي قاموا فيه بالحكم قاموا بالأفراج عن العديد من الارهابيبن من العناصر والتنظيمات المتطرفه ،وعقدوا اتفاقات معهم ،وحين بدأت سيناء بالأشتعال حين تمت ازاحتهم من الحكم صرح احد القياديين من جماعة الاخوان (محمد البلتاجي) قائلا من على منصة (رابعه) (فليعد الجيش عن الخطوات التي اتخذها في ابعاد الاخوان عن السلطه ،وسوف تجدون تلقائيا ان سيناء قد هدأت وانصرفت عنها العناصر الجهادية). وظلت المعارك مع العناصر الارهابية قائمه الى ان تمكن الجيش وقوات الشرطه من القضاء على كل عوامل الفتنه , كان الثمن في النهاية استشهاد ثلاثة اّلاف ومائتان سبع وسبعين شهيدا بين ضابط وجندي ، واثناعشر الف جريح لا يمكن عودتهم للعمل لكونها اصابات تعيق قدراتهم على ذلك ،وعن الجاتب المادي تم صرف مليار جنيه شهريا طوال مدة 84 شهرا متتاليه .

هذا الجزء الثالث ضرورة توثيقيه

لابد ان نتوجه بكل الشكر والتقدير، لمن قاموا بهذا العمل الوطنى، لكي يكون سجلا منظورا لكل من يريد ان يتعرف على تلك الجماعة، التي ترفع شعارات الدين، ولكنها في مجمل سلوكياتها وسياساتها لا تلتقي مع تعاليم الأديان مع كل ما طرحته تلك الأديان من الدعوة الى التاّخي والى الاقتراب  والى التفاهم،وقد نادي القراّن الكريم عبر اّيات متعددة بمخاطبة العقل والفكر،وقال ( وجادلهم بالتي هي احسن ) و( انك على خلق عظيم ) و( لو كنت فظا غليظ القلب لأنفضوا من حولك ) وقال في سورة الانعام ( ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق)  ولكن للأسف فان لهم من يفتي لهم ،والدليل على ذلك ان مفتيهم ( عمر عبد الرحمن ) هو من افتي بقتل الرئيس السادات ، ولهم ايضا من يحكم باسمهم ومن يحلل لهم على هواهم ،حتى لو كان ذلك خارج علمه وفهمه ولأحكام القراّن وما نصت عليه نصوص  الكتاب الكريم .

                                                                                          أمين الغفاري

العدد 129 / حزيران 2022